جاءت السي إن إن بخبر ذهب السودان لتصبح هي نفسها خبراً

 


 

 

وقعت السي إن إن بتقريرها عن روسيا وذهب السودان (29 يوليو) في محظور إعلامي وهو أن تكون أنت الخبر في حين أنك لم ترد سوى أن تكون الراوي للخبر. فعكّر الخبر، التقرير، أجواء الخرطوم الملبدة بالخصومة أصلاً تعكيراً صارت به السي إن إن نفسها في قفص المحاكمة خبراً تتناقله الأقلام والأفواه.
وقع الخبر في بيئة سياسية للسودان بلغ فيها الاستقطاب حدوده القصوى. فجاء لخصوم الحكومة القائمة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 كمفاجأة سعيدة. ولربما لم يحتج هؤلاء الخصوم لخبر السي إن إن لو اتفقت لهم ثقافة استقصاء مدققة لصون حرمة موارد السودان. فلو شَبّعوا سياستنا بهذه الثقافة، لا مجرد اجترار الشكوى من هذا الاستنزاف لماماً وبغير أكيدة إحصائية، لنزل خبر السي إن أن سهلاً. لو حدث هذا التشبع لما جرؤ جبريل إبراهيم، وزير المالية، ليقول منذ نحو شهر فقط عن شركة فاغنر المتهمة في تقرير القناة بأنها التي تستنزف ذهب السودان: "أنا شخصياً لا أعرف حقيقة أي شيء عن هذه الشركة غير أنها تعمل في المجال الأمني، فأسمع بإشاعات كثيرة، لكن لم أجد دليلاً على ما يقال عن هذه الشركة في السودان، وأنها تعمل في مجال الذهب، فليس لديها امتياز في أي جزء من البلاد، وليس لدينا دليل على أنها أخذت جراماً واحداً من الذهب من أي ركن من أركان البلد، فكل الكلام عبارة عن حديث مطلق، لكن لا دليل لما يقال".
أما أنصار الحكومة القائمة فصوبوا نيرانهم على السي إن إن من جهة نواياها ومفارقة تقريرها للمهنية في قولهم. ولم يجدوا، وصراع أمريكا وروسيا كما نرى، صعوبة في الطعن في التقرير كمفردة في استراتيجية أمريكا لتنال من روسيا بالكذب بحق السودان. فوصف أحدهم تقرير القناة بأنه "غاز مسيل للدموع في إطار صراع الولايات المتحدة وروسيا". وأحصوا التقارير التي صدرت في وسائط أمريكية أخرى عددا ليقولوا بإن أمريكا أرادت بها تخريب علاقة السودان بروسيا. بل وأرادت وقف النشاط التعديني بذريعة أنه يمول الحرب الروسية وحرمان الحكومة السودانية من مورد صادراتها الرئيس. وذكروا بالاسم تقرير "حاميها حراميها" (6 يوليو 2022) الذي استهدف بنظرهم النيل من الجيش السوداني والأجهزة النظامية.
أما مربط الفرس في أيلولة السي إن إن إلى خبر فهو في المآخذ العديدة على مهنيتها التي جاءت عن أنصار الحكومة. فقالوا إن التقرير اعتمد على أقوال عامة مبثوثة هنا وهناك. فلم يسع للحديث إلى وزارة المعادن ذات الاختصاص في الموضوع للتحقق من "فرضياته" في قولهم. ووصفته وزارة المعادن في بيان لها بأنه انبني على "معلومات مغلوطة، وبعيدة عن المهنية، والأمانة الأخلاقية". وكان سبباً في إثارة "كثير من اللغط والبلبلة وتضليل الرأي العام". وكانت أكثر نقاط طعنهم في التقرير وروداً هي التي تعلقت بمبالغة التقرير في حجم إنتاج الذهب في السودان. فجاء في التقرير أن انتاج الذهب في عام 2021 هو 223 طناً بينما هو في الواقع 85 طناً حسب تقدير مجلس الذهب العالمي للإنتاج السودانيً.
ليس بالطبع من تبرير للسي إن إن ألا تلقى وزارة المعادن لتأخذ وجهة نظرها في اتهامات تقريرها الذي طالها بالإهمال بل والتواطؤ مع الروس في حقول الذهب السوداني. ولكن لا يعني هذا أن السي إن إن لم تلتمس في تقريرها وجهة نظر جهات سودانية أخرى لحقها رأس السوط.
ونواصل

IbrahimA@missouri.edu
///////////////////////

 

آراء