ثورة الأربعين عاماً … بقلم: منى عبد الفتاح

 


 

 

كيف لا

 لا تتيسر الكتابة عن ليبيا وثورتها بنفس القدر الذي تيسرت فيه بالنسبة لثورتي تونس ومصر لأسباب عديدة، أولها العزلة التي طوق بها العقيد معمر القذافي شعبه ، والحصار الثقافي الذي فرضه عليه. فالكل محسوبة أنفاسه وكلماته ونبضاته. ونتيجة لهذا الكبت عمل الشعب على تعويد نفسه على تحمل كل أصناف الاستبداد ذي المضمون القومي بشكل عام والقَبلي بشكل خاص . فالقومي ، لأن النظام الليبي هو نتاج مرحلة انقلابات عربية تآلف الناس فيما بعد على عقائدها وكأنها وحي منزل  وتعود على ما تبثه من ثقافة استبدادية .والقبلي نتيجة للتركيبة العشائرية التي توقر زعيم القبيلة وتستقوى ببعضها البعض على ما دونها من قبائل وعشائر.   
 هذه العوامل كرست للجهل العام بليبيا وبفعالية ونجاعة تأثيرات الكبت وما ينتجه من حراك لم يتوقع أحد أن يكون بهذه البسالة . خرج الشعب متمرداً نافضاً عن ظهره خضوع أكثر من أربعين عاماً ، غير مبالٍ بوعيد القائد الذي أنذر بأنه سيجعل من ليبيا جهنم حمراء. وهذه هي نفس العوامل التي أبعدت ليبيا فعلياً عن المحيط العربي رغم انتمائها لجامعة الدول العربية ، وعن المحيط الأفريقي رغم مناداة زعيمها بالولايات المتحدة الأفريقية وتنصيبه لنفسه ملك ملوك أفريقيا. ورغم حضور القضايا الثقافية والسياسية لدول المغرب العربي في الوعي العربي إلا أن ليبيا قد نأت بنفسها رغم قربها الجغرافي ، فكانت قضاياها معتمة وإنسانها كائن هلامي غير واضح الملامح .لا تعرف المجتمعات العربية  في المجتمع الليبي غير البطل عمر المختار الذي خلدته السينما العالمية وبطلها الأمريكي انتوني كوين في فيلم "أسد الصحراء" .
 الفرق بين ثورة ليبيا من جهة وثورتي تونس ومصر من جهة أخرى هو أن تونس ومصر أعلنتا عن إصلاحات سياسية واقتصادية ولكن حكومتيهما لم تفيا ما وعدت الشعب به . أما ليبيا فلم تعلن عن أي اصلاحات من أي نوع لاعتقاد زعيمها أن بلاده ليس كمثلها في البر أو البحر ، وهي غير محتاجة لإصلاحات من أي نوع ولا تشكو من أي شيء . اعتبر نفسه القائد المكمل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .وعندما انطلقت أول شرارة للمظاهرات أعلن أنه سيكون في مقدمة المتظاهرين لأن وضع ليبيا لا يعجبه هو أيضاً ونسي أن شعبه الذي رباه على الصرامة ليس لديه من طاقة للتندر كمثل التي يتلقاها في مؤتمرات القمم العربية والعالمية ، يضج القادة العرب بالضحك لأن أياديهم في الماء . وبما أن يد الشعب الليبي في النار فقد قال كلمته بأن لا مجال للضحك لأن الوضع أسوأ مما يتصور الزعيم .
بالرغم من إجماع الكثيرين على طابع شخصية معمر القذافي المعقدة ، فإن أحداً لم ينجح في تحليل نوع عقدته النفسية بعد. فهو قد أعلن منذ البداية دفاعه عن القضية الفلسطينية بأمواله ومواقفه وفي نفس الوقت يتبنى مواقف متناقضة في التعامل مع شعبه. أما الأسوأ من تحمّل تصرفات العقيد القذافي فهي تحمّل  أفكاره التي جاءت في كتابه  الأخضر والذي يعتبر نتاج لوثة عقلية وارتباك فكري مقيم . الحقيقة أن الكتاب يشبه طريقة تفكيره بدرجة لا تترك مجالاً لأحد لأن يعتقد بأن كاتبه شخص آخر غير القذافي .ففضلاً عن ما دبجه من أفكار قطعية وتهويم في عالم الديمقراطية ونظم الحكم ، فقد اقتحم عالم الصحافة أيضاً وألحقه ببعض مما فكّر وقدّر. ففي كلماته في ذلك الكتاب عن الصحافة :" إن الشخص الطبيعي حر في التعبير عن نفسه حتى ولو تصرف بجنون ليعبّر عن أنه مجنون. إن الشخص الاعتباري هو أيضاً حر في التعبير عن شخصيته الاعتبارية. ولكن في كلتا الحالتين لا يمثل الأول – أي المجنون- إلا نفسه". هل هناك جنون أكثر من ذلك . جنون خلق إرباكاً  في تحليل  وضع ليبيا غير العقلاني.
عن صحيفة "الأحداث"

moaney [moaney15@yahoo.com]

 

آراء