تقرير صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية عن: لجان المقاومة والوضع في السودان .. أعدّ التقرير من الخرطوم: جاسون بيرك وزينب محمد صالح  .. ترجمة: فضيلي جمّاع

 


 

 

   (لم يمت أصدقاؤنا عبثاً: المقاومة السودانية تصعد من جديد).. تحت هذا العنوان البارز نشرت صحيفة "أوبزيرفر " البريطانية واسعة الإنتشار اليوم الأحد 29 مايو 2022م تقريراً من الخرطوم. أعدّ التقرير الصحفيان جاسون بيرك وزينب محمد صالح. ما يلفت الإنتباه أن أوبزيرفر قد أفردت قرابة الصفحتين لهذا التقرير مما يثبت أنّ نشاط لجان المقاومة ممثلاً في تظاهرات  الشارع التي لم  تستكن منذ ثلاث سنوات قد تخطى زخمه حدود الوطن وأخذ هذا النشاط يمثل حدثاً عالمياً. فيما يلي ملخص للتقرير الضافي ، الذي جا ء مزوداً بالصور الملونة:

( مضت ثلاث سنوات منذ أن أطاحت مظاهرات في السودان بديكتاتور. ويطمح النشطاء في إسقاط نظام آخر باستخدام المزيد من الهواتف النقالة واللافتات والموتوسايكلات.

في أحد الشوارع بقلب الخرطوم يوجد بيت صغير ، يكاد يختفي بين كتلة من المكاتب المغبرة والفنادق زهيدة الثمن، لكن ليس عسيراً الوصول إليه. على حائط المنزل الخارجي للبيت يطالعك رسم باهت بعض الشيء للشاب المبتسم الذي عاش ذات يوم في هذا المنزل: عبد السلام كشة.

  كان رهط من الرجال وامرأة في حالة اجتماع داخل المنزل . تخلل الإجتماع تناول بعض الطعام ورسم الخطط وإطلاق بعض النكات. لا ينتمي هؤلاء الثوار إلى حزب سياسي، ولا إلى تنظيم بعينه. عوضاً عن ذلك فإنهم جزء من تحالف ينضوي تحت لوائه مئات التنظيمات الشعبية عبر مدن السودان وقراه ؛ يقوم بالتنسيق له نشطاء ، يسعون لإسقاط نظام عسكري قوي. يقوم قادة كثير من الأنظمة الأوتوقراطية في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا بمراقبة أنشطة "لجان المقاومة" هذه في  السودان بمزيد من القلق. لذا فإن نشاط لجان المقاومة لا يخلو من الخطر. وقد بلغ عدد المعتقلين من دعاة الديموقراطية في الثمانية أشهر الماضية ألفاً وستمائة (1600) معتقلاً. بينما بلغ عدد القتلى خلال هذه الفترة ستة وتسعين (96) قتيلاً. قضوا في عدد من التظاهرات الشعبية. يستخدم الشرطة وقوات الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين من الشوارع والمتاريس.

   كان بين المجتمعين في منزل كشة سيدة تبلغ من العمر 58 عاماً وزوجها المهندس الزراعي بالمعاش - البالغ من العمر 63 عاماً ، واللذان تبدو مشاركتهما في مثل هذا الإجتماع أمراً مدهشاً، ما لم تعرف قصتهما وراء المشاركة في الإجتماع. كان عبد السلام كشة طالب القانون البالغ من العمر 25 عاماً ، ذو القبول والكاريزما  قد اغتيل بطلقٍ ناري في مجزرة فض الإعتصام التي سبقتها تظاهرات أسهمت في إسقاط النظام الإسلاموي الإستبدادي للدكتاتور عمر البشير الذي حكم البلاد ثلاثين عاماً. أعلن إسقاط النظام عن إقامة حقبة جديدة من الديموقراطية.

في هذا المنزل نشأ وترعرع عباس كشة. أما الرجل والمرأة في متوسط العمر فهما والداه. وقد عزما على المشاركة في التظاهرات هذا الأسبوع بمناسبة ذكرى رحيله الثالثة، مستقبلين لزخات بمبان ورصاص الشرطة مشاركين للغالية التي تقع أعمارهم بين ال30 وال40 عاماً. يقولان لنا: (ماذا نفعل؟ نحن أم وأب الشهيد. علينا أن نكون وسط المتظاهرين لنمدهم بالحماس.)

   يعلم الغالبية من عضوية لجان المقاومة ، أنّ هذه هي الجولة الثالثة لإقامة نظام ديموقراطي في السودان البالغ تعداده 44 مليون نسمة ، والذي عانى سلسلة من الانظمة الديكتاتورية والحروب منذ استقلاله من بريطانيا في العام 1955م. قال كاربينو- أحد قادة لجان المقاومة في جنوب الخرطوم ( كانت لحظة من الغبطة والسرور عندما سقط البشير. لقد حلمنا بسودان يعيش فيه الكل أحراراً، معبرين بحرية عما يشاءون. لكننا إذ ننظر اليوم إلى الوراء نكتشف كم كنا ساذجين!!)

   ويستمر تقرير أوبزيرفر: (على الرغم من شناعة وقسوة النظام ضد المتظاهرين (السلميين) فقد كسب متظاهرو 2019 الرهان ضد النظام العسكري القوي ومليشياته. وأقيم نظام لفترة انتقالية هو خليط من المدنيين والعسكريين. لكن سرعان ما انقلب العسكر على حلم السودانيين بالعبور إلى مرحلة جديدة تقوم إثرها انتخابات ديموقراطية للتأسيس لدولة مدنية. حيث جاء انقلاب عسكري في اكتوبر الماضي 2021م . يضيف كاربينو: (لكننا قد فتحنا أعيننا هذه المرة واسعة، ولن نقبل بشيء غير تحقيق مطالبنا كاملة : السلام والعدالة والحرية.)

   يبدو شكل الجولة الجديدة من الصراع مختلفاً جداً – يقول التقرير. فالتجمعات لا تأخذ شكل التظاهرات النهارية الضخمة التي أسقطت عمر البشير. بل هي احتجاجات تنبثق معاركها فجأة مع الشرطة. وبالكتابة على الجدران ليلاً، وتوزيع منشورات ، وتظاهرات يتم الإعلان عنها قبل سويعات من اندلاعها. وبتوجيهات تتم عبر منابر وسائل التواصل الإجتماعي. )

  جاء في تقرير الصحيفة واسعة الإنتشار: (ذات ليلة سبت ، كان الدور على لجان المقاومة في بري – الذي تسكنه الطبقة الوسطى- شرق مطار الخرطوم. وبينما أقيمت متاريس الصخور والحواجز، وأغلقت الحوانيت والمطاعم ، ظل أحد الحوانيت فاتحاً لبضع دقائق لتمكين ربات البيوت من شراء بعض الحوائج ، مثل السكر والزيت و..و..الخ... بعد ذلك اكتظت الشوارع بالشباب بانتظار الشرطة. قال عمر ذو ال27 ربيعاً: (علينا أن نفعل ذلك من أجل الحرية.) تحركت ساعتها حاملات الجنود وانهمر الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع. يشك البعض في أن التظاهرات قد انحسرت من المدن سوى الخرطوم. بينما يرى بعض النشطاء أن هذا الرأي غير صواب. يقول عثمان بصري أحد المحامين المدافعين عن المعتقلين: (هنالك متظاهرون – ربما يكبر عددهم أو يقل.. لكن المؤكد أن غالبية الشعب في صفنا وإن لم يظهروا ذلك.)

   تقول أوزيرفر في تقريرها: (الكل يعلمون أن التكلفة عالية ، ليس في السودان فحسب. واليوم وبعد مضي عقد من الزمان على تظاهرات الربيع العربي لأجل الديموقراطية ، فإنّ الملايين عبر الشرق الأوسط يراقبون ما يجري في الخرطوم وام درمان وفي مدن وأرياف السودان. وكذلك يراقب البعض في أفريقيا ما يجري في السودان بنفس الحذر، حيث تتقهقر الديموقراطية في مواجهة القمع الجديد من زيمباوي إلى مالي. تقول خلود خير المدير المؤسس لمنظمة استشارية بالخرطوم: (بالنسبة للحركات الساعية لإقامة أنظمة ديموقراطية، فإن الذي يجري في السودان دليل على أنّ التغيير يمكن أن يحدث..فإن كان بالسودانيين إنجازه ، فإنّ بإمكان الآخرين تحقيقه في أي مكان.)

  يخلص التقرير الضافي لصحيفة الأبزيرفر إلى أن العديد من المحللين يرون بأن اللحظة الحاسمة تقترب بسرعة. وأنّ البلاد تغوص في أزمة اقتصادية طاحنة – لعب الإنقلاب العسكري في أكتوبر الماضي جزءاً من وجود هذه الضائقة وذلك لتسببه في أن تقوم الولايات المتحدة والبنك الدولي وجهات مانحة رئيسية أخرى بحجب تدفق ملايين الدولارات من الإعانة للسودان. ويضيف التقرير بأنّ ملايين السودانيين يعانون اليوم من الجوع . وأن التظاهرات التي تبدو متواضعة أحياناً قد تتضخم بشكل سريع في حشود ضخمة مثل تلك التي أنهت حكم عمر البشير.


أعدّ التقرير من الخرطوم:

جاسون بيرك وزينب محمد صالح

ترجمة: فضيلي جمّاع


fjamma16@yahoo.com

 

آراء