تأملات في خطاب الجنرال عبدالفتاح البرهان

 


 

 

مقدمة:
بالعودة إلى خطاب الجنرال عبدالفتاح البرهان عقب موكب وحراك 30 يونيو، نجد أن الجنرال قد حاول بطريقة ذكية تحميل المسؤولية للقوي السياسية عبر مناورة انسحاب الجيش والدعم السريع من المشهد السياسي ، وبالأخص تجميد مشاركتهم في حوار الآلية الثلاثية(الأمم المتحدة ،الاتحاد الأفريقي، الايقاد) .
فما هي اسباب هذا الحدث ومآلاته. هذا ما سنناقشه في هذا المقال القصير .

فشل المؤسسة العسكرية في الحكم :
أعتقد بأن السبب الأول للقرار هو ان المؤسسة العسكرية لم تكن تتوقع صعوبات وتحديات تقف عائقا أمام تنفيذ استكمال مشروع الانقلاب العسكري عقب 25 أكتوبر، لاسيما تشكيل حكومة تنفيذية.
الا ان هذا الامر اصطدام بعدم قدرة العسكر علة إيجاد رئيس وزراء كفء ومقبول، بعد استقالة حمدوك. كما ان تسيير دولاب العمل أصبح عسيرا بسبب المظاهرات والاحتجاجات المستمرة حيث أصبحت شبه أسبوعية .
هذا يوضح ان النهج الأمني وحده لا يكفي ، مما اضطر البرهان لاتخاذ هذه الخطوة الاستباقية.

رسائل متعددة:
كان الغرض من خطاب البرهان إرسال رسائل متعددة، اولها للمجتمع السوداني لاسيما القوي السياسية الرافضة للانقلاب ولجان المقاومة والقوي الأخرى . فحوى هذه الرسالة بأن القوي السياسية فاشلة وتتحمل مسؤولية الإخفاق الذي حدث إبان الفترة الماضية وغير مسؤولة، لذا من الصعب أن تتوافق على برنامج ومشروع وطني يسهم في تشكيل حكومة وفاق وطني من خلال حوار سوداني سوداني يضم كل القوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني. بقية الرسائل متعلقة بالمجتمع الدولي والإقليمي، وتفيد بأن المؤسسة العسكرية قادرة على تحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية رغما عن الأزمة السياسية.

نجاحات محدودة للبرهان:
رغما عن الفشل الداخلي الا انه من الواضح ان الجيش قد نجح على الصعيد الإقليمي الجيش في الترويج لنفسه، وقدم تطمينات لبعض الدول المرتبط أمنها بالسودان مثل اثيوبيا بعد تسخين بسيط، فضلا عن استمرار التعاون مع المحاور القديمة.
،أما على الصعيد الدولي فلا يزال الجيش السوداني يستخدم كرت العلاقات مع روسيا كمناورة لكسب الوقت، مستغلين في ذلك التوتر والانقسام الدولي بسبب أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا. لذلك ظل العسكر مقتنعوت بأن الولايات المتحدة وحلفائها استنفذوا كل الخيارات المؤثرة التي يمكنهم بها تغيير واقع الانقلاب.
قد يعمد العسكر في الفترة القادمة الى ارسال رسائل للمعسكر الغربي بأنهم قادوين على حماية مصالح الولايات المتحدة في شرق افريقيا والتأثير الإيجابي في أمن البحر الأحمر . ويعد التطبيع مع إسرائيل مدخلاً لذلك .

التمهيد لمرحلة جديدة:
ان الغرض من كل هذه الرسائل قي تقديري هو تهيئة الأجواء الداخلية والخارجية لمرحلة جديدة في الصراع السياسي. يمكن استقراء ذلك من خلال سيناريو تشكيل حكومة انتقالية جديدة تعمل لتحقيق أجندة المنظومة العسكرية وتدعو لانتخابات مبكرة في يوليو القادم .
اذا تم هذا السناريو فإن عدد مقدر من القوي السياسية سيقاطع الانتخابات وبالتالي سيكون هناك حديث عن شرعية الانتخابات ومالاتها.
في تقديري ان المخرج السليم للأزمة السودانية الماثلة هو الدخول في حوار شامل بين القوي السياسية باستثناء المؤتمر الوطني يناقش قضايا مهمة كمستقبل ودور الجيش السوداني ، ملف السلام ، والعلاقات الخارجية ، وشكل الدولة ونظام الحكم ، الهوية .... الخ
إذا أضاعت القوي السياسية الفرص ربما سيكون ذلك مدخل لواقع شمولي مستبد جديد .

mohamedtorshin@gmail.com

 

آراء