تخطيط الأمن القومي في مثال تصفية بن لادن

 


 

 


    الأمن القومي موضوع شائك وخطير تتداخل فيه جميع عناصر الحياة سياسيا، اقتصاديا،اجتماعيا وثقافيا. لذلك نجد هدا الموضوعي يحظى بأهمية كبيرة في التخطيط والاستراتيجيات. كلما تطورت الأنظمة السياسية والاجتماعية وتعقدت المجتمعات البشرية كلما ازداد مفهوم الأمن القومي تعقيدا. يمكن اخذ عملية اغتيال إسامة بن لادن كمثال لتخطيط الأمن القومي في مثال بسيط ولكنه كبير الدلالات والمعاني. تقول البيانات المتداولة بأجهزة الإعلام الغربية بما فيها الإسرائيلية ان التتبع الدقيق لمكان إقامة بن لادن قد تم منذ أربع سنوات بتتبع هدف مقرب من زعيم القاعدة بباكستان. تم التعرف علي أماكن وجود الشخصية المقربة من بن لادن منذ عامين إلا أن مكان إقامته لم يتم التأكد منه إلا في شهر أغسطس من العام 2010م. اتضح ان مكان الإقامة هو مجمع سكني محصن في بلدة "ابوت اباد" الباكستانية . في شهر فبراير من هذا العام تم التأكد بشكل قاطع من مكان إقامة أسامة بن لادن. ومن من هنا تم التخطيط بعناية فائقة لتصفيته.  )انظرhttp://www.elnashra.com/news).
    السؤال هو مادام  مكان الإقامة قد عرف وان التتبع قد بدأ منذ أغسطس 2010م وانه قد تم التأكد من مكان إقامة بن لادن علي الأقل منذ فبراير 2011م، فلماذا تم التأخر في تنفيذ عملية القتل حتي تاريخ الأمس الأول من مايو او الساعات الاولي من الصباح التالي؟ فلننظر نظرة عابرة للأحداث السابقة والمتزامنة مع عملية اغتيال بن لادن، نظرة غير متخصصة وغير عالمة ببواطن وأسرار العمليات الأمنية والاستخباراتية ولكنها مهتمة بشئون الأمن القومي من منظور سياسي اقتصادي اجتماعي.
   تم تنفيذ العملية في وقت شهدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من النكبات السياسية والاقتصادية منها أثار وتداعيات الحرب علي الإرهاب والخسائر الكبيرة في العراق وأفغانستان. كما ان تداعيات الأزمة المالية العالمية قد تركت أثرا عميقا علي الحياة الأمريكية. أدت تلك الأحداث الي هبوط شعبية الرئيس اوباما إلي مستويات بالغة التدني وقد تم التعبير عن ذلك في الانتخابات التكميلية لمجلسي النواب والشيوخ والتي جاءت بعدد كبير من النواب الأمريكيين وزاد عدد المتطرفين منهم خاصة من حزب "حفلة" الشاي.
   في نفس الوقت تزامنت عملية الاغتيال مع إقالة وزير الدفاع الجمهوري روبرت غيتس و ترشيح رئيس وكالة المخابرات الأمريكية ليون بانيتا بديلا له، كما تم ترشيح قائد القوات المشتركة في أفغانستان وباكستان ديفيد بترويس مديرا لل) CIA). في صباح اليوم التالي لعملية الاغتيال عقد اجتماع لكبار المسئولين الإقليمين وزعماء القبائل والعشائر الأفغانية مع الرئيس كارازاي. هل كل تلك الأشياء قد تمت بمحض الصدفة ام تم التخطيط لها بعناية كبري؟ نشير إلي أن الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة قد انطلقت الآن ومن البديهي ان الحزب الديمقراطي يريد الاستمرار في الحكم لإكمال العديد من الملفات العالقة التي لا يريد تركها للحزب الجمهوري، خاصة ملفات الإصلاح الاقتصادي، الحرب علي الإرهاب وتنفيذ خططه حول الثورات العربية المشتعلة والتي لا زالت نيرانها شديدة الالتهاب. ستشكل عملية اغتيال بن لادن غنيمة كبري في السعي لكسب الرهان حول تلك الملفات وبقائها في يد الحزب الديمقراطي لفترة رئاسية كبري مع كل ما يعنيه ذلك من أثار علي رؤية الحزب حول الأمن القومي الأمريكي، خاصة الخروج بالاقتصاد من الركود والتراجع ألي الانتعاش والنمو، وهذا هو أهم الطرق المؤدية ألي الهيمنة الدولية.
    إذا كانت الأمم تخطط لأمنها القومي بهذا الشكل وتضع أهدافا يحتاج الوصول إليها لعشرات السنين حتي في حالاتها الطارئة مثل اغتيال زعيم القاعدة، فكيف يمكننا التعامل معها بالخفة السياسية وسوء التعامل مع كل ما يمس امننا القومي؟ يمكننا بتعامل مستهتر او غير مدروس أن نسبب دمارا كبيرا لأمننا القومي ومن المعروف ان اختراق الأمن القومي والرعونة في إدارته من أهم العوامل المدمرة للدول والمجتمعات. لقد نفذت الولايات المتحدة العملية بمفردها دون إشراك أي من حلفائها بالرغم من إمكانية إخطارهم بالأمر، وستجني الثمار وحدها مهللة "الفول فولي زرعته وحدي وسأحصده وحدي وسأكله وحدي". هل من الممكن ان نتعلم شيئا مفيدا من الأحداث التي تجري أمام أعيننا وان نستفيد منها بدون عواطف وانفعالات خادعة وان تسعي لفهم متطلبات امننا القومي وتوظيفها لمصلحة شعبنا؟ إنها مناسبة أخري للتأمل والمقارنة.


Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]
 

 

آراء