بَدَلاً عن قَتْلِهِ وتعويقِ أبنائهِ وإذلالِهِم

 


 

 

كشوفات الإحاله للصالح العام في الشرطه بدأت اولى خطواتها مع الإنقاذ. تمّ ذلك التجريف في وقتٍ يصعُبُ وصفَهُ فقد كان مبنيًا على الإرهاب والخوف والقلق من الموت ومن الإعتقال وراء الشمس ومن التعذيب ومن الإغتصاب والأشباح وبيوتِها. كان كل الممكن أن يذهب المحالون دون نقاش وان يواجهوا مصيرهم دون ان ينبسوا ببنت شفه أمّا مَن ينتظرون فكانوا يعيشونَ هواجس ال ( كشف ) القادم.
لم يكن من الممكن اللجوء الى المحاكم او مُجَرّد التفكير في ذلك. ولَمّا كانت الوظيفه في ذلك الوقت هي الطريق الوحيد الذي اختارَهُ صاحِبُه فقد دخَلَ الجميع في مُعاناةٍ فاجأتهُم وأغلبهُم في ريعان الصبا وبداية الحياه. تفكّكت الكثير من الأُسَر وضرَبَت المُعاناه بقوّتِها أكبادَ المُحالين فتَفرّقوا أيدي سبأ بينَ عَشيّةٍ وضُحاها.
إستمرّت الشُرطه بكوادِر لم تصلها أيدي الإنقلابيين الجُدُد وبأيدي تمّ إستيعابَها بالمواصفات الجديده وفي الأثناء لم تتوقّف الكشوفات ولم يكن أمامَ اي مُحال سوى أن يذهَب الى منزِلِهِ وفَمُهُ مُغلَق ولم يتّعِظ أحَد.
كانت العِظَه الأكبَر بعد ثورة ديسمبر المجيدَه وأتَت دَرْسَاً لم يأخذ الكثيرون بالهُم منهُ. دَرسَا مَرّ مرور الكرام على مَن هُم في الخِدمه بصفةٍ رئيسيه ومن أُحيلوا بعدها .. البعضُ في طُغيانِهِم يعمهون وهُم تَحتَ نشوَة سيطرة الكاكي والنجوم " الزارِعنا غير الله اليجي يقلَعنا " ليستمر القتل والسَحل وبيع الكاكي مُسانَدةً للدكتاتوريّات واصطفافاً خلفََها.
بعد ثورة ديسمبر المجيده صَدَرَ كشف إحالات للصالح العام حوى الف وخمسة عشر ضابطاً وضابطه. من سُخريات القَدر ظل هذا الكشف مجهول المصدَر حيثُ أنكَرَهُ الجميع وظلّ بلا أب ولكنّهُ ، ولسُخرياتِ القَدر أيضا ، إستَمَرّ نافِذاً. قام المُحالون برفع ( دعوى ) أمام القضاء. هذه الدّعوى لم يتَفَكّر فيها أحَد. هؤلاء الّذينَ رفعوا الدعوى كانَ من بينِهِم الكثيرون الذين ظلّوا في الخدمه وزملاؤهُم ( يُجْزَرون ) بِصورةٍ راتِبَه دون أن يكونَ من ضمنِ خياراتِهِم اللجوء الى المحاكم ولم يقف معهُم أحَد او يتعاطَف معَهُم وهُم تُفتَحُ أمامهُم الفُرَص للترقّي ومنهُم مَن سانَدَ الإنقاذ وشارك في تطويل عُمرِها. ما الذي جعل اللجوء الى المحاكم ممكناً الآن ولم يكُن ممكناً من قبل؟ هذا السؤال هو الذي لم يطرأ على قلبِ أحَدٍ ممَن هم بالخدمه الان وهُم يضعون العراقيل أمامَ أمر المحكمه كما لم يطرأ على قلبِ أحَدٍ مِمَن حُكِمَ لَهُم بالعَودَه الى الخِدمَه لِتَستَمِر حالةَ ( الّا فَرق ) بينَ العَداله التي لا توجَد إلّا في الأنظِمَه الديمقراطيه التي يبحَثُ عنها الشعب الذي يُقتَل الآن والظُلم الذي يُفرِخ في ظِل الشموليّات التي يحميها ويقِفُ الكثيرون من الزُملاء دَرَقَةً لحمايَتِها للأسف.
على الأرض الآن هذا الشعب وشهداؤهُ ومُعاقوه ومَفقودوه هم مَن جعلوا وُقوفَكُم أمام المحاكِم مُمكِنَاً وهُم مَن جعلوا لَكُم فَرحَه أعقَبَت الحُكم بأعادَتُكُم وفَتَحَت بَصيرَتِكُم وأنتُم تَسيرون في دروب الإستئنافات حتى صارت الاحكام نهائيه ومُلزِمَه الشيئ الذي إفتقَدَهُ الآلاف من زُملائكُم وأنتم ساعَتَها بالخدمه ما توقّفَت سيول الإحالات ولا تَوقّف التعذيب والقتل وبيوت الأشباح تحت نظَرِكُم ومُبارَكتكُم او صَمتِكُم.
قد يعود الضباط أصحاب الكشف الأخير الى الخدمه وبالتالي الى السُلطَه مَرةً أخرى وقد لا يعودون فتكسيرُ قرارات المحاكم لم يَعُد يُثيرُ دَهشة أحد مِنّا تحت أنظِمَة القهر فلقَد خَبِرنا الظُلم واتّعَظنا به ولم يَعُد همنا إيجاد موطئ قَدَمٍ لنا بِقَدرِ ما صارَ همُّنا النضال من أجلِ قضايا الوطن المنكوب بأبنائهِ فهلّا انضمّ الجميع لهذا الرّكب الميمون واضعين في الإعتبار أنّ الظُلم لن يستثني أحداً فلنغضب جميعاً للعدالةِ المُهدَرَه والقتل المَجّاني الذي يُساهمُ وساهَمَ البعض منا فيهِ ولنخرُج من قوقَعَة حماية الأنظِمَه الشموليه الى حِمايَة القِيَم وترسيخ مبادئ العداله وشُكرِ هذا الشعب وحمايَتِهِ بدلاً عن قَتلِهِ وتعويقِ أبنائهِ وإذلالِهِم

melsayigh@gmail.com

 

آراء