حرب أوكرانيا نذير للسودان

 


 

 

يجب علينا التوجُّس لخطورة ما يجري من حركة الشُعوبية والعسكرتيريا الحثيث من حولنا والتآمر الخبيث لإيقاع السودان فريسةً دسمة لجمع الضباع التي تعوي حوله، وبعصابات المافيا التي تخدمها، والتي يقودها الآن حميتي بعد سئ الذكر من قبله موسى هلال، ويجب التوجُّس من ضياع الوقت في الانتظار والتردد. ورغم أن كثيراً من المنتديات والقنوات التلفزيونية، خاصة احمد كوستي وقناة شمس الحرية، لها نَفَسٌ حار وقوي في توفير المعلومة وشحذ الحماسة وقوة الحجة، إلا أن هناك أيضاً من لا زال يرى في سلمية الثورة نصرها. وقد كان ذلك في بدايتها وإصرارها، مما أضفى عليها شرعيتها ونزاهتها. ولكن قوانين اللعبة تغيّرت من حاملي السلاح – البندقية – والذين يخططون بخبث لدفع الثوار لهجر السلمية ليصطادوهم بحجة. ولكن بعد خيانة العسكر، وعدم أخلاقية الدعم السريع، والتآمر بردة العسكر للثورة بإرجاع مجرمي الإنقاذ، وفتح الأبواب لسرقة السودان من السودانيين، توجّب حمل السلاح والعصيان المدني ومنع المواطنين من العمل، ومقاطعة الكوادر العسكرية والشُرطية، والتفرُّغ لحراسة الحدود من تهريب ثروات البلاد والتي تستخدم لتموين السلاح لقتل المواطنين، ومواصلة عمليات التشريد والتوطين المبنية على العنصرية والفساد.
المعركة الآن معركة بقاء أو فناء. وسأورد هنا ما تيسّر من معلوماتٍ تؤذن بخطورة الموقف.
ما يجري في أوكرانيا الآن – تكرارٌ لما جرى ويجري في إفريقيا والسودان – مع فارق انفجار الثورة السودانية المجيدة التي يُمنَى بها والتي ستكون معاملاً ذا قوة في مسيرة محاربة جرائم الاستغلال والنهب.
ظلت أوكرانيا دولة لها خاصياتها المبنية على ارتباطها بتراثها القومي الذي لم تُزعزعه تضاريس الحضارة وارتجاجها، والتي منحتها مقدرة فريدة في التعايش مهما تباينت تضاريس تركيبتها الاجتماعية، دينياً، سياسياً او تحررياً. فتواجدت فيها كل تيارات الاختلاف والخلاف، ولكن في تعايشٍ سلمي.
والسودان دولة لها نفس خاصية أوكرانيا في قوميتها، إلا أن تضاريس السياسة هي التي سببت ارتجاجها، فشرّدت بنيها بحثاً عن موطئ قدم فمُنُوا بالنضوج المبكر وحمية السعي، وتشرّبوا بالثقافة والجدية في المسعى حتى استوى عزمهم وأهّلهم لتسميتهم بجيل الأنبياء.
بالنسبة للشعب الأوكراني، اعتداء روسيا على دولتهم عملية خيانة غير متوقعة.
أوكرانيا فيها جماعات متطرفة لروسيا ترغب في رجوع أوكرانيا لقبضتها إذ هم من جناح بوتين الذي أصرّ على بقاء القبضة الشيوعية لروسيا، عكس ما أراده سابقه بوريس يِلتسِن في خمد الحرب الباردة مع الغرب. وبالرغم من حساسية روسيا للشعوبية النازية، والرئيس الأوكراني يهودي، فهو يُحظى بتأييد الحركات الشعوبية اليمينة من النازية المتطرفة، بل ونصّبته رئيساً بأصواتها في الانتخابات.
بوتين لا يطيق أوكرانيا لتصبح ملجأً لنشطاء حقوق الانسان في خاصرته. فبالرغم من احتلاله مسبقاً جزيرة القرم مما أثار الانزعاج لجُرأته تلك، إلا أن المجتمع الأوكراني يحفظ له تأريخهم معه، مع روسيا.

لكن جاءت ضربته غير المتوقعة لأوكرانيا قبيل احتلاله إقليمي اوكرانيا الشرقيين دونتسك ولوهانسك، اللذين لهما ولاء لبوتين، ثم تلاهما اليوم باحتلال العاصمة كييف، وما تبع ضرباته من تقتيل مواطني أوكرانيا بعنفٍ مفرط. افتجأ المجتمع الأوكراني بصدمةٍ قادت إلى هجرة الشباب الفورية، وخُذلان كبار السن في ذهولٍ حزينين لخيانة روسيا لهم. ودارت عندها تصريحات من لبنان لشد الرحال لتغطية الفاقد البشري في أوكرانيا التي قطعاً تعرّت فجأةً من الرصيد البشري للدفاع عنها وللمساعدة في إدارة عجلة أعمالها وكذلك الأيدي العاملة لإعادة بنائها.
عقدت الدهشة المجتمع العالمي، وأُسقِط في يد الغرب ما بنى من توقُّعات، وإذا بالمفاجأة الكبرى يأتي بها "حيران" السودان، حميدتي ووفده من الحركات المسلحة، في ذلك الظرف الحرج، لتقديم القرابين والولاء لروسيا في ما قامت به من مغامراتٍ لها حساباتها المعقدة، بالضبط كالمنظر الكاريكاتوري لعراة غابات إفريقيا الذين يُزيّن شعرهم ريش النعام ورؤوسهم وأعناقهم القواقع البحرية، وتخترق أنوفهم وشفاههم عظام الحيوانات، وتلوَن وجوههم الرسومات، يتقدمون بما جمعوا من فواكه وحجارة كريمة وجلود النمور والأسود لزوم الولاء لجماعة استكشافية تحمل عياراً نارياً فتن عقول هؤلاء الجهلاء. جاءوا للولاء والطاعة ولم يكن ليلاقيهم الرئيس الروسي ولا حتى أيٍّ من أفراد حكومته.
لم يدل خيارهم ذلك على استراتيجية أو طفرة سياسية تشرح وجه روسيا أوتشرّفها، وفي الغالب أحرجتها، فروسيا تسعى لاستنزاف أفريقيا وخاصةً في الدول الساقطة التي يحكمها مغفلون فاشلون من الدكتاتوريين، لاستغلال عيبهم ذاك ونهب خيرات بلادهم، ولكن ليس لقيمة أيٍّ منهم ككيانٍ أو شخصيةٍ تستحق الاحترام أبداً. ورجع طراطير الانقلاب السوداني مطأطئي الرؤوس مسوَّدة جبينهم.
المشهد كله عاري وسادي
مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة. من أفراده ال 13، خمسة لهم حق الفيتو، لروسيا والصين فيهما صوتان ضد إدانة روسيا. ومن ال 11 المتبقية، هناك الهند ودولة الأمارات المتحدة لا تنسيق من أيٍّ منهما للتصويت مع روسيا، ولكن روسيا تتطلّع إلى عدم تصويتهما ضدها.
والكأس مجراها اليمين
فجرّع وفد الخيبة حميدتي والحركات المسلحة، الاتحاد الأوروبي من الكأس اليميني وقلما كان يظن أن يجرعه إياه عميله الذي استخدمه لتشريد وتوطين الأفارقة حمايةً لأوروبا.
فخوف أوروبا من احتدام المد اليميني الشعوبي لهدم الهيكل السياسي للديمقراطية الليبرالية الغربية، والذي انتشر كالنار في الهشيم في كل المنظومات السياسية في دول أوروبا، بدءاً ببريطانيا وأخرجها من الاتحاد الأوروبي، قد تمكن في فرنسا وفي المانيا، ما بقي من أقوى ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، ليضرب ضربته القاضية على الاتحاد الأوروبي. وقد كانت انجيلا ميركل المستشارة الألمانية قويةً حصيفة، وهي التي وطّنت مليون مهاجر سوري مما أغضب كافة الأوروبيين، وجعلها عدواً لدوداً للحركة الشعوبية، وتمكنت من لعبة الصحون الطائرة حتى قضت فترتها بعلاقة طيبة مع روسيا وامداد روسيا لها بالغاز رغم تأثير الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب الغاضب عليها، بعلاقته المريبة مع روسيا ومقته لتموينها ألمانيا بالغاز، ونجحت دبلوماسية انجلا ميركل مما ساعدها في الاستقرار في ذلك الجو الملغم من حرب المحاور وانسياب الشعوبية في مفاصل السياسة الأوروبية.
والآن يرتد صدى ذلك الصراع الغربي في غياهب السودان الذي برز في سوق الشعوبية الأوروبية بظهور حميدتي وخطته الارتزاقية ورقه الحديث، واللذان لا تمانع أوروبا منهما ما دامت جريمتهما ممهورةٌ بالإسلام الذي تمثله وتعتمده الدول الإسلامية والعربية.
وبذا وجدت في مرتزقة الجنجويد الحل الأمثل لوقف تدفق الهجرة إليها، فساندته وتبنّت اعتماد شهادات ارزقيته، وشرعنت له ممارسات رقّه الإسلامي، بعد افتقادها رقيقها الأطلسي بعد تحريمه. فكيف ترفض البديل الإسلامي الذي يعتد به ويتحمل وزره كل العرب والمسلمين؟
مصيبة السودان الآن ليس الكيزان بقدر ما هي مصيبة العمى السياسي للكيزان والأحزاب، إنما الكارثة تكمُن في سرطان الشعوبية الذي مكّنه فيها الإخوان بالارتزاق العرقي (والذي اختطفه حميدتي منهم ليُشعل به حركة شُعوبية كارثية بمعاونة العساكر والحركات المسلحة ومساندة الصوفية والإدارة الأهلية).

ومصيبة السودان برزت منذ عام 2018 حينما تشممت روسيا علة الحكام الأفارقة أثناء سعيها وسطهم للتنقيب عن ثروات أرضهم، فاكتشفت ثروةً أبقى وأثمن، في جشع وجهل الحكام الأفارقة، ودكتاتوريتهم، خاصةً فقدانهم للدراية القانونية في قيود النظام العالمي، ووجدت فيهم بذلك كنوزاً لا تفنى. فبالرغم من تحريم روسيا الارتزاق بالنص رقم 359 من قانونها الجنائي، إلا إنها، إلى جانب تجنب الخسائر العسكرية الروسية الرسمية وبالتالي الغضب العام ضد عمليات الانتشار في الخارج والإشراف عليها، يوفر مقاولوها الأمنيون الخاصون بشركاتها الخاصة مثل شركة فاقنر إمكانية الإنكار المعقول.
وقتها منح عمر البشير شركة " إﻨﭭست " حق التنجيم عن الذهب في دارفور ثمناً لخدمات فاقنر لسحق التمرد في دارفور .
نشاطات فاقنر اشتعلت في 2018\ 2019 في السودان، وفي وموزمبيق ضد حركة الشباب الصومالية والتي فشلت فيها لعدم مقدرتها على تفهم الاعتداءات والتعامل مع العناصر المحلية، وإفريقيا الوسطى لحماية رئيسها مقابل مناجم للذهب والماس، وليبيا لحمايتها الإرهاب الإسلامي وصراع المليشيات للبترول، ومالي لمناجم الذهب والماس واليورانيوم بخدمات محاربة الإرهاب، حتى يئست فرنسا من تعدد الجماعات الإرهابية الإسلامية والطوارق ومطالبي تقرير المصير فخفضت قواتها، فقام انقلاب عسكري استخدم خدمات فاقنر لحل مشاكله.
وفي مواجهة الضغط الغربي والاحتجاج المحلي، أنكرت فرنسا عن حكومتها في مالي وجود فاقنر، خوفاً من أن يعيق وجودها مكافحة التمرد والإرهاب الغربية ، وقد يدهور حقوق الإنسان في مالي
من جهتها عملت دولة الأمارات العربية سراً على تكوين الارتزاق في الصحراء خلال السنوات الخمس الماضية"، والذي كان في الأساس بإدارة إريك برينس مؤسس شركة بلاكووتر عبر العالم. وبرينس هذا له علاقات مع إدارة ترامب.
قامت شركة بلاكووتر بعمل إعلانات من ليبيا بوظائف للسودانيين، وعند استيعابهم وارسالهم لليبيا، ووجهوا بضرورة تدريبهم عسكرياً، ثم إلحاقهم بقوى المرتزقة الجنجويد لحرب اليمن بعقود ممهورة بالاتحاد الأوروبي يُشترط فيها الجندي بعدم التزام المخدم بإخطار ذويه بموته إذا حدث.
ترى كيف تم فرد السودان كذبيحٍ ثمين تتسابق العُقبان على نهشِه وتشريد قومه يهيمون بوجوههم على الأرض.
إن هذا الخطر جسيمٌ وفوريٌّ وماثل أمامنا.
السلاح والحرب كما قلنا للتمسك بالأرض ولو ندفن فيها، أفضل من أن نهيم في أراضي الغير
والسلاح والحرب لحراسة مخارج الدول من نهب الخيرات لتمويل السلاح ومجرمي الحرب لإبادة أهل السودان.
وليس السلاح لعمليات الانفصال الجبانة ولا لعراك القوميات والاختلافات.
وليست للانتقام ولا تنفيث الأحقاد.
ولكن من الضروري اقتناء السلاح لحماية الذات والوطن. مثلما قامت به أمريكا حتى وطّدت الديمقراطية بحراسة السلاح الفردي وليس بالعسكرية.

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
///////////////////////

 

آراء