تداعيات الأزمة ومفتاح الحل

 


 

 




*أشرنا سابقا الي أن أزمة النظام الحاكم في السودان اصبحت عميقة، فالصراع داخل السلطة يتواصل ويزداد احتداما، ، وهو صراع  مصالح يدور حول السلطة والثروة، فبعد الصراع الذي دار داخل النظام بعد مؤتمر الحركة الاسلامية الأخير، وما نتج عن ذلك مما يسمي بالمحاولة الانقلابية الفاشلة من داخل النظام ،  ورد في الانباء اعفاء د. غازي صلاح الدين من رئاسة الكتلة البرلمانية وتعيين مهدي ابراهيم في مكانه، مما يشير الي تآكل النظام وتمزقه الداخلي، وذلك من علامات انهيار وزوال النظام الذي اصبحت قاعدته تتقلص يوميا.
*اما بالنسبة للحريات فحدث ولاحرج، فما زالت الرقابة علي الصحف مستمرة، وبعض الكتاب مازالوا ممنوعين من الكتابة،  علي سبيل المثال: تم ايقاف رئيس تحرية جريدة "الصحافة " النور احمد النور من قبل جهاز الأمن، وقانون الصحافة الجديد الذي يكرس مصادرة الحريات الصحفية سوف يسلط علي رقاب الصحفيين. اضافة الي استدعاء مدير مكتب الجزيرة بالخرطوم المسلمي الكباشي من قبل الامن .
وتشير الانباء الواردة من منظمة العفو الدولية " أمنستي " أن قرار العفو عن السجناء السياسيين سطحي ، ولم يفرج سوي عن 7 بينما ظل عشرات الاشخاص رهن الاعتقال. اضافة الي استمرار القمع الوحشي للمظاهرات الطلابية السلمية كما حدث بالنسبة لمظاهرة طلاب جامعة النيلين الاثنين 8/4 بميدان جاكسون بالخرطوم. ومازالت الاعتقالات مستمرة علي سبيل المثال تم اعتقال محمد حسن بوشي.
*كما حدث استنكار واسع لمنح مصر 2 مليون متر مربع لقيام منطقة صناعية شمال بحري، وسياسة منح وبيع اراضي السودان عموما، اضافة الي فشل زيارة مرسي الذي هو نفسه يعاني من مشاكل داخلية في مصر واصبح كما يقول المثل : كالمستجير بالرمضاء من النار ، علما أن النظام في السودان ايضا يعاني من ازمات عميقة
هذا اضافة لتدهور الاوضاع المعيشية نتيجة لارتفاع اسعار العذاء التي بلغت 200% ، ومعدل التضخم الذي بلغ 50% في شهر مارس الماضي.
* وتزاد الاوضاع بؤسا في اقليم دارفور الذي يتدهور الامن فيه بمتوالية هندسية، وترتفع مطالب جماهير دارفور والمجتمع الدولي من اجل : انهاء حالة الطوارئ في الاقليم، وضمان أن يتحول دعم المانحين في مؤتمر الدوحة الي التنمية والاعمار في الاقليم لا لدعم ميزانية الحرب، وضرورة توصيل الاغاثة للنازحين، وعودة النازحين الي قراهم ، وتوفير الامن حتي يعود المزارعون الي الانتاج الزراعي والحيواني بدلا من الاعتماد علي الاغاثات، والتعويض العادل لهم، ووقف الحرب ، وضرورة الحل الشامل للازمة الذي تشارك فيه كل القوي السياسية والمدنية والحركات المسلحة، بعد أن فشلت الحلول الجزئية.
*كل ذلك يوضح أن دعوات النظام للحوار ماهي الا ذر للرماد في العيون، وتعبير عن الازمة العميقة التي يعيشها النظام والتي بدأت منذ انقلاب 30 يونيو 1989م الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير.وتم اعلان حرب الابادة الجهادية التي امتدت وتوسعت لتشمل جبال النوبا والنيل الأزرق والشرق ودارفور، وحرب علي الشعب السوداني وقواه السياسية والنقابية، وتم تشريد الاف المواطنين من أعمالهم، واعتقال وتعديب الالاف في سجون الانقاذ، والتعذيب حتي الموت كما في حالة الشهيد د. علي فضل. ورفعت الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة ، وتم تدمير السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية، ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية. وتم تعميق الفقر حتي اصبحت نسبته 95% من جماهير شعبنا. وبعد استخراج البترول وتصديره عام 1999م لم تذهب جزء من عائدته لدعم الزراعة والصناعة والتعليم والصحة وبقية الخدمات، بل استمرت الزيادة في أسعار المحروقات حتي الزيادات الأخيرة  بعد انفصال الجنوب. وحتي بعد توقيع اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب لم يتم تنفيذ جوهرها الذي يتعلق بالتحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية، وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لقيام استفتاء حر ونزيه يؤكد خيار وحدة السودان كما جاء في الاتفاقية والدستور، ولكن سياسات المؤتمر الوطني طيلة السنوات الماضية عمقت الكراهية والاستعلاء الديني والعرقي والحقد والمظالم لدي الجنوبيين حتي اصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية. مما قاد الي خيار الانفصال. وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريحية في تمزيق السودان الذي ظل موحدا لحوالي قرنين من الزمان.
* لقد اكدت تجارب تاريخ السودان منذ السنوات الأخيرة للسلطنة الزرقاء التي شهدت تفككا وتكوين دويلات مستقلة، وفرض ضرائب ومكوس عالية ، وتدخل السلاطين في التجارة اضافة الي الفساد وتدهور الأحوال الأمنية، ان ذلك من علامات انهيار النظام. والان يتكرر المشهد نفسه في ظروف تاريخية واوضاع عالمية مختلفة، حيث نشهد تفكك السودان، وتدهور الاوضاع المعيشية وزيادة الأعباء الضريبية والفساد، اضافة لانحياز الدولة لمصلحة شركات وتجار وطفيلي المؤتمر الوطني الذين يحققون ارباحا  عالية من هذه الزيادات في الاسعار، ومن نهب ممتلكات الدولة، وبعد انفصال الجنوب وفقدان اكثر من 70% من موارد النفط اصبح النظام اكثر قهرا في الجباية وزادت معاناة الناس، اضافة الي خطورة تمزيق ماتبقي من الوطن، بحيث لايبقي اي خيار سوي اسقاط النظام واستعادة الديمقراطية، باعتبار ذلك مفتاح الحل للأزمة في البلاد.


alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء