تَعافَوا من العنصرية.. تنعمون بسلام دائم

 


 

 

قبيلتك شنو؟
يتفق معي كل من اقتادته قدماه الى مكان غير مسقط رأسه من أجزاء السودان المترامية أو كُتبت له معاشرة أناس من غير أهل منطقته بأن هذا السؤال قد بات أحد أهم عناصر تعريف النفس في السودان..
فما ان يُعرِّف الشخصُ نفسه في أول لقاء يجمعه مع غيره؛ حتى يلاحظ الطرفَ الثاني لاهثاً بكل قوة عين وراء معرفة إلى أي القبائل ينتمي الذي أمامه.. لا استنثى من ذلك حتى الطبقة التي نالت حظاً أوفر من التعليم والثقافة والتدين الشكلي.
وعادة ما يجيء هذا السؤال الغريب ليس لشيء سوى لمرض دفين في نفس السائل بغرض تحديد مجرى حديثه وتعامله على ضوء إجابة المسؤول.. ما يعكس بوضوح حجم العنصرية المتربعة بكامل استرخاء على عقول وقلوب جل الشعب السوداني.

* فما هي العنصرية إذن؟
اتفق الباحثون على أن العنصرية هي، الاعتقاد بأن هناك فروقاً وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزّوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما.. بغض النظر عن كيفية تعريف مفهوم العرق.
وبالتالي فإن العنصرية تكمن في تلك المقدرة على إطلاق الأحكام تبعاً للاختلاف، وذلك عندما يكون الاختلاف مما لا يد للفرد فيه، كالاختلاف في الثقافة، اللون،الدين، اللغة أو أي اختلاف ينشأ اصلاً وهو سابق للفرد/الجماعة، عليه.

* بالنظر إلى التعريف أعلاه، نجد أن العنصرية تتغلغل في أعماق المجتمع السوداني، ابتداءاً من داخل البيت مروراً بالجار الذي من خارج الأسرة، وانتهاء بالمختلِف في اللسان والدين واللون.
فمن العاديات جداً ان يحظى الطفل الأفتح لوناً بنسبة دلع أكبر من تلك التي يحظى بها اشقاءه/شقيقاته من ذات الأم وذات الأب..
وهي نقطة انطلاقة خاطئة تزرعها جلّ الأسر السودانية في عقول أطفالها، فينشأ الأطفال معتقدين بأن الأفضلية والأولوية في الأمور لمن فتُح لونه.. فيهرع الشاب عند الزواج أو العلاقات العاطفية نحو الفتيات فاتحات البشرة.. حتى أنني أعرف أحد الأصدقاء المقيمين خارج الوطن لفترة طويلة، عندما كلف أسرته بالبحث له عن عروس من أرض الوطن، كان شرطه الوحيد الذي لا يقبل التفاوض عليه هو أن تكون الفتاة فاتحة اللون (حمراء).. ولا تهمه باقي الصفات والمعايير.. فاختير له من جعلته يغير رأيه وحياته رأساً عن عقب.
وهو ما يكشف بجلاء الدافع الرئيسي وراء لجوء الفتيات السودانيات ذوات البشرة الغامضة للمساحيق الكيميائية التي تفتح البشرة حتى تكن مقبولات وسط هذا المجتمع المريض، رغم علمهن بالأضرار الصحية الخطيرة.
*إن الناظر للنزاعات المسلحة القبلية منها والسياسية على امتداد تاريخ وجغرافية السودان الحديث يجد أن معظمها اندلعت لسبب عنصري.
فما حمل الثوارُ بجنوبِ السودان السلاح إلا لوضع حد للعنصرية التي بموجبها هُمشت تلك الرقعة الجغرافية وانسانها واستخسرت الأنظمة الحاكمة المتعاقبة عليها أبسط متطلبات الحياة هناك.. إلى أن توصلوا إلى حقيقة واحدة هو أن لا علاج لهذه العنصرية سوى الابتعاد النهائي عن السودان القديم.
وما أُبيد مئات الآلاف من السودانيين في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق؛ إلا لاعتقاد المسيطرين على مقاليد السلطة المركزية أن الإنسان هناك لا يشبههم.. وبالتالي لهم الموت ولنا البقاء.
وما اغتيل المئات من المواطنين بشوارع الخرطوم إلا بسبب العنصرية التي حمل القتلة على الاعتقاد بأنهم وحدهم الأفضل والأحق بتسيير أمور البلاد.. وبالتالي فلا اعتراف بحق من يختلف عنهم.
فالعنصرية تظهر بصور وتعليلات مختلفة، وكلها على قاعدة غير منطقية وصحية، كالتعليل بإنهم لا يشبهوننا ونحو ذلك.
* ومن سخريات القدر ان كشف لنا أن العنصرية استطاعت ان تعتلي حتى عقول الثوار الذين لطالما ظلوا ينادون بمناهضة عنصرية نظام المؤتمرالوطني..
ففي فترة ما بعد انهيار نظام البشير العنصري، وقفت العنصرية كصخرة عقبة أمام توافق النخب السياسية على رؤية موحدة تخرج البلاد من أوحال وأحوال وعقلية الأنظمة السابقة..
فجاء توقيع الوثيقة الدستورية ليجد الكثير من اللاعبين الأساسيين في الساحة السياسية أنفسهم خارج أسوارها.. بسبب ذات العقلية العنصرية التي ثار ضدها الثوار.
وجاء انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر ليزجّ بالكثير من اللاعبين الأساسيين في الساحة السياسية في السجون، بسبب ذات العنصرية التي ثار ضدها الثوار.
وبعد عام حافل بالفشل والعنصرية والموت، جاء الاتفاق الإطاري ليدور في ذات الفلك.. وكأننا أمام واقع حتمي لا خيار أمامنا سواه.. وهو إما ان نكون نحن أو يكونوا هم..
حتى بات كل همّ الاطراف السياسية في السودان؛ دفن وحرق وشيطنة إخوانه الذين لا يشبهونه من الأجسام السياسية الأخرى.. يظهر ذلك من خلال البوستات والتصريحات الكيدية الفارغة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنافذ الإعلامية المتاحة.
فمن أنتم ومن هم؟!

* الحل: أعتقد أن هناك طريق ثالث إذا سلكناه سيوصلنا حتماً إلى حلول تجمع الجميع على أرضية واحدة، ومنها ننطلق نحو بناء بلد خال من العنصرية التي هي أم التخلف والنزاعات والفقر والمجاعة والمعاناة في السودان.
هو الاعتراف بأننا عنصريون، والتعاهد بصدق على تعريف المواطنة، ووضع برنامج واضح وصارم للتعافي من هذه العنصرية أولاً.. و حينها سننعم بسلام دائم.

أحمد محمود كانِم
12 ديسمبر 2022

amom1834@gmail.com

 

آراء