جنينٌ يتبلوَّر !!

 


 

هيثم الفضل
20 September, 2022

 

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
المقاومة السلمية التي انتظمت عبر كافة قطاعات الثورة الحيَّة في 2019 ، والتي استطاعت بجدارة إسقاط أعتى الأنظمة الشمولية في إفريقيا والشرق الأوسط ، لم تكن سوى ثمرة من ثمرات النضال السياسي المدني المُتنامي ضد الحكم الديكتاتوري الشمولي على مدى ثلاثون عاماً قضاها الكيزان في حكم البلاد بالجبروت والطُغيان ، إن إستمرار الطُغاة عبر واجهاتهم المختلفة والتي يمثِّل آخر صورها قادة الجيش حالياً في مقاومة بناء الدولة المدنية الديموقراطية في السودان ، سيؤدي بلا شك إلى (تطوَّر) مُستمر ومتوالي في شكل ومضمون المقاومة السلمية ، بحيث سترتفع فيها (جُرعات) العُنف والمواجهة الميدانية إلى أن تتحوَّل إلى مقاومة مسلحة وتُلقي عنها (كُلياً) ثوب السلمية ، وذلك ما جرت عليه طبيعة الأشياء ، وما إنتظمت عليه سُنة الله في الأرض عبر قراءة سريعة للتاريخ وما سجَّلهُ من وقائع وأحداث في الحِقب الماضية والمعاصرة.
أما على الواقع المُعاش فدونكم ما يحدث الآن من (تطوير) في شكل المواكب السلمية التي بلا شك أصبحت تختلف تماماً عن ما كان عليه الأمر في بدايات الحراك الثوري في 2013 و2019 ، فظهور مجموعات ثورية فرعية مثل غاضبون بلا حدود أو ملوك الإشتباك ، هو أصدق دليل على هذا التغيير والإختلاف ، والذي هو بالطبع قابل (للتطوَّر) وتحيط به كافة الأسباب الشكلية والموضوعية الدافعة لقابليته للتطوَّر ، أو(التمادي) في توسعة رقعة حراكهِ الميداني عبر منهج (الإشتباك) الذي هو في الأصل نمط من أنماط القتال ومنهج من مناهج العمل العسكري ، ويحتاج في ترتيباته إلى إجادة التعامل مع مناهج عسكرية بحتة أهمها التكتيك والتأمين وتعطيل تقدَّم (العدو) ، وقد ظلت لجان المقاومة المُنَّظمة لمعظم المواكب بإعتبارها أهم صور التعبير الإحتجاجي المُتاحة حالياً ، تُشير دوماً إلى أن الإشتباكات والمناوشات التي تحدث بين الأجهزة الأمنية والثوار المتواجدون في مقدمة الموكب إنما تستهدف إطالة المدى الزمني للموكب ، هذا فضلاً عن (حماية) الموكب وتأمينه من (إجتياح) القوى الأمنية وتعرُّض المشاركين فيه إلى الضرر البدني والمعنوي وكذلك الإعتقال.
نقول للذين (يُهدِّدون) مسيرة المد الديموقراطي في السودان ويحذِّرون من الفوضى التي عمت بعض البلدان المجاورة ، بإعتبار أن السودان به الكثير من الجيوش غير الموحدة ، ولديها الكثير من الأسباب المنطقية واللامنطقية لتتقاتل في أيي زمان وفي أيي مكان ، لا تنسوا أن تضيفوا إلى محاذيركم (جيشٌ) آخر هو الآن (جنينٌ) يتبلوَّر ويترعرع تحت طائلة الغبن والشعور بالظلم والإحباط جرَّاء مقاومة الطواغيت للإرادة الجماهيرية الحُرة التي يُعبِّر عنها الحراك الثوري في الشارع الآن ، أخشى أن يستمر هذا التطوُّر المتوالي لمضمون وشكل (المقاومة السلمية) حتى يُسفر عن وجهٍ آخر وجديد عنوانهُ وسِماتهُ (المقاومة غير السلمية) ، من باب (مُجبرٌ أخاك لا بطل) بالنظر إلى ما نراه من تمادي الطُغاة في غيهم وسحقهم للثُوار ، فضلاً عن مقاومة أمانيهم وأشواقهم في إرساء دعائم دولة مدنية ديموقراطية في السودان.

haythamalfadl@gmail.com

 

آراء