حادثة الضِبيب ول حميدان ورفاقه

 


 

حسن محمود
23 February, 2023

 

تقطن قبيلة المسيرية الركن الجنوبي الغربي من إقليم كردفان وتختلف أراضيها ما بين رملية في الجهات الشمالية حول المجلد وبابنوسة والفولة وتتدرج الى أن تصل الطينية في نواحي بحر العرب أحد روافد النيل الأبيض ، وتتوزع أنشطتهم تبعاً لطبيعة منطقتهم ، فعند فصل الخريف يستقرون شمالاً حيث الأراضي الزراعية والمراعي الخصبة بالسهول الفسيحة ، أما صيفاً فيتمثل نشاطهم في إرتياد بطاح بحر العرب وتتبع مناطق الخصب الصالحة لرعي الماشية ، والنشاط الأخير هذا يقتصر على فئة من الشباب ، أما الرجال فهم يبحثون عن مصادر رزق أخرى تجنبهم بيع مواشيهم من أجل تصريف شئونهم.
في العام 1951م عزم الرجال على التوغل جنوباً في نواحي بانتيو باعلي النيل بهدف الحصول على الصيد الوفير بتلك المناطق ولا يخلو الأمر من صحبة بعض النساء للمساعدة في إعداد الطعام والعمل على جرد لحوم صيد الزراف وتجفيفها في(قراف) لحملها على ظهور الثيران والعودة بها الى مضارب أهلهم بشمال بحر العرب ، علماً بأن رحلة الصيد هذه تسمى الدرمود وهي تستغرق مدد متفاوتة قد تمتد لعدة أسابيع ، خلال هذه المدة يصبح المجال مفتوح أمام الرجال الصيادين لإبراز مهاراتهم في ركوب الخيل والفروسية ومطاردة الزراف حتى إصطياده. لتبدأ مرحلة سلخ الجلد وتقطيع اللحوم وهذه يشترك فيها الرجال والنساء ثم المرحلة التي تليها وهي حمل اللحوم على ظهور الثيران الى مقر الصيادين (التاية) ليتم تجفيفها هناك ثم تعبئتها ..
في ذلك العام تشكلت إحدى المجموعات من عصبة من رجالات أولاد عمران للغرض المشار اليه في المقدمة ، هذه المجموعة تشمل الضبيب ول حميدان واخوه محمد حميدان واداو ول بول والدرحمان قفيفة وأدم وادِم عيال نجادور وحدوق كباشي وعفينة ول رمضان والدقيل ول خيار وعيساي ول معيتيق واحمد اللزرق ولد ابوندروعة والدودو اب سعية وعبد الله وحامدين عيال ابوقديميل ،جقدول ول حمدي اقور واحمد اب قلق ول سعيد وحل وغيبش ام كجامة ومحمد خباز ول تمبول وحمدون بخت شريم وحمدان قفيفة ومحيميد نجادور وحامد كباشي والأمين كباشي وعبد الرسول فضل ومحمد كاجوكة وعثمان عمر امصقرمون.
تمكنت هذه المجموعة من إصطياد ما تيسر من الصيد وإنكبت نساؤهم على المغانم فشرعن في تجفيف اللحوم وتعبئة المجفف منها وهن كخلية النحل في حالة حراك دائم كسباً للوقت وحرصاً على إنجاز المهام بكل إتقان حتى لا تتلف بعض اللحوم نتيجة التأخر في جردها وتجفيفها ، وبينما هم كذلك فإذا بثلة من الرجال تقرر في الصباح الباكر الخروج لمواصلة الاصطياد للحصول على المزيد من الصيد وعلى رأس هذه المجموعة بطلنا محور هذه الحادثة الضبيب ول حميدان والذي اشتهر بولد أبوقرين ايضا .
كان من المؤمل أن تمضي عجلة الحياة كما هو مخطط له ، ما بين مجموعة تخرج للصيد ، ومجموعة أخرى تبقى بالتاية لمواصلة التجفيف والتعبئة.
اثناء وجودهم بالتاية داهمتهم مجموعة من العساكر الجنوبيين تتبع لحرس الصيد ويترأسهم قائدهم المعروف (بريندو) الذي عرف بالغلظة والشدة مع الأعراب الذين يرتادون تلك المناطق بغرض الصيد ، حيث شرع حالاً في مخاطبة العرب قائلاً لهم : يمنع الصيد في هذه المنطقة فما كان منهم الا وان شرعوا في ترتيب أغراضهم للمغادرة والعودة لديارهم الا أن القائد بريندو عاجلهم بالرفض وأصدر التعليمات لمرافقته الى المخفر ببانتيو دون إستثناء للنساء .
أصر بريندو على ذلك إستناداً على سلوكه السابق مع الصيادين الذين يرتادون تلك المناطق ، فكثيراً ما طغى وتجبر وأجبر الصيادين بمرافقته الى حيث مخفره ببانتيو حيث هناك تتم مصادرة الخيل ولحوم الزراف وتوقيع غرامات مالية كبيرة عليهم ، وهو كثيراً ما يحرص على الإستيلاء على أذناب الزراف لأنها تتميز بسعرها الغالي .
جرى نقاش وشد وجذب بين الطرفين ووافق العرب على أثره بالذهاب معه الي حيث يريد .. شريطة أن يخلي سبيل النساء ليتمكن من العودة الى الديار.
لكن القائد بريندو رفض بعنجهية وأصر على رأيه القاضي بمرافقة الرجال والنساء له !
هنا أسقط في يد عرب المسيرية ولم يكن أمامهم من خيار إلا أن يزمعوا العودة الى ديارهم برفقة نساءهم وعلى بريندو فعل ما يروق له .وعندها تراجع بريندو وعساكره ، ثم عملوا على الإرتكاز وراء قرن -مجري مائي- ليشكل حاجز بينهم والصيادين ، ثم بدأو بإطلاق أعيرتهم النارية لمنع المسيرية من الرحيل. الذين واصلوا التحضير للانطلاق بعيدا عن هذا القائد العسكري المتعجرف .
زاد في اطلاق النيران عليهم... الشيء الذي دفع بالمسيرية للدفاع عن أنفسهم ومالهم وعرضهم .
كان أمامهم خيارين وهما الإلتفاف حول العساكر والقبض عليهم وتجريدهم من سلاحهم وتركهم ليعودوا من حيث أتوا ، وهذا الخيار لم يجد قبول الغالبية ، فلجأوا للخيار الثاني وهو مهاجمة العسكر عنوة وهم على ظهور الخيل مسلحين بالأسلحة البيضاء مثل الحراب والكواكيب مقابل السلاح الناري الذي يحمله الطرف الآخر ، فإنطلقوا نحو العسكر بكل شجاعة وحماس. وكان أول المهاجمين أداو ول بول الذي أصيب على التو ، وتبعه حامدين ولد أبوقديميل الذي هاجم بفرسه محاولاً الإجهاز على قاتل رفيقه (أداو) ٠وتمكن بالفعل من قتله ، ولكنه أصيب وكذلك جواده ، ثم هجم الدرحمان قفيفة الذي تعرض لكسر ، وكذلك أصيب أحمد اللزرق وعبدالله الشرتاي وأحمد أبوسعية.
قتلو ولكنهم تمكنو من قتل ثلاثة عساكر.
لقد اضرت خطة بريندو بالارتكاز خلفا القرن -مجرى مائي -بالمسيرية كثيرا ذلك لأن الحاجز المائي يؤدي الى تهدئة إندفاع الخيل المهاجمة وتصبح الفرصة مواتية للعسكر لإلحاق الضرر بالحصان الذي غالباً ما يخر صريعاً ثم تتم معاجلة راكبه باصابة قاتلة.
لعلعة السلاح وأصوات رصاص المعركة بلغ مسامع المجموعة التي خرجت صباحاً فعادوا أدراجهم مسرعين بقيادة الضبيب ول حميدان وأخوه محمد حيث وجها خيلهما مباشرة نحو القائد بريندو الذي أطلق عليهما النار حيث أصابت الرصاصة مقدمة سرج جواد الضبيب الذي تمكن بكل شجاعة من الوصول لبريبندو وعاجله بطعنة نجلاء بحربته الكبيرة فأرداه قتيلاً في الحال .. عند هذه اللحظة إهتز طرف العسكر حيث أصابهم الذعر فأسرعوا مدبرين بعد أن تكبدوا خسائر بشرية عددها ثلاثة من عساكرهم .
إنقشعت سحابة المعركة بعد مقتل القائد بريندو وإدبار عساكره ، وطفق الفرسان البدو في ستر موتاهم الخمسة ، ثم لملموا أطرافهم و عادوا الى فرقانهم ، ليسجل التاريخ معركة قد تتباين الرؤى في الحكم عليها مع ما صاحبها من مناخ الإستعمار البريطاني الذي ألقى بظلال كثيفة وأثر في منطلقات الطرفين .
لم تنته معركة الصيف التي قتل فيها بريندو عند هذا الحد ولكنها جرجرت أذيالها الى موسم الخريف الذي عاد فيه المسيرية الى مخارفهم ونصب فرقانهم على مقربة من مدنهم المعروفة المجلد وبابنوسة والفولة.
عندها أرسلت الحكومة الإنجليزية فرقة عسكرية للقبض على المتهمين بقتل القائد بريندو وعساكره حيث وصلوا الى فرقان أولاد عمران في منطقة شبشاية وتم القبض على عدد كبير من المتهمين الذين خضعوا لتحريات أسفرت عن عدد 13 شخص رهن الحبس والتحريات الذين تم ترحيلهم عبر عدة مدن المجلد والنهود ثم الابيض ومنها الي،كوستي حيث رحلوا منها الي مدينة ملكال عبر البواخر.وصدر الحكم عليهم جميعاً بالإعدام في العام 1952م.
صادف ذلك الوقت وجود عدد من أولاد عمران في ملكال كانوا يعملون في مهن متفرقة مثل التجارة واشغال اخري وكانت لديهم معارف وصداقات مع بعض الموظفين والتجار الشماليين- الجلابة الذين نصحوهم بتوكيل محامي لاستئناف الحكم .وبالفعل جمعوا قدر من الأموال ووكلوا المحامي والسياسي المعروف رئيس وزراء السودان الاسبق محمد احمد محجوب والذي استطاع تخفيف الحكم في القضية.
فصدر الحكم النهائي باعدام عدد ثلاثة متهمين، هم الضبيب ول حميدان وباخت ول حامد جنقي وحامدين ولد ابوقديميل .بينما صدر الحكم بالسجن علي الباقيين لمدد متفاوتة وتبرئة قلة ،اطلق سراحهم . وتم دفن الذين نفذ عليهم حكم الإعدام في حلة العرب بحي البرجوب في ملكال بحضور بعض من أهلهم وذويهم .
وكما ذكر آنفاً فإن هذا الحادث إكتنفته ملابسات عدة ومنها حصول المجموعة على تصريح للصيد منحهم إياه أحد نظار الإدارة الأهلية،ويبدو أن هذا التصريح لم يعتد به قانونا.
بعد صدور حكم الاعدام سمحت السلطات الاستعمارية للمسيريه بمقابلة المحكومين وقد كانت معنوياتهم عاليه وتبدو عليهم سمات الثبات والاعتيادية كانهم ليس مقدمين علي الاعدام.
قبل الاعدام طلبت ابنة بيرندو ان يسمح لها بمشاهدة قاتل ابيها وسمح لها بمقابلة الضبيب..وابدت اعجابها بشجاعته وقالت انها ما كانت تظن ان هناك رجل اشجع واقوي من ابيها حتي يستطيع قتله.كما ان الضبيب أنصف بريندو واشاد بشجاعته وهذه هي اخلاق الفرسان.
في لحظات تنفيد حكم عن طريق حبل المشنقه ..انقطع الحبل ..عندما تنازلت ابنة بريندو وعفت عن حقها..ولكن الضبيب بكل شهامة ونكران ذات رفض وطلب ان ينفذ فيه الشنق بحبل اخر، اسوه برفيقيه الذين سبقوه في الاعدام .
تعتبر حادثة الضبيب ولد ابو قرين ضد بريندو احدى بطولات المسيرية المنسية في التاريخ السوداني وهي تجسد البطولة والبسالة ضد الظلم والتجبر وانتهاك الكرامة وسوء استغلال السلطة.
فقد شكلت هذه الحادثة سابقة قضائية في تاريخ القضاء السوداني وقد ورد ذكرها في مجلة الاحكام القضائية للعام 1954.
وظلت خالدة في المخيلة والشعر والتراث الشعبي المسيري والكتابة عنها تأتي في إطار توثيق الاحداث المهمة والمساهمة في اعادة كتابة بعض تاريخ المنطقة وتعريف الأجيال الناشئة به وتخليدًا لذكرى شهداء هذه الحادثة الذين ضحوا بحياتهم وبذلوا ارواحهم رخيصة صيانة للكرامة والشرف.
هذا الحادث وبما شكله من زخم أصبح حديث القاصي والداني في مجتمع المسيرية ونال من الشهرة ما جعله يطبق الآفاق حيث ظلت الأجيال تتناقله أب عن جد وهم يتحدثون عنه بكل فخر حيث يعتبر نموذج فريد للفروسية والشهامة والبطولة وتجلت فيه الغيرة والأقدام ومواجهة الصلف والعنجهية بكل إباء وكبرياء وشمم ،قد ترك هذا الحادث البطولي أثره الكبير في الأدب الشعبي المسيري الذي سارت به الركبان وحفظته الصدور وتناقلته الأجيال ، وسنورد أدناه نماذج منه باللهجة العربية المسيرية :
قال الهداي والشاعر المسيري الدغيج ولد العقار:
ولد ابقرين من عينه ما رمش
هو و عقيدة مافيهم واحد دكا العدو و ترَس
و بي قفاه ما كَسكَس ١
ما رضوا الحقارة ، داوسوا كبش لاقى كبش
وذكرهم الهداي الشهير فضيلي العاتول الملقب ب العاتول الغلّب التيل بقوله:
ولاد عمران سياد الصُفر السمان
سياد القرع الكبار يوم يجو الضيفان
دوسة الضبيب ول حميدان
خبطت الانقليز حاددت عموم السودان
الضبيب ول حميدان داوس ام عشره كشف الدخان
الدرحمان قفيفة بِنبر ببنات منامه بحوتهِن ببنات عدال
اداو ول بول حبل السانيه البحمل الجرجار
الشرتاي ولد ابوقدميل قرونه صقعن شراته طران
اللزرق ولد ابوندروعه حجاب ستار
محمد اب زبن ول حميدان قبيله هلكان
اما الهداي حمودي الحمبزوز انشد مادحاً :
الضبيب ولد ابو قرين يا تقولوا بِرّمى
بلا الجود مع الرجاله الضبيب شني خِدمه
وعصر كبير الكايسن نعمه
مع الضبيب ولد ابو قرين حلب وزمه رقد وانجمه
والضبيب ولد ابو قرين قام رغيمي زرقه
كشْكَر علي نسوانه
رطراط سرجه جملاً بسوق عصارة
سيد الشاه مع الحمار من ولد ابوقرين سووا ليكو عاله.
اما الهداي حسب الله الزبيرتو اتخذ المناسبة لمدح كل ابطال الحادثه مخاطبا العطاوة والجنيديين:
تعالو أهلي جنيد مع عطيه
وشوفو ترا الحكيه، من الله ما خلق الدنيا
ما شُفنا الحربه بتساوي البندقيه
دوسة الضبيب مع باخت هي ترا ما فيها
دوسة الضبيب مع باخت شِن بتشبه بلا دوسة المهديه
اداو ولد بول النمر أبو تبر مايغركو الزرقية
أحمد ولد أجبر تور أم رخيي الشايل لي نونية
الضبيب ولد ابوقرين قضاي الحاجات خليته ترا دخريه
باخت ول حامد تور القرنتي بغمز بِبق في ميي
الدودو ولد الرحيمي البحش اﻻصفر الهاوك السعية
دوسة اوﻻد عمران اهليه السوت لي حِرية
حديدنا هنا وﻻد عمران مع أم عشرة اتلاقا
أهلي وﻻد عمران بشربو حليب ما بشربو روابه
الزرع بنقطعه ما بنحضر جنكابه
مراد الله دقدق جاو قالت لي حسب الله ول رجب
باخت ابوجمعي التقيل سلم علي، ودي سلامي لي
قولي مراد الله حمره مبسوطه عليه
في محل الدواس باخت ما سوي (فلندي)
المد ابوطمانيي باخت انا بكايل بي
تور جاموس يا باخت محرِم الجفلي
تمساح اللُجي غصين الفجي صغير القِمي القلب متمم لي
باخت النمر ابوفاطر العيال كان دقو التقيل عارفه ببادر.
وخلد الحادثة الهداي عبدالله كوكو الفضيل ( ابوكعيبات) بالابيات :
باروكه جيبي اللجام
الخيل شدن جيبي اللجام
مُهرك هجرته
و كفنك عبرته
فوق السعن دخلته
ولد ابقرين النجمجماي ادرعته ماوقف بعيد تابرته
حاوت الجبخاني و امنيد هبرته.
عقيدك تيران جاموس كضب القال ساقه
اداو ول بول الطرنقاعة العقبت البراقه
محمد ولد ابقرين حربته طريني للكبود شقاقه
باخت ول حامد جنقي عاصي قطع ام شبابه
حسن محمود
*ساهم في جمع وكتابة مادة المقال مجموعة مهتمة بالتوثيق .
هوامش:
شرح لبعض العبارات التي ورد في اشعار الشعراء والهدايين :
كَسكَس: تراجع
ام عشرة :بندقية قديمة تسع عشر طلقات
الصُفر السمان: وصف للابقار
منامه وعدال:فرعي قبيلة أولاد عمران
شراتة طران:اطرافه حادة
قام رغيمة :قام مبكرا قبل الفجر وقت صلاة الرغيبة
كشكر ع نسوانة.. امرهن
يا تقولوا برمى: لا تقولوا يمشي متثاقلاً، كأنه يرمي ويضع رجليه ببطء
رطراط سرجه:صوت الجلوس علي السرج
سوا ليكو عالة:عالة بمعني الصبر والتمهل
تور امرخي الشايل ليه نونية: ثور الشيل الهادي لدرجة سيده برخي الزمام و النونية نوع من زينة الخمام تصنع من الودع و ريش النعام .
البحش الأصفر الهاوك السعية:الاسد
سوت لي حرية.. زعل شديد و ذرف دمعة حرى
جنكاب.. مراجعة الحصاد
فلندي:الهروب بلغة النوير
المِد ابو طماني.. مكيال ثمانية يد
الجفلي:هرب مسرعا
صغير القِمي :صغير الحجم
امنيد هبرته:طعنه باليد
ام شبابه:حبل يمسك به الثور الهائج

h.mah274@gmail.com
///////////////////////

 

آراء