نشرتْ الصحف أمس خبر توزيع 500 بيت جاهز للسادة نواب المجلس الوطني (البرلمان)، وحسب ما توفر لنا من معلومات أجريت القرعة وأصبح من حق كل نائب برلماني الحصول على بيت من صندوق الإسكان .. هنا في ولاية الخرطوم في (حي الصفوة) وأحياء أخرى.
لم أفهم هذه المنحة الطائية .. ليست استكثاراً على النواب، بل لأنَّ المعلوم بالضرورة أنهم ليسوا موظفين بل ممثلين لدوائر جغرافية على امتداد البلاد .. فما معنى أن تهب الحكومة نائباً جاء من أقصى وادي حلفا - مثلاً - بيتاً في الخرطوم، وهو الذي انتخبه أهل دائرته ليمثلهم في البرلمان، لا ليخلع جلده ويعلن مواطنته لولاية الخرطوم
ألا يبعث ذلك برسالة قوية لبقية مواطني الولايات الذين بقوا في ولاياتهم ولَم يهاجروا إلى العاصمة، أن تَعجَلوا إخلاء ولاياتكم، فممثلوكم طلبوا اللجوء في العاصمة وتخلوا عن مواطنهم في الولايات.
يذكرني هذا الموقف برسالة كانت تسربت قبل بضع سنوات مرسلة من المجلس التشريعي لولاية البحر الأحمر إلى والي الخرطوم، تطالبه بمنح قطعة أرض بالعاصمة لكل نائب في تشريعي البحر الأحمر ..
وكأني به إشهار أنَّ السودان تحول إلى مدينة في الخرطوم على مبدأ عادل إمام في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة)، عندما قال (سايبين الشقة كلها فاضية وقاعدين في أوضة واحدة؟).
ثم .. وهو الأهم .. الشعب السوداني يقف صفوفاً طويلة أمام أبواب الحكومة؛ للحصول على قطعة أرض في مناطق قد لا يصلها العمران إلا بعد عقود .. هذا للمحظوظين .. بينما لا يجد البعض حتى هذه القطعة المنسية فيظل بلا سكن يمتطي ظهر أحلام كابوسية، ربما لا يسعفه العمر للحصول ولو على قطعة أرض في أقاصي الولاية ..
فكيف تمنح الحكومة نواباً بعضهم أثرياء، يملكون قصوراً سارت بذكرها الركبان ..
بأي حق أو عدل يحظى نائب برلماني يملك أربع شقق في لندن وباريس ودبي وماليزيا بيتاً في حي الصفوة، بينما مئات الآلاف من السودانيين المغبرين بتراب التجاهل لا ينالهم من وطنهم إلا الغبن الحراق الذي يكوي أحاسيس الانتماء للوطن.
لا أريد أن أجاري الذين يهمسون أنَّها منحة بالمقابل ..
البيت مقابل التعديلات الدستورية المتوقعة ..
فلربما هذا محض هواجس ..
لكن هل تتفضل علينا إدارة البرلمان بتوضيح لهذه الحكاية المثيرة لقرون الاستشعار الوطني.