تقرير مجموعة الأزمات الدولية رقم 124 حول إفريقيا 30 ابريل 2007م دارفور: إعادة إحياء عملية السلام

 


 

 

تقرير رقم 124 عن أفريقيا - 30 نيسان/أبريل 2007

قائمة المحتويات
الملخص والتوصيات
I.    تمهيد
II.     الوضع الراهن للنزاع وتطبيق اتفاقية سلام دارفور
III.    اللاعبون ومواقفهم
أ.     الأطراف الموقعة
1. حكومة السودان
2. جيش تحرير السودان/مي منياوي
3. الحركة الشعبيّة لتحرير السودان
ب. الأطراف غير الموقّعة
    1. جيش تحرير السودان
    2. حركة العدل والمساواة
ج. أحزاب المعارضة السياسيّة
د. العرب
ه. المجتمع الدولي

IV.     السعي إلى الاتفاق السياسي
V.     الخلاصة متطلبات السلام
    أ. توحيد حركات التمرّد
ب. الشموليّة والمبايعة
ج. تدعيم عمليّة المفاوضات
د. تدعيم عمليّة المفاوضات
ه. المسائل العالقة

ملحق أ: خارطة السودان

ملحق ب: الحركات غير الموقّعة في دارفور

 
30 نيسان/أبريل 2006    تقرير أفريقيا رقم 124
دارفور: إعادة إحياء عملية السلام
الملخص والتوصيات
 
ما كاد يمر عام واحد على توقيع حكومة السودان وإحدى فصائل المتمردين الثلاثة اتفاقية سلام دارفور حتى تدهورت الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة الغربية المضطربة من السودان. وعلى رغم التهدئة التي سادت مؤخراً، شهدت مرحلة ما بعد اتفاقية سلام دارفور تصاعداً في وتيرة القتال، وضمناً لجوء الحكومة إلى المزيد من عمليات القصف الجوي واعتمادها أكثر من ذي قبل على ميليشيا جنجويد الحليفة لها. وفيما يستمر نزوح المدنيين تتقلص المساحة المتاحة لعمليات الإغاثة الإنسانية. وإذا كان السلام ليتحقق، سيحتاج أعضاء المجتمع الدولي إلى تنسيق جهودهم بشكل أفضل بغية تخطّي عدد من العقبات الجدية، بما في ذلك سعي الخرطوم إلى تحقيق نصر عسكري وتنامي الانقسامات بين المتمردين. وقد تركّز الاهتمام طيلة العام المنصرم على هزم حزب المؤتمر الوطني في تصديه لعملية نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (أو قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة)، الأمر الذي من شأنه أن يوفّر أخيراً حمايةً أفضل للمدنيين. ولا شك في أن هذه الخطوة كما التوصل إلى وقف فعلي لإطلاق النار يبقيان ضروريين، وإنّما غير محتمّين، حتّى بعد موافقة حزب المؤتمر الوطني بتاريخ 16 نيسان/أبريل على آليّة الأمم المتحدة لمساعدة قوّات الاتحاد الإفريقي. لكن إعادة إحياء عملية السلام التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة تكتسي هي الأخرى القدر نفسه من الأهميّة وتشكل محور هذا التقرير.

الواقع أن اتفاقية سلام دارفور قد فشلت لأنها لم تقارب المسائل الأساسية بالشكل الملائم، ولأن عدداً ضئيلاً فقط من المتمردين وقّع عليها، كما أن الالتزام بها على مستوى المجتمع في دارفور بقي محدوداً جداً، سيّما وأن هذا المجتمع لم يحظَ بتمثيل كافٍ في المفاوضات. فالتوصل إلى حل نهائي ومستدام للنزاع لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اتفاق سياسي منقّح، في حين يبيّن واقع الحال انعدام الإجماع حول كيفية المضي قدماً في هذا السياق. وبعد مرور أشهر عدة على غياب أي تحرك، وتحديداً في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006، أعلن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة عن مساعي مشتركة الغاية منها استئناف المحادثات السياسية بين الحكومة وفصائل المتمردين التي لم توقع على اتفاقية سلام دارفور. لكن هذه المساعي لم تحقق أي تقدّم يُذكر، في حين أدت المبادرات المنافسة من قبل إريتريا وليبيا ومصر وغيرها إلى حالة من الإرباك.

تشكل دارفور مركزاً لثلاث حلقات نزاع متداخلة. أولاً، وبادئ ذي بدء، كانت  الحرب التي استمرت أربع سنوات بين حركات المتمردين في دارفور والحكومة، تلك الحرب التي تشكل جزءاً من التفكك بين مركز السودان من جهة - حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم الذي يسيطر على الثروات ويمسك بزمام السلطة السياسية - والأطراف المهمّشة. ثانياً، أثار نزاع دارفور حرباً بالوكالة تخوضها تشاد والسودان عبر احتضان مجموعات المتمردين المناهضة للدولة المقابلة ودعمها.  وأخيراً، تتجلى النزاعات ذات الطابع المحلي التي تتمحور بشكل رئيس حول التوترات التي تنشأ بين الحضر والقبائل البدوية بشأن الأراضي. ويبدو أن النظام حاك هذه النزاعات طمعاً بكسب الدعم العربي في الحرب التي يخوضها ضد ثوّار معظمهم من غير العرب. وازداد الطين بلّةً والنزاع تعقيداً نتيجة المصالح الدولية، وليس أقلها الأولوية التي خصت بها الولايات المتحدة مساعدة النظام في "حربه ضد الإرهاب"واستثمار الصين في القطاع النفطي في السودان.

لعل ما يحدث في دارفور يشكل نقطةً حاسمةً بالنسبة إلى السودان ككل، لا سيّما وأن الحسابات في ما يتعلق بمستقبل البلاد السياسي تؤثّر في استعدادات مختلف الأحزاب لخوض انتخابات العام 2009 التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل. وفيما يستمر حزب المؤتمر الوطني في اعتماد مناوراته المعهودة القائمة على مبدأ "فرّق تسد"، هو يصر على أن تبقى اتفاقية سلام دارفور الركيزة الأساس لأي محادثات جديدة، ولا يظهر على ما يبدو أي استعداد للبحث في أي تغييرات جدية تُذكر. أما المتمردين، فيطالبون بإعادة الاتفاقية إلى خانة الانطلاق، فيما تدعو حركة العدل والمساواة فضلاً إلى إعادة هيكلة نظام الحكم الوطني بشكل جذري. وتحاول أحزاب المعارضة السياسية الشمالية الكبرى، التي تطالب بإجماع وطني جديد حول توجّه البلاد، استغلال مسألة دارفور لعزل حزب المؤتمر الوطني والضغط عليه. أمّا الخاسرون في هذا الوضع المتنافر فهم المدنيين الذين يعانون ويلات النزاع في دارفور.

تجدر الإشارة إلى أن المسعى الاعتباطي المتركّز في الخرطوم والذي يقوده حزب المؤتمر الوطني في سبيل تطبيق اتفاقية سلام دارفور، والذي تُرجم مؤخراً إعلاناً رسميّاً لقيام الهيئة الحاكمة الجديدة في المنطقة على الرغم من قصور الدعم الشعبي، يُفسح في المجال أمام تصاعد النزاع وتفشي حالة الإرباك. ولعل أفضل ما قد يخدم محادثات السلام الجديدة والضرورية تعليق أي مساعٍ إضافية لتطبيق أحكام اتفاقية سلام دارفور المتعلقة بالسياسة وتشارك الثروات. وبالطريقة نفسها، لا ينبغي إسقاط صدقية الحوار الدارفوري الدارفوري، الذي تنص عليه اتفاقية سلام دارفور والذي يشكل ربما آليةً هامةً لحل النزاع، عبر محاولة إطلاقه الآن تحديداً - وهو ما تحضّ عليه الخرطوم - قبل تسوية العيوب الأساسية في الاتفاقية.

يحتاج فريق الوساطة إلى إطلاق عملية يتم الإعداد لها بعناية. فالمهل الزمنية المتكلّفة التي تم تحديدها من قبل قوّضت اتفاقية سلام دارفور، ولا بد هذه المرة من أن تكون التوقعات أقرب إلى الواقع لجهة تحديد الوقت الذي ستستغرقه عملية تحقيق السلام. كما يتوجّب على الوسطاء فرض سيطرتهم على عملية السلام وبلورة إطار عمل للمحادثات المستأنفة يتماشى مع طبيعة النزاع المعقدة. ويمكن في الواقع أن يُبنى السلام على إطار العمل الدستوري المحدد  بموجب اتفاقية السلام الشامل التي وُقع عليها في العام 2005 بين الشمال والجنوب، علماً بأن بعض أحكام هذه الاتفاقية، وتحديداً ما يتعلّق منها بتشارك السلطة، يحتاج إلى تعديل. إنما تجدر الإشارة إلى أن نزاع دارفور لا ينفك يقوّض تطبيق اتفاقية السلام الشامل والعلاقة الهشّة بين حزب المؤتمر الوطني وشريكه الممثّل للأقليات، أي الحركة الشعبية لتحرير السودان. فانهيار اتفاقية السلام الشامل قد يُغرق البلاد في حرب أهلية جديدة. أما على المستوى الإقليمي، فتتجلى الحاجة إلى دمج مبادرة إريتريا الموازية واستقطاب تشاد إلى عملية السلام للحد من قدرتها على العرقلة وتشجيعها على إيجاد حل سياسي للنزاع الداخلي القائم على أرضها. ويشكّل المؤتمر المنعقد في ليبيا والمنتهي بتاريخ 29 نيسان/أبريل خطوةً إيجابيّةً باتجاه قيام مقاربةٍ وحيدةٍ مشتركةٍ.

وفي سبيل تعزيز فرص نجاح أي جولة جديدة من المفاوضات، يجدر بفريق الوساطة التابع للاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة أن يتخذ عدداً من الخطوات:

    بناء إجماع دولي حول الإستراتيجية، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المتحدة والصين، بغية التأثير على أطراف النزاع.

    العمل على توحيد حركات المتمردين، لمساعدة القادة السياسيين والميدانيين على تطوير جدول أعمال مشترك للمفاوضات. فالمحاولات السابقة المتعجّلة أدت إلى المزيد من الانقسامات والصعوبات على مستوى المفاوضات. ومن الضروري بالتالي أن تتوحّد المساعي الدولية وتحظى بالدعم. ولا بد من ممارسة الضغوط على حركات المتمردين والجهات الداعمة لها وعلى حزب المؤتمر الوطني لوقف الجهود العسكريّة التي تُحبط انعقاد مؤتمر التوحيد.

    توسيع نطاق المشاركة عبر تشكيل مجموعة رسمية من الممثلين عن مجموعات الناخبين الأساسيين في دارفور الذين جرى استثناؤهم من جولات المفاوضات السابقة، بما في ذلك قبائل عرب دارفور، ومجموعات الأشخاص النازحين داخلياً، ومجموعات النساء والمجتمع المدني. ولا شك في أن هذه الخطوة ستسهل التزاماً أوسع نطاقاً باتفاقية جديدة وتؤثر إيجابياً في الحوار الدارفوري الدارفوري الذي سيُعقد في النهاية.

     إعادة هيكلة عملية الوساطة تماشياً مع النموذج الذي أفرز اتفاقية السلام الشامل، وضمناً تشكيل مجموعة اتصال مصغّرة من الشركاء الدوليين تضم الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة وفرنسا والنرويج والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وإريتريا وتشاد، بهدف دعم فريق الوساطة الرئيس.

وأكثر من ذلك، ينبغي أن تتمحور المفاوضات في البدء حول التوصل إلى وقف إطلاق نار نافذ يوافق عليه الفرقاء كافة، فضلاً عن نشر قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة في دارفور وقوة تابعة للأمم المتحدة في تشاد. وتجدر الإشارة إلى غياب حل سريع لأزمة دارفور،  كما أن البحث في  المسائل الأوسع نطاقاً المتعلقة بتشارك السلطة والثروات والأمن قد يستغرق هو الآخر شهوراً عدة. لكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار يكون نافذاً وخاضعاً للرقابة وموضع تطبيق من جانبي الحدود بين السودان وتشاد من شأنه أن يساعد على بناء الثقة وتسهيل إرساء اتفاقية نهائية.

لكن نجاح المفاوضات في النهاية يقتضي إجراء تعديل أساسي في المقاربة الدولية للخرطوم. فمن الضروري ممارسة الضغوطات بشكل فاعل على الجهات كافة للتخلي عن محاولات تحقيق نصر عسكري، علماً بأن نظام حزب المؤتمر الوطني سيظل يشن الحرب ويتحدى المطالب الدولية طالما  أنه لا يتخوّف من أي عمل أو إجراء انتقامي. والواقع أنه من غير المتوقع أن يغيّر هذا النظام من تحليله للخسائر والأرباح إلا إن فُرضت عليه إجراءات جزائية متعددة أو جرى التلويح بمثلها على نحو مقنع لا لبس فيه. أضف إلى ذلك أن التفاهم بين الولايات المتحدة والصين حول هذه المسألة يُعتبر محورياً، الأمر الذي يستوجب بدوره أن تقّر بيجينغ بواقع أن استمرار أزمة دارفور وتأثيرها على اتفاقية السلام الشامل يهددان مصالحها واستثماراتها المشروعة في السودان.   

التــوصــــــيـــــــــــــــــــات
إلى فريق الوساطة المشترك بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة  
1.    بناء إجماع دولي حول إستراتيجية سياسية جديدة، وعلى وجه الخصوص مع الولايات المتحدة والصين، بغية تحقيق التأثير المطلوب على أطراف النزاع.
2.    إعطاء عملية توحيد المتمردين الوقت الكافي لكي تنجح قبل استئناف المفاوضات ودعم العملية عبر توفير المساعدة اللوجستية وتنسيق مساعي التوحيد المتعددة وترشيدها والضغط على حزب المؤتمر الوطني كي لا يشن أي هجوم على مؤتمرات توحيد المتمردين.
3.    تشكيل مجموعة اتصال للمفاوضات تضم الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة وفرنسا والنرويج والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وإريتريا وتشاد، واستحداث إطار عمل لدمج المبادرات المتعددة، وضمناً مبادرة إريتريا.
4.    توسيع نطاق المشاركة في المحادثات الجديدة عبر تنظيم منتدى أو تشكيل مجموعة مرجعية من الناخبين الذين جرى استثناؤهم من المفاوضات السابقة، وضمناً ممثلين عن قبائل العرب ومجموعات الأشخاص النازحين داخلياً، ومجموعات النساء والمجتمع المدني.
5.    إعطاء الأولية للاتفاق على وقف نافذ وشامل لإطلاق النار في مستهل المفاوضات الجديدة؛ ومن المفضل أن يخضع وقف إطلاق النار لرقابة ودعم قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة في دارفور، وبعثة تابعة للأمم المتحدة في تشاد الشرقية وبعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى.
6.    تحديد إطار زمني واقعي للمفاوضات والتصدي لفرض مهل زمنية خارجية غير واقعية.     

إلى حزب المؤتمر الوطني
7.    في خلال المفاوضات الجديدة، تعليق عمل الهيئات المنصوص على إنشائها في اتفاقية سلام دارفور، وضمناً سلطة دارفور الانتقالية، ولجان تشارك السلطة والثروات، والحوار الدارفوري الدارفوري، والتعاطي مع التعيينات السياسية للأطراف الموقعة على اتفاقية سلام دارفور باعتبارها مؤقتة.
8.    التركيز على استمرار العمل بوقف إطلاق النار والحد من تسلح ميليشيا جنجويد، والسماح لعملية توحيد المتمردين بالمضي قدماً بغية تسهيل المفاوضات.  
إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان
9.    الاستمرار في المساعدة على توحيد حركات المتمردين في دارفور بالتنسيق مع المبادرات الدولية.
10.    العمل مع حزب المؤتمر الوطني وحركات المتمردين في دارفور على إيجاد أرضية مشتركة للحل السياسي، وعلى وجه الخصوص إظهار المرونة في التعاطي مع التعديلات الضرورية على الأحكام المتعلقة بتشارك السلطة في اتفاقية السلام الشامل.  
إلى الأطراف غير الموقّعة على اتفاقية سلام دارفور
11.    إعطاء الأولويّة لتوحيد فصائل المتمردين وبلورة موقف تفاوضي مشترك وعودة القادة السياسيين كافة إلى دارفور للمساعدة على إعادة اللحمة بين الأجنحة العسكرية للحركات.
12.    إعادة التأكيد علانيةً على الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار وبحل سلمي لنزاع دارفور لا يستلزم تغيير النظام، وبالعمل مع مبادرة الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة، وضمناً فريق سليم/إلياسون.
إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة:
13.    دعم الوساطة المشتركة بين الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة باعتبارها المنتدى الدولي الوحيد لتحقيق تسوية سلمية في دارفور وتعزيز عملية الحوار السياسي في تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى التي تستقطب مختلف مجموعات المعارضة.  

إلى الولايات المتحدة والصين والدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
14.    التعاون من أجل التوصل إلى إجماع حول إستراتيجية سياسية جديدة تشمل تطبيق إجراءات جزائية ضد المسؤولين عن عرقلة عملية السلام وانتهاك القانون الدولي الإنساني - سواء كان المسؤولون الحكومة السودانية وأعضاءها أو حركات المتمردين وأعضاءها - على أن تشمل الإجراءات عقوبات مستهدفة يجيزها مجلس الأمن أصلاً.
إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الإفريقي  
15.    العمل فوراً على تعيين ممثلين خاصين جدد لقيادة البعثات في السودان (بعثة الأمم المتحدة للسودان وبعثة الاتحاد الإفريقي لدارفور).
 
نيروبي - بروكسل، 16 نيسان/أبريل 2007
 
  //////////////////////////////////
نيسان/أبريل 2007     
تقرير إفريقيا رقم 124    تق    تقرير أفريقيا رقم 124
دارفور: إعادة إحياء عملية السلام
I.    تمـــــــــهــــــــــــــــــــــــــيد
فشلت اتفاقية سلام دارفور الموقّعة في أيار/مايو العام 2006 في تحقيق السلام، فأدت عوضاً عن ذلك إلى تفاقم حدة النزاع في المنطقة. وفي هذا السياق، شهدت حركة التمرد المعروفة باسم جيش تحرير السودان مزيداً من الانقسامات، علماً بأن بعض فصائلها أسست، مع حركة العدل والمساواة، ائتلافاً عسكرياً محدوداً تحت اسم "جبهة الخلاص الوطني". وقد شهد هذا الائتلاف بعض النجاح في بداياته. والواقع أن المجتمع الدولي أنفق نحو عام كامل في محاولة عقيمة لإقناع النظام في الخرطوم بالقبول بنشر قوة تابعة للأمم المتحدة تتولّى المهمة التي كانت منوطة من قبل ببعثة الاتحاد الإفريقي لدارفور المحاصرة.

وإثر الفشل في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1706 الذي يسمح بنشر هذه القوة، اقترح الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة مشروعاً انتقالياً في ثلاث مراحل تُتوّج بنشر قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة. لكن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يستمر في التأجيل انطلاقاً من ثقته بأنه قادر على تعطيل المساعي الدولية عبر استغلال الانقسامات وانعدام الإرادة السياسية. هلل البعض لموافقة حزب المؤتمر الوطني بتاريخ 16 نيسان/أبريل على آليّة الأمم المتحدة لمساعدة قوّات الاتحاد الإفريقي، وهي المرحلة الثانية من العمليّة الانتقاليّة، وكأنها فوز للدبلوماسيّة. ولكنّ هذه الموافقة في الحقيقة ليست أكثر من خطوةٍ صغيرةٍ إلى الأمام. فلقد كفّت الخرطوم عن إعاقة الخطّة ثلاثيّة المراحل التي التزمت بها في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2006 والتي تُشكّل فيها آليّة الدعم المرحلة الثانية. ولكن لا بدّ من توقّع المعوّقات البيروقراطيّة التي تحول دون إعمال مجموعة التدابير وانتشار هذه القوى المشتركة الأكبر حجماً والأعظم قوّةً. وتُشكّل مقاومة مسؤولين رفيعي المستوى في الاتحاد الإفريقي لمشاركة الأمم المتحدة الكبيرة نقاط ضعف إضافيّة على الخرطوم أن تستغلّها.

جدير بالذكر أن ثورة العام 2003 انبثقت عن الشعور بالإحباط في دارفور ناجم عن الإقصاء من بنى الدولة في ما يتعلق بالسلطة والثروات. وقد نجح جيش تحرير السودان حديث النشأة في تحقيق انتصارات أولية مفاجئة، سيّما وأنه كان مدعوماً في البداية من حركة المتمردين السابقة المتمثلة بالحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان؛ وكانت هذه الحركة لا تزال آنذاك تتفاوض على ما شكل في كانون الثاني/يناير العام 2005 اتفاقية السلام الشامل التي وضعت حداً للنزاع الرئيس بين الشمال والجنوب في السودان بعد أن استمر هذا النزاع 21 عاماً، كما كانت مهتمّة بفرض مزيد من الضغوطات على الحكومة عبر فتح جبهة عسكرية أخرى. وقد تشكل جيش تحرير السودان في الأصل من ثلاث قبائل غير عربية هي فور وزغاوة ومساليت، في حين تشكلت حركة العدل والمساواة بغالبيتها من قبيلة زغاوة. في المقابل، جنّدت الخرطوم العديد من الميليشيات المحلية المعروفة بالجنجويد من قبائل العرب في دارفور، ولا سيّما القبائل التي تتمتع بالحق التقليدي في الأرض، وذلك لاستهداف المدنيين من القبائل غير العربية. وعلى الرغم من أن الكثيرين في دارفور كانوا يشاركون المتمردين مطالبهم، إلا أن الحرب الدامية التي قادها حزب المؤتمر الوطني جعلت المنطقة تنقسم إلى أقطاب متناحرة.

هذا وقد أدى الدور الذي اضطلعت به تشاد إلى تعقيد النزاع. فقد أفاد عناصر زغاوة المنخرطون في الثورة من دعم دائم نسبياً وفّرته لهم حكومة تشاد المكوّنة بغالبيتها من الزغاوة. وعلى الرغم من أن الرئيس ديبي، وهو نفسه ينتمي إلى قبيلة زغاوة،  قد تعاون في البدء مع الخرطوم ضد الثورة، إلا أن حكومته توفّر اليوم للثوّار دعماً كبيراً وغير محدود. ورداً على ذلك، عمد حزب المؤتمر الوطني إلى تسليح مجموعات المتمردين التشادية بهدف الإطاحة بديبي والقضاء على القواعد الخلفية لجيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة.

وفي هذا السياق، تأخر تطبيق اتفاقية السلام الشامل إلى حد بعيد عن الموعد المحدد له، فيما تجاهل حزب المؤتمر الوطني بكل بساطة بعض المجالات الأساسية . أضف إلى ذلك أن الشراكة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني قد بلغت الحضيض؛ وعلى الرغم من أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد أوقفت دعمها لثوّار دارفور في العام 2004، إلا أنها تعود اليوم لتظهر  كلاعب في المنطقة المضطربة، وهي خطوة من شأنها حتماً أن تزيد من حدة التوترات مع حزب المؤتمر الوطني.

خلّف فشل اتفاقية سلام دارفور فراغاً سياسياً. وبعد مرور شهور عدة من الجمود،  حث أخيراً المسعى الإريتري الأحادي لإعادة البدء بالمحادثات في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006 الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة على إعادة بناء عملية سياسية. لكن الضغط للقيام بأي تحرك - وهو الضغط نفسه الذي جعل اتفاقية سلام دارفور تتحوّل إلى اتفاقية متعجلة وغير مكتملة - قد يغلب على نحو خطير على بلورة إستراتيجية منسقّة أكثر من ذي قبل يُخطط لها جيداً.

تجدر الإشارة إلى أن السبيل إلى تحقيق السلام يبقى موضع تشكيك، فيما تُطرح أسئلة أساسية حول مستقبل السودان السياسي. فالتوجّه الدولي يميل إلى تبني الفكرة القائلة بضرورة استئناف المحادثات مع الأطراف غير الموقعة على اتفاقية سلام دارفور انطلاقاً من هذه الوثيقة، على أن يكون نطاق المحادثات محدوداً ومبنياً على الجدول الزمني الانتقالي الذي حددته اتفاقية السلام الشامل. والواقع أن التوجه يشبه ذاك الذي ارتكزت عليه مساعي الوساطة الأصلية. فقد نصت اتفاقية السلام الشامل على تدابير بشأن تشارك السلطة، بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان بشكل رئيس، في سائر أنحاء البلاد حتى موعد إجراء الانتخابات الوطنية في العام 2009  . وقد حصرت هذه التدابير النقاشات في مؤتمر أبوجا حيث نوقشت اتفاقية سلام دارفور، باعتبار أن الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفقت مع حزب المؤتمر الوطني على ألا يُعاد البحث في اتفاقية السلام الشامل. فآنذاك، كانت الحركة تتخوّف من احتمال أن تخسر المكاسب التي حققتها من اتفاقية السلام الشامل، بما في ذلك الاستفتاء العام على تقرير المصير بالنسبة إلى الجنوب. أما اليوم، فيبدو أن موقفها من تشارك السلطة يتقدّم ببطء.

عمد المتمردون غير الموقعين على الاتفاقية إلى إرسال إشارات مختلطة أوحت في بعض الأحيان بالمطالبة بإعادة طرح اتفاقية سلام دارفور بالكامل على بساط البحث، استناداً إلى إعلان المبادئ الذي أُقِّر في تموز/يوليو العام 2005 ووقّعت عليه الأطراف كافة، فيما أقرت في أحيان أخرى بأن اتفاقية سلام دارفور تنطوي على عناصر قيّمة. وفيما تتمحور مطالب جيش تحرير السودان شديد الانقسام بشكل رئيس حول المزيد من التعويضات للنازحين وبحصة أكبر من السلطة، تستمر حركة العدل والمساواة في الدعوة إلى إعادة هيكلة البنى السياسية الوطنية، وضمناً اعتماد اللامركزية من أجل بناء نظام فدرالي متين يشكل نسخة طبق الأصل على النطاق الوطني عن الحكم الإقليمي الذاتي في السودان الجنوبية. لكن المتمردين عجزوا عن استحداث جبهة تفاوض مشتركة. فجبهة الخلاص الوطني التي تشكلت في حزيران/يونيو من العام 2006 نشطت بشكل رئيس كنوع من الائتلاف العسكري من دون أن تبلور جدول أعمال سياسي مشترك. والواقع أن غياب أي موقف تفاوضي مشترك بين الأطراف غير الموقعة على الاتفاقية يُعتبر مشكلة جدية. وعلى الرغم من أن بعض فصائل جيش التحرير الوطني تقترب أكثر فأكثر على ما يبدو من موقف حركة العدل والمساواة بالنسبة إلى الحكم الإقليمي الذاتي، إلا أنه من المستبعد أن تكون إضافة ملحق أو بروتوكول بسيط إلى اتفاقية سلام دارفور كافية لمقاربة الاختلافات.

هذا وتعبر أحزاب المعارضة السياسية الشمالية الكبرى من جهتها عن وجهة نظر "وطنية". فحزب الأمة والحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه د. حسن الترابي والعديد من الأحزاب الصغرى تصر على أن حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاقية السلام الشامل تفتقر إلى الشرعية، مشيرة إلى أن الخطأ نفسه يتكرر في دارفور حيث المفاوضات تنحصر في حزب المؤتمر الوطني والمتمردين. وتدعو هذه الأحزاب عوضاً عن ذلك إلى ملتقى وطني شامل لبناء إجماع واسع النطاق حول مستقبل البلاد، وإلى ملتقى وطني مماثل لمناقشة مستقبل دارفور. وعلى الرغم من أن اتفاقية السلام الشامل تنطوي على قاعدة أساس لتحقيق هذه الدعوة، سيّما وأنها اقترحت القيام بعملية شاملة لمراجعة الدستور، إلا أن حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان لم يبديا حتى الآن أي اهتمام يُذكر بهذه الدعوة.

أما الأطراف الموقّعة على اتفاقية سلام دارفور - تحديداً حكومة الخرطوم وفصيل ميني ميناوي في جيش تحرير السودان - فعارضت بشدة إعادة طرح الاتفاقية على بساط البحث. وقد شجعت الحكومة قادة المتمردين على التخلي عن الأطراف غير الموقعة وتوقيع بروتوكولات تلزمهم باتفاقية سلام دارفور. كذلك حض فصيل ميني ميناوي على تطبيق اتفاقية سلام دارفور في محاولة لإحكام قبضته على المناصب التي مُنحت للثوار بموجب تدابير تشارك السلطة المنصوص عليها في اتفاقية سلام دارفور. قامت الحكومة رسميّاً وبطبل وزمر بتاريخ 23 نيسان/أبريل وعملاً بأحكام اتفاقيّة سلام دارفور، بإطلاق سلطة دارفور الانتقاليّة، وهي أعلى هيئة حاكمة في المنطقة. لكن انعدام أي التزام واسع النطاق باتفاقية سلام دارفور سيجعل المضي قدماً في تطبيقها يُثمر نتائج معاكسة. أضف إلى ذلك أن عدداً متزايداً من اللاعبين المحليين والإقليميين بات متورطاً في الأزمة، الأمر الذي يضفي تعقيدات على محاولات التوفيق بين الأطراف لإجراء محادثات إضافية. فتعدد المبادرات يحث المتمردين وحكومة الخرطوم على التشبّث بمواقفهما، فيما يبدو أن الطرفين يلعبان على المستوى الدولي ضد بعضهما البعض.

يبقى من الضروري بشكل رئيس أن يُسمح لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة بالقدوم إلى دارفور لحماية المدنيين، وأيضاً لإرساء وقف فاعل لإطلاق النار والإبقاء عليه. لكن هذا التقرير يركّز على العنصر الثالث الضروري ويقترح إستراتيجية سياسية شاملة للتوصل إلى تسوية شاملة في دارفور، وفي الختام إلى وضع حد لهذه المأساة البشرية.

II.    الوضع الراهن للنزاع وتطبيق اتفاقية سلام دارفور
في حين تراجعت وتيرة القتال المباشر، تدهور الوضع الأمني في دارفور منذ توقيع اتفاقية سلام دارفور. وفيما يعتمد كلّ من المتمردين والحكومة إستراتيجية عسكرية، يدفع المدنيون الثمن. أما المتمردين غير الموقعين على الاتفاقية، فقد تعزز موقفهم بفضل مساعدة تشاد. هذا وقد انقسم الفصيلان التابعان لجيش تحرير السودان، فصيل عبد الواحد محمد النور الرئيس الأصلي للحركة، وفصيل ميني ميناوي، وانضم بعض أفرادهما إلى الائتلاف العسكري التابع لجبهة الخلاص الوطني. أضف إلى ذلك أن الحكومة تواصل استخدام قاذفات القنابل أنتونوف والطوّافات الحربية، وتستمر في تسليح جيش تحرير السودان/ميني ميناوي وحركات المتمردين المنشقة عنه. وعوضاً عن نزع أسلحة ميليشيا جنجويد، أعادت الحكومة إحياء دور هذه الميليشيا كمكّون مركزي في إستراتيجيتها العسكرية ، لا سيّما وأن جيشها بات يتمنّع بحسب ما تشير التقارير عن القتال إثر حملة من طراز "اضرب واهرب" قادها حزب المؤتمر الوطني، فحقق من خلالها عدداً من الانتصارات في أم سدر في أيلول/سبتمبر العام 2006، وفي كريهاري في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه . لكن جبهة الخلاص الوطني عجزت عن إحكام قبضتها على البلدات الرئيسة ذات الحماية الدائمة، كما أن نجاحها تقوّض بفعل تزايد الانشقاق والتدخل في الشؤون التشادية.

فضلاً عن ذلك، تصاعدت وتيرة العنف بين القبائل. فقد شرعت القبائل العربية تستخدم الأسلحة التي حصلت عليها من الحكومة ضد بعضها البعض، سيّما وأن الخلافات على الأراضي والمراعي باتت حامية الوطيس بشكل متزايد. وإذ تفاقمت حدة القتال بين القبائل العربية في جنوب دارفور في كانون الأول/ديسمبر العام 2006، يستمر الصراع اليوم بين هذه القبائل ويحصد حياة المئات في سياق الصدامات بين قبائل ترغام،  آبالا (رعيان الجمال)، رزيغات الشمالية، بقّارة (رعيان المواشي)، رزيغات الجنوبية، حبانية وفالاتا . وعلى ما يبدو تُعدّ قوّات الجنجويد والقوى الأمنيّة المدعومة من الحكومة العدّة لشنّ اعتداء كبير على الجمر في مدينة قلبوس .

وفي ساحة المعركة التي تزداد تعقيداً، تستمر معاناة المدنيين والمعنيين بمساعدتهم. وقد ارتفع عدد الأشخاص النازحين داخلياً الذين جرى إحصاؤهم في كانون الثاني/يناير من العام 2007 بما يزيد عن 250 ألف شخصاً مقارنةً بالعام السابق ، فيما يجد المعنيون بأعمال الإغاثة صعوبةً أكبر في الوصول إلى هؤلاء النازحين وغيرهم من المدنيين الذين يحتاجون إلى المساعدة. وبفعل انعدام الاستقرار، تمّ في كانون الأول/ديسمبر من العام 2006 إجلاء ما يزيد علىٍ 400 شخص من الناشطين في أعمال الإغاثة الإنسانية، في أضخم عملية إجلاء منذ العام 2004.    وفي كانون الثاني/يناير من العام 2007، تعرض الفريق التابع للأمم المتحدة وموظفو الإغاثة لسوء المعاملة والضرب في أعقاب غارة شنها رجال الشرطة على نيالا في جنوب دارفور ، فيما أُجبرت المنظمات غير الحكومية على المغادرة بفعل انعدام الأمن .  هذا وتعرقل العقبات البيروقراطية مهام الوكالات الإنسانية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2006، غادر المجلس النرويجي للاجئين دارفور لأن الحكومة عمدت مراراً وتكراراً إلى تعليق مهامه .  وأفادت وكالة دولية للإغاثة أن المنظمات الدولية غير الحكومية دفعت نحو مليون دولار أميركي للحصول على تأشيرات السفر في العام 2006 .

الواقع أن جدول تطبيق اتفاقية سلام دارفور طموح للغاية ويشمل أحكاماً تهدف إلى تعزيز تشارك السلطة والثروات وتحسين مستوى الأمن بالنسبة إلى سكان دارفور ككل، وإلى الأشخاص النازحين داخلياً على وجه الخصوص. وتشمل التعيينات السياسية الرئيسة منصب كبير مساعدي الرئيس، وهو أعلى رابع منصب على مستوى الجهاز التنفيذي الوطني. كذلك تخص اتفاقية سلام دارفور حركات دارفور بـ 133 منصباً سياسياً على مستوى الوطن والولايات، على أن تتم التعيينات في هذه المناصب "بعد التوقيع على الاتفاقية". فضلاً عن ذلك، تنص الاتفاقية على إنشاء سلطة دارفور الانتقالية بقيادة كبير مساعدي الرئيس. وقد نصت الاتفاقية أيضاً على أن يتم تشكيل اللجان المعنية بتشارك السلطة والثروات، بما في ذلك التعويضات والملكيات والأراضي، في غضون ثلاثين يوماً من تاريخ توقيعها. كما تقرر إجراء استفتاء عام حول الوضع في دارفور بحلول تموز/يوليو العام 2010 بعد الانتخابات. وفي السياق نفسه، أُعيد تشكيل لجنة لوقف إطلاق النار، وحُددت إجراءات تتعلق بفك الارتباط وإعادة الانتشار ونزع السلاح، وعلى وجه الخصوص نزع سلاح جنجويد، على أن تقدّم الحكومة خطتها في ما يتعلق بهذه الإجراءات بعد التوقيع على اتفاقية سلام دارفور بسبعة وثلاثين يوماً. هذا ونصت الاتفاقية على تشكيل لجنة دارفور للتقييم  في غضون ثلاثة أشهر بهدف تقييم تطبيق الاتفاقية.

لكن التطبيق الفعلي تقدّم بشكل متقطع وغير منتظم. فالاتفاقية تشوبها عيوب جدية خطيرة، أبرزها أن فصيلاً واحداً فقط من المتمردين وقّع عليها، فيما جنّدت الفصائل غير الموقعة طاقاتها لتعزيز قدراتها العسكرية. أما حزب المؤتمر الوطني، فيبدو مصمماً على تطبيق الأحكام التي تخدم مصالحه الكبرى فقط، ويتجاهل متطلبات الأمن الأساسية مثل نزع سلاح جنجويد. كما يفتقر الاتحاد الإفريقي وبعثة الاتحاد الإفريقي لدارفور إلى المقدرة على إنجاز المهام الموكلة إليهما. أضف إلى ما تقدم أن المجتمع الدولي الأوسع نطاقاً، الذي يفتقر إلى إستراتيجية مشتركة، ركّز اهتمامه بشكل رئيس على المساعي العقيمة للحصول على موافقة حزب المؤتمر الوطني بشأن نشر قوات تابعة للأمم المتحدة أو قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة . كما أن المدنيين بمعظمهم لا يبدون أي حماس يُذكر تجاه اتفاقية سلام دارفور، لا بل ويعبّرون في بعض الأحيان عن موقف عدائي منها. وبالتالي، ليس مفاجئاً ألا يكون تطبيق الاتفاقية قد حقق تقدماً يُذكر، في ما خلا تعيين المتمردين في مناصب رفيعة إنما فاقدة أساساً للنفوذ.  

ظل الأمن موضوع الإشكالية الأبرز، ولم يتم إحراز أي تقدم على مستوى نزع سلاح ميليشيا جنجويد . فلقد قدّمت الحكومة خطتها إلى الاتحاد الإفريقي بتاريخ 24 حزيران/يونيو العام 2006، إلا أن رد الاتحاد الإفريقي كان بطيئاً، باعتبار أنها بحسب ما يُزعم كانت تفتقر في الأصل إلى آلية لتقييم الخطة . ومنذ ذلك الحين، تناقل الاتحاد الإفريقي والحكومة لإضافة الإتفاقيّة لإضافة التعليقات والتعديلات. هذا وقد قاومت الحكومة النقاش في اجتماعات اللجنة المشتركة في أديس أبابا باعتبار أن هذا النقاش لم يُلحظ في اتفاقية سلام دارفور . ووفقاً لما جاء في اتفاقية سلام دارفور، كان من المفترض حصر ميليشيا جنجويد في مناطق معيّنة بحلول 20 تموز/يوليو العام 2006، لكن الخرطوم لم تلتزم بذلك .

هذا وقد واجهت لجنة وقف إطلاق النار واللجنة المشتركة الصعوبات. فقد ولّد الاتحاد الإفريقي مشكلة بفعل استبعاد الأطراف غير الموقعة في آب/أغسطس، ما جعل عمليات التفتيش تبقى أحادية الجانب وغير فعّالة. وفي النهاية، تم التوصل في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006 إلى حل تمثل "بالغرفة الثنائية" بحيث تجتمع الأطراف الموقعة في جلسة والأطراف غير الموقعة في أخرى. لكن هذا الحل لم ينجح. فقد شعرت الأطراف غير الموقعة، وتحديداً جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، بالاستياء لأن الممثلين عنها كانوا حاضرين فقط في الفاشر، فيما لم يتم توسيع نطاق الغرفة الثنائية لتشمل قطاعات أخرى في دارفور.

وصحيح أن تشارك السلطة يحظى بالاهتمام، إلى أن الجزء الأكبر من هذا الاهتمام يثير الانقسامات ويؤدي إلى نتائج معاكسة. وحتى شباط/فبراير من العام 2007، اقتصرت التعيينات في المناصب الممنوحة للثوار على أربعة مناصب فقط من أصل 133، وقد تمثلت المناصب التي تم ملؤها بمساعد خاص للرئيس (ميني ميناوي)، ووزير دولة واحد، ومنصب وزاري في ولاية الخرطوم، ومنصب مفوّض في سلطة دارفور الانتقالية . ومنذ ذلك الحين، بالكاد جرى ملء 80 في المائة من المناصب ، ما أدى إلى نشوب خلافات بين جيش تحرير السودان/ميني ميناوي، والأطراف الموقعة على إعلان الالتزام ، والحكومة، وتم الإبقاء على حيز ضيّق للأطراف غير الموقعة. هذا ويزعم جيش تحرير السودان/ميني ميناوي أن الأطراف الموقعة على إعلان الالتزام لا تتمتع بالحقوق نفسها التي تتمتع بها الأطراف الموقعة على اتفاقية سلام دارفور، ويجدر بحزب المؤتمر الوطني إما أن يستحدث مزيداً من المناصب لأجلها وإما أن يتخلص من المعيّنين بموجب إعلان الالتزام .  وكان الموقعون على إعلان الالتزام وفصيل ميني ميناوي قد اتفقوا في الأصل على قائمة مشتركة من المرشحين، لكنهم عادوا واختلفوا عندما طالب الموقعون على الإعلان بمناصب إضافية وحصلوا عليها .

وفي خلال الأسبوع الأول من شهر نيسان/أبريل، أصدر الرئيس  البشير رسمياً مرسوم إنشاء سلطة دارفور الانتقالية، وفي تاريخ 23 نيسان/أبريل أعلن المستشار الرئاسي لحزب المؤتمر الوطني مجذوب خليفة رسميّاً عن ولادة السلطة الانتقاليّة واللجان المختصة ولم تكن قد مرّت أيامٌ على قيام الحكومة للمرّة الثالثة بتعطيل انعقاد مؤتمر جيش تحرير السودان التوحيدي. ونظراً لقصور الدعم الشعبي للاتفاقية، ولغياب أي سبب يحدو بمؤتمر الحزب الوطني إلى نقل السلطة إلى الهيئة الحاكمة الجديدة، يُنظر إلى هذا التدبير على أنّه مكيدة ينصبها حزب المؤتمر الوطني لإبقاء المتمردين منقسمين على ذاتهم ولتضييق حيّز المفاوضات بين الحكومة والأطراف غير الموقعة.

ظلت الأحزاب تخفق في الالتزام بالمهل الزمنية القصوى المحددة لإنشاء اللجان والبعثات من دون أن يؤدي ذلك إلى انعكاسات خطيرة. وقد تشكلت لجنة عليا، ولجنة للثروات، ولجنة للسلطة، ولجنة قانونية، ولجنة معلومات، ولجنة للترتيبات الأمنية، بغية التركيز على تطبيق الإتفاقية. لكن هذه اللجان بمعظمها غير فاعلة . وفي حين تم تشكيل الفرق المعنية بتطبيق إتفاقية سلام دارفور، لمّا يتم بعد تأسيس لجنة دارفور لتنفيذ الترتيبات الأمنية، وهي لجنة متفرعة عن سلطة دارفور الانتقالية. كذلك لم تؤسس لجنة دارفور للتقييم رسمياً . أضف إلى ما تقدم أن الحكومة لم تقدّم بعد مساهمتها المحددة بثلاثمائة مليون دولار أميركي إلى صندوق دارفور لإعادة الإعمار والتنمية ، ما يحول دون بدء الصندوق نشاطاته. بعد إعلان قيام سلطة دارفور الانتقاليّة، صرفت الحكومة مبلغاً أوليّاً قدره 5 مليون دولار لصندوق التعويضات كما خصصت مئات الآلاف من الدولارات لتغطية النفقات اليوميّة لسلطة دارفور الانتقاليّة

انطلقت بعثة التقييم المشتركة لدارفور، تحت رعاية الأمم المتحدة والبنك الدولي، في تموز/يوليو العام 2006، وأُوكلت إليها مهمّة تحديد الحاجات الملحة وطويلة الأمد على مستوى التنمية وإعادة الإعمار. وعلى الرغم من محدوديّة عمليات التقييم، إلا أن تصاعد وتيرة العنف في شمال السودان وغربه أعاق عمل الفريق بشكل ملحوظ. ولا يزال عمل البعثة معلقاً اليوم بسبب انعدام الأمن. هذا ولم يُعقد مؤتمر المانحين الذي كان مقرراً في أيلول/سبتمبر - تشرين الأول/أكتوبر العام 2006.

فضلاً عن ذلك، أطلق مفوض الاتحاد الإفريقي، السفير سعيد دجينيت، رسمياً اللجنة التحضيرية للحوار الدارفوري الدارفوري وعيّن العضو في فريق الوساطة التابع للاتحاد الإفريقي عبدول محمد رئيساً لها. وقد جرى النظر إلى الحوار الدارفوري الدارفوري باعتباره فرصة شاملة، ولا سيّما بالنسبة إلى بعض مكوّنات المجتمع الدارفوري التي لم تكن حاضرة في مؤتمر أبوجا، وسبيل إلى مقاربة المسائل السياسية والاقتصادية الاجتماعية وغيرها من المسائل خارج نطاق تلك المفاوضات، و"آلية لتوفير الدعم لإتفاقية سلام دارفور" .


III.    اللاعبون ومواقفهم
أ‌.    الأطراف الموقعة
1.    حكومة السودان
على الرغم من وجود الحركة الشعبية لتحرير السودان في الحكومة، إلا أن حزب المؤتمر الوطني يواصل الإمساك بسائر الملفات الأساسية في دارفور. ويرى الحزب في السلام في دارفور تهديداً لسببين. أولاً، قد يسهل تحقق السلام تشكيل جبهة سياسية مشتركة في دارفور تملك القدرة على تحدي حزب المؤتمر الوطني في انتخابات العام 2009، إما بمفردها وإما بالتعاون مع الحركة الشعبية لتحرير السودان أو حزب الأمة أو أي حزب وطني آخر. ثانياً، سيسهّل الاستقرار على محكمة الجنائيّة الدولية التحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها كبار الموظفين في حزب المؤتمر الوطني. أضف إلى ذلك أن دعم تشاد لثوار دارفور والخرطوم لثوار تشاد قد تحول إلى حرب بالوكالة، ما يزيد من تعقيد مساعي تحقيق السلام في دارفور. وعلى الرغم من أن الاتفاق بين حزب المؤتمر الوطني وثوّار دارفور يُعتبر مركزياً لإعادة إرساء السلام الإقليمي، إلا أنه لا بد أيضاً من عمليات سياسية تضع حداً للنزاعات بين حكومتي تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وحركات المتمردين التابعة لكل منهما.

لقد سعى حزب المؤتمر الوطني إلى تقديم نموذج كاذب وواهٍ عن تنفيذ إتفاقية سلام دارفور، وترافق هذا النموذج مع تعابير منمقة عن السلام الإقليمي، فيما استمر المؤتمر في اعتماد ثلاث سياسات مميتة. وتتمثل هذه السياسات أولاً بتقويض الثورة والاستقرار في المنطقة عبر مناورات من نوع فرّق تسد، كالحض على النزاعات القبلية من خلال التسليح الانتقائي ودعم مجموعات قبلية خاصة وميليشيات معيّنة، والمفاوضات الأحادية مع القادة الميدانيين وكبار المتمردين، ولا سيّما في منطقة جبل مرة ومحيطها . ثانياً، يستمر النظام في اعتماد إستراتيجية عسكرية تهدف إلى قهر المتمردين، على الرغم من أن الدلائل تثبت استحالة الفوز في الحرب وبغض النظر عن انعكاساتها المدمّرة على المدنيين. ثالثاً، يستمر حزب المؤتمر الوطني في عرقلة أي دور دولي فعال، فيكتفي بفعل ما يقيه العقوبات الجدية من دون أن يحدث أي تغييرات فعلية في سياساته، ولا سيّما لجهة نشر قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة.

تجدر الإشارة إلى أن المناورات من نوع فرّق تسد تعقّد المساعي إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في دارفور، وتعزز عمداً الطابع القبلي للنزاع وتساهم مباشرة في الفوضى العامة وانهيار سلطة القانون . وقد عمل حزب المؤتمر الوطني جاهداً على إجراء محادثات مع قادة جيش تحرير السودان في منطقة جبل مرة ومحيطها بهدف إحداث انشقاق في قبيلة فور وربما القضاء عليها. وتجلى خير دليل على ذلك في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006 في ليبيا حيث جرى توقيع بروتوكول مع عبد الجاسم إمام من شرقي جبل مرة، القائد السابق الرفيع الشأن في جيش تحرير السودان والمقرّب من عبد الواحد وأحمد عبد الشافع، فضلاً عن التودد من قبل إلى إبراهيم ماديبو، أحد أفراد قبيلة ريزيغات الجنوبية وأحد كبار أعضاء بعثة جيش تحرير السودان/عبد الواحد إلى مؤتمر أبوجا، والذي وقع إعلان الالتزام بإتفاقية سلام دارفور في 8 حزيران/يونيو العام 2006  .  وفي مرحلة لاحقة، أطلق حاكما جنوب دارفور وغرب دارفور مفاوضات مع قادة من غربي جبل مرة تحت إشراف صلاح عبد الله غوش مدير جهاز الأمن والاستخبارات .

عاد عبد الجاسم من طرابلس حاملاً معه موارد قيّمة استخدمها لتعبئة وتجنيد مقاتلي فور من مخيمات النازحين داخلياً قهراً بهدف الهجوم على القرى وعلى مواقع جيش تحرير السودان/عبد الشافع في شرقي جبل مرة، وذلك قبل فترة وجيزة من تعيينه حاكماً لغرب دارفور . كذلك استخدم حزب المؤتمر الوطني هذه المناورات لعزل قوات ميني ميناوي عنه وأحدث مزيداً من الانشقاق بين جيش تحرير السودان/ميني ميناوي والموقعين على إعلان الالتزام.

أضف إلى ذلك أن كوادر حزب المؤتمر الوطني وحلفاءه الأساسيين في قبائل العرب والحاكمين في غرب دارفور وشمال دارفور يحثون على اعتماد سياسات تهدف إلى إحداث المزيد من الانقسامات في دارفور. ففي تموز/يوليو العام 2006، أطلق حزب المؤتمر الوطني "مؤتمر فور" في الفاشر، وصوّر المؤتمر كمسعى لتوحيد قيادة أكبر قبيلة في دارفور وهي قبيلة تأثرت إلى حد بالغ بالتطهير الإثني في خلال النزاع. لكن بحسب مجلس شورى فور، كان الهدف من المؤتمر إقصاء القيادة الحالية التي تُعتبر متعاطفة مع الثورة واستبدالها بمجموعة تبدي قدراً أكبر من الولاء. وقد أصدرت الخرطوم توجيهاتها إلى الحاكم في شمال دارفور لينظّم الاجتماع ويرأسه، إلا أن قادة فور بمعظمهم قاطعوا ذاك الاجتماع . لكن وسائل الإعلام المحلية أفادت في اليوم التالي عن موافقة قبائل فور كلها على تعيين إبراهيم يوسف، حفيد علي دينار وآخر سلالة سلطنة دارفور، سلطاناً على قبائل فور في السودان. والواقع أن قادة القبائل لم يقبلوا بهذا القرار، فلم يكن له بالتالي أي تأثير يُذكر.

فضلاً عن ذلك، تستمر ميليشيات جنجويد في الاضطلاع بدور ريادي في الإستراتيجية العسكرية المعتمدة ضد مجموعات المتمردين غير الموقّعة. ولا شك في أن تسليم حزب المؤتمر الوطني ملف دارفور إلى نافع علي نافع، ليحل محل مجذوب خليفة، يبيّن أن الحزب يرى الحل للنزاع من منظور الأمن وليس السياسة .  أما الهجمات التي استهدفت في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر العام 2006 منطقة بير مازة ومحيطها، فنفذتها قوات الجيش والميليشيات معاً لتعطيل مؤتمر جرى التخطيط له بهدف توحيد جيش تحرير السودان. شنّت الحكومة جولةً جديدةً من القصف الجوّي بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2007 لغرض تعطيل مؤتمر جيش تحرير السودان المنعقد على مقربة من أم راي شمال دارفور . وعلى الرغم من الوعود المتكررة بنزع الأسلحة، إلا أن حزب المؤتمر الوطني يواصل اعتماده على الميليشيات. وإذا كان بعض العناصر في الميليشيات قد خرجوا عن سيطرة الحكومة المباشرة (وانخرط العديد منهم في بنى عسكرية حكومية رسمية)، فلم تتبلور أي مساعٍ جدية لتعطيل الميليشيات . في غضون ذلك، لا تزال أعمال جنجويد تشكل عقبة أساسية أمام تحقيق السلام في دارفور وتخلّف انعكاسات على المنطقة ككل .

هذا ويعمل حزب المؤتمر الوطني جاهداً على التلاعب بالمبادرات الدولية المختلفة لاستقطاب الأطراف غير الموقعة إلى إتفاقية سلام دارفور، ويعرقل نشر قوى الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة في دارفور. وقد تذرّع الرئيس البشير بأن قرار مجلس الأمن رقم 1706 ينتهك سيادة السودان وربما يزيد الوضع في دارفور سوءاً. وبفعل الضغوطات، وافق البشير مؤقتاً في رسالة بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر العام 2006 على أن يبعث إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بخطة من ثلاث مراحل للاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة . ومنذ ذلك الحين، عكف هو وغيره من كبار موظفي حزب المؤتمر الوطني على إرسال مرسلات متناقضة ورفضوا علانيةً نشر أي قوة تابعة للأمم المتحدة أو اضطلاعها بالقيادة والمراقبة في العملية الجديدة . وفي موافقة حزب المؤتمر الوطني بتاريخ 16 نيسان/أبريل على آليّة دعم تتضمن نشر الآلاف من قوّات الأمم المتحدة لتزويد الاتحاد الإفريقي بدعمٍ لوجستي كما نشر طوّافات بعثة الاتحاد الإفريقي لدارفور من العيارين الخفيف والثقيل، ما يوحي بالموافقة الضمنية على قوّات الأمم المتحدة في دارفور ولكنّه من غير المستبعد شنّ مقاومة مشحونة على وجود الأمم المتحدة بمعداتها الثقيلة في حال قيام قوى مختلطة . ومن خلال القيود الإدارية، والمضايقات والتغاضي عن الهجمات وعمليات السلب المتزايدة، صعّبت الخرطوم أيضاً على الوكالات الإنسانية العمل في دارفور بشكل متزايد .

لكن التطورات التي حدثت مؤخراً في أوساط حزب المؤتمر الوطني توحي بأن المجال يتسع للمفاوضات أكثر من ذي قبل. وعلى الرغم من أن قيادة الحزب تبدو متماسكة في مقاربتها لدارفور، إلا أن آراء مختلفة تتجلى بين صفوف الحزب ومكوّناته الإسلامية. وبحسب أحد كبار الموظفين في حزب المؤتمر الوطني، يُسجل ضغط داخلي ملحوظ لتغيير التوجهات بالنسبة إلى دارفور وأيضاً بالنسبة إلى المسائل الوطنية. والواقع أن أولئك الذين يرون الخطر الذي ينطوي عليه الاستمرار في سياسات الصقور أمثال نافع علي نافع ، وعوض الجاز ، ومجذوب خليفة ، يتعاطفون مع ما يصفه المحللون والصحافيون السودانيون بمقاربة نائب الرئيس علي عثمان طه الأكثر براغماتية، بما في ذلك تفضيل التطبيق المعجّل لإتفاقية السلام الشامل ومعالجة أزمة آبيي وأزمة دارفور. لكن طه يبدو عرضة للتهميش المتزايد في حزب المؤتمر الوطني حيث يُنظر إليه كمؤيد للغرب إلى حد المبالغة. والواقع أن هذه الاختلافات تشكل بعضاً من العوامل التي تقف وراء تأخر حزب المؤتمر الوطني في البدء بإعادة توزيع المناصب الحكومية حسبما كان متوقعاً في آذار/مارس العام 2007. وفي إعلان قيام سلطة دارفور الانتقاليّة بتاريخ 23 نيسان/أبريل ولجان اتفاقيّة سلام دارفور ما يُرسّخ موقف المتشددين ويقلّص المساحة المخصصة للمواضيع المطروحة للحوار بين الحكومة والأطراف غير الموقّعة على الاتفاقيّة.
2.    جيش تحرير السودان/ ميني ميناوي
في خلال الأشهر التي أعقبت التوصل إلى إتفاقية سلام دارفور، شن فصيل ميني ميناوي، وهو فصيل المتمردين الوحيد الذي وقع الإتفاقية، عمليات عسكرية مشتركة مع جيش الحكومة ضد فصائل الثورة غير الموقّعة على الإتفاقية وفي بعض الأحيان ضد المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته . لكن هذه الهجمات باءت بالفشل وانتهت بطرد فصيل ميني من معظم أنحاء شمال دارفور على يد جبهة الخلاص الوطني، بعد أن خسر بسرعة دعم الشعب الذي اعتبر أنه قد تحول إلى ميليشيا أخرى من ميليشيات الحكومة. وفي السابع من آب/أغسطس العام 2006، أدى ميني اليمين القانونية لتولي منصب كبير مساعدي الرئيس وبالتالي رئيس سلطة دارفور الانتقالية بموجب إتفاقية سلام دارفور.

لكن العلاقة بين ميني وحزب المؤتمر الوطني توتّرت وبلغت ذروتها في صدام مفتوح اندلع في أم درمان بين قوات ميني والشرطة في الخامس والعشرين من آذار/مارس العام 2007.  وعشية اليوم نفسه، هدد ميني بتصعيد موقفه. وفي أول تصريح إعلامي له بعد الحادث، اتهم حزب المؤتمر الوطني بتعريض إتفاقية سلام دارفور للخطر وتقويض الشراكة من أجل السلام مع حركة تحرير السودان/ميني ميناوي . ولطالما انتقد ميني عدم تنفيذ إتفاقية سلام دارفور وحث على مزيد من العمل في هذا السياق. وفي مطلع كانون الأول/ديسمبر العام 2006، أعطى حزب المؤتمر الوطني مهلة أسبوعين كحد أقصى، مشتكياً من واقع أنه كان يعيد تسليح جنجويد . وباعتباره الوحيد من المتمردين الذي وقع إتفاقية سلام دارفور، كان أكثر من يخاطر بالإتفاقية، كما أن مصداقيته أمام القادة والشرائح الأخرى تضررت على نحو بالغ بفعل تدهور الوضع في دارفور. وقد عبّر ميني مرراً وتكراراً عن شعوره بالإحباط لعجزه عن تحقيق أي شيء في الخرطوم، ما ساهم بدوره في تنامي شعور العامة بأنه قائد قبلي (من زغاوة) محدود الآفاق يعجز عن قيادة دارفور.

وجدير بالذكر أن العلاقات مع حركة ميني تتدهور بفعل المشاكل مع قيادة الحركة، وأيضاً بسبب التلاعب بالحركة من قبل حزب المؤتمر الوطني الذي يبدو راغباً في إضعاف ميني وإبعاده في النهاية من أجل إحداث المزيد من الانقسامات في صفوف المتمردين. والواقع أن الجولة الأخيرة من التعيينات في المناصب الحكومية قد تسببت بتوتر خاص في صفوف الكوادر السياسية للحركة. وقد أكدت شخصيات رفيعة الشأن في حركة تحرير السودان/ ميني ميناوي  على أن مقدرة حزب المؤتمر الوطني على تغيير لائحة ميني للمرشحين تثبت تهميشه في الحكومة .

هذا ويواجه ميني المنابذة حتى في أوساط قواته التي انشق العديد منها للانضمام إلى جبهة الخلاص الوطني أو إلى فصائل أخرى في جيش تحرير السودان. وفي تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006، دعته مجموعة من القادة في فصيله إلى الانسحاب من إتفاقية سلام دارفور . كذلك انشقت مجموعة أخرى تضم العضو المؤسس في جيش تحرير السودان صلاح "بوب"، وانضمت إلى جبهة الخلاص الوطني قبل انعقاد مؤتمر بير مازة الذي خُطط لتنظيمه في تشرين الثاني/نوفمبر العام 2006. ويُقال إن هذه المجموعة شاركت في السادس والعشرين من الشهر نفسه في إضراب جبهة الخلاص الوطني ضد المنشآت النفطية في أبو جبرا. وفي كانون الثاني/يناير العام 2007، استقال محجوب حسين، الناطق السابق باسم جيش تحرير السودان/ميني ميناوي، ليؤسس فصيله الخاص من حركة تحرير السودان (الكبرى). وفي كتاب الاستقالة، أشار إلى ممارسات ميني لجهة محاباة الأعضاء القبليين والمقربين منه لدى توزيع المناصب بحسب إتفاقية سلام دارفور، وفي غير ذلك من القرارات المركزية. وفي شباط/فبراير العام 2007، وفي أعقاب انشقاق آخر، أعلنت الحركة الوطنية الجديدة لتحرير السودان من أجل الديمقراطية والسلام عن تواجدها في المهاجرية وحسكنيت ولابادو وآديلا .  

ومنذ التوقيع على إتفاقية سلام دارفور، اشتكى قادة جيش تحرير السودان/ميني ميناوي من افتقارهم إلى الغذاء والمركبات واللباس العسكري، فيما يعمل ميني مع الخرطوم ضد مصالحهم . لكن ميني يشتكي بدوره من واقع أنه لم يحظَ بالمساعدة التي وُعد بها في أبوجا على الرغم من توقيعه على إتفاقية سلام دارفور تحت الضغط الدولي الكثيف . وفي محاولة لاسترضائه وتقوية تحالفه، شرعت الحكومة تزوّد قوات ميني بالإمدادات تحت ستار تنفيذ إتفاقية سلام دارفور. وفي أواخر شباط،/فبراير، وفّر حزب المؤتمر الوطني ثلاث طوافات لنقل الرواتب والإمدادات والغذاء وما إلى ذلك .  
3.    الحركة الشعبية لتحرير السودان
تشكل الحركة الشعبية لتحرير السودان رسمياً جزءاً من حكومة الوحدة الوطنية التي وقعت إتفاقية سلام دارفور وتم تمثيلها في الوفد الحكومي في خلال الجولة الأخيرة من محادثات أبوجا. غير أن النزاع يتفاقم بين الحركة وحزب المؤتمر الوطني حول سياسة دارفور. فالحركة الشعبية لتحرير السودان تدعم انتشار قوة حماية مدنية تابعة للأمم المتحدة وهي حالياً بصدد استعادة نشاطها في دارفور بعد أشهر من الخمول. وعلى الرغم من أنها توقفت عن تزويد المتمردين بالمساعدة العسكرية في العام 2004، إلا أن قائدها الراحل جون غارنغ كان مقرباً من قائد جيش تحرير السودان عبد الواحد وظل يضطلع بدور في اتجاه الحركة، متسبباً باحتكاك بين عبد الواحد وميني. بعد مقتل غارنغ في العام 2005، انسحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان من دارفور بهدف التركيز على تشكيل حكومة في الجنوب وتحويل الحركة إلى حزب سياسي. لكن مع تعثر تطبيق إتفاقية السلام الشامل وتنامي الإحباط إزاء تصلب حزب المؤتمر الوطني تجاه الإتفاقية، بدأ صوت الحركة يعلو تدريجياً حول دارفور.

أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان موقفها للمرة الأولى في يونيو 2006، بعد رفض حزب المؤتمر الوطني السماح لقوة تابعة للأمم المتحدة بالدخول إلى دارفور للحلول مكان بعثة الاتحاد الأفريقي. في الأشهر القليلة الماضية، حقق التزامها مستوىً جديداً، بلغ ذروته في تعيين فريق خاص بدارفور مؤلف من ستة أعضاء في نيسان/أبريل برئاسة القس كليمنت جاندا الذي سيعمل مبعوثاً للحركة إلى المنطقة المضطربة. في منتصف شباط/فبراير 2007، قام ياسر عرمان، نائب أمين عام الحزب للقطاع الشمالي بأول زيارة رسمية لمسؤول في الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى دارفور. وقد لقي استقبالاً جيداً في مخيمات النازحين داخلياً حيث خلص إلى اقتراحات ثلاث: الاقتراح الأول يقضي بإعداد زيارة لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان (ونائب الرئيس السوداني) سالفا كير. يتناول الاقتراح الثاني مساعدة الحركة الشعبية لتحرير السودان في تسهيل مؤتمر لتوحيد المتمردين في جنوب السودان. وقد أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان مراراً أنها على استعداد للقيام بذلك؛ غير أن هذه المحاولة لم تجدِ نفعاً بعد توقيع إتفاقية سلام دارفور عندما رفض عبد الواحد الحضور. ثالثاً، دعم عرمان دعوة وجهت إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان لمصالحة القبائل المتحاربة، وهو اقتراح من شأنه أن يجمع بين سالفا وقادة القبائل في دارفور في المستقبل القريب .

قد تُحدث الحركة الشعبية لتحرير السودان تأثيراً إيجابياً في المفاوضات المستقبلية في دارفور عبر إظهار المرونة حول إتفاقية السلام الشامل بدل مواصلة دعم خط حزب المؤتمر الوطني القائم على عدم إمكانية إعادة فتح النقاش حول الإتفاقية. فإتفاقية السلام الشامل تتطرق بشكل خاص إلى تقاسم السلطة فيما يستخدمها حزب المؤتمر الوطني لحماية أغلبيته البرلمانية. وكما سبق وأشير، فإن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد قبلت بها مخافة حل الإتفاقية لكن القادة الكبار يعترفون الآن بأن دارفور تستحق ما هو أفضل من إتفاقية سلام دارفور. علاوة على ذلك، بدأت تُلتمس الارتدادات الناجمة عن نزاع دارفور على تطبيق إتفاقية السلام الشامل، حيث أن السلام ضروري لحماية هذه الإتفاقية.
ب‌.    الأطراف غير الموقعة
تواجه الحركات الثورية بدورها مشاكل طارئة. فقد تشظت الحركتان الأصليتان أي جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في خلال السنوات الأربع الماضية إلى فصائل عدة- نتيجة مشاكلهما القيادية وتدخل الدول الإقليمية والالتزام الدولي قصير النظر وإستراتيجية حزب المؤتمر الوطني القائمة على سياسة فرِّق تسُد. وبالتالي أحدثت التطورات المهمة التي رافقت التوقيع على إتفاقية سلام دارفور تعقيدات مخيفة في ديناميكيات المتمردين.  
1.    جيش تحرير السودان
يناضل جيش تحرير السودان من أجل البقاء كحركة والمحافظة على هويته. وقد حسم توقيع فصيل جيش تحرير السودان/ ميني ميناوي دون سواه على إتفاقية سلام دارفور الشرخ المتنامي بين ميني ميناوي وعبد الواحد منذ بداية العام 2004 . بعد ذلك، خسر كلا القائدين دعماً مهماً من قيادتيهما، على الرغم من الاختلافات الكبيرة بينهما. فميني يعتبر أقوى قادة دارفور الثوريين قبل إتفاقية سلام دارفور لكن دعمه تراجع بشكل كبير. أما عبد الواحد، فقد بدأ يخسر شعبيته نتيجة لقيادته الغريبة وغير العقلانية في بعض الأحيان. كما أن رفضه العودة إلى دارفور- أمضى فيه أسبوعاً واحداً فقط منذ آذار/مارس 2004، فيما تواجد ميني ميدانياً منذ ربيع العام 2005- زاد على ضعفه ضعفاً وأصبح يعتمد أكثر فأكثر على المجتمع الدولي للمحافظة على مصداقيته كقائد. وما يحمل على السخرية أن اعتراضه على إتفاقية سلام دارفور زاد مؤقتاً من شعبيّته في دارفور، ولا سيما في قبيلته فور التي ترفض الإتفاقية، وبشكل خاص شروط التعويض.
في خلال الجولة الأخيرة من المحادثات في أبوجا، ترك تسعة عشر مناصراً من جيش تحرير السودان/ عبد الواحد بمن فيهم القادة الرئيسيين أمثال خميس عبد الله أبكار (نائب الرئيس السابق لجيش تحرير السودان/عبد الواحد) عبد الواحد لتشكيل مجموعة 19، العصب العسكري لجبهة الخلاص الوطني . تلقى عبد الواحد ضربة جديدة إثر تعيين أحد قدامى رجاله، أحمد عبد الشافع، مؤقتاً رئيساً من قبل مجموعة من قياديي جيش تحرير السودان/ عبد الواحد في تموز/يوليو 2006، الأمر الذي أدى إلى انقسام قيادة فور . رفض بعض القادة الميدانيين هذا التعيين، مؤكدين أنه لا بد من اتخاذ مثل هذا القرار في مؤتمر للقادة. ومع ذلك،  بينما عمد عبد الشافع وبعض قادة مجموعة الـ19 (المعروفة حالياً باسم جيش تحرير السودان/ الوحدة) إلى دعم الجهود الحالية الهادفة إلى تنظيم مؤتمر لقادة جيش تحرير السودان الميدانيين، بدا عبد الواحد وقادته أكثر مقاومة للأمر. في أواسط شهر نيسان/أبريل، رفض قادة جيش تحرير السودان الميدانيين اقتراح شريف حرير انضمام الحركة إلى جبهة الخلاص الوطني، وهي خطوة تزيد من احتمال مشاركة القادة الميدانيين من جيش تحرير السودان/عبد الواحد في مؤتمر التوحيد .
أبقى آخرون الخيارات مفتوحة عبر التكلم مع حركة العدل والمساواة في تشاد حول جبهة الخلاص الوطني. على سبيل المثال، غادر آدم بخيت دارفور في نهاية العام 2006 بعد اختلافه مع قادة أعضاء  وبرفقته عدد كبير من الفرق متجهاً إلى تشاد نائياً بنفسه عن التحضيرات لمؤتمر ومفضلاً التشاور مع شريف حرير، وحركة العدل والمساواة وخميس أبكار. عاد عدد من الفرق التي أخذها معه إلى دارفور. كما غادر شريف حرير وعبد الشافع إلى دارفور مع بداية العام 2007 لحضور مؤتمر جيش تحرير السودان فيما بقي بخيت وخميس في تشاد. ولم تقرر بعد عدة مجموعات كانت موالية في السابق لميني ميناوي مع من تتحالف. كما أن ارتداد القائد الأعلى عبد القاسم إمام بواسطة اتفاق طرابلس في نوفمبر 2006 الموقع مع حزب المؤتمر الوطني والهجوم العسكري الناجم عنه بدعم من الخرطوم يشكلان دليلاً آخر على الانقسامات داخل فور. حالياً، ثمة تحالف غير ثابت يجمع جيش تحرير السودان/عبد الواحد، وجيش تحرير السودان/عبد الشافع وجيش تحرير السودان/ مجموعة الـ19 تحت شعار "الفصيل غير الموقِّع" لأهداف المشاركة في لجنة وقف إطلاق النار.
تتمحور الانقسامات التي تصيب جيش تحرير السودان حول القيادة والسيطرة وليس حول الرؤيا. وفيما حافظت بعض المطالب على تماسكها، تزايدت أخرى بشكل كبير منذ مايو 2006. وقد برزت مسألة رمزية تحولت تقريباً إلى معركة بين اللاجئين والنازحين داخلياً وهي مسألة التعويضات. فقد اعتبر مبلغ الثلاثين مليون دولار الذي التزمت به الحكومة في إتفاقية سلام دارفور مبلغاً زهيداً، فيما تم اقتراح مبالغ أكبر عديدة . أعاد بعض قادة جيش تحرير السودان إحياء مطالبتهم بأن تصبح دارفور على الفور منطقة مستقلة، يحظى فيها المتمردين وليس حزب المؤتمر الوطني  بأغلبية المقاعد الإقليمية. فهم يسعون إلى التمثيل السياسي النسبي على المستوى الوطني ويدعون أنه لا بد من أن يكون بنسبة 22% وفق إحصاءات سابقة . أخيراً، طالب جيش تحرير السودان بالمشاركة في كافة الآليات المتعلقة بنزع سلاح الجنجويد والميليشيات الأخرى.
2.    حركة العدل والمساواة
ازدادت قوة حركة العدل والمساواة عبر تعزيز روابطها مع تشاد وبفضل التحالف العسكري لجبهة الخلاص الوطني. لا يتمحور هدف سياستها حول دارفور بل حول التغييرات الجذرية في الحكم الوطني، أي رفض إتفاقية السلام الشامل. تطالب الحركة بتمتع المناطق كافة بالحقوق نفسها التي يحظى بها الجنوب كما تطالب بعقد مؤتمر إقليمي شامل، بخلاف الأحزاب السياسية التقليدية التي تطالب بمؤتمر وطني شامل. كما تسعى الحركة إلى إعادة إرساء مجلس رئاسي تعاقبي مؤلف من ممثلين إقليميين، ما يعني حصول دارفور وسائر المناطق على نيابة الرئاسة. وهي تريد كما جيش تحرير السودان أن تخصص حقوق كل منطقة وواجباتها بحسب عدد سكانها. وتشدد على ضرورة حصول كل عائلة في دارفور على مبلغ ألف دولار أميركي كتعويض من مبلغ إجمالي يصل إلى 600 مليون دولار .
على الرغم من الارتدادات في خلال السنوات الماضية الأخيرة، ظلت حركة العدل والمساواة طرفاً أساسياً بفضل روابطها المباشرة مع حكومة تشاد التي يشار إلى قتالها إلى جانب الجيش ضد المتمردين المحليين . وقد كان حصولها على المساعدة من إنجمينا أساسياً لتشكيل جبهة الخلاص الوطني. فحركة العدل والمساواة تزود بالأسلحة فيما يؤمن جيش تحرير السودان/ مجموعة الـ19 الجنود. كما يقيم بعض قادة جيش تحرير السودان/ مجموعة الـ19 علاقات قوية مع الرئيس ديبي وقد أمضى بعض قادة جيش تحرير السودان العسكريين والسياسيين أمثال خميس وآدم علي شوغار وعبد الشافع وقتاً طويلاً في تشاد. في الواقع، كما هي الحال مع حركة العدل والمساواة، أصبح قادة جيش تحرير السودان ومقاتلوه يشكلون جزءاً لا يتجزأ من دفاع تشاد حيث قاتلوا المتمردين فيها مقابل حصولهم على أشكال عدة من الدعم ولا سيما المادي منه . على الرغم من اتفاقاته مع السودان، فقد برزت مساعدة ديبي لفصائل دارفور وسماحه لهم بالعمل من على أرض تشاد حيوية لبقاء ثوار دارفور .

من الممكن أن يبرز موقف تفاوضي مشترك بين جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة إذ إن العديد من قادة جيش تحرير السودان يقاربون حالياً النزاع في دارفور من ناحيةٍ أكثر شموليّةً. لكن قد لا يسهل هذا الأمر الوضع للوسطاء، إذ إن بعض المطالب كالاستقلال الإقليمي تتطلب تغييرات كبيرة في إتفاقية سلام دارفور. لذا فالأمر منوط بقدرة جيش تحرير السودان على تخطي التشظي أو عدم تخطيه؛ لكن ما يبدو ممكناً بروز كتلتين أو ثلاث من جيش تحرير السودان من بين  العدد الكبير الموجود حالياً.

ج. أحزاب المعارضة السياسية

باستثناء الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة عثمان الميرغني  الذي يبقى موقفه غير واضح حتى بعد مؤتمر الحزب الأخير في القاهرة، تؤكد أحزاب المعارضة الكبرى- حزب الأمة الوطني ، والحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي- أن السبيل الوحيد لحل مشكلة دارفور جذرياً يكمن في إصلاح الحكم في السودان بأكمله. ولا توافق هذه الأحزاب بشدة على إتفاقية السلام الشامل التي تعتبرها مجرد اتفاق ثنائي بين حزبين متناحرين مستثنية الأحزاب الأخرى . وهي تعتبر إلى جانب مجموعات صغيرة كالناصري والبعث والجبهة الشعبية أنها تكرس دستورياً مصالح حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان من دون الاهتمام بمصالح الآخرين . وينظر إلى إتفاقية سلام دارفور (واتفاق سلام شرق السودان)  على أنه يعكس هذه المقاربة الضيقة، وهي إتفاقية تتجاهل الأحزاب الكبرى التاريخية ودوائرها الوطنية .
كما تؤكد هذه الأحزاب أنه فيما تمنح إتفاقية السلام الشامل الجنوب الحقوق التي يستحقها استناداً إلى حصة الشعب، إلا أنها تفرض على سائر البلاد أن تقع تحت سيطرة حزب المؤتمر الوطني الذي حصل على 52 % من مخصصات الحكومة في الشمال قبل الانتخابات. وتعتبر الأحزاب أن شرعية الإتفاقية محدودة لأنها فشلت في تأمين إطار عمل لإنجاز نظام فدرالي عادل وهي لا تحظى بالإجماع الوطني. وبالتالي، نظراً لطبيعتها "غير العادلة" ولعملية التفاوض غير المتساوية، تبرر الإتفاقية قيام المتمردين في دارفور كما في الشرق بمواصلة المطالبة بحقوقهم بالقوة المسلحة. لكن هذه الانتقادات ليست كلها عادلة: فقد وضعت إتفاقية السلام الشامل حداً للحرب الأهلية الطويلة وتضمنت جدولاً زمنياً للانتخابات الوطنية الديمقراطية المقررة في العام 2009. غير أن عدم الرضى ناجم بشكل كبير عن الإحباط الذي تخلفه سيطرة حزب المؤتمر الوطني شبه المطلقة على الشمال- بموافقة إتفاقية السلام الشامل- وعدم قدرة الأحزاب على تحديها.

وتتخبط الأحزاب التقليدية في قلقٍ براغماتي متعلق بجدوى عملها في المستقبل والذي يتهدده ضعفها الشخصي وارتكاز الخطاب السياسي الوطني أكثر فأكثر على المسائل الإقليمية والإثنية بدلاً من السياسات الحزبية. وقد تزايد هذا التغيير الذي ساعدت عليه سياسات الأنظمة خلال ستة عشر عاماً بعد انقسام حزب المؤتمر الوطني في العام 2000 وبدء أعمال التمرد في دارفور والشرق. ترتدي الحسابات المتعلقة بانتخابات العام 2009 أهمية متزايدة لفهم النقاش الداخلي حول دارفور.

تنظر معظم الأحزاب التقليدية التي لم تعد تستطيع الاعتماد على قواعد دعمها التاريخية في دارفور إلى بروز الهويات السياسية الإقليمية  على أنها إشكالية. أما القواعد فقد استوعبها حزب المؤتمر الوطني كما حصل مع الإدارة الأصلية  أو اجتذبتها حركات المتمردين غير الموقعة. وقد سقطت عمليات الانضمام إلى الصفوف القبلية بشكل عام فيما تبذل أحزاب المعارضة جهدها لكسب ود حركات المتمردين من أجل إعداد شراكات سياسية .

ومع توارث الانقسام الداخلي، تدرك الحركات الثورية أنها لا تستطيع النجاح بمفردها في الانتخابات حتى لو تحولت إلى أحزاب. وهي تعترف أنها تتقاسم مصالح قصيرة الأمد مع الأحزاب التقليدية ولا سيما إضعاف حزب المؤتمر الوطني إن لم يكن إسقاطه. وعلى الرغم من أن المتمردين رفضوا في السابق الأحزاب التقليدية، إلا أنهم يعيدون النظر حالياً في التحالفات لتوسيع مساحة قبولهم لدى القبائل العربية. تكمن إحدى الأساليب التي من شأنها افتراضياً أن تجذب المزيد من الدعم العربي، التحاقهم بحزب الأمة. ولا شك أن مجموعات المتمردين الصغيرة كحركة العدل والمساواة والتحالف السوداني الفدرالي الديمقراطي تحتاج بشكل خاص لمثل هذه التحالفات. غير أن حركة العدل والمساواة شددت مراراً على محاولة النأي بنفسها عن الترابي ومؤتمره الشعبي . تحتاج حركات المتمردين في دارفور قبل أي تحالفات سياسية محتملة إلى إنجاز وحدتها الخاصة ومواجهة محاولات حزب المؤتمر الوطني لتقسيمها.
تعتبر أحزاب المعارضة إتفاقية سلام دارفور ميتةً  وتتشاطر آراء مشابهة حول كيفية تخطي المأزق في دارفور في الأمد القصير. يدعو حزب الأمة والمؤتمر الشعبي والحزب الشيوعي الحكومة إلى تطبيق القانون والنظام والقيام فوراً باستبدال الحكام الثلاثة لإعادة الثقة . وتقترح الأحزاب أن يتم اختيار الحكام الجدد بالإجماع من داخل الأقاليم الثلاثة. كما تطالب المجتمع الدولي بزيادة مساعداته لبعثة الاتحاد الإفريقي لدارفور أو نشر قوة تابعة للأمم المتحدة تكون قادرة على حماية المدنيين وضمان الاستقرار على الحدود مع تشاد .

وتؤمن هذه الأحزاب أنها بحاجة إلى منتدى وطني شامل لتحديد الإجماع على الأسلوب الواجب إتباعه  إذا ما أرادت حلاً سياسياً طويل الأمد. وفيما يكتنف الغموض جزءاً كبيراً من هذا الإجماع، يبدو أنه يعني إعادة طرح إتفاقية السلام الشامل على بساط البحث . كما تشجع مطالب المتمردين الداعية إلى العودة إلى منطقة دارفور واحدة  واقتراح حزب العدل والمساواة إنشاء مجلس رئاسي مؤلف من نواب رؤساء إقليميين. تقدم الأحزاب اقتراحين لعقد منتدى وطني. يتضمن المنتدى الأول المجتمع المدني والمجموعات السياسية والحركات الثورية من الشرق ومن دارفور لتحقيق الإجماع حول الأهداف الوطنية ومواجهة عيوب إتفاقية السلام الشامل وتعزيز شرعية اتفاقيات السلام. ولإيجاد حل لدارفور، تحث الأحزاب على عقد منتدى يمكن للثوار والمجتمع المدني والأحزاب السياسية كلها أن تطور فيه أرضية مشتركة لزيادة تمثيل دارفور في الخرطوم استناداً إلى عدد السكان. وتعتبر أنه لا بد من أن يسبق هذا المنتدى استكمال محادثات السلام  كما تؤمن أن الحوار الدارفوري الدارفوري لا بد وأن يلي محادثات السلام ويسعى إلى الحصول على مصادقة شعبية على إتفاقية السلام الشامل بعد إعادة التفاوض عليها.

د. العرب

غالباً ما تصف وسائل الإعلام النزاع في دارفور على أنه بين "الأفارقة" و"العرب"، بسبب سيطرة الجنجويد و"التجمع العربي" على أفكار الناس التي تتناول دور القبائل العربية كلها. لكن لا يشجع العرب كلهم في دارفور الجنجويد أو جدول أعمال حزب المؤتمر الوطني. فقد بقيت قبائل بقّارة الكبيرة جنوب دارفور على الهامش. كما أن الحبانية ومعاليا وجنوب رزيغات وبني حسين وقسماً كبيراً من بني حلبا لم تشارك فعلياً في المراحل الأولى للحرب. أما القبائل الأخرى كالتعايشة فلم تنخرط فيها كقبيلة، مع أن بعض قادتها يشكلون شخصيات أساسية في الجنجويد . وقد أعرب بعض قادة الجماعات صراحة عن اختلافهم مع حزب المؤتمر الوطني . على كل حال، فإن العنف العربي/ العربي الذي وقع مؤخراً يظهر إلى أي مدى تتخطى النزاعات حول الأرض الانقسام الثنائي الإفريقي العربي الضيق  فضلاً عن الانقسام بين القبائل العربية الداعمة لجدول أعمال حزب المؤتمر الوطني وتلك المعارضة له. اندلع القتال بين القبائل التي تدعم حزب المؤتمر الوطني والجنجويد وتلك التي لم تشارك أو انحازت إلى طرف المتمردين .

التحق بعض العرب بحركات المتمردين لوضع حد للإستراتيجية التي يؤمنون أنها تؤدي إلى تجزئة دارفور والسودان بشكل كامل . ومن قادة المتمردين العرب من هم مهمون أمثال أحمد كبر وإبراهيم ماديبو من جيش تحرير السودان. في الخامس من كانون الأوّل/ديسمبر 2006، تم إطلاق حركة ثورية عربية جديدة في دارفور هي جيش القوات الشعبية  الذي ادعى تدمير قلعة الزبير على بعد 90 كلم من نيالا فضلاً عن صده هجوماً قام به الجيش على طريق كاس- زالينجي. يدعي قائدا المجموعة، صلاح محمد عبد الرحمن موسى (أبو صرة) وهو من قبيلة رزيغات في جنوب دارفور وياسين يوسف، إريغات رزيغات من شمال دارفور أنهما يتلقيان الدعم من قبائل رزيغات والحبانية وبني حلبا وقد نأيا بنفسهما في خلال البيان التأسيسي عن الميليشيات العربية التي تدعمها الحكومة . وكما سائر الحركات الثورية في دارفور، يتمركزان حالياً في تشاد ويتلقيان مساعدة ديبي . شارك أبو صرة بقوة في أحدث مناقشات دولية مع الأحزاب غير الموقعة على إتفاقية سلام دارفور وقد عقدت في القاهرة في كانون الأوّل/ديسمبر 2006 مع الميرغني وفي طرابلس في نهاية شباط/فبراير 2007 .

أما الجانب الآخر من المشاركة العربية فيتمثل بالتجمع العربي الذي تأسس في أواخر الثمانينات في خلال حكم صادق المهدي. يشكل التجمع المصالح السياسية للعرب في الحكومة المركزية وحزب المؤتمر الوطني. ويتألف من أربع طبقات: مجلس شورى تجمع القبائل العربية المؤلف من أهم قادة القبائل، وفرسان أجيد ، ومواطنين عاديين؛ الجهاز التنفيذي الذي ينسق العمل الاستراتيجي ويراقبه برئاسة حاكم جنوب دارفور السابق وعضو مجلس الدول، آدم حميد؛ والجهاز العسكري المؤلف من الفرسان؛ وجهاز الشعب وهو قاعدة التجمع حيث يؤثر في الإدارة الأصلية . ينسج التجمع العربي لدارفور- الذي يشكل رابطة عصب المنظمة- تحالفات مع كين في منطقة ساحليان، التي تمتد من تشاد إلى مالي وبوركينافاسو. ويمثل التجمع العرب على طول الساحل بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو الموقع أو أسلوب الحياة أو الجنسية . وهو يضم في دارفور غالبية النخبة السياسية العربية -حكام سابقون، قادة عسكريون، قادة نخبويون، مستشارون رئاسيون وكبار أعضاء الهيئات التنفيذية والتشريعية- التي ينتمي معظمهم إلى حزب المؤتمر الوطني أيضاً.

في ظل حكم صادق المهدي، تمكن التجمع من الحصول على المال والسلاح من بنى الدولة. لكن وصول نظام الجبهة الإسلامية الوطنية  في العام 1989 مع "مشروع الحضارة" وسياسات الهندسة الاجتماعية استند إلى إيديولوجيا التفوق الإسلامي والعربي الثقافي. لذا استغل التجمع العربي هذه الفرصة ليقدم جدول أعماله الخاص في كل من دارفور والخرطوم بغية الحصول على المزيد من الموارد لقبائله. ومع انقسام الجبهة الإسلامية الوطنية بين البشير والترابي ، ثم بروز إتفاقية السلام الشامل، تشتت المشروع الإسلامي. يشكل الاحتفاظ بالسلطة والاستمرار في السيطرة على أغلبية الثروات الوطنية أولوية مشروع حزب المؤتمر الوطني الذي يسعى إلى تطبيقه عبر تكتيكات فرّق تسد.

تتكامل أهداف التجمع العربي وحزب المؤتمر الوطني في دارفور ما يفسر العلاقة المقربة بينهما . فهما يحتاجان لبعضهما البعض كي يستمرا. بشكل عام، يسعى الأول وراء الأراضي التي تسيطر عليها القبائل غير العربية فيما يريد الأخير أن تبقى دارفور مقسمة حتى يفوز بانتخابات العام 2009. وتهدف استراتيجيا حزب المؤتمر الوطني القائمة على اختيار قيادات القبائل غير العربية وتدمير قواعد دعمها التقليدية إلى سلب غير العرب في دارفور قوتهم . فأكثر من مليوني غير عربي قد سلبوا أملاكهم على مر السنوات الثلاث الأخيرة وأجبروا على اللجوء إلى المخيمات للاحتماء والبقاء أحياء، الأمر الذي يخدم جدول أعمال التجمع العربي إذ يمكن ضم أراضيهم من قبل قبائل عربية منافسة.

معروف أن حزب المؤتمر الوطني استخدم الجنجويد بالوكالة لمقاتلة متمردي جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. وفيما يوافق بعض الجنجويد على جدول الأعمال، إلا أن ما أسعد آخرين مجرد حصولهم على السلاح والمال. وثمة تفسير آخر يفيد بأن التجمع العربي استفاد من النزاع ليحسن من خطة مكافحة التمرد المرتكزة على الجنجويد ويواصل استراتيجيا القضاء على القبائل غير العربية المالكة للأراضي . في الواقع، نظراً لأهداف التجمع العربي، وأفعال ميليشيات القبائل العربية والجنجويد ودعم حزب المؤتمر الوطني، يمكن القول إن الجنجويد يشكلون جزءاً من الجناح العسكري للتجمع العربي في دارفور أو أكثر .
بعد سنوات من الصراع المفتوح، وقعت الحركات الثورية والحكومة على إعلان مبادئ لحل النزاع السوداني في دارفور في 6 تموز/يوليو 2005 . لم تشارك أي من المجموعات العربية في هذا الاتفاق ونظرت معظم القبائل العربية في دارفور إليه على أنه تأكيد لعدم إشراكها في أي تسوية . اعتبر وسطاء الاتحاد الإفريقي ومجموعات المتمردين أن المصالح العربية قد تمثلت بشكل وافٍ بحزب المؤتمر الوطني. من جهتهم، قام ممثلو القبائل العربية وغير العربية على حد سواء بزيارة أبوجا وليبيا في مناسبات عدة في محاولة للمشاركة في محادثات السلام. غير أنهم منعوا من ذلك، ما خلق شعوراً بالنفور لدى العديد منهم .

في محاولة للتخفيف من إحباط العديد من القبائل العربية، دعا حزب المؤتمر الوطني إلى عقد مؤتمر في كانون الأوّل/ديسمبر من العام 2005 في الفاشر . وقد تم تقديم التوصيات إلى أبوجا بواسطة لجنة . وفيما تطابقت بعض التوصيات ومطالب المتمردين كاستعادة نظام حواكير لامتلاك الأراضي  وزيادة تمثيل دارفور في حكومة الوحدة الوطنية، إلا أن أياً من التوصيات لم يتخطَّ الخطوط الحمر التي أرساها حزب المؤتمر الوطني. وعندما اجتمعت اللجنة بمجموعات المتمردين وبالوسطاء في أبوجا، نكرت ادعاءها تمثيل الشعب في دارفور وقالت- بدرجة من التبرير- أنه تم التلاعب بنتائج المؤتمر . أما المتمردين فأعلنوا أنهم سيلتقون باللجنة بصفتهم دارفوريين عاديين لكنهم لن يسمحوا لها بتمثيلهم رسمياً في خلال المحادثات. وقد أدى هذا الأمر إلى تعميق الانقسامات بين قادة القبائل العربية والمتمردين.

من الواضح أن بعض التمثيل العربي في المفاوضات الجديدة ضروري- فلا بد من أن يشارك أولئك الذين كانوا جزءاً من المشكلة في إيجاد الحل. غير أن العديد من القبائل لا يمثلها حزب المؤتمر الوطني. يبقى تحدي الوساطة الأكبر في تحديد جهات التمثيل وآليّاته.

ه. المجتمع الدولي
لا تنحصر الأطراف الدولية الناشطة في النزاع بالاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وحسب- التي أوكلت إليها مهام حل النزاع- بل تشمل الولايات المتحدة وفرنسا والصين وإريتريا وتشاد وليبيا التي أرخت مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية بظلالها بقوة على ديناميكيات صنع السلام. وإذا كان الدافع لأغلبية الجهد المبذول الإصرار الجدي على تحمل "مسؤولية الحماية" غير أن عناصر أخرى لا تزال موجودة، فيما المجتمع الدولي منقسم حول ما يجب فعله في دارفور. فلا يمكن مقاربة النزاع المحلي العام حول الأراضي ومشاركة السلطة بمعزل عن الصراعات الإقليمية والقوى الأخرى.

وكانت الولايات المتحدة بارزة في مجالات عدة لا سيما استجابتها الإنسانية ومساهمتها في بعثة الاتحاد الإفريقي لدارفور. أما منظمات المناصرة في الولايات المتحدة مثل تحالف إنقاذ دارفور، فقط ضغطت على إدارة الرئيس بوش كي تكون أكثر فاعلية. غير أن معظم هذا الضغط قد تمحور حول الحصول على قوة دولية قوية داخل دارفور. فيما لم يبذل جهد كبير لإقناع الأحزاب بالتخلي عن الحل العسكري والعودة إلى المفاوضات. وقد استجابت الحكومة الأميركية عبر تعيينها مبعوثاً رئاسياً خاصاً (اندرو ناتسيوس) لدعم قرار مجلس الأمن رقم 1706 والإبقاء على العقوبات التجارية. لكن أياً من هذه الإجراءات لم يكن ملزماً أو فاعلاً في ما يتعلق بحزب المؤتمر الوطني.

تكلم ناتسيوس عن "الخطة ب" التي تفرض إجراءات عقابية على النظام لتصديه انتشار قوات الأمم المتحدة الكامل كجزء من قوى الاتحاد الإفريقي/ الأمم المتحدة. وتتضمن الخطة عقوبات هادفة ضد الأفراد وعقوبات اقتصادية ضد الشركات التي يملكها النظام، وإعلام المصارف الأميركية والأجنبية بعدم السماح باستخدام الدولار في المعاملات في قطاع النفط السوداني والطلب من النظام الاحتياطي الفدرالي تطبيق هذا الحظر فضلاً عن التخطيط العسكري الطارئ. لم يطبق أي من هذا، فيما أعلن ناتسيوس في 11 نيسان/أبريل أنه تم تأجيل العقوبات الجديدة لأسبوعين بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لكن الرئيس بوش سيطبقها أواخر شهر نيسان/ابريل . إذا حُصرت العقوبات وجاءت أحادية، فلن يكون لها سوى تأثير طفيف في حسابات الخرطوم. لكن ناتسيوس أعلن أن الولايات المتحدة قد أبلغت الحكومات الأوروبية بهذه العقوبات.

تُطرح أسئلة حول أولويات الولايات المتحدة في السودان . فعلى الرغم من أن واشنطن وصفت الوضع في دارفور بالمجزرة في منتصف العام 2004 ، إلا أنّ الوضع في السودان لا يزال يُشكّل مصدر معلومات مهم لإدارة "الحرب على الإرهاب". وتفيد الأدلّة أنّ السياسة تخضع لتوجيهات جماعة المخابرات التي رغبت في حماية أصول حزب المؤتمر الوطني. زار كبار مسؤولي الحزب مقر وكالة الاستخبارات المركزية خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الرغم من ملاحظات دارفور. تحتاج إدارة بوش لأن تعيد النظر في اعتمادها على السودان للحصول على معلومات حول مكافحة الإرهاب إذا ما أرادت تحسين موقفها في دارفور. كما كانت الولايات المتحدة الوسيط الأساسي لإتفاقية السلام الشامل التي أنفقت فيها الكثير، مع أن التزامها بتطبيقه كان حتى الآونة الأخيرة شبع معدوم . على كل حال، فإن الولايات المتحدة تراهن كثيراً على نجاح إتفاقية السلام الشامل التي تتطلب شراكة متواصلة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان.

غالباً ما يشار إلى الصين على أنها أصعب أعضاء مجلس الأمن بالنسبة إلى ملف دارفور. فهي تملك استثمارات نفطية وأخرى ضخمة في السودان وترغب بحماية استثماراتها بواسطة حزب المؤتمر الوطني. أما الدول الغربية كالولايات المتحدة بشكل خاص، فلم تكن مستعدة لإنفاق رأسمالها السياسي لتغيير هذه الحسابات أو لم تقوَ على ذلك. اتخذت الصين مؤخراً بعض الخطوات التي فسرت على أنها مقاربة أكثر نقدية: فقد وافقت على مقررات اجتماع أديس أبابا في تشرين الثاني/نوفمبر 2006، وتساءلت عن رفض البشير"عرض الدعم الكبير" في آذار/مارس 2007 وأرسلت مساعد وزير خارجيتها إلى الخرطوم في نيسان/أبريل ليبلغ الرئيس البشير أنه يتوقع منه "مزيداً من المرونة" . غير أن الرئيس هيو جينتاو وقع اتفاقيات اقتصادية جديدة مع الخرطوم توحي كالعادة بأنها تقتصر على الأعمال.

نظراً لانعدام الاستقرار المتواصل في دارفور وهشاشة إتفاقية السلام الشامل، يحدق الخطر بمصالح الصين الاقتصادية في السودان مما يحفزها على اتخاذ موقف أكثر صلابة تجاه حزب المؤتمر الوطني. لكن إذا ما لم تستطع الولايات المتحدة والصين الاتفاق على سياسة مشتركة حول دارفور، فلا يبدو أن ثمة منفعة دولية كافية للتأثير على الأطراف بالنيابة عن وساطة الأمم المتحدة/الاتحاد الإفريقي وبالتحديد جرّ حزب المؤتمر الوطني مجدداً إلى طاولة المفاوضات.

وفيما يبقى الأمل في أن يدفع فريق وساطة الأمم المتحدة/ الاتحاد الإفريقي بالعملية إلى الأمام، لا بد من أن تُظهر كلا المنظمتين المزيد من القيادة المتماسكة حول هذه المسائل. تكمن الخطوة الأولى المهمة في تعيين رؤساء جدد لبعثات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في السودان. فبعثة الاتحاد الإفريقي من دون قائد منذ أن غادر السفير بابا غانا كينجيبي في أيلول/سبتمبر 2006. أما بعثة الأمم المتحدة إلى دارفور فمن دون ممثل خاص منذ أن اعتبر حزب المؤتمر الوطني يان برونك شخصاً غير مرحب به في أكتوبر.

في خلال السنة الأخيرة من توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة، عمل كوفي أنان من دون كلل- على الرغم من نجاحه المحدود- لحشد استجابة دولية قوية للأزمات الأمنية والإنسانية والسياسية في دارفور. وقد أنفق هذا الإفريقي الذي يملك خلفية موسعة ومؤلمة أحياناً عن حفظ السلام، الكثير من رأسماله السياسي على هذه المسألة. ويصب التغيير في منصب الأمين العام من أنان إلى بان كي مون إلى تأخير التحرك القوي إذ إن بان وفريقه يستغرقان بعض الوقت للإحاطة بجوانب ملف دارفور.

في يناير، لفت بان إلى أنّ أزمتي دارفور والشرق الأوسط تتصدّران سلم أولوياته. وأعلن نيته السفر إلى الخرطوم خلال الشهر الأول من عمله وعمل مع أنان حتى قبل توليه منصبه لضمان تعيين يان إلياسون، وزير الخارجية السويدي الأسبق المحترم والموهوب والرئيس الأسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة مبعوثاً خاصاً للأمم المتحدة إلى دارفور في 19 كانون الأوّل/ديسمبر 2006. غير أن بان اعترف أيضاً بالنقص الكبير في معلوماته خاصة في ما يتعلق باستغلال الخرطوم للانقسامات داخل المجتمع الدولي.

بعد زيارة بان إلى السودان في يناير 2007، حثه العديد من المراقبين على التشديد على الوضع المتدهور في دارفور عندما قدم تقريره إلى مجلس الأمن وعلى مطالبة المجلس بتحرك حازم للضغط على الخرطوم والمتمردين على حد سواء. عوضاً عن ذلك، اعتمد لغة الصبر والهدوء مع النظام . وعلى الرغم من وصفه استجابة الرئيس البشير التي طال تأجيلها للقوة المشتركة على أنها غير كافية ، إلا أنه طالب بعدم فرض عقوبات إضافية على الفور . وبالتالي، بعد أخذ العلم باستمرار معارضة أعضاء المجلس الأساسيين  فرض المزيد من الضغط واستعداداً منها لإعطاء مقاربة بان الحذرة فرصة، أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة تأجيل إعداد مشروع القرار . بعد أربعة أشهر تقريباً من موافقة المجلس على عملية مشتركة للأمم المتحدة/ الاتحاد الإفريقي في دارفور، يواصل بان صراعه مع الخرطوم التي تعاند الانتشار فيما يتعين عليه أيضاً تعيين بديل لبرونك.

في غضون ذلك، عمل إلياسون مع سالم من الاتحاد الإفريقي لمحاولة إرساء إطار تفاوضي لحل الأزمة السياسية. وفيما اعترف بالوتيرة البطيئة، غير أنه آمن بإمكانية تعديل إتفاقية سلام دارفور وبجمع الأطراف معاً. ونوّه بتشكيك سليم في ادعاءات الخرطوم عدم سعيها بعد الآن لحل عسكري وموافقتها على أهمية جمع الحركات الثورية معاً لخلق شريك مفاوض يتمتع بالمصداقية. وهو يعتبر جيش تحرير السودان جاهزاً لمناقشة تشارك السلطة والثروة والتطرق إلى الموضوع الأمني لكنه يعتبر حركة العدل والمساواة وجبهة الخلاص الوطني على درجة كبيرة من التشكيك بالاتحاد الإفريقي بسبب عدم قدرته على اجتثاث العنف وارتباطه بإتفاقية سلام دارفور . بمعنى آخر، يسود القلق من أن يتمكن إلياسون وسالم من مكافأة الأخيار من دون معاقبة الأشرار وأن تقوَّض جهودهم الحثيثة بفعل تنافر الأصوات والمبادرات التي تشتت الضغط الدولي وتمنح الخرطوم والمتمردين الأعذار للتأجيل.

تراقب الدول المجاورة للسودان - تشاد وليبيا وإريتريا- بأهمية بالغة ديناميكيات دارفور. يُحدَّد موقف كل من هذه الدول بحسب حساباتها الأمنية الوطنية. في نهاية شهر نيسان/أبريل، استضافت ليبيا مؤتمراً مهماً بشان دارفور ضمّ ممثلين عن مختلف الفعاليّات الدوليّة . وسلّط المؤتمر الضوء على دور الفعاليّات الإقليميّة المهم وعلى المسار السياسي ولكنّه منح الأولويّة لمبادرة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة . ولكن يبدو في لحظة إعداد هذا التقرير بأنّه لم يُسجّل أي خرق يُذكر.

وفيما يبدو مغرياً وصف اللعبة بين دارفور وشرق تشاد على أنها لعبة باتجاه واحد -"عدوى أزمة دارفور تبلغ تشاد"- إلا أن العلاقة أكثر تعقيداً. فأكثر من مئتي ألف لاجئ من دارفور موجودون في تشاد، فيما تهاجم الميليشيات العربية من دارفور القرى. لكن سياسات الدولتين كانت متضافرة على مر عقود. فالرئيس ديبي دعم الخرطوم عندما بدأت الثورة في العام 2003 لكن العلاقة سرعان ما تغيرت مع تقديم إنجمينا المساعدة إلى المتمردين، خاصة عناصر زغاوة وتسليح حزب المؤتمر الوطني المتمردين في تشاد ودعمهم. في الواقع، هم يشنون حرباً بالوكالة في المناطق الحدودية ويزعزعون الاستقرار في جمهوريّة إفريقيا الوسطى  . في الوقت نفسه وبينما يمارس المجتمع الدولي ضغوطاًُ على حزب المؤتمر الوطني من أجل حل النزاع في دارفور، يجدر به أن يضغط على ديبي لحل نزاعات تشاد الخاصة.

حاولت ليبيا التوسط بنتائج مزدوجة. فبينما كانت تعارض بشدة إرسال قوة دولية إلى دارفور، استضافت أحياناً ثوار دارفور وقادة القبائل فضلاً عن وفود حكومية وأعدت في شباط/فبراير 2006 "اتفاق طرابلس"، الذي اتفق فيه كل من السودان وتشاد على وقف دعم المتمردين المتبادل والسماح لقوة خارجية بمراقبة الحدود. لم يخرج الاتفاق بتأثير كبير، وازداد الزخم في الأمم المتحدة لنشر قوة حفظ سلام يبلغ عديدها 11 ألف جندي شرق تشاد. رداً على ذلك، أعادت ليبيا إحياء فكرة بعثة إقليمية لمراقبة الحدود فيما كانت تعترض على انتشار فعلي للأمم المتحدة .

لربما كان موقف إريتريا الأكثر تعقيداً. فقد شكلت لفترة طويلاً ملاذاً آمناً وقدمت التدريب والدعم المادي لمجموعات المتمردين السودانيين، بما فيهم الجيش الشعبي لتحرير السودان والتحالف الديمقراطي الوطني ومختلف الحركات في دارفور. في حزيران/يونيو 2006، سهلت إنشاء جبهة الخلاص الوطني لكن علاقتها مع الخرطوم كانت تتطور. وتنظر إريتريا تاريخياً إلى حزب المؤتمر الوطني على أنه يشكل مصدر تهديد لها، بسبب جذوره الإسلامية الأصولية من جهة ودعمه من جهة ثانية لمجموعات المعارضة مثل الجهاد الإسلامي الإريتري.

لكن أثيوبيا تشكل تهديداً أكبر وقد قربت البراغماتية أسمرة من الخرطوم. بعد الالتحاق بالحكومة، سهلت الحركة الشعبية لتحرير السودان أولى الاتصالات بين حزب المؤتمر الوطني وإريتريا. وفيما لاحت في الأفق ملامح حرب بالوكالة مع أثيوبيا في الصومال ، بدأت إريتريا تجاري حزب المؤتمر الوطني في لعبته. كانت الوسيط في اتفاق سلام شرق السودان من دون أي تدخل دولي، وتحول دعمها لثوار دارفور إلى عداء حين احتجزت قادة جيش تحرير السودان عبد الواحد وعبد الشافع رهينتين لديها لأسابيع عدة أواخر العام 2006 . كما يقال إنها حاولت مقابل صادرات النفط السودانية أن تطلق محادثات جديدة حول دارفور لإرضاء حزب المؤتمر الوطني عبر عرض رفض التدخل الدولي الأوسع مرة أخرى .

انحصرت مصلحة إريتريا في إبعاد الخرطوم عن أثيوبيا في حال اندلاع حرب ساخنة مع أديس أبابا. فبغياب الحلفاء المتمردين في شرق السودان، أصبحت إريتريا عرضة لأي هجوم من الحدود السودانية وتريد أن تضمن أن الخرطوم ستمنع أي استغلال من جانب القوات الأثيوبية. حالياً، تؤدي إريتريا دوراً مزدوجاً- حيث تدعم أحياناً ثوار دارفور، فيما تدعم أحياناً أخرى حزب المؤتمر الوطني.

IV. السعي إلى الاتفاق السياسي
فات الأوان لبذل جهود جديدة كفيلة بإعادة استئناف المسار السياسي، وبات التوصل إلى حل متوافق عليه يزداد صعوبة اليوم، نظراً إلى سعي حزب المؤتمر الوطني الدؤوب لتطبيق النواحي الخلافية من إتفاقية سلام دارفور. ومنذ أن بدأ الاهتمام ينصب على المحادثات السياسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2006، جرى تعيين يان إلياسون موفداً خاصاً للأمم المتحدة إلى دارفور لمشاركة سالم سالم من الاتحاد الأفريقي إدارة المسار. أجرا الاثنان مشاورات في الخرطوم ودارفور وتواصلا مع الشركاء الدوليين ولكنهما لم يجدا بعد سبيلاً واضحاً إلى العمل المستقبلي. فالوضع أكثر تعقيداً مما كان عليه لدى توقيع إتفاقية سلام دارفور في أيار/مايو 2006 لأنّ السلام المستدام يتطلب إرساء إتفاقية تشمل عامة الشعب في دارفور، وتغلب المخاطر العديدة التي تغذيها أحقاد الأطراف المتورّطة في الأزمة، وتُسببها الدول المجاورة للسودان (ولا سيما تشاد، وإريتريا، وليبيا)، ومقاربة المجتمع الدولي المنقسمة ومعارضته تحميل الأطراف المعنية المسؤولية عن أفعالها.

مع تركيز المجتمع الدولي على تطبيق القرار 1706 وإتفاقية سلام دارفور، سقطت الجهود المبذولة لحمل الأطراف غير الموقّعة على التوقيع. وبعد فشل المحاولات الأولى الرامية إلى حمل عبد الواحد وخليل إبراهيم على توقيع إتفاقية سلام دارفور، لم تبذل أي جهود لتقدّم العمليّة السياسية . إلا أنه في تشرين الأول/أكتوبر 2006، وما إن تم إبرام اتفاق سلام شرق السودان، استجابت إريتريا لطلب حزب المؤتمر الوطني لترؤس مفاوضات دارفور. وقد أمل الحزب بأن تساهم المبادرة في عزل الحركة الشعبية لتحرير السودان، والاتحاد الأفريقي، والمجتمع الدولي عن متمرّدي دارفور والمسار السياسي.

في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر، التقت الحكومة الإريترية بالممثلين عن الأطراف غير الموقّعة، بما في ذلك جبهة الخلاص الوطني المؤسسة حديثاً. وتقتضي الشروط المطروحة أداء إريتريا دور الوسيط من دون أي تدخل خارجي، وسحب الحركات دعمها لحساب دخول قوة من الأمم المتحدة إلى دارفور.  وعندما تعرّض البعض للإعاقة، أخذت إريتريا تزيد تدريجياً الضغوط على زعماء المتمرّدين الأساسيين، وصادرت جواز سفر عبد الواحد وعبد الشافع واحتجزتهما في أسمرة. فما كان منهما، تماماً كحركة العدل والمساواة، إلا أن قبلا بالوساطة مبدئياً بانتظار توضيح الإجراءات، ولكنهما أصرّا على انخراط دولي أوسع .

استغل حزب المؤتمر الوطني أشْهُر جمود الحركة على الصعيد الدولي للاستمرار في الاستراتيجية العسكرية من جهة ومحاولة إقناع قادة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة من جهة أخرى. فوافق أبو القاسم إمام الحاج من جيش تحرير السودان بزعامة عبد الشافع على إتفاقية سلام دارفور في تاريخ 18 تشرين الثاني/نوفمبر.  وفي الشهر نفسه، سعت فصيلة منشقة عن حركة العدل والمساواة بزعامة إدريس إبراهيم أزرق إلى عقد مؤتمر عام لحركة العدل والمساواة في أديس أبابا. وزُعم أن حزب المؤتمر الوطني قد موّل المؤتمر.  

طرحت عدة مبادرات لتعزيز مواقف المتمرّدين على طاولة المفاوضات. واقترحت الحركة الشعبية لتحرير السودان تسهيل النقاشات بين الفصائل ولكنها كانت عاجزة عن النجاح في إنقاذ اجتماع القادة كافة في ياي جنوب السودان في حزيران/يونيو 2006 . وفي آب/أغسطس، ناقش سالفا كير دور الحركة الشعبية لتحرير السودان المحتمل في أسمرة، وقد رحّبت إريتريا بالفكرة في حين أن حزب المؤتمر الوطني أعرب عن قلقه حيالها. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر، أكد مسؤول رفيع المستوى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان لا تزال تخطط لتسهيل عقد اجتماع توحيدي في جوبا ، وأنها أعلنت عن مبادرة مشتركة مع قائد الحزب الاتحادي الديمقراطي الميرغني في أسمرة  . وكرر كير اهتمامه بالمشاركة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر ، وفي الشهر التالي، كررت أسمرة أن الحركة الشعبية لتحرير السودان ستدعو الأطراف غير الموقعة إلى الاجتماع في جوبا . وكما أشير إليه آنفاً، توجه المسؤول في الحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان إلى دارفور في شباط/فبراير 2007 للتمهيد لزيارة كير. وتسعى الحركة الشعبية لتحرير السودان الآن إلى تنظيم اجتماع مع زعماء القبائل في دارفور وآخر مع الأطراف غير الموقعة.  وتوجه كير إلى تشاد في آذار/مارس ولكنه لم يتمكن من لقاء الأطراف غير الموقعة.

سعى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والنرويج، وهولندا إلى تنظيم مؤتمرات توحيدية لجيش تحرير السودان. وكانت الجولة الأولى المفترض انعقادها في تشرين الثاني/نوفمبر 2006 لتجمع زعماء جيش تحرير السودان في بير مازة شمالي دارفور . استحال انعقاد هذا المؤتمر عندما أقدمت الحكومة على الهجوم . وحاول الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بمساعدة الحاكم الأمريكي بيل رتشاردسون التفاوض على وقف إطلاق النار تسهيلاً لعقد مؤتمر في كانون الثاني/يناير ولكن الحكومة قصفت المناطق المتفق عليها حول أنكا، وأم راي، وعين سرو شمالي دارفور ومن ثم منعت الاتحاد الأفريقي من المشاركة في التنظيم .

مع تجمع القادة في أم راي، أجريت محاولة أخرى لعقد اجتماع في 19 شباط/فبراير ولكن المحاولة باءت بالفشل. فقد غادر عبد الشافع وشريف حرير تشاد للتوجه إلى أم راي دونما التمييز بين "القادة" والمؤتمر "السياسي". وفي غضون ذلك، انسحب قادة عبد الواحد من أم راي معبرين عن قلقهم حيال انشقاق عبد الشافع، وشريف حرير، وميني ميناوي خشيةً من أن يكونوا جواسيس.

التقى موفد الولايات المتحدة الخاص  ناتسيوس بجبهة الخلاص الوطني وعبد الشافع في تشاد في كانون الثاني/يناير، في حين أن سالم وإلياسون التقيا قادة جيش تحرير السودان في أم راي في شباط/فبراير.

بناءً على طلب الخرطوم التدخل لدى فصائل المتمرّدين، عقدت مصر عدة اجتماعات بالتنسيق والتعاون مع الحزب الإتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني في محاولة لجمع الأطراف غير الموقّعة. فأعرب الحزب الإتحادي الديمقراطي عن ضرورة التوصل إلى موقف مشترك بين الأطراف غير الموقّعة  وفي أوائل آذار/مارس، تم الإعلان عن مبادرة توفيقية تقتضي التوجه إلى دارفور. ويترأس الرئيس السابق لسلطة السودان الانتقالية (1985-1986) سوار الذهب لجنة (معروفة بجمع الصف) تسعى إلى التوافق. وقد التقى بأطراف غير موقعة وقادة أحزاب في السودان وخارجها في الأشهر الأخيرة لجمع مواقف واستنتاجات - ربما في سبيل اقتراح مؤتمر وطني - يفترض بإعلانها قريباً.

مع تعدد المبادرات، ازدادت الضغوطات الممارسة على الاتحاد الأفريقي ليدافع عن حقوقه. فنشطت المبادرة الإريترية بالتزامن مع اللحظات الأخيرة من ولاية كوفي أنان كأمين عام للأمم المتحدة والانتهاء المحتمل لولاية بعثة الاتحاد الأفريقي لدارفور . وفي اجتماع عالي المستوى في أديس أبابا في 16 تشرين الثاني/نوفمبر ، أعلن أنان ورئيس لجنة الاتحاد الأفريقي ألفا عمر كونار عن مبادرة مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لاستئناف المحادثات السياسية في غضون أسابيع. إلا أن الوقت غير الواقعي المحدد كان رداً على التحرّك الإريتري الذي لم يرحب به الاتحاد الأفريقي وغيره.  وفي 30 تشرين الثاني/نوفمبر، لم يتخذ مجلس السلم والأمن أي قرارات إضافية حول الصيغ المقترحة، وتركت المبادرة للموفد الخاص سالم سالم فيما عيّن أنان يان إلياسون للعمل معه لإعادة إحياء عمليّة السلام.  وفي ظل إنشاء فريق مشترك لدعم الوساطة في السودان وزيارة سالم وإلياسون، ظهر القلق حيال عدم تمضية أي منهما الوقت في السودان للتأثير في الأطراف الأساسية وفهم أبعاد العقبات.

يبدو أنّ إريتريا وليبيا لا تزالان تسعيان إلى تأمين الوساطة، مع أنّ مؤتمر ليبيا الأخير أوجد ولحسن الحظّ توافقاً بشأن مبادرةٍ مشتركةٍ . وبعد أن أنهى سالم وإلياسون مهمتهما في السودان في شباط/فبراير 2007، وفيما كان قادة جيش تحرير السودان الميدانيين يسعون إلى عقد مؤتمرهم، التقت السلطات الإريترية والليبية في طرابلس ودعت البشير والأطراف غير الموقّعة إلى "البدء بالمحادثات".  اعتبر الاتحاد الأفريقي وهو صمام أمان إتفاقية سلام دارفور، أن إريتريا لا تستطيع المتابعة من دون مشاركته إلا إذا أرادت وحزب المؤتمر الوطني إعلان الحداد على الإتفاقية . وتقترح اللقاءات بين الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة وإريتريا بعض التنسيق الوشيك.


V. الخلاصة: متطلبات السلام
تقع دارفور في مأزق سياسي وعسكري. فمع أن حزب المؤتمر الوطني تدبّر أمر بعض القادة المتمرّدين فتخلّص منهم بالمال، إلا أن الأطراف غير الموقّعة لم تقدم على الانضمام إلى إتفاقية سلام دارفور. فكان التطبيق بطيئاً بقيادة حزب المؤتمر الوطني الذي أخذ يمارس الضغوط على الاتحاد الأفريقي مؤقتاً لإبعاد الأطراف غير الموقّعة عن لجنة وقف إطلاق النار واللجنة المشتركة، في حين أنه وافق على إجراء يقضي بضمها. كذلك، لم يهزم الجيش والجنجويد المتمرّدين الذين لم يتمكنوا بدورهم من السيطرة على المدن الرئيسة وإلحاق خسائر فادحة بالنظام. وعلى رغم إمكانية تبديل قوات الأمم المتحدة للحسابات العسكرية وحؤولها دون الخسائر المدنية، ولكن حزب المؤتمر الوطني نجح في صد انتشار دولي جديد.

بدأ يتلاشى ادعاء حزب المؤتمر الوطني والمجتمع الدولي بمساهمة إتفاقية سلام دارفور في إرساء السلام في دارفور، فإذا بالأطراف كافة تسعى إلى احتساب خطوتها التالية. فحزب المؤتمر الوطني يريد الحصول على التواقيع دونما تقديم أي تنازلات وتقسيم حركات المتمرّدين وعزلها. ويأمل استمرار حالة انعدام الاستقرار في دارفور ومنع حركات المتمرّدين من الاتحاد، على الأقل قبل انتخابات العام 2009. أما مصر وإريتريا وجامعة الدول العربية فتسعى إلى اقتراح خطوات سريعة، في حين أن أطرافاً أخرى من المجتمع الدولي تناضل في سبيل اللحاق بهذه المساعي التي يعيقها فراغ قيادي سببه طرد يان برونك، ورحيل كوفي أنان، وضعف نفوذ الاتحاد الأفريقي في الخرطوم . جرى التباحث في أسباب فشل جولة المحادثات الأخيرة في أبوجا  ولكن الاتحاد الأفريقي بالشراكة مع الأمم المتحدة لم يقترح أي خارطة طريق سياسية بعد.

يتطلب السلام الدائم في دارفور أكثر من رزمة تواقيع إضافية على إتفاقية سلام دارفور. فلا بدّ من إعادة النظر في العمليّة كاملة استناداً إلى الدروس التي تعلّمتها الأطراف في أبوجا والوقائع الميدانية، ووضع حد للمبادرات. فمن شأن أصدائها أن تخوّل الأطراف المختلفة المساهمة في الفساد وتقويض العمليّة. أما نجاح مبادرة الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة، بولايتها الدولية، فرهن حدثين.

أولاً، يتعيّن على فريق الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة السيطرة على العمليّة ووضع إطار محدد لها يضم إريتريا وتشاد والحركة الشعبيّة لتحرير السودان والمبادرة إلى طرح حل في دارفور بين قوى النزاع الإقليمية والعالميّة. وفي حال قرر الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة العمل مع إريتريا وليبيا، فلا بدّ لهما من القيام بذلك بالتنسيق بينهما. ثانياً، يتعيّن على المجتمع الدولي مساعدة الاتحاد الأفريقي/الأمم المتحدة على فرض السيطرة من خلال تقديم الدعم الكامل للمبادرة المشتركة شريطة أن يدرك المتمرّدون وحزب المؤتمر الوطني وغيرهم وجود متحدث واحد للمسيرة. كذلك، ينبغي أن يدرك المتمرّدون بأنه من غير الواقعي طلب صرف سالم وفريقه. فمع أن متمرّدي تشاد يضفون على عوامل انعدام الاستقرار في دارفور عاملاً إضافياً، إلا أنهم يخضعون لحزب المؤتمر الوطني ويعوّلون على دعمه في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. ولا بدّ أن يؤدي توقيع حزب المؤتمر الوطني إتفاقية وقف إطلاق النار في دارفور إلى إبطال رغبته في تحرير التشاديين في حين أن توقيع المتمرّدين هذه الإتفاقية قد يضع حداً للحرب بالوكالة بين الخرطوم وإنجمينا.

ينبغي اتخاذ خطوات عدة لتعزيز فرص التوصل إلى سلام متفق عليه. أولاً، تكرر مجموعة الأزمات الدولية أن وحدة المتمرّدين، بالإقناع أو الضغط، هي مطلب أساسي لمفاوضات ناجحة . ثانياً، ينبغي أن تكون المحادثات شاملة قدر الإمكان. فلا يمكن الاكتفاء بتوافق الأطراف المتحاربة على وقف القتال. صحيح أن الاعتداءات تنتهي بالتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار ولكن السلام الفعلي يقتضي وضع حل سياسي جديد. ومن شأن المسائل المتنوّعة التي تطرّقت إتفاقية سلام دارفور إليها أن تثبت هذه النقطة، ولكن تعالت أصوات العديدين ممن أقصتهم المفاوضات. فقد تترجم الشمولية بتطبيق الإتفاقية تطبيقاً مستداماً وسهلاً على أن تضم المفاوضات مجموعات غير الحكومة والمتمرّدين. ويقتضي أي اتفاق جديد معالجة الشكاوى الأساسية وبالتالي حشد الدعم اللازم. ولا يمكن أن تقبل الأطراف المتفاوضة به وأن يحظى بالدعم الملائم في دارفور ما لم يُبنَ على مزيد من النفوذ وتشارك الثروات.

في النهاية، تقتضي مسيرة الوساطة تركيز الوسطاء وسيطرتهم. ويشكل إطار العمل المعمول به في نيفاشا مثلاً صالحاً تحتذي به إتفاقية سلام دارفور. كذلك، لا بدّ من توفر آلية إشراف دولية ومن فرصة إلزام الأطراف بتعهداتهم. وهذا ما افتقدت إليه الاتفاقيات الموقّعة منذ العام 2004. فتعرّضت للانتهاك جملةً وتفصيلاً وفرّ المنتهكون من وجه الملاحقة.
أ‌.    توحيد حركات التمرّد
قبل الانطلاق في محادثات جديدة، يتعيّن على المجموعات الثوريّة غير الموقّعة على الإتفاقية أن تنطق بصوتٍ واحدٍ وتنساق لقيادةٍ واحدةٍ. وهذا من المسلّمات ولكنّ الحركات لم تُبدِ أي تعاون ولقد ضاع الوقت الكثير. فإذا استحال على الحركات أن تتوحّد، توجّب عليها على الأقلّ أن ترصّ صفوفها في مجموعات لها كيان معترف به وتهتدي بقيادة متماسكة وتتخذ مواقف سياسيّة. وقد تبدر الحاجة إلى أن تأخذ الأسرة الدوليّة مزيداً من التدابير الفعالة فلا يقتصر دورها على تيسير الفرص وعرضها على الحركات كما كانت الحال حتّى الساعة.

تركّزت غالبيّة الجهود على جيش تحرير السودان الذي توزّعت فصائله غير الموقّعة على الإتفاقيّة وإنما الحاضرة على أرض المعركة والتابعة لقيادة سياسيّة بين جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الشافع ومجموعة الـ19 (جيش تحرير السودان/ الوحدة). وكانت الأخيرة حتّى زمن ليس ببعيد بقيادة خميس أباكر في الخارج وآدم بخيت ميدانيّاً ولكنّ الخلاف بين الاثنين لم ينفكَّ يتزايد وبات بخيت اليوم ينفق غالبيّة وقته في تشاد مسلّماً قيادة دارفور لجار النبي، وعثمان بشرى وسليمان مرجان . ومن أبرز الشخصيات نذكر شريف حرير وأحمد دريج من قيادات التحالف الديمقراطي الاتحادي السوداني  والعديد من القادة الذين خرجوا على جيش تحرير السودان/ ميني ميناوي للانضمام إلى مجموعة الـ19 في الأشهر القليلة الماضية.

وتقضي الخطوة الأولى بعقد مؤتمر للقادة الميدانيين، مؤتمر يرمي إلى توحيد قيادة جيش تحرير السودان العسكريّة. ولوقف المواجهات وقفاً فعالاً يتعيّن توحيد صفوف جيش تحرير السودان بحيث ينطق بصوتٍ واحدٍ على الأرض ويكون له ضبّاط ربط يُمثّلونه في لجنة لوقف إطلاق النار ويعملون مع الوكالات الإنسانيّة. حالياً، لا تعمل الفصائل على اختلافها ضمن نسق موحّدٍ. ولن يكون التماسك السياسي ممكناً ما لم يتوحّد القادة الميدانيّون. وعندئذٍ يتعيّن تشكيل لجنة تحضيريّة سياسيّة تضم أبرز الشخصيّات السياسيّة التي قضت معظم الوقت خارج دارفور إلى جانب القادة الميدانيين للتوافق على هيكليّة القيادة وإجراءاتها . وأخيراً، يتعيّن على جيش تحرير السودان أن يعقد مؤتمراً تشاورياً شاملاً يطرح فيه رؤياه مع مجموعةٍ كبيرةٍ من الأطراف المعنيّة من المجتمع المدني، مخيمات النازحين داخلياً، الأحزاب السياسيّة والمجموعات العربيّة.

سعت الأسرة الدوليّة إلى اقتراح عقد مؤتمر للقادة الميدانيين في أم راي، شمال دارفور وأتت النتائج غامضةً مختلطة. وانقسم قادة جيش تحرير السودان السياسيّون بشأن جدواها غير واثقين بأنّ النقاش سيقتصر على الشؤون العسكريّة دون سواها. وحضر البعض مثل شريف حرير في حين استمر آخرون مثل عبد الواحد في الرفض مُصرّين على إبرام إتفاقيّة سلام أوّلاً. في حين يخشى عبد الواحد على سلامته، فإنّ أكثر ما يروّعه فقدان السلطة لأنه يعي بأنّ قيادته المتقلّبة في السنوات الأربع المنصرمة ستؤدي على الأرجح إلى قلب الموازين في حال انعقد مؤتمر من هذا النوع. ويرغب حزب المؤتمر الوطني في إعادته إلى طاولة الحوار وسيدعم تعنّته. وكما ذُكر أعلاه، يبدو أنّ رفض شريف حرير أواسط شهر نيسان/أبريل طرح توفيق الرؤى بين جيش تحرير السودان وجبهة الخلاص الوطني يفتح الباب أمام مشاركة عبد الواحد في المؤتمر .

وشعر غيره من القادة السياسيين بالتهديد من انعقاد مؤتمر مماثل حتّى لو كانت الغاية الأولى منه تحقيق الوحدة العسكريّة. وعلى غرار شريف حرير، قرر عبد الشافع الحضور مؤكداً رفضه الخوض مجدداً في مفاوضات سياسيّة قبل انعقاد مؤتمر للقيادات . وانتهى الأمر بأن انسحب قياديّو عبد الواحد بعد أن كانوا قد قرروا الحضور. ولم يُرسل خميس أباكر وفداً وازدادت عزلته في حين بقي آدم بخيت في تشاد.

أمّا الأمن فمشكلة أخرى، كما يتجلّى في الجهود العديدة المُبيّنة أعلاه والتي بائت بالفشل بفعل اعتداءات الجيش/الجنجويد وغارات الحكومة شهر نيسان/أبريل 2007 على ضواحي موقع انعقاد المؤتمر. ولا زال بعض قياديّو عبد الواحد في جبل مرة يُبدون تردداً بسبب مخاوف مماثلة. ولكن منذ شباط/فبراير 2007، كانت المنطقة المحيطة بأم راي تنعم بالسكينة ويبدو أنّ حزب المؤتمر الوطني يفي اليوم بتعهداته السماح للمؤتمر بالإنعقاد. وليس توحيد القادة الميدانيّين في مصلحة الحزب الحاكم ولكنّ احتمال انعقاد المؤتمر ونتائجه لا يزالان غير واضحين. فلعلّ المؤتمر سيغلب الاختلافات بين الفصائل ويخرج بقادة جدد. ولكن هل سيسود دارفور ما يكفي من الأمن لعقد مؤتمرٍ شمولي. لا بدّ في هذا المجال من وجود قوى مختلطة بين الإتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة لضمان احترام وقف الاعتداءات.

على الرغم من المشاكل في أم راي، يتعيّن على الأسرة الدوليّة الاستمرار في العمل مع القادة الميدانيين وتشجيعهم على الحضور. فإذا تعذّر توحيد جميع قادة جيش تحرير السودان الميدانيين، فلا بدّ إذاً من الإصرار على رصّهم في مجموعتين أو ثلاث مجموعات متماسكة. وفي هذه المرحلة لا بدّ من اتخاذ التدابير لعقد مؤتمر سياسي شامل بين مختلف فصائل جيش تحرير السودان.

في حين يصبّ المجهود الأكبر على جيش تحرير السودان، لا يزال مستقبل جبهة الخلاص الوطني غير أكيد. ولا يتضح السبيل إلى دمج قوّات الجبهة الديمقراطيّة الثوريّة/ جيش القوات الشعبية والحركة الوطنية للإصلاح والتنمية في المفاوضات المستقبليّة. ونظراً لقيام تحالف عسكري قوي لم تصبح جبهة الخلاص الوطني غير الموقعة على إتفاقيّة سلام دارفور، تحالفاً سياسيّاً كما أملت حركة العدل والمساواة وإريتريا (وتشاد) . حيث لا يأمن قادة مثل آدم بخيت، خميس أباكر وحتّى عبد الشافع إلى مواقعهم في جيش موحّد لتحرير السودان، أمضوا وقتاً طويلاً في التفاوض مع حركة العدل والمساواة، إريتريا وتشاد في التفاوض بشأن جبهة الخلاص الوطني.

أبقت حركة العدل والمساواة على قيادةٍ مركزيّةٍ قويّةٍ وعلى رؤيا متماسكة على الرغم من الصدع المتزايد في صفوفها لا سيّما تشكيل الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية أواخر 2004. وحيث توظّف حركة العدل والمساواة جهودها في جبهة الخلاص الوطني، فلا يجب إغفال ضلوعها في إمكانيّة زعزعة وحدة جيش تحرير السودان . على صعيد آخر، يُمكن لجبة الخلاص الوطني أن تساهم مساهمةً أساسيّةً في استقطاب قادة جيش تحرير السودان غير المُشاركين في مؤتمر أم راي. وحيث تُنسب معظم نجاحات الجيش الثوري الأخيرة في دارفور إلى تعاون حركة العدل والمساواة/ مجموعة الـ19، لا يجب على الأسرة الدوليّة أن تصرف جبهة الخلاص الوطني من اعتبارها بل يجب أن تنتظر لتدرك كيفيّة توحيد مواقف حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان قبل بدء مفاوضات السلام.

من زاوية تحليليّة أخيرة يتضح بأنّ حركات السودان تفتقر اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التنظيم والقيادة. ولا بدّ من إقامة توازن بين منحها مزيد من الوقت لتنظيم صفوفها وترك الأمور تنجرف إلى ما لا تُحمد عُقباه. لا بدّ من ممارسة مزيد من الضغوط عليها من خلال هيئات إقليميّة وإنما أيضاً من خلال الولايات المتحدة لكي ترتب صفوفها. يتعيّن على الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة أن تقنعا عبد الواحد بالعودة إلى دارفور إذا أراد أن يبقى على رأس جيش تحرير السودان. وقد يشمل هذا إشراكه في طاولة المفاوضات إلى جانب أي شخصيّةٍ أخرى يختارها جيش تحرير السودان. ولكن إذا تسرّعت الأسرة الدوليّة في التحرّك، فقد تُكرر الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد الإفريقي عندما رفض تأجيل مؤتمر أبوجا وإتاحة وقت أكبر لمؤتمر ميني ميناوي في حسكنيت في تشرين الأوّل/أكتوبر 2005 مما منح جيش تحرير السودان/ عبد الواحد حجةً بعدم الحضور ومهّد لأن يكون مؤتمر حسكنيت مؤتمراً أحاديّاً وسّع الهوّة بين عبد الواحد وميني ميناوي، ولا زالت عواقب هذا القرار جليّةً اليوم.

ب‌.    الشموليّة والمبايعة
بُنيت عمليّة السلام السابقة في دارفور على منطق مقاربةٍ من مرحلتين تقضي الأولى بأن توقع الأطراف المتناحرة على إتفاقيّة سلام دارفور. ومن ثم تقوم في مرحلة أكثر شموليّةً على توسيع الدعم في دوائر انتخابيّة أخرى وعلى التعاطي مع أسباب النزاع التلقائيّة مثل حقوق ملكيّة الأرض والرعي. كانت المرحلة الثانية لتتم من خلال الحوار الدارفوري الدارفوري. أمّا السعي إلى إقامة مقاربةٍ من مرحلتين فتمّ بمبادرةٍ من الوسطاء والمتمردين واتخذ صيغةً رسميّةً في تموز/يوليو  2005 من خلال إعلان المبادئ الموقّع عليه في أبوجا. سعى المتمردين لا سيّما منهم جيش تحرير السودان إلى عقد الحوار الدارفوري الدارفوري بعد أن شهدوا على نجاح الحوار الجنوبي الجنوبي بين الحركة الشعبيّة لتحرير السودان والمعارضة الجنوبية بعد إتفاقيّة السلام الشامل . التمس فريق الوساطة في الاتحاد الإفريقي الحاجة إلى مبايعة كاملة ولحظ بأنّ المجموعات الثوريّة غير ممثلة كفايةً، وهي مشكلة تصعّدت لا سيّما مع تصدّع الحركات نتيجة الانتماءات القبليّة، ففقدت الوساطة مصداقيّتها في أنحاء دارفور.

انهار هذا المنطق اليوم. ويستحيل الانطلاق في المرحلة الثانية لأنّ إتفاقيّة سلام دارفور لا تلقى موافقةً بين صفوف المجموعات الثوريّة والرأي العام الواسع. فهي لم تُعنَ كما يجب بأسباب النزاع كما لم تمنح الدوائر الأساسيّة المشاركة الكافية. لا يُمكن استبدال الحوار الدارفوري الدارفوري بإتفاقيّة سلام شعبيّة. من شأن المضي قدماً بهذا الموضوع في غياب إتفاقيّة تُعاد هيكلتها كما طلب حزب المؤتمر الوطني أن يُسمم المؤسسة في أعين العديد من الدارفوريين.

يُمكن لعمليّة السلام في دارفور أن تفيد من تجربة جنوب السودان . انطلق الحوار الجنوبي-الجنوبي على مسارين أولّهما سياسي يرمي إلى التوصّل إلى اتفاق بين الحركة الشعبيّة/الجيش الشعبي  لتحرير السودان والمعارضة السياسيّة الجنوبيّة وثانيهما عسكري بين جيش الحركة الشعبيّة لتحرير السودان والميليشيات الجنوبيّة التي كانت جزءاً من قوات دفاع جنوب السودان  . ويُعزا نجاح العمليّة إلى غياب عناصر عن إتفاقيّة سلام دارفور. أوّلاً جرت مقاربة إتفاقيّة السلام الشامل على أنّها إتفاقيّة جيّدة وفرصة تاريخيّة لمعظم الجنوبيين، بمن فيهم معارضي الحركة الشعبيّة/الجيش الشعبي  لتحرير السودان. وعالجت العمليّة المطالب الأساسيّة وهي استفتاء حكم ذاتي، الإبقاء على الجيش الشعبي لتحرير السودان كجيش جنوبي منفصل وإقامة حكومةٍ إقليميّةٍ جنوبيّةٍ مستقلّة للفترة الانتقاليّة. وثانياً، خصصت إتفاقيّة السلام الشامل بعض المناصب في الحكومات الوطنيّة، الجنوبيّة وحكومات الولايات لأعضاء المعارضة السياسيّة غير المشاركين في المفاوضات. رغم الانتقادات التي وجهتها المعارضة السياسيّة الشماليّة إلى تدابير تشارك السلطة، حظيت المعارضة بدافع لدعم الإتفاقيّة والانضمام إلى تطبيقها.

لا ينظر معظم سكان دارفور إلى إتفاقيّة سلام دارفور على أنها صفقة مربحة. فهي تركت الحكومة المحليّة رهن حزب المؤتمر الوطني وأبرمت صفقةً لا تُذكر لتشارك السلطة تشمل الفصائل الثوريّة الثلاث دون سواها؛ إضافة إلى ذلك، لم تمنح الحوار الدارفوري الدارفوري إلاّ فرصة القيام بتوصيات. رغم الترحيب بجهد توسيع نطاق المشاركة، فمن غير المرجّح أن ينجح الحوار الدارفوري الدارفوري بشكله الحالي وأن يفلح بتعزيز نطاق تطبيق إتفاقيّة سلام دارفور. يؤمن العديد من الأفراد إلى جانب منظمات المجتمع المدني في أنّ الحوار هو السبيل الوحيد لإيجاد حلّ دائم ولكنّهم لا يثقون بالحوار الدارفوري الدارفوري في الظرف الحالي . بحسب البعض، يستفيد حزب المؤتمر الوطني من انطلاق الحوار في القريب العاجل وفي هذا دليل على أنّ الحزب مستعد لمضاعفة جهوده لإحداث الفُرقة أكثر منه إقامة حوار ضروري من أجل السلام والمصالحة.

ولكن يؤدي منتدى أكثر شموليّةً حول المصالحة بين القبائل وأسباب النزاع الحاليّة دوراً أساسيّاً في السلام على المدى البعيد ويجب أن يندرج ضمن إطار استراتيجيا سلام شاملة. من المجدي إقامة نقاش قبل استئناف المحادثات بشأن إتفاقيّة سلام دارفور ولكن ليس عن طريق الحوار الدارفوري الدارفوري. وبهذه الطريقة، يُمكن أن ترد توصيات الشعب حول كيفية التعاطي مع أسباب النزاع الأساسيّة في المفاوضات من أجل إتفاقيّة ملزمة.
من شأن التعريف "بالأطراف الأخرى" الواجب تمثيلها في عمليّة سلام أن يُشكّل خطوةً صعبةً وإنما مهمة. في حين يلد نزاع دارفور من رحم مشادات مع خرطوم، تُسجّل خلافات عميقة ومتزايدة بين القبائل العربيّة لا سيّما قبيلة أبالا التي تعمل على رعيان الجمال، والقبائل غير العربيّة حول تشارك الأرض والسلطة على المستوى المناطقي . وتحتاج التدابير الأمنيّة بما فيها نزع سلاح الجنجويد مشاركةً عربيّةً . ومن شأن إيجاد تمثيل يتخطى قيادة التجمّع العربي الذي لا يمثّله حزب المؤتمر الوطني تمثيلاً كبيراً أن يُمثّل تحديّاً يعترض طريق الوساطة. ومن شأن الاتصال بالقيادة التقليديّة لتلك القبائل العربيّة التي لم تشارك في القتال مع الحكومة مثل ريزيغات وتاعيشا من الجنوب أن يسلط الضوء على هذه الجوانب. ولكن يتعيّن على الوساطة أن تحذر في التمييز بين قادة القبائل الحقيقيين وأولئك العاملين في الإدارة الأصليّة الذين يعيّنهم حزب المؤتمر الوطني ويسدد لهم أتعابهم.

ولا بدّ من تعزيز تمثيل المرأة والمجتمع المدني. تُقدّر نسبة النساء والأطفال من سكان المخيمات بأكثر من 80% وللنساء مصلحة كبيرة في المصالحة وإعادة إعمار دارفور ويُمكن أن يُساهمن بتقريب وجهات النظر في المفاوضات. ويُمكن للوسطاء ضمان مشاركتهن عبر التأكيد على أن تحظى جميع الوفود ومجموعات الاتصال بنسبة 25% من الحصّة على الأقل ومن خلال ضمّ فريق دعم من خبراء النوع الاجتماعي إلى المحادثات . كما يُمكن تعزيز تمثيل مخيمات النازحين داخليا عبر استخدام الهيكليّات السياسيّة القائمة أصلاً في المعسكرات.

تقترح إستراتيجيتان لجعل مفاوضات إتفاقيّة سلام دارفور أكثر شموليةً. الأولى والتي لا يُكتب لها النجاح على المدى القريب تقضي بالحرص على أن تصبح الأحزاب المُشاركة أصلاً في المفاوضات - جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة والحكومة أكثر تمثيلاً لمجتمع دارفور الأكبر. ويُفسّر هذا أهميّة عقد مؤتمر يضم جميع حركات جيش تحرير السودان. ولعلّ عقد منتديات شموليّة تجمع بين جيش تحرير السودان ومجموعات أخرى مثل العرب والأحزاب السياسيّة قد يُساعد أيضاً مع أنّه لا بدّ من تفادي تكرار "مؤتمر دارفور الشامل" الذي انعقد في كانون الأوّل/ديسمبر 2005 برعاية حزب المؤتمر الوطني. أمّا الخيار الثاني فيقضي باجتماع فريق الوساطة والجهات المعنيّة مباشرةً مع الأطراف الأخرى. ولن يصبح ممثلو تلك الأحزاب بحكم الواقع جهات موقّعة عليه ولكن باستطاعة الوساطة أن تُقيم مجموعةً مرجعيّةً تمثّل الدوائر الخارجة عن العمليّة وتدعم مشاركة قادتها في المحادثات المستقبليّة وتُيسّر تنقّلهم المكوكي من دارفور وإليه لإبلاغ دوائرهم بالمستجدات. من شأن هذا أن يُحسّن القبول ويُيسّر تطبيق أي إتفاقيّة.

ولا تُقصي الاستراتيجيات الواحدة الأخرى ولكن لا بدّ من دعمهما. فالأولى تحرص على مشاركة الشعب ولكن من الصعوبة تنظيم مؤتمرات "شموليّة" في دارفور نظراً لخطر التلاعب بالمشاركين. أمّا الثانية فتقتضي تعديل عمليّة التفاوض التي سيقاومها غير الموقعين وحزب المؤتمر الوطني. ولكن من الحسنات بأنّها لن تعرض فقط تمثيلاً شاملاً وإنما أيضاً درجة مشاركة أكبر. فحين تحضر الأطراف المعنيّة مرحلة اتخاذ القرارات، يُمكن تقبّل الإتفاقيّة بدرجة أكبر ولو اقتصر دورها على مطالعة المرحلة الأخيرة. ويصحّ هذا في عمليّة أعاقتها جهود حزب المؤتمر الوطني الذي سعى إلى التفاوض حول صفقات جانبيّة والتشجيع على الانشقاق في صفوف الوفود. ولا يُمكن لأي من المساعي آنفة الذكر أن تتكلل بالنجاح من دون أن تسود فترة من الهدوء النسبي. وبالتالي تحتاج الأسرة الدوليّة إلى ممارسة الضغوط على الأطراف كافةً للموافقة على وقف فوري لإطلاق النار وعلى احترامه.

ج‌.    تدعيم عمليّة المفاوضات
تُشكّل هيكليّة عمليّة الوساطة مجالاً آخر يقتضي الإصلاح. لم تتكلل جهود الاتحاد الإفريقي في أبوجا (2004 أيار 2006) بالنجاح ويتعيّن مراجعتها قبل استئناف المحادثات. تدفقت المجموعات المعنيّة مثل النساء والقادة السياسيين التقليدييّن تدفّق الملاحظات في خاتمة العمل فأتت لتُضاف إلى العمليّة ولم تُشكّل مكوّنات أساسيّة لها منذ البداية. افتقرت العمليّة إلى استراتيجيا واضحة. على سبيل المثال، تأرجحت الجولة الأخيرة بين إبرام إتفاقيّة شاملة أو عقد إتفاقيّة وظيفيّة محدودة حول الأمن باعتباره حجر زاوية محادثات مستقبليّة. أمّا قرار الذهاب إلى أبعد من مقاربة تضع الأمن في المقام الأوّل فانطلق عن نائب الرئيس طه الذي وعد في آذار/مارس 2006 بأن تسمح الحكومة بدخول بعثة من الأمم المتحدة إلى دارفور بعد التوقيع على إتفاقيّة سلام .

ووقعت مسؤوليّة الاختيار على كاهل الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي كما على الاتحاد الإفريقي. وحيث نال الإحباط من هذه الأطراف وشجّعها وعد طه، سعت جاهدة للتوصل إلى حلّ معجّل . ويُخشى بأن يُتابع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة استراتيجيا مماثلة للحلّ السريع لحصد التواقيع على البروتوكول. يُزعم بأنّ الوسطاء يأملون الانتهاء من المحادثات في شهر حزيران/يونيو. يبدو أنّ حزب المؤتمر الوطني يرغب في معالجة مشكلة دارفور قبل انعقاد مجلس السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي في تموز/يوليو .
يتعيّن على المفاوضات المستجدة أن تتعلّم من المفاوضات التي أدّت إلى التوقيع على إتفاقيّة السلام الشامل. فالعمليّة التي تقودها السلطة الحكوميّة الدوليّة الإقليميّة حول التنمية (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية IGAD)، نجحت جزئياً نتيجة شراكة ناجحة بين دول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية أي محور فريق الوساطة والأسرة الدوليّة الشاملة بما فيها الدول المانحة.

تضمن عمليّة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية قيام فريق وساطة محوري يتضمن مفاوضين محترفين، بقيادة الجنرال سومبيو من كينيا وحظيت بدعم مجموعة اتصال تضم الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النرويج وإيطاليا. وتفاعلت جهات أخرى من خلال مجموعة الاتصال بدل المشاركة مشاركةً مباشرة. باستطاعة عمليّة متجددة في دارفور أن تفيد من مقاربةٍ مماثلة. ويتعيّن على مجموعة اتصال أن تدعم المبعوثين الخاصين للاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة، وممارسة الضغوط على الفرقاء بحسب مقتضيات الوسطاء وتوجيهاتهم والعمل كعازل بين الوساطة وسائر الفرقاء الدوليين. كما يجب أن تشمل دولاً إقليميّة لها نفوذ على المتمردين ويُمكن أن تُسبب بإحباط العملية (تشاد، إريتريا، وعليهما أن تمثلا مصلحة ليبيا) ، وأخرى لها سلطة على حزب المؤتمر الوطني (الصين وجامعة الدولة العربيّة)  والدول المانحة التي يُمكنها أن تُمارس ضغطاً على الطرفين وأن تمنح العمليّة دعماً مادياً (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النرويج، فرنسا والاتحاد الأوروبي). ولا بدّ أن تتدخل فرنسا التي لم تُشارك بشكل كبير حتّى اليوم فتمارس ضغوطاً على تشاد وأن توظف قوّاتها المسلّحة في السودان كما في جمهوريّة إفريقيا الوسطى في سبيل وقف إطلاق النار. وشاركت الدول قاطبةً في الجولات الماضية ما عدا الصين. ومن شأن إشراكها مباشرةً في العمليّة أن يحدو ببيجينغ لأن تتخذ موقفاً أكثر إيجابيّةً.

أخيراً يجب أن تستخلص الوساطة العبرة من أخطاء أبوجا وأن تتفادى التعويل على المواعيد الاصطناعيّة فتقيمها تكتيكاً تفاوضياً. وسوف تلتمس الحاجة إلى وقف إطلاق نار كما إلى تدابير أخرى لبناء الثقة. ولكي تُكلل المحادثات بالنجاح، لا بدّ من تخصيص مزيد من الوقت لاستحداث بيئة ثقة بين الأطراف المعنيّة كما حصل بين الحركة الشعبيّة لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني في مفاوضات إتفاقيّة السلام الشامل.

د.     المسائل العالقة

في الأشهر الأولى بعد التوقيع على إتفاقيّة سلام دارفور، اتضح بأن المراجعة ستقتصر على عوامل ثلاثة هي التعويض والتشارك في السلطة ونزع سلاح الجنجويد. وبات من المستحيل تجاهل مجالات القصور على ما يرد على لسان المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي إلى دارفور الدكتور سليم فيقول: "ليست إتفاقيّة مثاليّة ولا يُمكن لأي إتفاقيّة أن تكون مثاليّةً. فهي ليست كالقرآن أو الكتاب المقدّس اللذان لا يُمكن تغييرهما أو تعديلهما" . ولكن ما هي الجهود الواجب بذلها لإعادة الأطراف إلى طاولة الحوار والتوصل إلى سلام شامل؟ تبقى المجالات الثلاثة المذكورة أبرز المجالات التي تقتضي المعالجة ولكن لا بدّ من إعادة هيكلة الإتفاقيّة لا سيّما من ناحية تشارك السلطة".

تُشكّل إعادة المتمردين - المعوّلين على دعم تشاد المتنامي والفائزين على ساحة المعركة- إلى طاولة الحوار أكثر المهام إحباطاً على المدى القصير وهي ستقتضي ضغطاً دولياً منسّقاً ومتكاملاً. يُبدي حزب المؤتمر الوطني استعداداً للتعاطي مع الأطراف غير الموقّعة على الإتفاقيّة ولكنّه يُصرّ على إقامة المحادثات بشأن إتفاقيّة سلام دارفور التي لا حاجة إلى مراجعتها بالكامل. ويُفضّل الحزب بروتوكولاً مقتضباً يزيد التعويض المادي من غير أن يُحقق الإنجاز الكثير على مستويات أخرى . يتعيّن بالتالي على فريق الوساطة في الاتحاد الإفريقي/الأمم المتحدة أن يمنح الأولويّة لتدابير بناء السلام بما فيه وقف إطلاق نار فعّال ومنح الحكومة مهمّة كبح الجنجويد، بهدف تمهيد الدرب لاستئناف المفاوضات.

ستلقى معايير التفاوض معارضةً شديدةً ولكنّ أفكار الوسطاء يجب أن تُبنى على تحليل مفصّل لأسباب النزاع وعلى حلول مناسبة وليس فقط على السعي لتسوية لا تعالج الشجون الأساسيّة. شّكل تعويض الحكومة عن المهجّرين أكثر جوانب إتفاقيّة سلام دارفور إثارةً للجدل ولكن أسهلها لناحية المعالجة. أقامت إتفاقيّة سلام دارفور لجنة تعويض في حسابها مبلغ أولي قدره $30 مليون دولار تهبه الحكومة - اعترافاً منها بالمسؤوليّة- لمراجعة الشكاوى وتسديد المبالغ بحسب مقتضى الحالة. مع أنّه كان باستطاعة الحكومة والجهات المانحة أن ترفع التمويل، رفض جيش تحرير السودان/ عبد الواحد وحركة العدالة والمساواة كما الكثيرين في مخيّمات المهجرّين الاقتراح. في اتفاق تشرين الثاني/نوفمبر 2006 مع قائد جيش تحرير السودان السابق عبد الجاسم إمام، وافقت الحكومة على زيادة المدفوعات إلى $100 مليون. وكما أُشير سابقاً، تطلب حركة العدالة والمساواة حوالى $600 مليون وعبد الواحد حوالى مليارين. ولكن يجب طرح هذا الموضوع للمعالجة بمساعدة المانحين والإشراف المستمر على التزام الحكومة.
 
لعلّ تشارك السلطة سيكون أكثر المواضيع صعوبةً باعتبار أنّ إتفاقيّة سلام دارفور لا تعالجها بالشكل المناسب وتتيح لحزب المؤتمر الوطني إبقاء سيطرته على هيكليّات حكومة دارفور وتمنح المتمردين 12 مقعداً فقط من أصل 450 في الجمعيّة الوطنيّة (تتوّزع على فصائل ثلاث) وبعض الحقائب الوزاريّة. ولقد أُحيل معظم المقاعد إلى حركة تحرير السودان/ميني ميناوي وإعلان الالتزام. وكان المبرر الأوّل لإعمال مثل هذه الشروط الضعيفة، ألاّ تؤثر إتفاقيّة سلام دارفور في توازن السلطة الذي تقيمه إتفاقيّة السلام الشامل. وكان يتعيّن على حركات دارفور أن تنال المقاعد الاثني عشر التي تمنحها إتفاقيّة السلام الشامل إلى المعارضة الشماليّة إضافة إلى المقاعد التي يتنازل عنها مؤتمر الحزب الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان. شكّل خفض أكثريّة حزب المؤتمر الوطني في الجمعيّة الوطنيّة خطّاً أحمر بالنسبة للحزب . من المُرجّح أن تعود هذه الحجّة لتظهر ولكن لا بدّ من إسقاطها إذا كان للدارفوريين أن يحظوا بتمثيل مكافئ. في الواقع، سبق لإتفاقيّة سلام دارفور أن راجعت صياغة إتفاقيّة السلام الشاملة، ولو في مجالات أقلّ حساسيّةً، مانحةً المتمردين نسبة 29% من المقاعد في جمعيّات ولاية دارفور الموسّعة، بدلاً من نسبة 20% الممنوحة للأحزاب الشماليّة غير المنتسبة إلى حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبيّة لتحرير السودان في إتفاقيّة السلام الشامل .

أمّا الحجّة الأخرى لصفقة المتمردين الضعيفة فهي أنّهم لم يفوزوا في الحرب. ولكن من الواضح اليوم بأنّ حزب المؤتمر الوطني لم يفز هو الآخر، وعليه يتعيّن على الطرفين التفاوض. وعلى فريق الوساطة أن يُفهم حزب المؤتمر الوطني بأنّ الحلّ يقتضي مزيداً من المشاركة في السلطة. وإلاّ باستطاعة المتمردين أن يرفعوا صوتهم للمطالبة بأن يُصبح دارفور منطقةً مستقلّةً وهو ما تؤيده معظم أحزاب المعارضة السياسيّة وأن يُطالبوا الحزب الحاكم ببذل مزيد من الجهود.

من الناحية الأمنيّة، يتوزّع التحدي على مستويين: إقامة خطّة واقعيّة لنزع السلاح وإيجاد وسيلةٍ لكي تفي الحكومة بالوعد الذي قطعته ستّ مرّات بنزع سلاح الجنجويد .  ويتعيّن على منظمة الأمم المتحدة أن تؤدي دوراً في مساعدة الاتحاد الإفريقي على مراقبة هذا الوعد وتطبيقه وهو ما لم تتمكن بعثة الإتّحاد الإفريقي إلى دارفور من الاضطلاع به بموجب إتفاقيّة سلام دارفور، ولكن لا يُمكن توقّع سوى التغيير القليل ميدانياً إذا لم تبدِ الأطراف استعداداً لتغيير حساباتها وفرض تدابير تأديبيّة على الأطراف التي تخرق الالتزامات .

ويجب أن يُبدي فريق الوساطة الجديد استعداداً للتفكير بحلول خلاّقة. بُنيت إتفاقيّة سلام دارفور على الرزنامة التي وضعتها إتفاقيّة السلام الشامل لانتخابات 2009 وبالتالي لم تعرض سوى ترتيبات محدودة وانتقاليّة. ولكن من المحتمل ألاّ تجري الانتخابات عام 2009 بما أنّ المنطقة لا تزال منطقة حرب، ويتعرّض حكم القانون لخرق تام. كما ورد أعلاه، لا يلقى احتمال عقد انتخابات عام 2009 دعماً في ديناميكيات النزاع فحزب المؤتمر الوطني يُكافح لكي يبقى دارفور منقسماً على ذاته قبل الانتخابات، وتسعى المعارضة السياسيّة إلى استخدام دارفور لممارسة نفوذها على حزب المؤتمر الوطني والمتمردين المتصارعين في ما بينهم. ومن شأن تعليق الانتخابات أن يُسيء بشكل كبير إلى إتفاقيّة السلام الشامل ولا بدّ من تفادي هذا الاحتمال إذا أمكن ولكن قد يبدو الأمر ضروريّاً. ويجب أن يبدأ فريق الوساطة بإعداد خطة الطوارئ.

يستمر الطرفان غير الموقّعين على الإتفاقيّة وأحزاب المعارضة في المطالبة بتحويل دارفور ثلاثي الأجزاء إلى منطقةٍ إداريةٍ واحدة. تطرح إتفاقيّة سلام دارفور احتمال عقد استفتاء حول هذا الموضوع عام 2010 ولكن في حال لم تكن الانتخابات ممكنة في دارفور عام 2009، يجب على فريق الوساطة أن ينظر في احتمال إنشاء حكومة شموليّة مناطقيّة انتقاليّة تشبه نموذج حكومة جنوب السودان وتدير دارفور إلى حين عقد الانتخابات. ما أن يتم التوصل إلى توافق وطني، سيتوجب ترجمة نتائجه على أرض الواقع لخدمة دارفور وبحسب مبادئ إتفاقيّة السلام الشامل بما يضمن تمثيل متساوٍ في مؤسسات الحكومة الوطنيّة.

وتبدر الحاجة إلى تجميد عمليّة تأسيس مؤسسات إتفاقيّة سلام دارفور بما فيها الإتفاقيّة الانتقاليّة، وتشارك السلطة والثروات بين اللجان والحوار الدارفوري الدارفوري بانتظار بدء مفاوضات جديدة. يجب اعتبار جميع التعيينات السياسيّة للموقعين على إتفاقيّة سلام دارفور تعيينات مؤقتة لأنّ التعيينات الإضافيّة قد تحول دون استئناف المحادثات. ويجب أن يتمحور التركيز على جعل وقف إطلاق النار فعالاً ومنبثقاً عن تدابير أمنيّة أساسيّة مثل نزع سلاح الجنجويد. إضافةً إلى ذلك، من شأن تطبيق إتفاقيّة سلام دارفور في السياق الحالي أن يقوّض فرص التوصّل إلى صفقة سياسيّة حقيقيّة فيُسيء إلى المؤسسات المنبثقة عن الإتفاقيّة الحاليّة الفاشلة.

يخرج نزاع دارفور الذي اندلع منذ أربع سنوات عن منطق العلاج البسيط. فأي عمليّة ناجحة تقتضي من الأسرة الدوليّة التزاماً موحداً ومكثفاً يسبق عقد محادثات جديدة، التزاماً يتجّلى في جلسات التفاوض ويُتابع في مرحلة التطبيق. في غياب التزام مماثل، ستستمر الأزمة وستكون لها تبعات وخيمة تتخطّى دارفور وتجرف معها إتفاقيّة السلام الشامل فتُعيد إحياء النزاع الدامي في الجنوب وتبثّ سموم اللاستقرار في الدول المجاورة.

نيروبي - بروكسل، 30 نيسان/أبريل 2007

 

ملحق أ

خارطة السودان


 

ملحق ب

الحركات غير الموقّعة في دارفور



حركة العدل والمساواة     القائد: خليل إبراهيم
جيش تحرير السودان/ عبد الواحد    القائد: عبد الواحد نور
جيش تحرير السودان/ عبد الشافع    القائد: أحمد عبد الشافع
فصيلة منشقة عن جيش تحرير السودان/عبد الواحد الذي عيّن قادتُه عبد الشافع رئيساً مؤقتاً ليحل مكان عبد الواحد في تموز/يوليو 2006.
جيش تحرير السودان / مجموعة الـ 19 (جيش تحرير السودان / الوحدة)    القادة: خميس أباكر، آدم بخيت، جار النبي.
كان خميس القائد الأساسي للمجموعة التي انقسمت إلى عدة فصائل. وفي تشاد، يستمر آدم بخيت في السيطرة على إحدى الفصائل (بالتعاون مع خميس). أما جار النبي - مع سليمان مرجان وعثمان بشرى - فيسيطر على فصيلة أخرى في دارفور.
جيش تحرير السودان /منشقين عن ميني ميناوي     هي مجموعات انشقت عن ميني ميناوي، بما فيها تلك التي يقودها صلاح "بوب" ومجذوب حسين.
قوّات الجبهة الديمقراطية الثورية / قوات الدفاع الشعبي    القادة: صلاح محمد عبد الرحمن موسى (المعروف أيضاً بأبو صرة) وياسين يوسف
إنها حركة من المتمردين "العرب"
الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية    القادة: جبريل عبد الكريم باري، خليل عبد الله
انفصلت عن حركة العدل والمساواة في آذار/مارس 2004.
التحالف الديمقراطي الاتحادي السوداني    القادة: أحمد دريج، شريف حرير
انسحب شريف حرير من التحالف الفدرالي الديمقراطي السوداني ليصبح عضواً في جيش تحرير السودان.
جبهة الخلاص الوطني    القادة: خليل إبراهيم، شريف حرير، أحمد دريج، خميس أباكر
تشكل هذا التحالف في إريتريا في حزيران/يونيو 2006. ومع أنه فعّال كاتحاد عسكري، إلا أنه لم يحقق أي انسجام سياسي بعد.
جيش تحرير السودان / فصيلة غير موقّعة     يتألف من جيش تحرير السودان/عبد الواحد، جيش تحرير السودان/عبد الشافع، جيش تحرير السودان/مجموعة الـ 19. وشكل ليحظى بتمثيل في لجنة وقف إطلاق النار.

 

آراء