حتى لا تتكرر تجربة النظام الرئاسي 

 


 

 

1

  في خطوة متقدمة طرحت تنسيقية لجان المفاومة بولاية الخرطوم مقترح  "ميثاق تأسيس سلطة الشعب " لتوحيد قوى الثورة للاضافة والتعديل، وهو يشكل أساسا صالحا للبناء عليه بعد التجويد والاضافة والتعديل المطلوبين.

 سوف اركز في هذا المقال علي ما جاء في الميثاق في المحور الثاني الخاص بالسلطة الانتقالية وهياكل الحكم ، لما لها ارتباط بعنوان المقال الخاص بالنظام الرئاسي حتى لا تتكرر تجربته الفاشلة ، جاء في المحور الثاني من الميثاق ص 3 ما يلي :

" 2- 1 : تسمية رئيس وزراء من الكفاءات الوطنية المستقلة المنحازة لثورة ديسمبر المجيدة وقضايا التغيير الجذري ، بالتوافق بين القوى الموقعة علي هذا الميثاق لتقوم بمهام استلام السلطة وتسيير المهام السيادية والتنفيذية بعد اسقاط الانقلاب الي حين اجازة الدستور الانتقالي عبر المجلس التشريعي الانتقالي".

  هذا النص قد يقودنا الي قيام حكم رئاسي استبدادي ديكتاتوري ، في حين الأجدي قيام النظام البرلماني الذي يبدأ بتكوين المجلس التشريعي الانتقالي ، المنوط به اختيار رئيس الوزراء والحكومة و المجلس السيادي التشريفي، واجازة القوانين ، والدستور الانتقالي ومراقبة ومحاسبة الحكومة ، وسحب الثقة منها في حال انحرافها عن أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية، والدفاع عن وحدة وسيادة الوطن.

 هذا اضافة لعدم تكرار تجربة ما بعد الوثيقة الدستورية "المعيبة " التي تم فيها تعطيل قيام المجلس التشريعي ، وقيام نظام رئاسي استبدادي حل فيه مجلس الوزراء والمجلس السيادي محل المجلس التشريعي ،وانحرف عن مهام الثورة ، وحتى الوثيقة الدستورية تم خرقها، وتم اتخاذ قرارات خطيرة من مهام المجلس التشريعي ، كما في التطبيع مع اسرائيل ،واجازة قوانين كثيرة من مهام المجلس التشريعي مثل: قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،وقانون الاستثمار ، ووضع السودان في " الهيبك" أو الدول المثقلة بالديون، واجازة اتفاق جوبا الجزئي القائم علي المحاصصات والمسارات الذي يهدد وحدة البلاد، وتكوين مجلس شركاء الدم ، والبطء في تحقيق أهداف الثورة كما في تفكيك النظام وإعادة الأموال المنهوبة، والمحاسبة في مجزرة فض الاعتصام ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية، والخضوع لشروط الصندوق والبنك الدوليين بعد تجاوز توصيات المؤتمر الاقتصادي. الخ، مما فتح الطريق للانقلاب علي الثورة كما حدث في 25 اكتوبر الذي اعاد التمكين ،والقمع والنهب بشكل أسوا من النظام البائد ،كما هو جاري حاليا في القمع الوحشي للمواكب السلمية وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، والتفريط في السيادة الوطنية، كما في محاولة بيع الميناء، واعطاء روسيا قاعدة علي البحر الأحمر، مما يجعل السودان في مرمي الصراع الدولي الجاري اصلا حول نهب الموارد.


2

   النظام البرلماني يناسب أوضاع السودان الذي يتميز بالتنوع والتعدد الديني والاثني والثقافي والقبلي، ويرسخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد ، ويؤكد تفاعل السلطات ووحدة وسيادة الدولة، وتحديد المسؤولية ، كما يشكل الحكومة ويسهل التعامل معها ويحاسبها ،وحجب الثقة منها.

  تجربتنا بعد الاستقلال  بدأت بالدستور الانتقالي لعام 1956 الذي أكد أن السودان جمهورية ديمقراطية ذات سيادة ، وقيام نظام برلماني يتكون من : برلمان ، مجلس سيادة، ومجلس وزراء، يقوم فيه البرلمان بانتخاب مجلس السيادة التشريفي ، وينتخب رئيس مجلس الوزراء ، كما كفل الدستور : حق الحرية والمساواة ، حرية الدين والرأي وحق تأليف الجمعيات، حظر القبض علي الأشخاص ومصادرة الممتلكات، حكم القانون ، التمتع بالحقوق الدستورية ، واستقلال القضاء.

 وكان من الممكن استمرار الديمقراطية ومعالجة مشاكلها بالمزيد من الديمقراطية، ولكن البلاد وقعت في الحلقة الجهنمية للانقلابات العسكرية ( انقلابات نوفمبر 1958 ، مايو 1969 ،و يونيو 1989،وانقلاب 25 أكتوبر 2021م الذي هو امتداد لانقلاب اللجنة الأمنية في 11 أبريل 2019) ، نلك الانقلابات التي صادرت الحقوق والحريات الأساسية ، وفرضت أنظمة حكم رئاسية ديكتاتورية استبدادية ، وفرطت في السيادة الوطنية ، وفتحت الطريق علي مصراعيه لنهب ثروات وأراضي البلاد.

  كما تم فرض الجمهورية الرئاسية التي تم فيها انتخاب رئيس الجمهورية بانتخابات أو استفتاءات مزورة نتيجتها معروفة سلفا ( كما في حالة المخلوعين النميري والبشير)، والتي كرّست أنظمة شمولية اختزلت الدولة في شخص الرئيس الذي يحتكر السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وقيادة القوات المسلحة ، ويحل البرلمان ، وغير ذلك من المهازل التي عاشها شعب السودان، باسم الجمهورية الرئاسية، مما أدي للتفريط في السيادة الوطنية، واغراق مدينة حلفا التاريخية وفصل الجنوب، والزج بالسودان في حرب اليمن، واحتلال مصر لحلايب وشلاتين ونتؤ حلفا ، والسماح لفكرة قاعدة عسكرية لروسيا وأمريكا علي البحر الأحمر، وعقود الايجارات لفترة 99 عاما لملايين الأفدنة ، وعقود التنقيب عن الذهب والمعادن التى تصل الي 25 عاما، وتهريب عائد الذهب وبقية المحاصيل النقدية.

  مما يتطلب ، استمرار الثورة حتى تحقيق أهدافها بقيام الحكم المدني الديمقراطي واستدامة الديمقراطية وحكم القانون وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتنمية المتوازنة، والحل الشامل والعادل  في السلام ،والسيادة الوطنية، ونظام حكم برلماني يقوم علي دستور ديمقراطي يقوم علي التعددية الحزبية وفصل السلطات ، وترسيخ حقوق الانسان ، وحكم القانون، والالتزام بالمواثيق الدولية التي تصون حقوق الانسان، واستكمال الحقوق السياسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل ، وقيام الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو اللغة أو العرق أو الثقافة أو النوع، والتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة..


 3

  خلاصة ما نود أن نقول ، مهم لترسيخ الديمقراطية في بلد مثل السودان متعدد الاعراق والثقافات والأديان ، قيام نظام حكم جمهوري برلماني، ، يضمن استقرار الديمقراطية والبلاد ويصون سيادتها الوطنية، ومشاركة الجماهير في السلطة، ويتكون من : مجلس سيادة يمثل السيادة الوطنية ويكون رأسا للدولة، مجلس وزراء يكون السلطة التنفيذية العليا في البلاد ، مجلس تشريعي يمثل السلطة التشريعية ويمارس حق الرقابة علي الحكومة، سلطة قضائية مستقلة تماما، نظام حكم لا مركزي يضمن المشاركة الحقيقية الديمقراطية للمواطنين ، وثيقة خاصة بحقوق الانسان السياسية والاقتصادية والثقافية تتضمن أحكام ومبادئ حقوق الانسان الواردة في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية التي يصادق عليها السودان ويلتزم بها، والقوات المسلحة مؤسسة قومية حامية للوطن وسيادته.




alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء