تناقض مواقف إتحاد علماء المسلمين تجاه ثورات الشعوب

 


 

 

 

 

دخلت ثورة السودان أسبوعها الرابع, و ما تزال التظاهرات والمواكب الجماهيرية تجتاح المدن والقرى في جميع أنحاء البلاد مطالبة بسقوط النظام الإستبدادي الذي حكم البلد لثلاثة عقود أورثت أهله الحروب والجوع والغلاء حتى باتوا عاجزين عن شراء رغيف الخبز.

وفي أوج تصاعد المقاومة الشعبية خرج علينا الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ,علي القره داغي, بتصريح غريب عبَّر فيه عن قلقه لما يجري في السودان ودعا "الحكومة والمتظاهرين إلى الالتزام بحرمة القتل والتخريب والإفساد", كما حث الجانبين على " احترام الإنسان وحقوقه، والتعبير عنها بجميع الوسائل السلمية المعروفة" وأشار إلى "ضرورة تشكيل مجلس من ممثلي المتظاهرين والحكومة لحل الأزمة".

الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة تتبع للتنظيم الدولي للأخوان المسلمين وقد قام بتأسيسه الشيخ يوسف القرضاوي في عام 2004 وظل يترأسه حتى عام 2014 حيث تم إستبداله بالمغربي أحمد الريسوني.

إن النظرة الفاحصة لتصريح داغي تبيِّن بجلاء التحيز الآيديلوجي لإتحاد علماء المسلمين لصالح النظام السوداني إذ أنه يساوي بين الجلاد والضحية ويضعهما في كفة واحدة حينما يدعو الشعب والنظام "للإلتزام بحرمة القتل والتخريب والإفساد", فهو يعلم تمام العلم أن الذي يقتل ويخرِّب هو الطاغية عمر البشير الذي حصد رصاص زبانيته ومليشياته أرواح أكثر من أربعين متظاهرا حتى الآن, وتسبب في جرح المئات كما إحتضنت معتقلاته الآلاف من المشاركين في الإحتجاجات.

وكذلك فإن داغي يُدلس الحقائق عندما يحث الجانبين على إحترام "الإنسان وحقوقه", فهو يعي كل الوعي أن الذي ينتهك حقوق الإنسان هو النظام الفاسد وليس المتظاهرين الأبرياء الذين خرجوا للمطالبة بالخبز والحرية التي ظل ينتهكها الطاغية المُطارد من قبل المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب والإبادة في دارفور.

ظل جنرال السودان يحكم البلاد لمدة ثلاثين عاما بواسطة الأجهزة الأمنية والقمعية والمليشيات المسلحة, وقد إستمر نظامه يشكل حضوراً دائما في سجلات إنتهاكات حقوق الإنسان لدى المنظمات الدولية والأمم المتحدة والجماعات الحقوقية, حيث تسبب في قتل أكثر من 300 ألف مواطن في دارفور, ونزوح الملايين, إضافة للعديد من الإنتهاكات التي لم يك آخرها قتل أكثر من 200 متظاهر في إنتفاضة سبتمبر/أيلول 2013 التي خرجت منددة بغلاء المعيشة وإرتفاع الأسعار.

وكذلك يواصل الأمين العام لإتحاد علماء المسلمين في تدليسه وتشويشه على الحقائق عندما يطالب بتشكيل مجلس مشترك من النظام والمتظاهرين لحل الأزمة, فهو يعلم جيدا أن ما يدور في السودان ليس مجرد أزمة عابرة, بل ثورة عارمة تجتاح البلاد و تدعو لإقتلاع النظام العسكري الدكتاتوري الفاسد, ولا يمكن إختزال الأمر في مجرد مشكلة طارئة يمكن حلها بالتوافق بين الطرفين.

قد خرج آلاف السودانيين للشوارع في جميع أنحاء الوطن مطالبين بزوال النظام الذي صادر الحريات و أفقر الشعب وشرد الملايين من أبنائه في المنافي, وبدد ثروات البلاد الهائلة في الفساد والصرف البذخي على الطبقة المتحكمة في شؤون الحكم, كما أن سياساته الفاشلة أدت إلى إنفصال جنوب السودان و تأجيج نيران الحرب الأهلية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان, وبالتالي فإن أية نظرة لا تأخذ هذه الأمور في الحسبان وتحاول التقليل من شأن ما يدور في السودان تعتبر على أقل الفروض قاصرة إن لم تكن مغرضة.

ويتضح التحيز الآيديلوجي في تصريح داغي بصورة أكثر جلاء عندما نعقد مقارنة بين الموقف الذي إتخذه إتحاد علماء المسلمين من نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي, وموقفه اليوم تجاه نظام عمر البشير.

أصدر القرضاوي وداغي بيانا ممهورا بتوقيعهما أبان الثورة الليبية قالا فيه " يؤيد الاتحاد العالمي مطالب الشعب الليبي ويقف معها ، مندداً بالأعمال الإجرامية التي وجهت ضد المتظاهرين الذين سقط منهم مئات الشهداء وآلاف الجرحى بالأسلحة الحية ، والمتطورة وعن طريق المرتزقة ، مترحماً على الشهداء بأن يكتب لهم أجر الشهادة ، وللجرحى بأن يشفيهم".

ليس هذا فحسب بل أن الإتحاد دعا النظام الليبي "إلى أن يتقي الله تعالى في هذا الشعب الذي يحكمه منذ أكثر من أربعة عقود ، ويترك لهم المجال لاختيار تقرير مصيرهم بأنفسهم ، والقيام بالاصلاحات الجذرية المطلوبة ، ويدعو الاتحاد أيضاً إلى اطلاق سراح المعتقلين وبخاصة سماحة العلامة الشيخ صادق الغرياني فوراً ، ويُحمِّل النظام مسؤولية الحفاظ على حياته وأمنه".

وأيضاً طالب الإتحاد "الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحر ، ومؤسسات المجتمع المدني وجميع الشرفاء بالعالم للوقوف مع حق الشعب الليبي في التظاهر السلمي والمطالبة بحقوقه ، وإلى حمايتهم بكل الوسائل المشروعة", ودعا الجيش الليبي لحماية المتظاهرين ووقف المظالم وحقن إراقة الدماء.

من الجلي أن موقف إتحاد علماء المسلمين قد تم توظيفه آيديولوجيا لخدمة المصلحة السياسية لجماعة الأخوان المسلمين, فعندما كانت الجماعة معارضة لنظام القذافي أدان الإتحاد بوضوح الجرائم المرتكبة في حق المتظاهرين من قبل السلطة, ولكنه لم يفعل ذات الشيء في تصريحه حول ثورة السودان, حيث وضع القاتل والمقتول في كفة واحدة وطالب المتظاهرين العُزّل بالإمتناع عن القتل بينما القاتل معروف لديه وهو النظام ومليشياته المسلحة التي إستخدمت الرصاص الحي لقتل المتظاهرين السلميين.

وكذلك لم يتجرأ الإتحاد على مطالبة الطاغية عمر البشير بترك الشعب السوداني يقرر مصيره, ولم يدعوه لإطلاق سراح مئات المعتقلين كما فعل مع القذافي, كما عجز عن مخاطبة الجيش السوداني بضرورة التدخل لمنع القتل المجاني للمتظاهرين من الشباب الأعزل الذي خرج مطالبا بحريته وحقه في العيش الكريم.

لم يك موقف إتحاد علماء المسلمين مفاجئا فقد جاء متسقا مع توجهات التنظيم الدولي لجماعة الأخوان المسلمين والدول التي تسانده, حيث كانت دولة قطر وأميرها, تميم بن حمد, أول الدول التي أعلنت مساندتها لموقف الجنرال البشير في مواجهة ثورة شعبه, وكذلك لم يتأخر الحزب الحاكم في تركيا عن إعلان تأييده للطاغية في حملة القمع التي يشنها على المتظاهرين السلميين.

وبذلك يتضح أن كثيرا من المؤسسات الدينية التي تحمل صفة إسلامية, هى في حقيقتها منظمات تخدم أجندة سياسية لجماعات آيديلوجية هدفها الأخير الوصول للسلطة وليس خدمة الدين, وبالتالي فإننا لا نجانب الصواب إذا صححنا تسمية المؤسسة التي تناولناها بالنقد في هذا المقال لتصبح "الإتحاد العالمي لعلماء الأخوان المسلمين" وهو الإسم الذي يتلائم مع طبيعة الأهداف والدور الذي تقوم به.

boulkea@gmail.com

 

آراء