تعدد مصادر القوة في الانقلاب.. وحتمية نصر الثورة السودانية لكن بكلفة أعلى

 


 

 

ليس اسوأ من سوء استخدام القوة سوي تعدد مصادر السلطات التي تقرر في استخدامها، اي قواعد الاشتباك في المنظومات العسكرية، فحتى الجيوش في أماكن الحرب لديها قواعد للاشتباك و لا تطلق النار دون أوامر أو باكتمال قواعد الأشتباك وفق تصورات معدة مسبقا، و قد يحاكم الجندي محاكمة عسكرية، إذا ما قام باستخدام قوة السلاح دون مراعاة لهذه القواعد..
كتبت منذ ايام قلائل مقال فصلت فيه السيناريوهات التي تواجه الانقلابيين وفي التمهيد للمقال قلت أن من المؤكد أن هذه الانقلاب، الذي يهدف إلى تأسيس نظام سياسي جديد رغم انه يفتقر للشرعية السياسية و القاعدة الاجتماعية وكذلك الحاضنة الساسية و مشروع للمستقبل، ليس له مصدر موحّد لاتخاذ القرارات وهذا أمر سيعقد المشهد السياسي والمآلات الثورية الراهنة التي يقدم فيها السودانيين الآن اروع ملاحم للمقاومة والصمود التي يمكن أن يتصورها العقل البشري، فالسودانيين يرسمون لوحة بدمائهم الذكية لدولة تصون كرامتهم و تحترم حقهم في الحياة.
فاذا نظرنا للتحالف الانقلابي فهو مكون من كارتيلات عسكرية ذات مصالح اقتصادية عميقة تتخفي وراء ما يسمي بالقوات المسلحة لاكتساب شرعية اجتماعية و اخلاقية انتفت عنها منذ زمن بعيد وكارتيلات الدعم السريع وكارتيلات الاسلاميين بتظيماتها المسلحة من أمن شعبي و دفاع شعبي و جهاز الأمن و هذه هي القوة الاكثر تنظيما و تسيطرعلي جهاز الدولة بالكامل، اما رفاق الأمس من الحركات المسلحة الذين يتذرّعون بحجة المحافظة علي اتفاق جوبا للسلام للبقاء في هذه المؤامرة ضد الشعوب السودانية و مقدراتها فهم محض كومبارس في معادلة السلطة الجديد و قريبا ربما نسمع بتمرد فلان و علان اذا استطاع النظام تثبيت اركانه لفترة مؤقتة بواسطة العنف المفرط، وفي حقيقة الأمر لا مالك عقار و لا جبريل و مناوي ولا بقية الحركات الموقعة لها وزن عسكري أو سياسي، و في الوقت الراهن هم الآن يلعبون دور الديوس الذي يقنن شرعية الانقلاب وتحليل سلطة البرهان والتحالف الانقلابي لبعض الشركاء الاقليميين الضامنين لاتفاق السلام.
عليه لهذا الحلف الانقلابي تقاطعات مصالح وقد تختلف درجة الربح و الخسارة لكل فريق اذا ما استقرت الامور الي تسوية هزيلة تعيد الحرية و التغيير أو جنازتها بالأحري إلي تحالف سلطوي جديد، و قد قمت باجراء تحليل لاصحاب المصلحلة الاساسيين للتحالف الانقلابي وفق معادلة المصلحة و القوة وقبل أن اقدم خلاصة التحليل علينا تعريف من هم أصحاب المصلحة حسب التموضع في الرسم البياني لمعادلة القوة و القدرة علي التاثير و مستوي المصلحة في الحفاظ علي الوضع الانقلابي الراهن و توطيده. أولا اللاعبون الاساسيون الذين يمتلكون القوة و لهم مصلحة عالية في الوضع الراهن و مآلاته فهم كارتيلات القوات المسلحة (اسم الدلع منظومة الصناعات الدفاعية)، الاسلاميين تحديدا جناح المال و السلطة (جهاز الأمن، الأمن الشعبي الشرطة الشعبية و الدفاع الشعبي) و كارتيلات الدعم السريع. ثانيا، المؤثرين في السياق أو ما يعرف بالمحور، و هؤلاء لهم درجة عالية من القوة و درجة اقل من التأثير و هم الحلفاء الاقليميين ( مصر، الامارات و الي حد ما السعودية)، الشركات المستفيدة من الذهب و اللحوم و الصمع العربي والسمسم و كل صادرات السودان التي يتم اعادة تصديرها و كأنها منتج محلي لبعض الدول، والمجتمع الدولي (كل حسب ما يريد من السودان و ما يخاف من حدوثه في السودان). ثالثا، المفعول بهم ، وهؤلاء لهم درجة عالية من المصلحة و لكنهم اقل قوة و قدرة علي التأثير فهم حركة مالك عقار، حركة مناوي، حركة جبريل، حركة حجر، حركة الهادي ادريس و بعض المؤلفة قلوبهم من الحالمين بشي من بريق السلطة و المال. رابعا، العوام وهؤلاء قوتهم ضعيفة و قدرتهم علي الـتأثير أضعف كما ليس لهم مصلحة كبيرة في الوضع الراهن و هؤلاء هم جل جهاز الشرطة من غير المتنفيذين، بقايا الاسلاميين و الذين يدعّون الحكمة و الحياد في مفاصلة السلطة. طبعا يمكن أن التساؤل ما اذا كان الحلفاء الاقليميين محض مؤثرين في السياق أم انهم لاعبين رئيسيين، لدي حججي التي قد يطول شرحها في هذا المقام في وضعهم في خانة المؤثرين في السياق.
خلاصة القول أنه بالتمحيص في معادلة القوة و القدرة علي التأثير و المصلحة و ما يمكن أن يخسره كل من اصحاب المصلحة يتضح بما لا يدع مجال للشك أن هنالك تيار يرغب في الوصول إلى تسوية و هذا ما يرجح أنه ربما البرهان و الدعم السريع و موقعي اتفاق جوبا مع تسوية ما مع ضمان أن صيغة هذه التسوية يجب أن تضمن لكارتيلات القوات المسلحة و الدعم السريع استمرار المصالح الاقتصادية و العمل خارج جهاز الدولة و لهذا سيتحدثون في الايام القادمة عن التمسك بالوثيقة الدستورية و العودة الي الشرعية الدستورية فمثل هذه التسوية تضمن عدم خسارتهم لأي شيء برغم القتل و السحل الذي يقومون به في الشوارع الآن والدماء التي ستسيل لاحقاً، المجموعة التي ستخسر من اي عودة الي اي صيغة تسوية هي الاسلاميين جناح السلطة و المال و مليشياتهم فهؤلاء هم الذين يخلقون في واقع الموت الآن و هدفهم أن ذلك يجعل كلفة العودة الي اي صيغة تسوية و شراكة مع المدنيين أعلي من ابقاء الأمر علي الوضع الانقلابي و هذا ما يرجون تسويقه للمجتمع الدولي، مع العلم أن توظيف العنف كفعل جذري لتوطيد الأمر الواقع سيقابل بفعل جذري في الشارع الرافض لأي تسوية. كل الدلائل تؤشر الي أن تعدد مراكز القرار و تضارب المصالح هو ما قد يعزز سيناريو العنف الذي نبهنا له من قبل، و اذا ما قارنا هذا التحليل بتحليل لاصحاب المصلحة لكل الحراك السياسي في المشهد السوداني بما فيه الشارع الثوري ايضا سيتضح أن الثورة ستنتصر بشكل أو بآخر فقط بكلفة أعلي، و لست من الذين يعتقدون أن هنالك فرق بين صغار الضباط و كبار الضباط في ما يسمي بالقوات المسلحة مما يعزز احتمال انحياز ضباط للثورة في لحظة تاريخية ما اذا ما تواصل الفعل الثوري بمعني أن الفعل الثوري سيرهق هذه القوات معنويا و ماديا، و لمن يظنون ذلك اقول ليس هنالك اي دليل علي مثل هذا الحراك او السلوك كفعل جمعي و مؤسسي وسط هذه الكارتيلات و ما تم من قبل كان عمل فردي لحظي، أما الأهم فهو أن هذه الكارتيلات ليس لها ارتباط بجهاز الدولة من حيث أنها تنتظر رواتبها و معاشها من جهاز الدولة الذي سيشله العمل الثوري كما تم في اكتوبر و ابريل. أعتقد شبه جازم أن الثورة السودانية ستنتصر بعد دوامة من العنف لأن العنف وحده عمره لم يمكّن من بناء نظام سياسي و استدامته، ما سيحدث في ظني سيكون خليط ما بين الضغط الدولي و تصاعد الحراك الثوري و ربما تضعضع التحالف الانقلابي بتمرد بعض الكومبارس مما قد يفتح الطريق لفرض ارادة الثورة كاملة فالظلم ليلته قصيرة مهما استطالت.
mido34067@gmail.com

 

آراء