ترحيب ونحيب بجمهورية جنوب السودان الحبيب .. بقلم :د. عمر بادي

 


 

د. عمر بادي
10 July, 2011

 


عمود : محور اللقيا
الفرحة تعم جنوب السودان في هذا اليوم التاسع من يوليو 2011 , و الذي  قد صار فيه الجنوب دولة ذات سيادة معترف بها دوليا , فقد صارت تمثل الدولة الرابعة و الخمسين في أفريقيا و المئة و ثلاثة و تسعين في العالم . لقد شاهدت الإحتفال بإعلان الإستقلال من جوبا و لم أر تباكيا رسميا على السودان الموحد القديم , و لكن هذا لا ينفي وجود شعور مخبوء بالحزن على فراق الشماليين رغم ما تحمله الذاكرة من مرارات , فقد كانت هنالك دموع تمسح و لكنني غير متأكد إن كان سببها الفرحة بالإستقلال أم كان من فراق دولة الشمال .
لقد أمر  الرئيس سيلفا كير أن يتم الإحتفاظ بالعلم السوداني بعد إنزاله من السارية بدلا من ان يتم تسليمه لممثل جمهورية السودان كما كان مفترضا أن يحدث حسب البروتوكول المتبع , و أن يتركوه معهم في دولة الجنوب ليحتفظوا به في أرشيفهم كرمز و ذكرى للسودان الموحد . كذلك في خطابه دعا الرئيس سيلفا إلى التسامح و غفران مرارات الماضي إن لم يكن في الإمكان نسيانها , و دعا إلى حسن الجوار و حل الخلافات سلميا . الدكتور رياك مشار و عند تقديمه للرئيس البشير ليلقي كلمته أتى بمقدمة ابان فيها دورالبشير الشجاع ( هكذا ! ) في المضي قدما في تطبيق إتفاقية السلام حتى وصل بها إلى نهايتها التي أدت إلى إعلان دولة جنوب السودان المستقلة , و من ثم دعا الجمهور أن يحييه على ذلك ثم قدمه بعد ذلك لإلقاء كلمته و أظنه كان يدعو بذلك إلى تحييد الجماهير حتى لا تتصرف بما لا يحمد عقباه !
أحزاب المعارضة التي كان يجمعها ما كان يسمى بتحالف أحزاب جوبا  كانت متواجدة في الإحتفال في جوبا كمشاركة منها في هذا الحدث . كان الإحتفال مفعما بالنوايا الحسنة من دول الجوار بما فيهم السودان الشمالي , و هذا هو المطلوب من أجل دولة تتحسس خطاها حتى يعمها السلام داخليا و خارجيا , ففي السلام سوف تتقدم دولة الجنوب بخطى حثيثة إلى الأمام . علم الدولة الجديدة  هو نفسه علم الحركة الشعبية لتحرير السودان , و الشعار الجديد لها في قناتها الفضائية الرسمية صار النسر و تحته كلمات ثلاث : العدالة و الحرية و الرفاهية . هذا يذكرني بالدستور الإنتقالي الذي تمت إجازته و الذي يعترف بتعددية الأعراق و الثقافات و المعتقدات و يدعو إلى المساواة في الحقوق و الواجبات و أمام القانون و إلى الشفافية و المحاسبة في ظل علمانية الدولة .
السيد باقان أموم كان ( الهتيف ) أثناء الحفل و كان الذي يقدم الفقرات باللغة العربية و أحيانا بالإنجليزية , و لكنه لم ينس عادته القديمة في العكننة على حكومة السودان حينما بدأ يهتف بحياة دولة جنوب السودان ثم تحول بالهتاف لحياة جنوب السودان !  ربما فات الأمر على الكثيرين , فإن جنوب السودان الذي تبقى هي مناطق أبيي و جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق !
في السودان ( الشمالي ) كانت المشاعر متضاربة , فقد خيم الحزن على الغالبية حتى وصل درجة الحداد , و إستمرت الدموع في الإنهمار منذ حفلات الوداع الأليم في الجامعات و في أماكن العمل و في القوات النظامية , فكيف لعشرة دامت مائة و تسعين عاما أن تنقطع دون ألم ؟ لا أتحدث هنا عن نفسي حتى يكون الأمر ذاتيا و لكنني أتحدث عن عملية البتر التي كان من الممكن تفاديها و التي خلفت أمرا واقعا يحتم علينا تغيير الكثير مما تراضينا عليه و عشناه في غنائنا و في شعرنا و في إجتماعياتنا و في ثقافتنا و في تراثنا و في تاريخنا و جغرافيتنا . علينا أن نتناسى مساحة المليون ميل مربع التي ظللنا نفتخر بها في أشعارنا و كتاباتنا و أننا الدولة الأولى من حيث المساحة في أفريقيا و العالم العربي لنصطدم بمساحة مليئة بالكسور و بترتيب يساوي الثاني في أفريقيا و الثالث في العالم العربي ! أرى أن الأغاني التي فيها ذكر للجنوب و مدن الجنوب سوف تكون رابطا بيننا و لا أظن ان أحدا يقدر على تغيير كلماتها .  الناس فرحون لفرح أهالي دولة جنوب السودان و لكنهم حزينون للإنفصال و للفراق , و يلعنون في سرهم و جهرهم من كان السبب و لم يقدر أن يدير البلاد بعقل مفتوح فأدارها بمشروع حضاري مقص و طارد لكل من هو ليس على شاكلته .
الشكر لدولة جنوب السودان التي إختارت أن يكون إسمها هكذا , فهي بهذا قد تركت الباب مواربا من أجل العودة يوما ما الى السودان الموحد , و الشكر ثانيا لدولة جنوب السودان لإختيارها اللغة العربية كلغة تخاطب و اللغة الإنجليزية كلغة رسمية  و هنا أرجو أن تعزز ذلك بتعليم اللغة العربية في المدارس كلغة ثانية و سوف يكون في ذلك تقوية للعلاقات خاصة الإقتصادية مع الدول العربية , و الشكر ثالثا لدولة جنوب السودان لإحتضانها للشماليين المتواجدين فيها و أرجو أن يتم نفس الأمر للجنوبيين في الشمال و يتم الإتفاق في ذلك بمنح الجنسية المزدوجة للراغبين . و الشكر رابعا لدولة الجنوب التي أبدت النية الحسنة في التعايش السلمي مع السودان و قطعا سوف يؤدي ذلك إلى التقارب المرتقب .
رغم حزني على تحطم جسر التواصل العربي الأفريقي , و على سوء إدارة التنوع التي لم تفض إلى الوحدة الوطنية بل أفضت إلى نقيضها , و على التعامي في تطبيق التكامل في الوطن القارة , و على تلاشي فكرة القوة في الكيانات الكبرى , و على ضياع الفرص في وطن كان له أن يكون عظيما ... رغم كل ذلك أراني افرح لفرح الإخوة الجنوبيين و أدمع منتحبا و أنتظر عودة ربما يطول إنتظارها . 

omar baday [ombaday@yahoo.com]

 

آراء