تطبيقُ العدالةِ الانتقاليةِ في السودانِ

 


 

 

العدالةِ الانتقاليةِ هيَ مجموعةٌ منْ العملياتِ التي تهدفُ إلى معالجةِ انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ المرتكبةِ خلالَ فتراتِ الصراعِ أوْ القمعِ أوْ الاستبدادِ. ويشملَ مجموعةً منْ التدابيرِ بما في ذلكَ البحثِ عنْ الحقيقةِ والمحاكماتِ الجنائيةِ والتعويضاتِ والإصلاحاتِ المؤسسيةِ، لمساعدةِ المجتمعاتِ على الانتقالِ منْ ماضي العنفِ والقمعِ إلى مستقبلِ أكثرَ ديمقراطيةً وعدالةً وسلميةً. الهدفُ منْ العدالةِ الانتقاليةِ هوَ محاسبةُ الجناةِ على أفعالهمْ وتوفيرِ العدالةِ والتعويضاتِ للضحايا وتعزيزِ المصالحةِ والسلامِ على المدى الطويلِ. يمكنَ أنْ تتخذَ عمليةُ العدالةِ الانتقاليةِ أشكالاً مختلفةً اعتمادا على السياقِ المحددِ واحتياجاتُ كلِ مجتمعٍ. وهيَ عمليةٌ تستخدمُ للتصدي لانتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ في الماضي وهناكَ عدةُ أمثلةٍ على تنفيذها في جميعِ أنحاءِ العالمِ:
1. جنوبَ أفريقيا: أنشئتْ لجنةُ الحقيقةِ والمصالحةِ للتصدي لانتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ التي ارتكبتْ خلالَ الفصلِ العنصريِ.
2. رواندا: تمَ إنشاءَ محاكمَ لمحاكمةِ الأفرادِ المسؤولينَ عنْ الإبادةِ الجماعيةِ عامَ 1994.
3. السلفادور: تمَ إنشاءَ " لجنةِ الحقيقةِ منْ أجلِ السلفادور " لمعالجةِ انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ التي ارتكبتْ خلالَ الحربِ الأهليةِ.
4 - كمبوديا: أنشئتْ الدوائرُ الاستثنائيةُ في محاكمَ كمبوديا لمقاضاةِ كبارِ القادةِ المسؤولينَ عنْ الجرائمِ التي ارتكبتْ إبانَ نظامِ الخميرْ الحمرِ.
5. البوسنةُ والهرسك: تمَ إنشاءَ المحكمةِ الجنائيةِ الدوليةِ ليوغوسلافيا السابقةِ لمحاكمةِ جرائمِ الحربِ التي ارتكبتْ خلالَ الصراعِ في التسعينياتِ.
6 - الأرجنتين: أنشئتْ اللجنةُ الوطنيةُ المعنيةُ بحالاتِ اختفاءِ الأشخاصِ للتحقيقِ في انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ التي ارتكبتْ إبانَ الحكمِ الديكتاتوريِ العسكريِ. هذهِ بعضُ الأمثلةِ على تطبيقِ العدالةِ الانتقاليةِ في بلدانٍ مختلفةٍ حولَ العالمِ، ولكلِ عمليةِ تحدياتها ومقارباتها الفريدةِ. كانتْ العدالةُ الانتقاليةُ في السودانِ بعد ثورةٍ 2018 عمليةٍ معقدةٍ ومستمرةٍ. تشملَ بعضَ الخطواتِ المتخذةِ نحوَ العدالةِ الانتقاليةِ ما يلي:
1. تشكيلُ لجنةِ العدالةِ الانتقاليةِ في 2019 للتصدي لانتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ التي ارتكبتْ خلالَ النظامِ السابقِ.
2. إنشاءُ دائرةِ البحثِ الجنائيِ للتحقيقِ والملاحقةِ في انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ التي ارتكبتْ خلالَ النظامِ السابقِ.
3. تشكيلُ لجنةِ الحقيقةِ والعدالةِ والمصالحةِ في عامِ 2019 لمعالجةِ الأسبابِ الجذريةِ للنزاعِ وتقديمِ توصياتٍ منْ أجلِ انتقالٍ سلميٍ.
4. الإفراجُ عنْ المعتقلينَ والمعتقلينَ السياسيينَ، وتعليقَ بعضِ القوانينِ المستخدمةِ لتقييدِ حريةِ التعبيرِ والتجمعِ.
5. تعيينُ هيئةٍ قضائيةٍ جديدةٍ وإنشاءِ محكمةٍ عليا جديدةٍ عامَ 2020 لضمانِ استقلالِ القضاءِ وتعزيزِ سيادةِ القانونِ.
ومعَ ذلكَ، لا يزالُ تطبيقُ العدالةِ الانتقاليةِ في السودانِ يمثلُ تحديا بسببَ الصراعِ المستمرِ والمواردِ المحدودةِ والعقباتِ السياسيةِ. يمكنَ أنْ تلعبَ العدالةُ الانتقاليةُ دورا رئيسيا في ترسيخِ الديمقراطيةِ وتوطيدها بعدةِ طرقِ وهيَ: محاسبةُ مرتكبي انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ: يمكنَ لآلياتِ العدالةِ الانتقاليةِ أنْ تحاسبَ أولئكَ الذينَ ارتكبوا انتهاكاتُ حقوقِ الإنسانِ على أفعالهمْ مما يدلُ على أنَ لا أحد فوقَ القانونِ وأنَ الديمقراطيةَ تقومُ على سيادةِ القانونِ. توفيرُ الشعورِ بالعدالةِ للضحايا: يمكنَ لتدابيرِ العدالةِ الانتقاليةِ مثلٍ التعويضاتِ والاعترافِ بالانتهاكاتِ الماضيةِ أنْ توفرَ إحساسا بالعدالةِ للضحايا وتساعد على استعادةِ كرامتهمْ وحقوقهمْ الإنسانيةِ. وتعزيزَ المصالحةِ: كما يمكنُ للعدالةِ الانتقاليةِ أيضا أنْ تعززَ المصالحةُ بينَ مختلفِ المجموعاتِ والأفرادِ الذينَ كانوا في حالةِ نزاعٍ، مما يساعدُ على معالجةِ الانقساماتِ العميقةِ الجذورِ وبناءِ مجتمعِ أكثرِ شموليةٍ وديمقراطيةٍ، وكذلكَ تقويةُ المؤسساتِ الديمقراطيةِ : يمكنَ للعدالةِ الانتقاليةِ أنْ تساعدَ أيضا في تقويةِ المؤسساتِ الديمقراطيةِ منْ خلالِ تعزيزِ استقلالِ القضاءِ وتعزيزِ سيادةِ القانونِ ، ومنْ خلالِ تقديمِ توصياتٍ للإصلاحاتِ المؤسسيةِ التي يمكنُ أنْ تساعدَ في منعِ الانتهاكاتِ في المستقبلِ . وتعزيزَ ثقةِ الجمهورِ: يمكنَ لتدابيرِ العدالةِ الانتقاليةِ التي تتسمُ بالشفافيةِ والمساءلةِ ويمكنُ الوصولُ إليها أنْ تعززَ ثقةُ الجمهورِ في العمليةِ الديمقراطيةِ، مما يساعدُ على ضمانِ استدامةِ الانتقالِ إلى الديمقراطيةِ. باختصارِ منْ خلالِ معالجةِ انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ في الماضي وتعزيزِ المساءلةِ والعدالةِ والمصالحةِ، يمكنَ للعدالةِ الانتقاليةِ أنْ تساعدَ في ترسيخِ الديمقراطيةِ، وجعلها أكثرَ شموليةٍ واستدامةٍ.

د. سامر عوض حسين
30 يناير 2023

samir.alawad@gmail.com

 

آراء