حتى وصولنا لرتبة المقدم “خاتمة مطافنا” لم تسجل دفاترنا بلاغ نهب واحد في أيِ مدينه داخل السودان

 


 

 

مؤلم للنفس الحديث عن الشرطه بما يمسها بسوءٍ أو يُنقِص من قدرها وهيبتها لأن ذلك كله يمثل الأساس الذي به تؤدي واجبها وتكسب ثقة مواطنيها وبلا هذا الأساس لا نعتبر أن لدينا شرطه.
خرجت الشرطه مثقلةً بجراحها بعد سنوات الإنقاذ الكارثيه وبعد ثورة ديسمبر التي في أتونها دقَت بيديها اخر الأسافين في وجودها المرجو والمُتطلَع إليه فما هي ، إلى جانب ما ذُكر ، أسباب ما نحن فيه اليوم من تعثُرٍ لهذا الجهاز وإلى من يمكن لأصابع الإتهام أن تُشير؟
إبتداءً ليست الشرطه بمعزلٍ عما يحدث في دولة ما بعد الثوره وأعني بذلك الإنهيار التام لكل المرافق والمؤسسات الحكوميه والشعور المتنامي بعدم وجود حكومه تُسيِر أمر هذه الدوله فكل ما يحدث الان هو عباره عن كيمان من العسكر ومن المدنيين لا أحد منهم يعرف حدود واجباته وسلطاته او او تفاصيلهما مع تفوُق العسكر أمام الإنكسار البائن لمدنيي ما بعد الثوره الذين كانوا ولم يزالوا الغلطه الأكثر إيذاءً في تاريخ السودان السياسي.
تخلَي الأخ رئيس الوزراء عن حقِه في إدارة شأن وزارة الداخليه كان ضربة بداية الإنهيار الأمني الذي نشهدهُ الان. ظننا أن تخليهِ هذا كان عن عدم إدراكٍ وجهل بحقِهِ في ذلك فسارعنا لتبيان ذلك له ولما لم يُجدِ ذلك ذهب ظننا الى ضعف الرجل . وبعد مرور العام الثاني وضح لنا ان الأمر لا يعدو كونه تواطؤٌ بينه وبين العسكر سيراً تجاه هدفٍ يسعون إليه معاً. وُضِعَت الشرطه بين يدي العسكر بحجة أن العسكر أدرى بشؤون الأمن وهذا كذبٌ صراح فلا شيء يجمع بين واجبات الجيش وواجبات الشرطه. وهنا يجب أن نشير إلى أن الشرطه قوه نظاميه مدنيه وليست عسكريه بأي حال . إذاً ما الذي يجعل العسكر اكثر حرصاً على الشرطه وما الذي يجعل الأخ رئيس الوزراء يتفق معهم دون أدنى مقاومه وبلا اعتراض؟ التسبيب لذلك بقصور الوثيقه الدستوريه هو تسبيب يجانب الحقيقه فالوثيقه أعطت العسكر حق " ترشيح " وزير الداخليه فقط وأعطت الموافقه والإختيار والتعيين لرئيس الوزراء وله كذلك إدارة شؤون هذ القوه وتوفير إمكاناتها ومحاسبة قصورها فالحقيقة هي أن الأخ رئيس الوزراء هو من أطاح بامال هذه الأمه متمثلةً في جزءٍ منها في قوة الشرطه وأزرى بتطلعاتها فلم يكن غريباً أن تُغلَ أياديها عن أداء واجباتها الأساسيه في حفظ الأمن. لا ألوم العسكر فهم خارج إهتمامي بحكم وجودهم غير المبررأصلاً في هذه المنظومه ولكني ألوم الجيوش الجراره من المدنيين الذين يشغلون المناصب فصاروا إمتداداً مستحقاً لسلطة الإنقاذ بل وفاقوها سوءاً ودماراً لبلادهم دون مراعاه لهذا الشعب وتضحياته من أجل غدٍ أفضل.
هل يعقل أن تقع حوادث النهب بهذه المتواليه اليوميه المخيفه؟ الحوادث التي نسمع بها من اربعه الى خمسه في اليوم من ضمنها تاتشرات بدون نمر وأفراد يرتدون الكاكي في قلب الخرطوم. هل يمكن أن يحدث هذا ووزترة الداخليه والحكومه المدنيه في هذا الصمت وعدم الإكتراث؟ هل يمكن أن تصمت الحكومه " العسكريه " وهي التي ادَعت مسؤوليتها عن الأمن وانفردت بكل ما يخص الشرطه من تعيين الوزير إلى أخمص قدميها؟ هل يمكن ألَا يحرِكها إستعمال السلاح الناري والبنادق الاليه في بعض هذه الحوادث؟
وتتوالى الأنباء عن مهاجمة مراكز الشرطه وتحرير متهمين تحت السلاح المُشهَر كما حدث في الفتيحاب وكما حصل من قتلٍ أثناء العمليات المقدسه تلك كالملازم الذي قُتل بأم بده ، ويضيع الدم المسفوح عنوةً ، مناصفةً بين من وقَعوا فقننوا إبتداءً لمليشا كالموت لا يمكن التعايش معها ومن خرجوا عن مسار الثوره ويمموا وجوههم شطر جوبا وزَنوا جماعياً بالوثيقه الدستوريه المعطوبه أصلاً بفعل ابناءٍ لها وكنا قد قبلنا بها على علَاتها . مواليد هذا الجرم السِفاحي أتوا عقوقاً على الأم الوثيقه فأنبتوا شجراً طلعهُ كأنه رؤوس الشياطين فزاد التفلُت الأمني و رُوِعَ الامنون وصارت الشرطه بلا سلطه تتهيب إتخاذ إجراءاتها متى قاد الطريق الى إحدى المليشيات أما اذا تم القبض على أحد منتسبي هذه المليشيات فلتبشر الشرطه بسيلٍ من التاتشرات وهي تقتحم القسم المعني وتحتله بكل أنواع الأسلحه المشرعه في وجوه حماة الأمن ومن بعدها يأخذون متهمهم ويذهبون .
أيُ غابةٍ صار السودان إليها ؟ إلتبس الأمر على المواطن المغلوب على أمره فصار في مقدور أي ثلاثة أشخاص يلبسون أي كاكي أن يُنشئوا نقطة تفتيش أو إرتكاز في أي مدخل أو طريق في قلب العاصمه ويمارسوا كل أنواع النهب والترويع والإعتداء والقتل. لا يستطيع أحد أن يعترض أو يقاوم او يواجه في غياب الندِيه في التسليح ولسبب عنصر المباغته فأصبح هذا حال البلاد. كيف لا يصبح هذا حال البلاد ونحن نرى مَن يمثلونا في المدنيه التي صنعت التغيير تتذلل قيادتها للعسكر ليرضوا عنهم ويُعينوا ضعفهم وانكسارهم بل وينصروهم على شعبهم. كانوا قد انفصلوا عنَا بالأمس ورموا بنا خلف أطماعهم ومصالحهم زمحاصصاتهم وعندما أدركوا وعي هذا الشعب وصدقه في إلقائهم خلف ظهره والمضي قدماً بثورته شجَعهم تمسكهم بالكراسي على البكاء المُعلَن أمام العسكر فأطلقوا لأنفسهم العنان ومن لم تعد الكرامه تعني له شيئاً ولم يستحِ فليفعل ما يشاء.
المُبكي أن ذلك لم ينتج عن جهلٍ في إدارة الأمن في بلدٍ يتحدث تاريخه الشرطي الإحترافي العالي عن مدةٍ تزيد على القرن. المبكي أكثر أن كل المحاذير قد وضعت أمام المسؤولين التنفيذيين بحذافيرها " قبل " وبعد جلوسهم على الكراسي المأساه.
هل يصدقن أحد أن هذا يحدث في السودان؟ هذه الحوادث يكفي الواحد منها لهز أعتى الدول ولا يبقي فيها مسؤولاً في منصبه كلها تمر مرور الكرام ولا حياة لمن تنادي. لا تعليق ولا مؤتمر صحفي يروي غليلا ولا زجر لأحد مع أن قادة المليشيات المرتكِبه لبعض ما ذُكر هم أنفسهم قادة الدوله وهم بلا استثناء قد عملوا وابتلُوا حتى شعر رؤوسهم مع البشير والترابي وطني وشعبي ودُقي يا مزيكه. أتساءل لماذا نحن نستكين كالجِراء أمام هذه الخيانات والماكل ولماذا نفتأ نتحدث عن قحت وإصلاح حالها وأهلها قد فعلوا بنا ما فعلوا؟ اليست هذه الحكومة صنيعهم ومصالحهم؟
إلى قادة الشرطه أقول من داخل كل هذا الإنفلات الأمني وقلة القيمه وقلة الحيله ومن بين براثن فضيحة الأوراق الثبوتيه وهوانهم على الناس وعلى أنفسهم وهوان الناس عليهم اذكركم أن شعب السودان هوالسيد وهو الأولَى بثقتكم وليس أولى بها من عيَنكم. التاريخ لا يصنعهُ إلا الأقوياء المنحازون لضمائرهم وشعبهم و " زملائهم المعاشيين " وعدا ذلك غداً ستصبحون نسياً منسيا وستبحثون لكم عن مكانٍ بينهم ، شعبكم وزملائكم ، وكمن سبقوكم سوف لن تجدوه.

melsayigh@gmail.com

 

آراء