حرية “علياء” تتجاوز الخطوط الحمراء
كيف لا
ربما لا يجدر بنا الخوض مع مئات الآلاف من متصفحي الإنترنت والذين وصل عددهم إلى هذا الحد منذ 16 نوفمبر الجاري . وذلك بعد قليل من نشر علياء المهدي الطالبة بكلية الإتصالات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة صورها وصديقها عاريين تماماً على صفحات الفيسبوك والتويتر والمدونة الشخصية وزعمت أنها خلعت ثيابها لشعورها بالحرية. ولكن هذا الهوس يقابله تبرير يزعم أن تصرف هذه الشابة يتحلى بكثير من الشجاعة وإباحة التبرير الثقافي والفني واستخدام حرية حق التعرّي !
ولعل داعي الكتابة في هذا الموضوع هو نشر بعض من يُحسبون على قبيلة المثقفين وكاتبي المقالات وقيامهم بتدبيج مقالات محبكة الصنع تدافع عن مثل هذا التصرف . بل تناطح الحقيقة وتسبح عكس التيار الاجتماعي والديني والأخلاقي مستقوية بتبريرات واهية تم صبّها في قوالب الثقافة والفن والحريات الإنسانية.
أنكر كاتب مقال يستشهد برؤيته رأي العين ودخوله إلى قلب الشابة علياء ومعرفة نيتها بأن صورها المنشورة لا تحمل أي طابع إيروسي (نسبة إلى إيروس إله الحب والرغبة والجنس في الميثولوجيا اليونانية).ومن شدة إعجابه بطريقة العرض فقد شبهها ببورتريهات رسامي الفترة الكلاسيكية إلا أن الفرق هو أن هذه الصور بالكاميرا بدلاً عن الفرشاة.وأن الصور في مجملها "عبارة عن عمل فني يخرج بالفكرة برمتها من محيط البورنوغرافيا ومن ثنائية مسموح إلى سياق الفن والحرية".
رأي فني آخر يقول إن الفنان حر في اختياراته ومواضيعه التي يعالجها وهي حرية فنية ويمكن لمن يمارسها تناول جميع الموضوعات بالطريقة التي يشاء مهما بلغت درجة حساسيتها بالنسبة للمجتمع. وأن الفنان حرّ في تطبيق مادة رسم الجسد العاري على الملأ باعتبار أنها كموضوع يتخذ من الجسد العاري جزئية تغذية الذاكرة البصرية لطلاب الفنون .
شعور الإنسان الذاتي بأنه حرٌّ هو شعور يصعب تكذيبه ، ولكن الحكم العام على حرية الإنسان هو أن الإنسان حرٌّ في تصرفاته وفقاً لخصائصه ودوافعه وظروفه والتي تُحد في مساحة تحركها بعدم تعديها على حريات الآخرين. وفي حالة صور علياء فنشرها في وسائل اجتماعية يطلع عليها كبار وأطفال ومراهقين بما يخدش الحياء العام ويتجاوز خطوط المسموح والممنوع يصعب معه تدشين أي أهداف أو مبررات تسوغها هي أو من كتبوا عنها .فلا يمكن الضرب بالقيم المجتمعية عرض الحائط ثم الحديث عن الإحساس بكهذا حرية تتعدى على حريات الآخرين.
إنّ الحرية الشخصية في كافة الأديان السماوية كما في المواثيق الدولية تتضمن حرمة الذات التي تقرر كرامة الإنسان واحترامه وعدم امتهانه . كما تتضمن تأمين الذات بضمان سلامة الإنسان وأمنه في نفسه وعرضه وماله من كل إعتداء سواء باعتداء الشخص على غيره أو على نفسه.
البيان المقتضب الذي قدّمت به علياء صورها حول عقدة المجتمع الذي يعاني من الكبت الجنسي ويتخوف من منظر الجسد ،كما ترى لا يبرر الفعل حتى وإن رأت فيه علاجاً بالصدمة الكهربائية .فالمجتمعات تضع حدوداً للحريات تتفاوت حسب الأعراف المتبعة في كل مجتمع ولكن يبقى الأساس الإنساني الذي لا يمكن المساس به هو احترام مفهوم الحرية نفسه.ففي سويسرا قضت المحكمة العليا بتطبيق قوانين قلة الإحتشام بعد أن تفشت ممارسة تجول العابرين لجبال الإلب عراة . وبعد النظر ملياً في موضوع الحريات الشخصية وتعارضها مع الحريات الممنوحة لهؤلاء الأشخاص تم منع هذه الممارسة بالتغريم . وأنهت المحكمة السويسرية تجول العراة في بيان قالت فيه:" إن حظر التجول عارياً في منطقة عامة لا يكاد يمس الحق الأساسي في الحرية الشخصية".
إذن فالدفاع عن تصرف ما باتهام معارضيه بأنهم ضحايا كبت هو في حد ذاته تعدٍّ على حريات الآخرين في النقد والتعبير عن رأيهم . وبذا يخرج مؤيدو الموقف ومعارضوه على مبدأ الحرية الشخصية إذا رأوها في غير ما تم تصنيفها به كأحد أقسام الحريات المدنية و في سياق بقية الحريات العامة.
عن صحيفة "الأحداث"
moaney [moaney15@yahoo.com]
////////////////