تعليقاً على نكتة طرد الفكي من السيادي !!

 


 

 

لم أصدق عيني وأنا أقرأ الخبر – نقلاً عن الجزيرة – بأن "البرهان وحميدتي يرهنان احتواء الأزمة مع المدنيين بإبعاد محمد الفكي" (1). وفكرت، ربما أن الخبر من" فبركات الجزيرة" لصب الزيت على النار. ثم جاء في التفاصيل في منصات أخرى، نقلاً عن مصدر مسؤول، فضَّل عدم ذكر اسمه بأن: " بعض العسكريين يقولون ان هناك أعضاء في المكون المدني غير مرحب بهم في مجلس السيادة الانتقالي" (2).
ثم رشحت الأخبار عن تكوين "جودية" في شكل لجنة أطلق عليها " لجنة العودة للمنصة" (ياتو منصة ؟!). وأنها عقدت اجتماعها مع عضو السيادي محمد حسن التعايشي بالقصر الجمهوري اليوم (الأحد 4/ 10). وأن لجنة الوساطة (الجودية) تحظي بمباركة رئيس الحكومة المدنية (ذاته).

(2)
ألسنا نعيش آخر فصول المهزلة؟!.
ومن يستطيع أن يتحدث بعد الآن عن "دولة" تستحق هذا الاسم في السودان ؟!.
وما الذي نقمه عساكر لجنة البشير الأمنية على الفكي ؟!.
هل بسبب تغريدته "هبوا لحماية ثورتكم"، عند حدوث انقلاب عسكري تحرك من مدرعات الشجرة ومهندسي أمدرمان وقاعدة وادي سيدنا ؟.
البرهان قال في خطابه لعسكره متسائلاً بغضب: يحموها (الثورة) من منو ؟!. وياله من سؤال !.
ليحموها من الانقلابيين يا سيادتك، طالما أجهزة الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن واللجنة الأمنية برمتها مشغولين حتى وصل الانقلابيون إلى مبنى الإذاعة، فمن البديهي أن يطلب الفكي من الشعب أن يقوم بحماية ثورته، فهذا واجبه الوطني كمواطن عادي، وهذه مسؤوليته كعضو سيادي (مدني).

(3)
ويبدو أن هذا ما نقمه أعضاء "نادي الضباط السيادي" على الفكي.
ولو كان البرهان وأعضاء لجنة البشير الأمنية يشعرون بأن هذه الثورة ثورتهم هم أيضاً (كجزء من الشعب) لأشاد بمبادرة الفكي ومنحه نوط الجدارة. ولكنها ليست ثورته. وبالفعل هي ليست كذلك.
ما الذي كان يتوقعه البرهان من الفكي، ومن الشعب ؟. أن يتركوا حبل أمن البلد لهم، ليحل بها ما حلَّ بالشرق وبالسودان، بسبب واحد من الفلول ليخنق السودان (وجنوب السودان أيضاً)؟.
لقد غفل الشعب السوداني (ويا لها من غفلة) عندما ترك للجنة البشير الأمنية حبل الأمن القومي فأرخته قبضتهم حتى لم يعد الناس حتى في عاصمة البلاد يأمنون على أنفسهم وأرواحهم وأموالهم وعروضهم. ولو كانوا في الشارع العام، أو في مركباتهم أو حتى منازلهم. دع عنك ما يرتكب من مجازر واغتصابات وتهجير وحرق للقطاطي وبيوت الكرتون قرب عواصم ومدن غرب السودان الكبرى، بفعل كائنات فضائية مجهولة !! (3).

(4)
هل هكذا تدار الدول؟.
هل هناك مؤسسات ونظام يحكم المسؤوليات والصلاحيات، أم الحكاية "طلقيبة" تسير بمنطق الشخصنة وتحكمها الأمزجة والأهواء وتخضع للانفعالات؟.
أظن أصبح واضحاً لكل الشعب السوداني بأن من يحكمون السودان اليوم (مدنيين وعسكرين) لا يتمتعون بأهلية حكمه، وأنهم أبعد ما يكونوا عن الشعور بمسؤولية الحكم، ويفتقرون تماماً إلى الحكمة ورجاحة العقل.
كيف يكون هناك نظام ومؤسسية، ومثلما يحدث بين الأهالي، "يزعل" فريق في الحكومة من الفريق الآخر في ذات المؤسسة، فيقاطعه ويقطع التواصل معه، أو الاجتماع معه لمناقشة شئون الدولة ؟. وما مدى شرعية اجتماعات وقرارات هذا الفريق طالما ستصدر معبرة عن آرائهم الشخصية وليس عن المؤسسة ؟!!.
وماذا يسمى مثل هذا النوع من الحكم، إن لم يكن هو الديكتاتوري، أو هو عين النظام الاولغارشي (الشللي)؟.
الطريف في القصة/ المسرحية الهزلية أن قيادات بالحرية والتغيير صرحت لـ"الراكوبة" بأن الحل للخروج من عنق الزجاجة الذي أدخلهم فيه المكون إياه يكون بالإحتكام للوثيقة الدستورية. وكأنما بقي منها شيء بعد أن مزقها العسكر وأشبعوها اختراقاً.
وتزداد المهزلة (مسخرةُ) حين يسكت رئيس الحكومة المدنية على هذا الانتهاك الصارخ للدستور، وبدلاً من أن يعلن موقفه الرافض بحزم، ودعمه اللامحدود القاطع للمدنيين الذين اختارهم المكون المدني بحاضنته وسلطته التنفيذية لعضوية مجلس السيادة.
أو أن يتخذ موقفاً يتناسب وموقف حزب التجمع الاتحادي – وهو واحد من كتل تحالف الحرية والتغيير – الذي شنَّ هجومًا عنيفًا على طلب المكون العسكري بإبعاد عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان من مجلس السيادة، وقال إنهم لن يساوموا أو يضحوا بالفكي وإبعاده من مجلس السيادة. وأن الحرية والتغيير ترفض أي مساومة أو تسوية تفضي إلى إبعاد أي من أعضاء المكون المدني بمجلس السيادة (4).
نراه بدلاً من ذلك (يبارك) مبادرة "جودية" الأهالي، وكأن الدولة تدار من قهوة، أو في "قعدة" سماسرة بطرف السوق. ما يؤكد لك بأن عقليات هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم للقوى الحديثة هي عقليات شيوخ إدارات أهلية، لم ترتق بعد لفهم مبادئ الدولة الحديثة.
ألم يخطر بذهن حمدوك بأنه، وبموقفه هذا، يقر صراحة بحق العسكر استفرادهم بسلطة "السيادة" كاملة، خالصة لهم ؟!.

(5)
على كل حال، بالنسبة لنا (نحن غمار الناس) أصحاب المصلحة إذا كان في الدولة خير، وأصحاب الوجعة إن جاء منها الشر، فإن المواطن محمد الفكي سليمان هو من نستأجره ليخدمنا، ففد أثبت أنه القوي الأمين.
طاهر اليد لم يسرقنا أو يهرَّب مواردنا ليحفظها في الدول الأخرى، لم يقتل مدنياً أو غير مدني، جأر برأيه المنحاز للشعب وثورته بشجاعة، فأثار حفيظة بعض من يكرهون ذلك.
ولكل ذلك لا نصر فقط على بقاءه في مجلس السيادة، بل ونرشحه رئيساً للدورة المدنية في رئاسة المجلس. فليس من الطبيعي المعقول، ولا من المنطق العقلاني أن تطرد دجاجة الخلا دجاجة البيت لتستقر فيه.
وإلا، من الذي أرث لجنة البشير الأمنية السودان وحكمه؟.
مجلس السيادة واحد من مؤسسات الدولة، لا يملك شيئاً. وقد تشكل نتيجة اقتلاع نظام حكم فاشي إسلاموي شمولي فاسد بثورة شعبية مدنية دفع فيها المدنيون دماً غالياً وأرواحاً طاهرة، ودموع غِزار، وعرق. وبالتالي فإن وجود المدنيين في هذا المجلس، ليس مِنَّة من أحد بل حق أصيل لأصحاب الحق/ الثوار، وينبغي أن يكون وجود العسكر فيه طارئاً رمزياً، خاصة أولئك العسكر الذين كانوا على رأس السلطة عند حدوث مجزرة فض الاعتصام، وهم بالتالي، وبحكم المنطق والقانون، هم المسؤولون عن هذه الجريمة.
فبأي وجه يجرؤ العسكر على تحديد من يبقى بالمجلس من المدنيين ومن يرحل، ما لم يكن ذلك "قوة عين" وعدم استحياء وعنجهة فارغة ؟!!.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
من قبل تساءل عبد الرحيم دقلو: الخرطوم دي حقت منو ؟.
السؤال الآن: السودان دا كله حق منو ؟؟.
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
وبرضو تقولوا عندنا دولة ؟؟!.

مصادر وهوامش
(1) موقع صحيفة سودانايل الإلكترونية، بتريخ 3 أكتوبر 2021.
(2) موقع صحيفة الراكوبة الإلكترونية، بتاريخ 3 أكتوبر 2021.
(3) مصرع 13مواطنا وحرق عشرات المنازل في هجمات مسلحة منفصلة بدارفور، موقع صحيفة الراكوبة، بتاريخ 5 أكتوبر2021.
(4) الراكوبة، بتاريخ الاثنين 4 أكتوبر 2021.

izzeddin9@gmail.com
//////////////////////

 

 

آراء