حزب الموتى ومبادرة أهل الضرائح !!

 


 

 

في ذروة اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات من القرن الماضي ، تفتقت عقيرة الأزمة لدي طائفة من اللبنانيين بتشكيل حزب تحت مسمي حزب الموتي ، تستند ديباجة ذلك الحزب إلي حقيقة معرفية أن بكتيريا التعفن تنهش كل أجساد ضحايا تلك الحرب ، وهي لا تفرق بين درزي أو كتائبي إو مليشي ،أو سني ، بل هي تلتهم كل الضحايا في سراديب القبور .
وبناء علي تلك الحقيقة فدعوة الحزب تقوم علي توافق كل الطوائف والالتفاف حول لبنان موحد .
هذه الدعوي بالطبع تجاوزت وعجزت عن توفيق تعقيدات الواقع التي تجري علي الارض واتجهت نحو القبور لتجعل من ( البكتيريا ) منفستو يعيد ترتيب الحياة .
تلك مقاربة لما يجري في واقعنا السوداني القائم اليوم حينما تآكلت فكرة الحياة وتداعي الناس نحو الأضرحة وهي تهز تلك التوابيت طلبا للنجاة وإنفتاح الأفق ، ثم استنسخوا رمزية الأموات بتلك الشخوص الحية التي تستمد تكوينها المعرفي من تاريخ (ميت) تجسده تلك القباب المنتشرة في سهول السودان .
يختبئ السياسي بمهارة خلف تلك المهرجانات التي تم إعدادها ، ففي ذلك المشهد الذي شهدته قاعة الصداقة في إفتتاح تلك المسرحية التي تحاول ربط الموت بأزمة الحياة وإستدعاء الحلول من رفاة الغابرين ، كانت تلك المنلوجات الافتتاحية تمثل قمة المأساة وهي تنادي (السودان يحلو ،..ببركات شيوخ قضوا في سراديب رحلة التاريخ في تلك المساحة من الارض حيث يستعصي الفهم علي معادلة
الجغرافيا والتاريخ وبين النقاء والزيف ).
أو كما قال سعدون محسن صمد (أن هناك علاقة عكسية بين تخلف شعب ما وبين حضور موتاه في في واقعه ،وهكذا كلما تراجع حراك شعب ما ومات نبض الحياة فيه ، كلما إنبعث موتاه وأمتلكوا زمام المبادرة فيه وقادوه بإتجاه المقبرة إلي حيث ينتمون )...إنتهي
تبدو الأزمة هنا وبكل وضوحها المنظور الذي يجسده إرتهان العقل إلي الماضي حيث يعمل لصوص المقابر التاريخيين علي محاولة بناء مستقبل من طين وحجارة الضرائح أما جيش النمل العامل فيتكون من ذلك الجهد المسروق من الذين تم تدجينهم وحبس عقولهم في قوالب لا يغشاها الوعي وضوء المعرفة .
فإذا كانت الافتتاحية مثلتها تلك المنلوجات ، فإن لوحة الختام فضحتها لغة المداراة ، حيث تجسد المخرجون والمهرجون وكتبة السيناريو والممثلون فاقدي المواهب ، أولئك السياسيون فاقدي الخيال والموهبة، وكان المكان خانقا بالإبخرة ، ونداءات سارقي قوت الشعب والمرجئة والتوفيقيين الكذبة .
والذي كان حاضرا وبقوة هو العجز عن قراءة الحاضر وإشكالياته ، والعزلة والرهبة من عالم يضج بالحيوية ، وشارع شعبي يحاول اللحاق بالعصر وإمتلاك أدوات المعرفة التي تتيح له التعامل مع الإشكاليات اليومية التي تعيق يسر الحياة ومتطلباتها .
غابت عن ذهنية الضرائح قضايا الفساد والشفافية والحرية والعدل والمساواة ، وثقافة عدم الافلات من العقاب ، والتداول السلمي للسلطة و قراءة اللوحة الديسمبرية التي تشكلت حسب منطوق العصر وأحلام الشباب الثائرين والمتطلعين إلي مستقبل أفضل يتجاوز مطبات التاريخ وأنفاقه المظلمة التي شيدها هؤلاء الذين يهزون توابيت الموتي علها ترزقهم خبزا وأمان و سطوة أبدية علي المستضعفين .
الذي يجري هو محاولة بائسة لالغاء العقل والتحايل علي تاريخ يتقدم بقوة ليعصف بتلك الأفكار المتكلسة.
التقدم صوب العصر يكمن في تحرير تلك (العقول) التي أٌخذت رهائن في ذات منحني من تاريخ بلادنا ، والذين يشكلون ذلك الرصيد والتجييش والاستنفار كلما سطعت شمس المعرفة علي نتوءات الأضرحة.
وهنا مرثية لواقع مطابق للدكتور عبد الرزاق عبيد عن أزمة التنوير (في بلدي ينام الواقع بكل حرارته ولهيب شمسه ، ويستيقظ التاريخ ببرودته ، ورطوبته ،وبكل الطفيليات التي ترتع في ثنايا ظلامه الطويل ،في بلدي حزم الناس أمتعتهم و تمنطقوا بأحزمتهم ، ركبوا جمالهم ويمموا وجههم صوب الماضي البعيد وغابوا في غباره المعتم) والذي يحمل البشارة أن الناس في بلدي يرتلون في الطرقات (الشعب أقوي والردة مستحيلة ) .

‏‫‬‬
musahak@hotmail.com

 

آراء