تجربة إنقسام الخاتم عدلان .. بقلم : تاج السر عثمان

 


 

 

alsirbabo@yahoo.co.uk
     والمقصود هنا الصراع الفكري الذي قاده المرحوم الخاتم عدلان في اوائل تسعينيات القرن الماضي والذي دعي فيه لحل الحزب الشيوعي ، وتكوين حزب جديد بإسم جديد، علي أساس أن الماركسية فشلت، والتخلي عن الطبيعة الطبقية للحزب الشيوعي التي تدافع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين،ومارس التكتل حتي إنقسم ومن معه من الحزب الشيوعي وكونوا حزبهم الجديد، فما هي ابرز معالم تلك التجربة؟   
    واجه الحزب الشيوعي السوداني بعد انقلاب:30/يونيو/1989م، ظروفا معقدة وعصيبة، لم يواجهها من قبل: فمن جهة صعدت ديكتاتورية الجبهة الاسلامية الفاشية للسلطة عن طريق هذا الانقلاب الذي صادر الحقوق والحريات الديمقراطية واشعل حربا دينية في الجنوب، ارتبطت بتطهير عرقي وابادة جماعية وتوسعت حرب الجنوب لتشمل: دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، والشرق، واعتقل وعذب وشرد وقتل الالاف من المعارضين السياسيين والنقابيين وابناء المناطق المهمشة، وتم استهداف الشيوعيين تشريدا واعتقالا وتعذيبا حتي الموت" الشهيد علي فضل"..الخ، بهدف تصفية حزبهم واقتلاعهم من الحياة السياسية باعتبارهم العدو اللدود للجبهة الاسلامية.
    ومن جهة ثانية حدث الزلزال الذي غير صورة العالم بعد انهيار التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا، وإنتهاء الحرب الباردة وسيادة رأسمالية العولمة بقيادة امريكا بهدف السيطرة الاقتصادية والعسكرية علي العالم. .
    كانت ظروفا معقدة وعصيبة مرّ بها الحزب الشيوعي ، والتي كانت منعطفا خطيرا في مسيرته، بحيث تركت اثرها في الاهتزاز الفكري والسياسي لعدد قليل من الكادر والاعضاء..
    وفي ظل تلك الظروف فتحت اللجنة المركزية في اغسطس 1991م، مناقشة عامة، وبدأت تنشر المساهمات في مجلة الشيوعي، وقضايا سودانية التي كانت تصدر في الخارج في التسعينيات من القرن الماضي.
    واستمرت المناقشة العامة جنبا الي جنب مع نضال الحزب الشيوعي ضد الديكتاتورية ومن اجل إسقاطها وإستعادة الديمقراطية، والسلام ، ومن أجل تحسين الاوضاع المعيشية ، والحل الشامل والعادل لقضايا البلاد، وعقد المؤتمر الإقتصادي الذي يساعد في علاج الخراب الاقتصادي ، ورد المظالم ، واستعادة اموال الشعب المنهوبة من قبل الطفيليين الاسلامويين الفاسدين، وتحسين علاقاتنا الخارجية، وعقد المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد علي أساس التنمية المتوازنة بين اقاليم البلاد والتوزيع العادل للثروة والسلطة، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين او الثقافة أو اللغة أو العرق.
    ويتكون الاطار العام الذي اجازته دورة اللجنة المركزية في ديسمبر 1997م، من المحاور الآتية:
    1-        البحث في الاجابة الموضوعية حول اسباب ودروس فشل التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا.
    2-        الماركسية ومستقبل الاشتراكية.
    3-        تجديد الحزب الشيوعي السوداني( تجديد البرنامج، تجديد الدستور، تجديد اسمه، والتقويم الناقد لتجربته، والارتقاء بالعمل القيادي لمواجهة المهام السياسية والنظرية والتنظيمية المعقدة في ظل المتغيرات المحلية والعالمية التي حدثت).
    كما أشارت الدورة الي ضرورة دراسة المتغيرات التي حدثت في الواقع السوداني ، حتى نعيد الخط التنظيمي الي مكانه الطبيعي في اجندة الفروع والهيئات، كما أشارت الدورة ايضا الي ضرورة استطلاع آراء الديمقراطيين لتجديد الحزب الشيوعي.
    وكانت دورة ديسمبر 1997م، هي البداية الجادة للتحضير للمؤتمر الخامس للحزب والذي قطع التحضير له انقلاب يونيو 1989م، كما وجهت اللجنة المركزية لجنتي تجديد البرنامج والدستور الي ضرورة الانطلاق من النقطة التي توقفت عندهما لجنتي البرنامج واللائحة في الفترة(1985-1989)، ومتابعة المتغيرات الجديدة، بدلا من البداية العدمية.
    وبعد الدورة اخذت المناقشة العامة مسارها السليم، واستمرت رغم ظروف السرية والحصار الذي فرضته ديكتاتورية الجبهة الاسلامية علي الحزب، وسارت المناقشة العامة متزامنة مع نشاط الحزب السياسي الجماهيري من اجل استعادة الديمقراطية وتصفية نظام الانقاذ الشمولي.
    كما استمرت المناقشة العامة رغم إنقسام وخروج مجموعة الخاتم عدلان من الحزب عام 1994م وتكوين حركة (حق)، علي أساس أن الماركسية فشلت بعد انهيار التجربة الاشتراكية وأفل نجمها، وانهم لايحبون الآفلين، وأن الضرورة تقتضي حل الحزب الشيوعي وتكوين حزب جديد، وبالفعل كونوا حزبهم الجديد والذي تعرض بدوره الي الانقسامات، ولم يتحول حسب ما زعموا الي حزب ديمقراطي جماهيري.
    كما كونت اللجنة المركزية لجان لاعداد : مشروع البرنامج، ومشروع الدستور، ولجنة لتسيير المناقشة العامة، ولجنة للكادر، وكان ذلك عمليا بداية الشروع الجاد في التحضير للمؤتمر.
    كما حدد دستور الحزب المجاز في المؤتمر الرابع 1967م كيفية ادارة الصراع الفكري علي هدى المبادئ الآتية:
    1-        يجب أن يدار الصراع حول المسائل المبدئية والمسائل الفكرية ويجب الا ينحدر الي المسائل الشخصية.
    2-        يجب ادارة الصراع باعتبار تام لمصالح الحزب والشعب واحترام نظام الحزب الداخلي.
    3-        يجب أن تسود النقد للافكار والمواقف روح العقل والمنطق كما يجب البعد كليا عن الحدة والمرارة والانفعال.
    4-        المناقشة العامة في الحزب تجيزها وتقودها اللجنة المركزية عن طريق الصحافة الحزبية والاجتماعات والمؤتمرات العامة والجزئية.
    5-        تنتهى المناقشات بعد نهاية الفترة المحددة للصراع وبعد استيفاء كافة وسائل ادارته بالتصويت داخل الهيئة التي حددت لحسم الصراع. ويعتبر رأى الأغلبية هو السائد ما لم تر هيئة حزبية اعلى غير ذلك.
    ماهي ابرز معالم وثيقة الخاتم عدلان:
    قاد الخاتم عدلان صراعا فكريا ، كما برز من وثيقته بعنوان "لقد حانت لحظة التغيير" التي نشرت في مجلة الشيوعي العدد(157)،
    ، والتي خلص فيها الي: حل الحزب الشيوعي بعد تبني وثيقته، وتكوين حزب جديد باسم جديد، بعد التخلي عن الماركسية التي تجاوزها الزمن ،والتخلي عن منطلقات الحزب الشيوعي الطبقية التي تدافع وتعبر عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين.
    وبالفعل شرع الخاتم في نشاطه الانقسامي حتي خرج مع الحاج وراق وغيرهما وكونوا "حركة القوي الجديدة حق" عام 1994م.
    لم يكن هناك شيئا جديدا في وثيقة الخاتم اذ أنها لم تخرج عن وثيقة:عوض عبد الرازق التي قدمها عام 1952م، والتي دعت لتصفية الحزب الشيوعي علي أساس أن الطبقة العاملة ضعيفة في السودان، وذوبان الحزب في الاحزاب الاتحادية، ووثيقة معاوية ابراهيم التي قدمها في الصراع الداخلي في عام 1970م التي دعت الي تصفية الحزب الشيوعي وذوبانه في سلطة مايو وحزبها الواحد " الاتحاد الإشتراكي".
    وان اختلفت الظروف وظهرت متغيرات جديدة استوجبت تجديد الحزب لاتصفيته، وتطويره ليواكب المتغيرات المحلية والعالمية استنادا الي رصيده ونضاله السابق من اجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والنضال من اجل انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية المتشابكة مع المرحلة الاشتراكية.
    استهدفت وثيقة الخاتم(الشيوعي 157): المنطلقات الفكرية للحزب الشيوعي السوداني، الماركسية، وأشار الي أن الماركسية أفل نجمها بانهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا.
    كما استهدف الخاتم ايضا المنطلقات الطبقية للحزب الشيوعي السوداني تحت ادعاء: أن نجم الطبقة العاملة قد افل بتأثير الثورة العلمية التقنية، وتلك افكار ليست جديدة طرحها الفن توفلر في مؤلفه " وعود المستقبل"، ونقلها الخاتم حرفيا دون تناول ناقد ومبصر، والواقع أنه حدثت متغيرات في تركيب الطبقة العاملة ، ولكن الاستغلال الرأسمالي والاستحواذ علي فائض القيمة ظل مستمرا واكثر بشاعة من العاملين عضليا وذهنيا.
    وطرح الخاتم البديل في: ( قوى المثقفين، وكل المنتجين والعلماء بمختلف فئاتهم، وقوى العمال والزراع المرتبطة بالانتاج، بالاضافة الي الملايين من سكان القطاع التقليدي، بتنظيماتهم الاجتماعية، وانتماءاتهم الاقليمية والقومية، اى انها قوى الشعب كله)(الشيوعي 157).
    وكما هو واضح هي صيغة مبهمة وقريبة من صيغة تحالف قوى الشعب العامل التي اعتمدها الاتحاد الاشتراكي السوداني، أيام الدكتاتور نميري.
    كما دعي المرحوم الخاتم الي حل الحزب الشيوعي وتكوين حزب جديد، حيث أشار( وكما هو واضح، فان هذا الحزب لن يكون حزبا شيوعيا، لأنه لايتبني موقفا ايديولوجيا متكاملا ازاء الكون، ولايبشر بمرحلة معينة يتوقف عندها المجتمع البشري، ولايرمي الي اعادة صياغة المجتمع وفق مخطط نظري شمولي. وهو ليس حزبا اشتراكيا، اذا كانت الاشتراكية هي الملكية العامة لوسائل الانتاج، مفهومة بأنها ملكية الدولة. هو حزب للعدالة)( الشيوعي 157، ص، 106).
    والواقع، انه حزب رأسمالي مغلف بالعدالة الاجتماعية، هذا فضلا، عن الفهم الخاطئ أو تشوية المرحلة الشيوعية بأنها: يتوقف عندها المجتمع البشري، في حين أن ماركس وانجلز رفضا وصارعا ضد المخطط الشمولي للمجتمع، وكانا يركزان علي أن المرحلة الشيوعية هي بداية التاريخ الحقيقي للبشرية الخالي من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والجنسي والاثني..الخ، أى ان المرحلة الشيوعية ليست نهاية التاريخ البشري،اضافة للفصل الخاطئ بين المرحلتين الاشتراكية والشيوعية.
    كما أشار الخاتم الي ضرورة الاسراع بقيام حزب جديد، باسم جديد يتم الاتفاق عليه، وخلص الي ضرورة عقد المؤتمر الخامس بعد عام من اصدار وثيقته، وفي حالة تبني المؤتمر الخامس لتصوره: ( يحل الحزب الشيوعي السوداني، وتتكون لجنة تمهيدية، تضم بالاضافة الي الشيوعيين السابقين عناصر ديمقراطية مؤثرة، وشخصيات وطنية مثقفة، ومناضلة، ويراعي تمثيل الأقليات القومية والعرقية لصياغة برنامج الحزب الجديد ولوائحه، اسمه، ونشر وثائقه التأسيسية)( الشيوعي 157).
    ولم ينتظر الخاتم المؤتمر الخامس، وبالفعل، كون الخاتم حزبه الجديد والذي تعرض ايضا للانقسامات الاميبية ،كغيره من الانقسامات التي تعرض لها الحزب والتي اشرنا لها في مساهمات سابقة (انقسام مجموعة عوض عبد الرازق 1952، ، وانقسام مجموعة معاوية ابراهيم 1970).
    أى أن ما طرحه الخاتم في المناقشة العامة ليس جديدا،بل هي افكار قديمة" دعت لتصفية الحزب الشيوعي" في قناني جديدة، جوهرها: التخلي عن الماركسية، والتخلي عن المنطلقات الطبقية للحزب( الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين)، وتكوين حزب رأسمالي التوجه، علما بان تلك الاحزاب موجودة في الساحة السياسية، وأن مايجرى في الحزب الشيوعي من صراع داخلي هو انعكاس للصراع الطبقي الدائر في المجتمع، ونتيجة للهجمات الناعمة والعنيفة التي تشنها القوي الرأسمالية والرجعية المعادية للحزب لتغيير هويته الطبقية ومنطلقاته الفكرية، فالحزب الشيوعي تعرض لحملات قوية لتصفيته بدنيا منذ الاستعمار وديكتاتورية عبود، ومؤامرة حل الحزب الشيوعي عام 1965م وطرد نوابه من البرلمان، وديكتاتورية النميري، وديكتاتوية الاسلامويين الفاشية ، وفشلت كل تلك الحملات، كما هزم كل الافكار التصفوية أو هدم القلعة من الداخل في الافكار التصفوية التي دعت لحله كما اوضحنا لمجموعة عوض عبد الرازق 1952م، ومجموعة معاوية ابراهيم 1970م..
    علي أن من ايجابيات هذه الفترة صمود اعضاء الحزب وكادره امام اكبر حملة لتصفيته واقتلاعه من الحياة السياسية وفق مخطط الجبهة الاسلامية، وواجه اعضاء الحزب والديمقراطيون وقوي المعارضة الاخري حملات الاعتقال والتعذيب بصلابة، وتم شن حملة داخلية وعالمية، كان لها الأثر في اغلاق بيوت الاشباح، وفي لجم عصابة الجبهة عن تنفيذ مخططاتها لمواصلة التصفية البدنية والقمع ضد الشيوعيين والمعارضين السياسين والنقابيين وحركات المناطق المهمشة.
    ولاشك أن مواصلة وتراكم النضال الجماهيري والضغوط المحلية والعالمية، سوف يؤدي في النهاية الي الانتفاضة والنهوض الجماهيري من اجل التحول الديمقراطي واقتلاع الشمولية من الحياة السياسية.
    وفي مضمار التحضير للمؤتمر الخامس: تمت متابعة وثائقة حتي تم نزولها للاعضاء، ومناقشتها وانتخاب المناديب وانعقاد المؤتمر والذي صدرت وثائقه للاعضاء والجماهير، وخرج الحزب من المؤتمر موحدا في قراراته وحسم الصراع الفكري حول اسمه بالابقاء علي إسم الحزب الشيوعي، ومنهجه الماركسي وطبيعته الطبقية التي تعبر عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين..
    تجربة انقسام مجموعة الخاتم تركت ظلالها السلبية علي العمل القيادي، وبالتالي جاء قرار المؤتمر الخامس بضرورة تقييم هذه التجربة والاستفادة من دروسها والتي تساعد في الوضوح الفكري والموقف المستقل للحزب،.
     
    المصادر:
    1-        الخاتم عدلان: لقد حانت لحظة التغيير، مجلة الشيوعي العدد(157).
    2-        دورة اللجنة المركزية لحزب الشيوعي السوداني: تصحيح مسار العمل القيادي، فبراير 1995م.
    3-        دورة اللجنة المركزية ديسمبر 1997م.
    4-        دورة اللجنة المركزية أغسطس 2001م.
    5-        مجلة الشيوعي العدد 160. .

 

آراء