اتّسعت حاسة المتابعة طوال نهار ومساء أمس في انتظار قرارات مهمة جرى التمهيد لها بترويجٍ مُثيرٍ.. وفِي خضم الأزمة السياسية والاقتصادية بات الشعور الشعبي قابلاً للتعلق بقشة الأمل حتى ولو كان كلام الليل يمحوه النهار..
وفعلاً في عز الليل بدأت القرارات تطل برأسها كمولودٍ ينتظره ابوه بفارغ الصبر.. اللجنة التنسيقية للحوار الوطني أعلنت اتفاقاً على حل الحكومة وخفض عدد الوزارات بالتخلص من عشر منها.. وتغيير رئيس الوزراء.. كان ذلك ما تمخّض عنه الجبل..
قناعتي انّ الطريق لا يزال مُدلهماً بالظلام الدامس.. مَن قال إنّ مشكلة السودان في دفع مرتبات عشرة وزراء؟ بل من قال من الأصل إن حل الحكومة أو ربطها يحل أو يربط مسامير الأزمة السودانية المُزمنة.. هذه الحكومة لو تكوّنت من وزير واحد فقط فلن يغير الله ما بها.. لأن الأزمة من الأصل ليست أزمة مرتبات أو سيارات وزراء..
الأزمة من الأصل والمبتدأ سياسية تتعلق بهيكل وقوام الحكم في البلاد.. أزمة حزب حاكم متحكم فاقد القدرة على إدارة البلاد ويصر على احتكار الحكمة وفصل الخطاب..
صحيح ان مثل هذه القرارات تشغل الشعب بضع أيّام، وتمنح الشارع العام بعض الحيوية في ظل الركون والركود الذي يخنق الأوضاع الآن، لكن الأصح ان مثل هذا التكتيك لا يعالج جرحاً ولا يدرأ ألماً..
فالحالة التي وصلت إليها البلاد الآن لا يصلح معها الأنتظار على رصيف التلهي والتسلي بإشغال الشعب بلعبة الكراسي.. والمثل الشعبي ينص على ان (المتغطي بالزمن عريان).. ومهما طال ليل التغافل عن الأزمة الحقيقية فإن شمس النهار سينبلج فجره..
ولمجرد التذكير، فقد ظللنا نردد ونكرر في هذه المساحة منذ انطلاقة (الحوار الوطني) في مفتتح العام 2014 انه مجرد تكتيك يمارس به حزب المؤتمر الوطني لعبة (مط الزمن) وسينتهي إلى قسمة مناصب لن تعني أكثر من شاغليها وأقاربهم، ودارت الأيام وانتهى الحوار الوطني بعد أكثر من ثلاث سنوات بعبارة دقيقة لخّصها حزب المؤتمر الوطني في كلمتين (كيكة صغيرة وايدٍ كثيرة).. وأُكل المؤتمر الوطني ومن تحاوروا معه الكيكة وتركوا للشعب حسرة الانتظار.. الآن يستمر المسلسل، سياسة الهروب إلى الأمام، حل الحكومة وربط حكومة..