تأكيد البرهان بخصوص السد الإثيوبي… الحقوق والحقائق

 


 

 

د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

(التأكيد) الذي أطلقه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان لدى زيارة رئيس وزراء إثيوبيا أبى أحمد يوم ٢٦ يناير ٢٠٢٣م آثار جملة استفهامات واستغراب معظم المتابعين لقضية الخلاف حول السد الإثيوبي... فقد جاء التأكيد قاطعاً لا يقبل اللُبس و التأويل رغم أنه يمكن أن يُقرأ في السياق السياسي بأنه رسالة تطرق أبواب الفاعل الآخر في قضية السد وهي مصر وذلك في حمأة مبادرات سياسية لحل الأزمة المستعصية في السودان. وبالرغم أنه لا تقوم شواهد قوية على ذلك إلا أن تأكيد البرهان عند زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لا يمكن أن يُفسر إلا على هذا النحو. فالمعروف لكل المتابعين لقضية السد الإثيوبي وما أثارته وتثيره من تباين في المواقف جعل السودان ومصر يبدوان في جبهة أقرب لبعضيهما من دولة إثيوبيا على أقل تقدير عند انتهاء آخر جولات التفاوض المعلنة... لذلك فإن تأكيد البرهان بذلك الوضوح والذي اوردته المصادر الصحفية بقوله ( متفقين مع إثيوبيا على كافة القضايا المتعلقة بسد النهضة) يسير في اتجاهات عدة منها السياسي وهذا ربما يكون مفهوم حسب ما ورد أعلاه ومَن المقصود به. ومنها القانوني المتعلق بالحقوق المشروعة للمعرفة. ومنها الفني المقرر بحسب علم الحد من مخاطر الكوارث... وفي هذين المنحيين الأخيرين يجب أن يرتكز التحليل على ضرورة توضيح ما استند عليه ذلكم التأكيد.
إن قضية السد ومهما كانت المبررات والمسوغات، فهي ليست ميداناً لبث الرسائل السياسية، ذلك لأنها بالفعل قضية تتعلق بمستقبل السودان النيلي وكل أهله في وجودهم ومصادر سبل كسب معيشتهم وأمنهم الإنساني بآفاقه المتعددة. فالسد من حيث هو مشروع تنموي خاص بدولة إثيوبيا وقد خُطط ونُفذ ليتناغم مع حساب مصالحها الحالية والمستقبلية، وقد لا يتعدى تلك المصالح إلا في حدود ما يمكن أن تقدمه من "وعود" للمتأثرين به كمحفذات كما تُقدم الحلوى للأطفال اليفع بأن ثمة عوارف يمكن أن يطرحها السد حال اكتماله بتوفير الكهرباء بسعر زهيد خاصة للسودان... وحتى هذه تبقى محصورة في دائرة الوعود وقد لا تُعد أصلا محمدة للسد قياساً على مجموعة المخاطر التي تكتنف هذا السد العملاق.
على عموم الأمر، فإن تأكيد البرهان على "اتفاقه" مع إثيوبيا حول قضايا السد يستدعي النظر إليه من زاوية الحقوق... حق الشعب السوداني في أن يعرف كيف تم ذلك الإتفاق؟! وعلى أي أسس؟! وماذا تضمّن؟! ومَن ذا الذي ضمنه؟! وعلى حساب ماذا؟!لاسيما وأن السودان الرسمي قد شكى لطوب الأرض عما ظل يكرره وزير الري السابق ياسر عباس (بتعنت) إثيوبيا في الوصول لإتفاق ملزم حول ملء وتشغيل السد ومد السودان بالبيانات وحتى هذه النقطة على هوانها وقلة حيلتها لم يفلح حتى مجلس الأمن الدولي على حمل إثيوبيا في إعطاء ضمانات تؤكد أمن وسلامة تشغيل السدود السودانية... وهذا الأمر بالتحديد يقود للمنحى الآخر وهو الحقائق. وهذه الأخيرة يجب أن تُذكر وتُكرر عند طرح قضية السد، وهي المخاطر المرتبطة به وهي حقائق لا يمكن تجاوزها ضمن سياق و ديناميات الصراع السياسي بين الفاعلين في المنطقة. بل ويجب ألا تخضع أصلاً لذلك المنطق. فالمعروف كحقيقة ثابتة أن السد الإثيوبي يشكل خطرا ماثلا Imminent hazard على السودان من حيث هو منشأة على نهر النيل الأزرق وهذا الخطر ترتبط به عدة مخاطر منها إحتمالية انهياره - في ظل عدم وجود دراسات أمان السد - وما سوف يترتب على ذلك من عواقب تؤدي حرفياً لمحق السودان النيلي ومسحه من خارطة الوجود، وصولاً للتأثيرات البيئية والايكولوجية وعلى وسائل سبل كسب معيشة السكان، وهي مخاطر يُعرِض معظم الفنيون من موظفي وزارة الري عن مجرد الالتفات لها مع أنها حقائق مقررة بحكم معطيات علم الحد من مخاطر الكوارث.
لذلك سيظل على عاتق البرهان إلتزام أخلاقي وتاريخي يبين فيه لكافة أهل السودان الحقائق حول اتفاقه مع الجانب الإثيوبي في كل ما يتعلق بالسد، ذلك أن هذا الأمر مرتبط بصورة وجودية بحقوقهم في العيش الآمن من فزع مشروع إثيوبيا الذي شُيدته بناء على تصورها ليكون مدخلا لنهضتها.

 

آراء