“حرية سلام وعدالة”- ملامح رؤية لجوهر دستور ديموقراطي ونظام اقتصادي اجتماعي للدولة السودانية الحديثة! (2)

 


 

 

(2 من ..)

اطروحة
ارتباطاً بالواقع الإجتماعي السوداني، الذي يحدث فيه الفعل السياسي بموجب الانتماء الديني والثقافي والجهوي والولاء القبلي، والذي يضعف وتنحصر فيه الشروط المادية لنشوء ثقافة التنظيم والفعل علي أساس المصلحة الفردية والمجتمعية بمفهوم الوطنية، والذي تضعف فيه كينونة الإنتماء القومي السوداني، وتترسخ فيه عند قيادات المؤسسات الأمنية والدفاعية قناعات بالأحقية في دور سياسي واقتصادي في الدولة، وتضعف فيه تنظيمات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، يصعب علي النظام المدني الديموقراطي التعددي إن يكتسب فيه قبول وشرعية مستدامة، وذلك من غير تواجد لدولة إجتماعية فعالة، تكافح الفقر، وتأمن لكل المواطنين والمواطنات فرص متساوية في بناء حياتهم وتحقيق طموحاتهم، وتأمن لهم الشراكة العادلة في المجتمع، وتحمي المواطن والمواطنة الي حداً كبيراً من المخاطر الحياتية!
قوي الثورة والتغيير الديموقراطي تستمد تأهيلها ومصداقيتها السياسية في تحقيق مشروع بناء الدولة المدنية الديموقراطية التعددية وتأسيس النظام الاقتصادي الإجتماعي من تاريخها النضالي من اجل تحقيق تلك الدولة، ورصيدها الأخلاقي، وفخرها بعدم جلبها لحرب أو اضطهاد أو لسلطة عنف علي الشعب السوداني أو تفريطها في وحدة البلاد.
في الجزء الأول من هذه الورقة، والمنشور في هذا الموقع بتاريخ 14.03.2023 تم الانطلاق من العلاقة المباشرة بين الأوضاع السياسية والاقتصادية والإجتماعية المتأزمة، ووقوف الدولة السودانية علي حافة الانزلاق الي حالة "الدولة الفاشلة" وبين فشل الصفوة السياسية بتوجهاتها السياسية المختلفة – الإسلاموي والمحافظ التقليدي والثوري التقدمي منها – علي التوافق علي رؤية ترتكز علي القيم والمبادئ الكونية للإنسان كجوهر لدستور ديموقراطي واقتصادي إجتماعي دائم للدولة السودانية بعد نيلها للاستقلال السياسي.
بناء علي هذه الاطروحة تم تقديم لبعض المفاهيم والملامح المهمة لرؤية جوهر لدستور ديموقراطي ونظام اقتصادي إجتماعي يحقق العيش للمواطن والمواطنة العيش في حرية وسلام وعدالة، كما رفعتها الثورة كشعاراً لها. من أهم هذه المفاهيم والملامح التي وردت في الجزء الأول:
 الحق في العيش في حرية وسلام وعدالة.
 التوافق والتحالف المطلوب بين قوي الثورة والتغيير الديموقراطي علي رؤية مشتركة لجوهر دستور ديموقراطي ونظام اقتصادي إجتماعي للدولة السودانية يجب إن يتم تحت مفهوم "غاية الديموقراطية" المتمثلة في: بناء وتطوير دولة إجتماعية تكافح الفقر، وتعطي كل المواطنين والمواطنات فرص متساوية في بناء حياتهم وتحقيق طموحاتهم، وتأمن لهم الشراكة العادلة في المجتمع، وتحمي المواطن والمواطنة الي حداً كبيراً من المخاطر الحياتية.
 تحت مفهوم غاية الديموقراطية يتم بناء الدولة الإجتماعية بأولوية تحقيق حياة صحية وتعليم جيد للجميع يقف علي فهم ضرورة تنمية ورعاية الأطفال، وعدم ترك أي طفلاً من غير رعاية. من ضمن هذه الاولوية للسياسة الإجتماعية توجه الدولة بشده لدعم الأسرة، ودعم ثقافة التضامن الإجتماعي مع الضعفاء في المجتمع
 ....
 ....
في هذا الجزء يتم باقتضاب شديد الاشارة الي القناعات السياسية والإجتماعية، التي بنيت قوي الثورة والتغيير الديموقراطي عليها نضالها من اجل تأسيس دولة سودانية مدنية ديموقراطية تعددية إجتماعية. في سياق هذه القناعات التي نمت وتطورت عبر النضال التاريخي لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي، يتم في هذا الجزء المواصلة في رصد لما جاء في الجزء الأول من مفاهيم وملامح لرؤي لجوهر دستور ديموقراطي ونظام اقتصادي إجتماعي لدولة سودانية مدنية ديموقراطية تعددية حديثة.
قناعات قوي الثورة والتغيير الديموقراطي التي نمت عبر نضالها التاريخي:
الدولة المدنية الديموقراطية التعددية والنظام الاقتصادي والاجتماعي مثل الهدف الاساسي لكل الثورات والانتفاضات السودانية ضد الانظمة الدكتاتورية الشمولية، التي حكمت البلاد للأكثر من خمسة عقود بعد الاستقلال السياسي. اثناء الحكم الديكتاتوري الشمولي الإسلاموي تبلور بفعل الثورة السودانية توافق عريض علي قيام الدولة المنشودة علي المبادئ الإنسانية الكونية: حرية وسلام وعدالة.
قوي الثورة والتغيير الديموقراطي في السودان ارتبطت ارتباطاً وثيقا بالحركة العمالية وبنقاباتها واتحاداتها، وبتنظيمات المهنيين، والحركة والاتحادات الطلابية والنسائية، والتكتلات السياسية والثقافية الاثنية والجهوية المختلفة. بتفاعلات هذه القوي المختلفة تم في وقت مبكر من تاريخ الدولة السودانية انتزاع حقوق سياسية ومكاسب إجتماعية للعمال والمهنيين والمزارعين والطلاب وللنساء، وبنيت علي آثر ذلك بعض الملامح لدولة إجتماعية، ونشأ في المجتمع السوداني ثقافة سياسية منفتحة علي الاقليم العربي ونسبي علي المحيط الأفريقي والعالمي. ولكن بسبب قصر وهشاشة فترات الحكم المدني الديموقراطي ووأدها عبر الانقلابات العسكرية، والتي حكمت البلاد لأكثر من خمسة عقود بموجب انظمة دكتاتورية شمولية، لم تحظي هذه الحقوق السياسية والمكتسبات والملامح الاجتماعية بالاستدامة.
ارتباطاً بهذا الواقع السياسي والاجتماعي السياسي المذري تقف اليوم قوي الثورة والتغيير الديموقراطي أمام تحدي كبير في بناء دولة سودانية مدنية ديموقراطية واقتصادية إجتماعية. الجزء الاساسي لهذا التحدي يتمثل في التوافق علي رؤية مشتركة لجوهر دستور ديموقراطي ونظام اقتصادي إجتماعي يحقق استدامة الدولة المدنية الديموقراطية التعددية، والتي قدمت قوي الثورة والتغيير الديموقراطي في سبيل تحقيقها الالاف من الشهداء والشهيدات منذ فجر الاستقلال. في هذا المشروع ترتكز قوي الثورة علي تاريخها النضالي من اجل تحقيق الدولة المدنية الديموقراطية التعددية والنظام الاقتصادي الإجتماعي، ورصيدها الاخلاقي، وفخرها بعدم جلبها لحرب أو اضطهاد أو لسلطة عنف علي الشعب السوداني أو تفريطها في وحدة البلاد.
قوي الثورة والتغيير الديموقراطي كانت ولا زالت منذ البدء قوي الاستنارة، والقوي التي شكلت عند القوي الحديثة ثقافة الحرية السياسية ومناهضة الدكتاتوريات، والاستعداد لتقديم الروح من اجل تحقيق القيم والمبادئ الإنسانية الكونية والمتمثلة في حق العيش في حرية وسلام وعدالة، والقوي المعول عليها في بناء الدولة السودانية الحديثة، التي تكفل هذا الحق الإنساني. في تحقيق هذا الهدف والنضال انخرط نساء ورجالاً من اصول، وأديان، وقناعات برؤي كونية مختلفة تتواجد جذورها في الاسلام، والمسيحية، والإنسانية، والاستنارة، والتحليل الإجتماعي الماركسي، وفي خبرة الحركة العمالية والنسائية والطلابية. بناء علي هذا الارث السياسي والجذور الثقافية والإجتماعية لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي يصبح من الممكن والضرورة: التوافق علي رؤية مشتركة لجوهر دستور ديموقراطي ونظام اقتصادي إجتماعي لدولة سودانية مدنية ديموقراطية تعددية تلبي أحلام الشعب السوداني في العيش في حرية وسلام وعدالة.
لرؤية مشتركة لقوي الثورة والتغيير الديموقراطي حول جوهر لدستور ديموقراطي دائم ولنظام اقتصادي إجتماعي للدولة السودانية الحديثة تأتي للمفاهيم والملامح الآتية أهمية كبيرة:
مفاهيم ديموقراطية واقتصادية إجتماعية:
 علي قوي الثورة والتغيير الديموقراطي أن تضع في الحسبان أن كل وقت يحتاج إلى أجوبة خاصة علي الإسالة الإجتماعية والسياسية التي تدور فيه. في عملية الحصول علي رؤية معاصره علي الإجابة علي أسألة الساعة المرتبطة بتطوير المجتمع يجب الوقوف علي مبدأ التباري الحر للارا.
 علي قوي الثورة والتغيير الديموقراطي أن ترحب بالقناعات السياسية والعقائدية الشخصية المختلفة بين صفوفها، بشرط أن تكون مؤمنه بالقيم الإنسانية الكونية والنظام المدني الديموقراطي التعددي والاقتصادي الإجتماعي. حيث لا يمكن إخضاع القناعة السياسية والعقيدة الشخصية أو لمجموعة لقرارات شخص أو مجموعة واحدة.
 ما يوحد قوي الثورة والتغيير الديموقراطي هي القناعة بقابلية المجتمع للتشكيل.
 ما يوحد قوي الثورة والتغيير الديموقراطي التعلم من الخبرة التاريخية لنا وللشعوب الأخرى: نجاح التغيير الديموقراطي يتم فقط بالارتباط مع الفعل الديموقراطي في الأحزاب، وفي النقابات، وفي حركات السلاموفي الحركات النسائية، وفي الاتحادات الطلابية وحركات حماية البيئة، ومنظمات حماية حقوق المواطنة والدفاع .عنها
 ما يوحد قوي الثورة والتغيير القناعة بتحقيق مشروع النظام الاقتصادي الإجتماعي للدولة السودانية الحديثة كتحديث واستدامة لثقافة التضامن والتكافل عند الشعب السوداني:
- التضامن يعني الارتباط والانتماء والعون المتبادل.
- التضامن يعني استعداد الناس للوقوف مع بعض ومعاونة بعض.
- التضامن يكون بين الأقوياء والضعفاء، وبين الأجيال والشعوب.
- التضامن يخلق قوة لتحقيق التغيير.
 ما يوحد قوي الثورة والتغيير الديموقراطي القناعة بأن ممارسة الديموقراطية تدعم الاستعداد على التعاون عن طريق المؤسسات التعاونية الشعبية، وتنظم التضامن بغض النظر عن المواقع الاجتماعية المواطنين والمواطنات وبغض النظر اختلاف الأجيال والأصول والمنابع.
صورة الإنسان في رؤية مشتركة لجوهر دستور ديموقراطي ونظام اقتصادي إجتماعي:
 الكرامة المتساوية لكل البشرية هي نقطة انطلاق لأي أهداف سياسية.
 القناعة بان للبشر إمكانيات مختلفة، ميلها للخير أو للشر ليس من الفطرة.
 البشرية عندها موهبة العقلانية والتعلم. لذلك تصير الديموقراطية ممكنه.
 البشر معرضون للخطاء، وللإخطاء في التقدير، وللسقوط في اللاإنسانية.
 كل إنسان يتحمل مسؤولية حياته وفعله. في ذلك لا يصح لأي شخص ان يتحمل مسؤولية شخصاً آخر.
 لا يصح بتاتاً إذلال البشر باستعمالهم كوسيلة لتحيق أي غرض، لا من الأسرة ولا من الدولة ولا من الفاعلين الاقتصاديين.
 رفض أي حق في السلطة السياسية المطلقة على البشر.
 عندما تعطي السياسة وعود بتحقيق السعادة والإنجازات، تتعرض لخطورة التحول الي سلطة شمولية.
 الديموقراطية هي النظام السياسي الوحيد، الذي يلبي حق وواجب الإنسان في مسؤوليته عن حياته، والتي يقاس عليها وضع الحدود السياسية في الدولة.
 حقوق الإنسان والمواطنة تضع للسياسة ولمؤسسات الدولة حدودا في سياسات تشكيل المجتمع، والتي من غيرها لا يمكن أن تتواجد الديموقراطية أصلا.
 الإنسان ليس فقط كائن فردي له حقوق وواجبات، بل أيضاً كائن إجتماعي يملك فطرة التعاون مع الغير وله استعداد علي التعاون.
 "حراً ومتساوياً في الكرامة والحقوق" كما جاء في إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يحق لكل إنسان في النظام الديموقراطي تقرير طريق وطريقة حياته مع الآخرين في المجتمع.
 التطلع إلى مجتمع الأحرار والمتساوين، والذي يستطيع فيه كل إنسان ان ينمي شخصيته وينعم بها في حريه، ومن غير ان يجرح كرامة وحرية الآخرين.
 مناهضة أي نوع من الاضطهاد. كرامة الإنسان غير مرتبطة بمقدرته علي الإنتاج أو بفائدته الاقتصادية. لذلك يقع علي المجتمع، وبالخصوص: واجب حماية كرامة الناس ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وكل من هو في بداية أو نهاية الحياة.
قيم ومبادئ ديموقراطية واقتصادية إجتماعية
 شعار الثورة حرية سلام وعدالة، تمثل قاعدة الديموقراطية التعددية والنظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة السودانية الحديثة. هذه القيم تظل معايراً للحكم علي الواقع السياسي، ومقياساً لنظام إجتماعي جيد، واتجاه لفعل قوي الثورة والتغيير الديموقراطي أفراداً وتنظيمات.
 تحقيق شروط الحرية: بجانب الشروط القانونية أيضاً المادية، وبجانب العدالة القانونية أيضاً المساواة في المشاركة ونيل الفرص في الحياة، أي ما يعني العدالة الاجتماعية.
 الحرية والعدالة وحده متكاملة لا تتجزأ، وتحمل قيمة واحده وتأتي أولويتهم في درجة واحده.
 الحرية والعدالة يمثلون شرطاً وتكملة ودعماً وحدوداً لبعضهم.
 الحرية تعني إمكانية تقرير الإنسان لمصيره في الحياة. كل إنسان مفطور ومقتدر علي العيش في حرية.
مدي استطاعته في العيش علي هذه الفطرة وممارسة هذه المقدرة يتم تحديده في المجتمع الذي يعيش فيه.
 فهم الحرية يجب أن لا يقلل في حرية السوق، وفهم العدالة يجب أن لا ينحصر في دولة القانون، وفهم التضامن في رعاية الفقراء!!
 الإنسان يجب أن يكون حراً من الاعتماد والعمل المحط من كرامته، ومن العوذ، والخوف،
 الإنسان يجب أن يملك فرصة لتنمية مقدراته، وللفعل السياسي المسؤول. فقط الشخص الذي يدري أنه يعيش في أمان إجتماعي يستطيع أن يستقل حريته.
 حرية الفرد تنتهي أين ما تبدا بمصادرة حرية الآخرين. الذي يجبر الغير علي العيش في عبودية لا يمكن أن يكون طويلاً حراً.
 العدالة ترتكز علي الكرامة المتساوية لكل إنسان، وتعني الحرية وفرصة الحياة المتساوية، بغض النظر عن الأصل والجنس. ويعني ذلك: الفرصة المتساوية في التعليم والتوظيف والأمن الاجتماعي، والمشاركة في الثقافة والديموقراطية، والحصول علي السلع العامة.
 مكان ما يفصل التوزيع الغير متساوي للدخل والثروة المجتمع الي مالك للغير ومملوك للغير يحصل الانتهاك لمبدأ الحرية المتساوية ويسود عدم العدل.
 تحقيق العدالة يتطلب تساوي أكثر في توزيع الدخل والثروة والسلطة. لان القدر العالي لعدم المساواة في توزيع الدخل والثروة والسلطة يهدد الفرص المتساوية في الحياة.
 الفرص المتساوية لا تعني انكار أو محو التباينات بين البشر. بالعكس: الفرص المتساوية تعطي مجالاً أوسع لتنمية وازدهار الميولات والمهارات الفردية.
 البشر مختلفون ويظلون مختلفون. لكن يجب أن لا يسمح علي ان تكون عدم المساواة الطبيعية، والمنبع الإجتماعي قدراً إجتماعياً. طرق وفرص الحياة يجب أن لا تكون محددة مسبقاً.
 الوقوف ضد أي شكل من أشكال الامتياز والتميز بسبب الأصل أو اللون أو الموقع الإجتماعي أو الجنس أو الميول الجنسي، أو الدين.
 العطاء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي يجب أن يلاقي اعتراف واحترام من الجميع. ومن العدل أن يتم توزيع الدخل والثروة بمقدار الجهد المبذول من كل شخص.
 كما للملكية حقوق لها ايضاً واجباتها: من له دخلاً أكبر من المتوسط ويملك أكثر من الآخرين يجب أن يسهم أيضاً أكثر في رفاهية المجتمع.
 التضامن قوة عظيمة، تعمل علي تماسك مجتمعنا – في شكل استعداد فردي عفوي للمساعدة:
- وفي شكل أنظمة ومنظمات جماعية،
- وفي شكل الدولة الاجتماعية عبر تضامن نابع من ثقافتنا التضامنية والتكافلية، ومنظم من الشعب ومضموناً سياسياً، يصب في قيام "عقد إجتماعي" بين الاجيال العائشة في المجتمع الواحد.

 

shamis.khayal@gmail.com

 

آراء