تابعوا معي طريق الحليب من الزرايب الي القيزانات ( الحلل الكبيرة ) في الكناتين ( البقالات ) !!

 


 

 

ghamedalneil@gmail.com

عزيزي المواطن الغلبان انت الآن في زريبة ابقار تنتج الحليب للسوق المحلي في العاصمة وضواحيها وتري بعيونك العسلية كم هي هزيلة هذه البقرة المسكينة وهي لا تكف عن محاحاة الحشرات التي تضيق عليها الخناق وتحاصرها برا وبحرا وجوا وبجوارها يقف ( الحلاب ) بملابس الشغل التي لم تري ( طستا ) منذ قرون ويحمل إناء عفا عليه الزمن وأصبح خارج التاريخ وبدأ صاحبنا عملية الحلب بصورتها التقليدية وكثيرا مانسي ان يغسل يديه قبل الامساك بالضرع المغبر بتراب السنين ولم يحدث ان تقدم أحد ولو تطوعا ليزيل عنه التلوث الذي لم يسمع به كتاب جينيس للأرقام القياسية !!..
كان هنالك طست كبير بجواره يفرغ فيه ماتجمع عنده والعرق يتصبب منه غزيرا مثل الأمطار الاستوائية وبجانب الطست ترابط بعضا من الكلاب والقطط الكسولة التي من فرط هزالها لا تقوي علي تناول السائل الأبيض أمامها إلا بمجهود كبير وفي النهاية تنال نصيبها كاملا هذا اذا لم تقع في الطست من شدة الإعياء !!..
يعطي الحلاب إشارة بأن مهمته التاريخية قد انتهت بسلام ويقف ( البكس) متحفزا للرحلة التي تستغرق الساعات الطوال في أجواء حارة تقطع نفس الحليب مما يستلزم إسعافه بشيء من البانسلين ليصمد في مسيرته الظافرة ولا يلحقه اذي وغير البانسلين ممكن اضافة ماء الي الحمولة من أي ترعة علي الطريق او حتي من جدول صغير به من فنون الصارقيل وخرائط الطحالب الكثير وماخفي اعظم !!..
براميل كبيرة من الالمونيوم أو الحديد لا يهم ينوء بها ظهر البكس المسكين الذي تكاد أرضيته تلامس العجلات المطاطية وتلتصق بها في حميمية نادرة والجماعة يجلسون علي أغطية هذه البراميل بملابسهم إياها ويتبادلون ( سف الصعود ) ويلفظون السفة كيفما اتفق بعد ان ينتهي عمرها الافتراضي وراء الشفة السفلى أو العليا والبعض يفضلونها في زوايا الفم مثل القات المخزن هنالك بالساعات !!..
يصل الحليب بعد ان يقطع رحلة الالف ميل والي هذه اللحظة لا توجد رقابة عليه من أي نوع وأمام البقالة يستعدون له بالقيزانات الضخمة وهاك يانشاط وفرحة وانبساط وعملية ( عبار ) الحليب تتم ومن يقوم بهذه المهمة اللوجستية لا يتحرج في إدخال الإناء الي داخل البرميل وايضا يده التي تخرج مغموسة يشر منها السائل علي ملابسه وهو ماض في عبار الحليب وله محطة يتوقف عندها ليتناول سفة كاربة أو يشعل لفافة تبغ وهو يسعل بقوة تسعة درجات علي مقياس ريختر !!..
يستقر الحليب في جوف القيزانات التي تجلس علي نار مستعرة ونحن نعرف تماما إن نقطة البيع هذه تواجه الشوارع الرئيسية حيث خطوط المواصلات التي تصب كل عوادمها وغبارها المثار علي القيزانات الكاشفة التي لا تتحمل الأغطية ولا تعترض الذباب المشاغب الذي يحط رحاله في الحليب بمزاج مفتوح ورغبة صادقة وصاحب البقالة ينهمك في البيع للزبائن المتعطشة ولا احد يهتم بكمية التلوث هنا وهنالك في أطراف وجوف المواعين الكبيرة التي يخرج منها المرض ليوزع بالتساوي علينا جميعا وهذا قمة العدل !!..
نرجو ان نكون قد سلطنا الضوء على الحليب الذي تشربون وانتم في غياب تام عن الحاصل لانكم مشغولون بالإطاري والتوقيع النهائي في أول أبريل وهو يوم الكذبة المعروفة والإعلام يردح والمحللون يقولون ويسرفون في القول وارهاصات الحكومة الجديدة تجري علي قدم وساق وطائرات ( درون ) بين الدول التي صارت لنا ولية أمر نسمع كلامها ونمشي علي العجين من غير لخبطة ولا هيلمان !!..
احسن ياجماعة الخير اولا ننظف بلدنا من النفايات وحليبنا من الميكروبات وبعدين نظم الحكم والإدارة ملحوقة !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

 

آراء