حزبا الأمة والإتحادي … لابد من إصلاح داخلي..!!

 


 

 

في سيرة ومسيرة حزبي الأمة القومي والإتحادي الديمقراطي، يُلاحظ أن للكيانين علاقة وطيدة مع جميع الدكتاتوريات العسكرية التي حكمت البلاد، وذلك يرجع بشكل أساسي لطبيعة التكوين الطائفي للحزبين، ولمركزية القرار المتخذ من قبل زعيم الطائفة الجامع للسلطتين في يد واحدة لا تصفق، ولقد نصح الناصحون من أساطين دهاليز السياسة السودانية، بضرورة الفصل بين هاتين السلطتين – السلطة الروحية والسلطة السياسية – في هذين الحزبين العريقين، لكن لا حياة لمن تنادي، فقد استمرأ الإمام الراحل السيد الصادق المهدي الاستمرار في دمج الإمامة برئاسة الحزب، وكذلك فعل السيد محمد عثمان الميرغني، وقد طفحت هذه الممارسة المكرّسة لسيطرة الأسرة على مجريات الأمور السياسية في الحزب في اليومين السابقين، بتماهي مولانا مع العسكر وتمكين نجليه من قرار الحزب، وإلزام المريدين والعضوية بما يمليه هو عليهم، وهذا ربما جاء على خلفية اللقاءات الماضية بينه وبين رأس الجيش – قائد الإنقلاب، أما في جانب حزب الأمة فالأمور لم تختلف كثيراً عن سابق عهد الإمام، على الرغم من وجود رئيس مكلف، فما زالت الأشياء تسير كما كانت عليه إبّان حياة الزعيم الراحل، وحتى لحظات كتابة هذه الأحرف لم تبدر أي بادرة جادة لحسم تداخلات سلطتي الإمامة مع الرئاسة.
كنداكات وشباب ثورة ديسمبر المجيدة فرضوا واقعاً جديداً لا يتماشى مع موجهات الأحزاب القديمة – أمة – جبهة – إتحادي – شيوعي – بعث – جمهوري، هذا الواقع لا يكترث لعلو أصوات الحناجر بالتكبير والتهليل أو التصفيق، بقدر ما يهتم ببذر بذور الفكر الثوري الجديد – (عندك خت ما عندك شيل) – تلك المفردات والأبجديات الأخلاقية التي في أصلها نابعة من أضابير منهج التصوف (الأصلي) – غير المحرّف بواسطة الأيادي الطائفية المسيّسة، وما أدخل البلاد والعباد في نفق خلط الأوراق السياسية بالدينية إلّا هذا التماهي الطائفي مع شئون الحكم والسلطة، ويستبين هدف هذا الاتجاه من خلال الزيارات المتكررة والرحلات الماكوكية للقيادات الإنقلابية إلى خلاوى المتصوفة وتقبيل أيادي شيوخهم، فأصبح سوق المسيد من أكثر الأسواق الرائجة بتجارة القيمة الدينية والصوفية، للأسف العميق، وتناسى بعض من مشائخ هذه المسائد المضمون الحقيقي لرسالة الدين، فتوافقوا مع المتوافقين وباعوا قيم الدين بعرض الحياة الدنيا المهين، وفي آخر مسيرة هؤلاء المهرولين المصطدمة بواقع الثورة الأليم، سوف يستفيق كثيرٌ من المتصوفين، وسوف يُعلن الحداد على مشروع السياسة المقترنة بالدين، ويتوب صاحب الأجندة النافقة والمنافقة التي استنزفت الأولين والآخرين من السودانيين.
لو أراد حزبا الأمة والإتحادي العيش دهر آخر كامل قادم للأمام، عليهما الفصل بين مؤسستي الدين والسياسة – هذا ليس قولي – وإنّما قول فرضيات أدبيات هذا الجيل (الراكب راس) – وهو وكما يعلم الجميع أنه جيل حازم وحاسم، لو يعلم (السادة)، وهنالك روشتة فاحصة وجاهزة يمكن لآل المهدي وآل الميرغني اتباعها، وهي النموذج البريطاني (المملكة المتحدة) وجمعها بين المؤسستين (الملكية والسياسية) في شئون الحكم والملك العضود، لقد كان البريطانيون أكثر براغماتية من الفرنسيين الرومانسيين المغلّبين لكفة ميزان معايير المدينة الأفلاطونية، فزاوج البريطانيون ما بين الملك والسياسة التنفيذية التي تشبع رغبات الألوف المؤلفة من المتدينين والسياسيين، ولا يوجد طريق آخر لخروج آل المهدي وآل الميرغني من هذا (الفتيل) الثوري المجيد، إذ ما يزال ليل حفل الختام طفل يحبو ينتظر انبلاج الفجر الجديد، فجر الانعتاق من ربقة الطائفة والأسرة والجماعة والطريقة، إنّه الصباح الجديد، المفضي لولوج براحات التلاقي السودانوي الجامع لكل تفاصيل علوم الاجتماع والاقتصاد والديموغرافيا والسياسة، وهذا المزيج النيلي الفريد لا يعلم كنهه إلّا الأجيال الراكبة (لرأسها) – ليست تلك الممتطية لسروج حصن ليست ملك لها، ولا تلك التي لا يتجاوب صهيل خيلها مع الطمبور والدوبيت والمردوم.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
20 نوفمبر 2022

 

آراء