ثلاثية الحوار والتفاهمات والاتفاق بين الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال وحزب الأمة القومي

 


 

 

jbldameek@gmail.com

تباينت الآراء وردود الأفعال بين مؤيد ومعارض ومتحفِّظ لما وصلت إليه قيادة الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان – شمال، يُشار إليها فيما بعد بالحركة، ووفد من (حزب الأمة القومي)، من "تفاهمات" لحل الأزمة السُّودانيَّة المتجذِّرة. بالطبع هناك بونٍ شاسع بين مصطلحي "تفاهمات" و"اتفاق". ما يهمنا في هذا المقال إزالة التشويش والتغبيش اللذين يمارسهما إعلام أعداء الحركة عن قصدٍ ويصدِّقه بعض جماهيرها وأنصارها وأصدقاؤها (الحقيقيين) بعفوية أو دون دراية بتسمية ما تم اتفاقاً. نفعل ذلك حتى يكونوا على بيِّنة من أمر ما يقوم به تنظيمهم العملاق الذي يسعى، بلا كلل ولا ملل، إلى الحل الجذري للمشكل السُّوداني. ونبدأ بالقول إنَّ "التفاهم" في الأمور السياسيَّة دائماً يسبقه "حوار". و"الحوار" هو وسيلة لتوضيح أوجه التشابه والاختلاف في موضوع هام بهدوء تام، واحترام متبادل دون عواطف.
ومهما يكن، يُعنى الحوار بقضية شعب بعينه كما هو في السياسة السُّودانيَّة. لذلك جاء البيان المشترك، بعد اللقاء المذكور، دقيقاً من حيث اختيار الكلمات ومحكماً في تعابيره وصياغته من حيث توصيل الحقائق والمعنى دون لبس أو محاولة تأويل تلك الحقائق، حيث أوضح البيان أنَّ الأمرين (اللقاء والحوار) وقعا فعلاً وكانت نتيجتهما "التفاهمات" المتمثِّلة في النقاط السبع المذكورة فيه. المتابع للسياسة السُّودانيَّة ومبادرات أحزابها واتفاقياتها لا تخلو من هذه النقاط، المملة، حتى كدنا نحفظها. ولم يكن هناك جديد وأنَّ موقف الحركة حيال القضية الجوهريَّة للسُّودان ثابت: "فصل الدين عن الدولة أو بصورة أخرى "الفصل التام بين المؤسسات الدينيَّة من مؤسسات الدولة" كما يحلو لبعض السياسيين، بنص البند (١/٧) تحت مبادئ عامة من اتفاق جوبا للسلام مثالاً.
إذن، "تفاهمات" الحركة وحزب الأمة القومي ما هي إلا "تحصيل حاصل" كما داوم على ترديده زعيم حزب الأمة السابق الصادق المهدي، والد الصديق نفسه. موضوع لقاء الحركة وحزب الأمة ليس بسُنة جديدة ولن يكون هو اللقاء الأخير إذا لم تُحل المشكلة السياسَّية السُّودانيَّة من جذورها. ولعلَّنا نؤمن إيماناً قاطعاً أنَّ الحركة شخصَّت المشكلة تشخيصاً صحيحاً ووضعت لها معالجات ناجعة إذا تم قبولها والعمل الجاد لتنفيذها. فالذين يعارضون اللقاء لهم مبرراتهم الموضوعيَّة والمشروعة، كما لهم الحق في ذلك، لأنَّ تاريخ حزب الأمة بمسمياته المختلفة والأحزاب التقليديَّة والمتدثِّرة تحت غطاء التقدميَّة تارة، والديمقراطيَّة الحديثة تارة أخرى حيال القضية السُّودانيَّة، سيء للغاية، وقد يطول الكتابة عن الدور السالب لهذا الحزب في قضية جبال النَّوبة وما اقترفه في حق النُّوبة منذ تكوينه إلى لحظة كتابة هذه السطور.
قيادة الحركة واعية تماماً عند اتخاذها هذه الخطوة ولها استراتيجيتها مثلما لحزب الأمة استراتيجيته ونواياه. ولكن لا يمنع ذلك من البحث المتواصل عن فك الجمود وتحريك المياه الساكنة لإيجاد مخرج للأزمة السُّودانيَّة. ونعتقد من وجهة نظرنا الشخصيَّة أنَّ مبادرة اللقاء جاءت من قيادة حزب الأمة القومي بمستوياتها، إلا أنَّها اختارت من لا يملك التفويض الكامل، حيث نعلم علم اليقين أنَّ رئيس الوفد، الصديق الصادق، لا يستطيع اتخاذ أي قرار دون الرجوع لجهة أعلى منه في الحزب. بيد أنَّ الصديق، الذي لا أحد يعرف ترتيبه في الحزب، قابل رئيس الحركة القائد الحلو. فإذا كان حزب الأمة جاداً في مسعاه لمثَّله رئيسه فضل الله بُرمة ناصر، على الرغم من غضب غالبيَّة شعب النُّوبة عليه لما ارتكبه هو شخصيَّاً ورئيسه وزعيمه الصادق المهدي عندما كان وزيراً للدفاع في عهده من جرم بتسليح القبائل العربيَّة دون النُّوبة بحجة محاربة الحركة الشعبيَّة الجيش الشعبي لتحرير السُّودان. وتلك حجة وذريعة واهية. حينئذٍ كان رئيس الحزب ورئيس الوزراء (الصادق المهدي) من رفض ما كان يُعرف ب "اتفاقية الميرغني-قرنق" العام ١٩٨٨م.
بالنسبة لمصطلح "الاتفاق" الذي أخذت ناصيته وسائل الإعلام المضلِّلة، قد أوضحت الحركة أنَّها "اتفقت" مع الصديق الصادق المهدي مواصلة "الحوار" حول المبادئ القديمة-الجديدة منذ ما يُسمى بسقوط حكومة المؤتمر الوطني، عسى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ما نؤكده -بصورة شخصية - للجماهير الغاضبة في هذا المقال القصير هو أنَّ الحركة لن تفعل شيئاً ضد مصالح شعبها لأنَّها تستمد شرعيتها من جماهيرها الوفية وتسترشد بمطالبها التي لا ولن تحيد عنها، فضلاً عن أنَّها لا تقصي رأي أيٍ من الأحزاب السياسيَّة، ولكنها في ذات الوقت تقف بقوة مع ثوابتها المعلنة التي تناضل من أجلها وتدافع عنها. الحكمة في ذلك، حسب اعتقادنا، مد حبل التواصل مع الأحزاب لكشف ألاعيبها التي أثبتت التجارب سقوطها جميعاً حتى الآن.

 

آراء