تقرير المصير وتداعياته …. بقلم: تاج السر عثمان

 


 

 


  * مع اقتراب موعد الاستفتاء علي تقرير المصير ندخل البلاد في أزمة وطنية عامة، وهناك مخاوف من تجدد الحرب مرة أخري وبشكل أعنف من الماضي. ولاشك أن انفصال الجنوب سوف يكون له تداعيات خطيرة داخليا واقليميا، وهو يعبر عن فشل المؤتمر الوطني في حل المشكلة والتي زادها تعقيدا بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، والحرب الجهادية والدينية التي كان لها نتائج ضارة عمقّت جراحات الوطن، وبعد أن فشل النظام في الحل العسكري، وقّع تحت الضغوط المحلية والعالمية اتفاقية نيفاشا التي اوقفت الحرب التي دارت لمدة 21 عاما.  استندت الاتفاقية علي قاعدة سودان واحد بنظامين، وكانت الاتفاقية ثنائية وتحمل في طياتها جرثومة الانفصال كما يتضح من التقسيم الشمولي للسلطة بين الشريكين في الشمال والجنوب، فضلا عن أن المؤتمر الوطني لايمثل الشمال والحركة الشعبية لاتمثل الجنوب، وقسمة عائدات البترول التي ازكت النزعة الانفصالية، ونظام مصرفي بنافذتين، وتقسيم البلاد علي أساس ديني. وجاءت حصيلة ممارسة الخمس سنوات الماضية لتكرس الصراع بين الشريكين، بعد الفشل في انجاز التحول الديمقراطي والتنمية وتحسين الاوضاع المعيشية في الشمال والجنوب، وتكريس الفوارق الطبقية والفساد، اضافة الي عدم توفير مقومات الاستفتاء والتي تتلخص في قيام انتخابات حرة نزيهة تشرف عليها لجنة انتخابات مستقلة ومحايدة، تنتج عنها حكومة ذات قاعدة واسعة هي التي تشرف علي الاستفتاء علي تقرير المصير مما يجعل الوحدة في النهاية هي الراجحةة في النهاية، ولكن ذلك لم يتم ، وكان تزوير الانتخابات، والتي رفضت نتائجها القوي السياسية في الشمال والجنوب، اضافة الي تأخير ترسيم الحدود وعدم تكوين لجنة استفتاء ابيي ، وعدم حل قضايا المواطنة والبترول قبل الاستفتاء. وبالتالي، اصبح الوضع قابلا للانفجار في أي وقت واعادة انتاج الحرب من جديد.  
* قادة المؤتمر الوطني في ورطتهم الحالية يحاولون تحميل مسئولية مبدأ تقرير المصير لقوي المعارضة التي وافقت عليه في مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية في يونيو 1995م، ولكنهم يتجاهلون أن التجمع طرح تقرير المصير في ميثاق اسمرا في اطار نظام ديمقراطي قائم علي التعددية السياسية واحترام حقوق الانسان، وفي اطار سودان جديد يؤسس علي العدالة والديمقراطية والارادة الحرة، وأن تعمل سلطة التجمع خلال الفترة الانتقالية علي بناء الثقة واعادة صياغة الدولة السودانية حتي تأتي ممارسة حق تقرير المصير دعما لخيار الوحدة، اضافة لوجود دولة المواطنة التي يتم فيها فصل الدين عن السياسة، وشكل الحكم اللامركزي الذي يقوم علي الديمقراطية والتنمية المتوازنة وازالة الغبن والتهميش.
 وهذا مالم يحدث في الفترة الانتقالية بعد اتفاقية نيفاشا، وبالتالي يتحمل المؤتمر الوطني المسؤولية التاريخية في تمزيق وحدة البلاد.
 *كما اننا لانعفي الحركة الشعبية ايضا من المسئولية، والتي تراخت في الفترة الانتقالية في الدفاع عن الديمقراطية ومعركة الغاء القوانين المقيدة للحريات، وانكفأت علي الجنوب، وركزت فقط علي الاستفتاء دون توفير مقوماته التي تتلخص في توفير الحقوق والحريات الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة. اضافة لتراجع قيادة الحركة عن وحدة السودان علي أسس جديدة وتخليها عن حلفاءها الوحدويين في الشمال، وحلفائها في جبال النوبا والنيل الأزرق وشرق السودان، وغيرهم من الذين قاتلوا باخلاص من أجل وحدة السودان علي اسس جديدة، ولكن تحولت الحركة الي مجرد حركة انفصالية جنوبية . ولم تنجز الحركة تنمية تذكر في الجنوب ، اضافة للفساد، وظهور فئة راسمالية طفيلية تعيش علي العمولات والاستثمار في التجارة والعقارات والتسهيلات للشركات الأجنبية، وتتطلع للثراء بسرعة وبشراهة علي حساب افقار وتجويع المواطن الجنوبي الذي تنهشه الأمراض والمجاعات، وهذه فئة تتجاهل الوطنية السودانية، وتطرح النظرة الانفصالية الضيّقة، اضافة الي عدم توظيف جزء من عائدات النفط للتعليم والخدمات والصحة وقيام البنيات الأساسية. وفرضت نظاما شموليا في الجنوب اسوة بالشمال يقوم علي مصادرة الحريات والحقوق الأساسية ، وتزوير الانتخابات التي رفضت نتائجها الأحزاب الجنوبية الأخري
*من الخطوات الايجابية بيان قوي الاجماع الوطني الصادر بتاريخ: 13/10/2010م عن اجتماع رؤساء الاحزاب الذي اعلن موقفا وطنيا موحدا، والذي اشار الي الاستقطاب داخل السلطة وداخل الحركة وبؤر النزاع مثل ابيي وحفرة النحاس وجنوب النيل الأبيض، وداخل البلاد نتيجة للغلاء الفاحش واستشراء الفساد.
كما أشار الي الخلل في الاتفاق الثنائي الذي كرس هذا الوضع، وفشل الحلول الخارجية.
•    وطالب البيان للخروج من الأزمة باالآتي:
-    التحول الديمقراطي.
-    الوحدة الطوعية للبلاد علي أساس دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية والتي تحترم التعدد الديني والثقافي والعرقي واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون ولجعل السودان انموذجا للوحدة في ظل التنوع.
-    ضمان نجاح الاستفتاء حتي لاتعود الحرب من جديد.
-    الحل الشامل والعادل لقضية دارفور.
-    الحل يكمن في يد القوي السياسية في البلاد.
-    رفض تصريحات المسؤولين في المؤتمر الوطني التي تثير العداوة والبغضاء.
  ودعا البيان الي الالتفاف حول المؤتمر الجامع الذي يرسم خريطة المخرج من الأزمة.
  ويبقي المطلوب تصعيد النشاط السياسي الجماهيري في الشارع عن طريق الندوات والمذكرات والمواكب باعتبار ذلك هو الحاسم في قلب الموازين لمصلحة الوحدة والتحول الديمقراطي .
*ومن الخطوات الايجابية المهمة ايضا اجتماع الاحزاب الجنوبية السياسية، ويشكل ذلك عاملا مهما في اتجاه اعلاء صوت العقل بعد التهاب المشاعر في الأيام الماضية وارتفاع صوت الانفصال في ظل مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية في الجنوب، واتاحة الفرصة لكل وجهات النظر لتعبر عن رأيها في قضية مصيرية تتعلق بالوحدة والانفصال، وتوفير نزاهة وشفافية الاستفتاء والحريات الديمقراطية في الجنوب، وتوسيع المشاركة.
* كل ذلك يوضح أن الخروج من الأزمة ممكن لمصلحة كل السودان وأقاليمه، في اطار المؤتمر القومي الجامع وتفكيك الشمولية واستعادة الحريات والحقوق الديمقراطية، ودولة المواطنة التي تسع الجميع، وقيام الوحدة علي اسس ديمقراطية طوعية وترسيخ السلام والتنمية المتوازنة، ورفض العودة للحرب مرة أخري.

alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]
 

 

آراء