حتى لا ننسى … بقلم: محمد محمد خير
29 December, 2009
أقاصي الدنيا
sudaninexile195@hotmail.com
ذكرت بالأمس أن الصحفيين والكتّاب الذين تعرضوا للإعتقال خلال سني الإنقاذ لم يتجاوزا العشرين وذكرت أسماء بعضهم من الذين تم إعتقالهم في (وقت الشدة) وتلك بواكير أيام الإنقاذ حيث لا تسمع من المذياع إلا( أنا ماشي نيالا هو يا هو ) ولا يشنّف أذنك إلا صوت الرائد يونس ( أما كينيا التي إبتلعت مثلث أليمى فإنها سوف تتقيأوه ثم تدفع القضاء والكفاره ).
ثم يطل يوسف عبدالفتاح من شاشة التلفزيون محذراً الجزارين والخضرجية من مغبة التلاعب بالأسعار ،( الكتاحة ) تتسيّد موقف الطقس والغموض يحيط بكل شيء ، في تلك الأيام لم نسجّل موقفاً بطولياً لأي من المناضلين الجدد ولم نسمع بسيرهم العبقة تصدينا وحدنا لهذا الطقس وتحملّنا القسط الأوفر من تلك العذابات سجناً وتشريداً في بسالة إنتزعت إعجاب معتقلينا لما كنا عليه من العزيمة والبأس .
هذا ليس مناً على بلادنا فهذا البلد العذب النير العبق المستطاب يقع في الركن القصي للفؤاد الذي ( ترعاه العناية ) ويتخلل الجسد والمسام وأقواس الأظافر .
لفت نظري أن أول صحفي تم إعتقاله في ذلك الأوان كان الأستاذ يوسف الشنبلي الذي اعلن قبل أشهر إنضمامه للمؤتمر الوطني وأنتظم كاتباً راتباً في صحيفة(الرائد) الناطقة بإسم الحزب وجذب إنتباهي أيضاً أن اول معتقلين تعرضا للتعذيب هما الدكتور مضوي الترابي وزميله الأستاذ صديق الهندي، ومضوي اليوم هو الأمين العام لأحزاب حكومة الوحدة الوطنية والهندي يترأس لجنة برلمانية ، أما أول كاتب تعرّض لقضية تعذيب المعتقلين من منبر صحيفة السودان الحديث وقتئذ كان الدكتور عبدالله علي إبراهيم المرشح الرئاسي والقلم المسّيج بالعقيق وماء الذهب الخالص الذي لن يصدأ ، ليس ذلك تقريظاً لعبدالله فحاشا وإن كان تقريظاً فليكن ليت المدائح تجزي عن مناقبه !!
المعارضة ليست موقفاً سرمدياً يظل إلى الأبد طالما ظلت مفردة سياسية قابله للتحول والتموج حسب رياح السياسة فإذا أنجز الحزب الحاكم ما تنادي به المعارضة يتعّين على المعارضة مد يدها له لما حققه من منجزات تصبو لتحقيقها وتلك مأثرة حضارية وقيمة أخلاقية وفوق ذلك هي (روّاب) الديمقراطية ، لأن الديمقراطية تعني الإعتراف بالآخر والأشارة لمفاتنه وومحاسنه وليس التربص لإصطياد أخطائه . المعارض الذي يعارض بلا أرصده نضالية ويخلو (كيسة) من أي بطولة شخصية أو جماعية او فردية ولم يقدم لوطنه سوى الإكتفاء بموقفه المعارض أزلياً يظل يشبه( ضُل الشق) وذلك ظل لا يستفيد منه إلا الظل نفسه !!!
لقد خطت حكومة الإنقاذ خطوات مقدرة تجاه الآخر المعارض ومدت يدها وصافحها كثيرون كانوا في السجون والمنافي تقلد عبدالرحمن سعيد حقبية الحكم الإتحادي وأصبح الزهاوي إبراهيم مالك الذي تحمّل اعباء العمل السري لحزب الأمة منذ 30 يونيو وزيراً للإعلام وناطقاً رسمياً بإسم الحكومة وكان قبلها قد دفع فاتورة العذاب المستحق بين سجني كوبر وحلفا ، وعاد الصادح محمد وردي لوطنه وتبعه سيف الجامعة وشرّف الطيب صالح سماء البلاد الحبيبة ووكان في إستقباله ( هؤلاء ) !!!!
الأهم الذي تجدر الإشاره إلى بيناته اللامعة أن المعارضة مجتمعة لم تستطع إسقاط الإنقاذ ولما يئست الإنقاذ من هذه المعارضة وطال إنتظارها لذلك (الحدث السعيد ) وتيقنّنت أنه بات من الميؤس أن تحدث المعارضة هذه الخطوة تبنت الإنقاذ بعض طروحات المعارضة وأحدثت التحول بنفسها وجاءت بمعارضيها للبلاد فمنهم من إلتحق بمؤسساتها ومنهم من تأبى حفاظاً على ( الشرف الوطني ) ومنهم من ينتظر .
ألا تستحق هذه الخطوة التأمل كله لأنها تصلح ركيزة رواية سودانية تعبّر عن تيار ( الخيال الواقعي الخلاّق ) إن كان لهذا التيار وجوداً ضمن المدارس الأدبية ؟ !!
حكاية لها علاقة بالنص
في سجن كوبر كان لي صديق من النقابين تم إعتقاله وزوجته في شهرها السادس من الحمل وعندما أنجبت زارته مع الطفل وبدأ يتابع أطوار طفله وبعد عام تقريباً كان في كامل حالة الإكتئاب وعندما إستفسرته قال لي أن طفله أصبح له أسنان وهو مازال في السجن فقلت له : ( والله لما يفكونا ولدك يكون كايس طقم ) !