حزب: مؤتمر الأمة الاتحادي .. أو صراع أجنحة الانقاذ!!

 


 

 


أثار دهشتي كثيراً، التعاطي السياسي مع مشروع (الحكومة العريضة) على أنه مبادرة للتغيير، أو حتى لمجرد اشراك القوى السياسية!. ذلك أن كل الشواهد على الأرض، وخلفية طريقة تفكير وتعامل متنفذي الانقاذ مع القوى السياسية، تؤكد أن الحكومة العريضة ودعاوى الانفتاح والتغيير في حقيقتها محض توظيف واستخدام للقوى السياسية لحسم صراع الاجنحة داخل المؤتمر الوطني والحكومة. ولكنها كذلك لها أهداف أخرى غير خافية أقلها إلهاء قوى المعارضة، وتفتيتها أو على الاقل كسب الوقت حتى اشعار آخر. ويبقى مفتاح قراءة صراع الاجنحة هذا هو (وراثة منصب الرئيس). أما الاجنحة فقد باتت أكثر بروزاً ووضوح، بين العسكريين، و مدنيي حزب المؤتمر الوطني في الجهة الاخرى.
أما دهشتي فتكمن في أن الذين تعاطوا أمر الحكومة العريضة، تعاملوا معه بمنطق النجاح والفشل!!؟. وغاب عنهم أن هذا التعاطي بعيد عن المنطق والمنطلق الذي دفع حكومة الانقاذ وحزبها لطرح الامر ابتداءً. فأول قواعد ومرتكزات القراءة الصحيحة تنطلق من منافسة طرفي الصراع (العسكريين – والمدنيين) وانحصارها حول الحزبين (التقليديين) الكبريين!!، كونهم مثلا المجال الحصرى للصراع، وهما المستهدفان ومن كلا الطرفين. أما خلفية تعاطي كل منهم مع حزبي الأمة القومي والاتحادي الاصل، فتعود بالاساس لمحاولات باتت مكشوفة لاحلال هذين الحزبين، أو احدهما محل الاسلاميين (المؤتمر الوطني) وهو موقف الجناج العسكري. ونفس الهدف يسعى له المدنيين من الاسلاميين بالمؤتمر الوطني لابعاد العسكرين واضعاف وجودهم ودورهم ومن ثم ابعادهم الى ثكناتهم. وضمن هذا الاطار يجرى توظيف وتصنيف للقوى السياسية المعارضة ذو طرافة لكنه متسق مع الاهداف التي تتبناها الاجنحة المتفاعل صراعاً الآن.  ولكن لماذا حزبي الأمة القومي والاتحادي الاصل دوناً عن باقي قوى المعارضة؟. وما الذي يدعم فرضية وضوح طرفي الصراع وتصنيفهم إلى عسكريين ضد مدنيين؟. وكيف توظف قوى المعارضة ضمن صراع عسكريي ومدنيي الحكومة والمؤتمر الوطني؟. لنبدأ الاجابة على هذه الأسئلة وفقاً (الاقوال والتصريحات) و (الوقائع) والتي تُعرف وتحدد طرفي الصراع داخل الحكومة وحزبها المؤتمر الوطني.
في أحدى أشهر وثائق (ويكيليكس) نقف على ما نقلته الوثيقة عن ألور وعلي عثمان وصلاح قوش. والتي جاء في نصها الآتي: "... اجتماع قوش مع الور الذي استمر ساعتين في 12 نوفمبر كان مذهلاً لحد كبير عن سابقه، وقد بدى قوش مستغرقاً في فرضية تآمر المصريون من داخل الجيش السوداني لإزاحة البشير. وقال كلينا يعلم أن أمر القبض قادم وأي شيء سيحدث هنا في أي وقت، واستشهد الور بأن قوش قال " هل نترك بلداً كاملاً يدمر بسبب شخص واحد" فساله الور من تعني؟ فقال له قوش الرئيس، فقال له الور الأفضل أن تخلع سترتك ربما يكون فيها جهاز تنصت. وفي اللقاء حث قوش الور أن تكون الحركة الشعبية أكثر قرباً من علي عثمان محمد طه قائلاً " علي عثمان إنسان جديد إنه رجل دولة" واقترح على الور أن يقضي أوقات أطول في معية علي عثمان قائلاً له إن علي معجب بك، وليس مرتاحاً من سلفاكير الذي يلزم الصمت عندما يكون غاضباً. وذكر قوش لألور أن الحركة الشعبية وجهاز الأمن الوطني لا يحبان الجيش،ولكن الور الحذر رفض ذلك وقال لقوش نحن في الحركة الشعبية محايدون لقد عقدنا إتفاقية مع حزب وليس مع فرد. والمح قوش بصورة غامضة قائلا" بعض جماعتنا جبناء إنهم لايريدون اتخاذ إجراء شجاع"  وأشار قائلاً " إذا حدث شيء فان الجاز ونافع لن يكونا عواملاً بل تابعين، ويقصد بذلك أنهما سيتبعان علي عثمان" انتهي الاقتباس عن وثيقة ويكيليكس.
من خلال الحوار بين قوش وألور يتضح أن وراثة موقع الرئيس هي الدافع والمحرك لكل الصراعات داخل الحكومة وحزبها، ونلمس ذلك في اعتبار أن أمر القبض الصادر عن محكمة الجنايات الدولية في حق الرئيس ستكون له عواقب تفتح كل الآفاق لحوادث قادمة، كما جاء على لسان صلاح قوش، وليس وراء ذلك تصريحات الرئيس بأنه لن يترشح لدورة قادمة!؟ فتاريخ الصراع يعود بالاساس إلى مذكرة محكمة الجنايات الدولية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى حدد صلاح قوش موقفه ومن معه بأنهم لا يحبون الجيش، ونلاحظ هنا تحفظ ألور الذي بادر بتحديد أنهم وقعوا اتفاق مع حزب وليس فرد. وبالاضافة لموقفه من الجيش، وكما بدأ واضحاً من حديث قوش أن نافع و الجاز ليسوا طرفاً معهم ولكنهم سيكونوا تابعين (اذا حدث شئ) لعلي عثمان.
هذا في تقديرنا تحديد قاطع لموقف في غاية الوضوح (ضد الجيش)، والذين يتخذون هذا الموقف بحسب هذه الوثيقة هم على عثمان وصلاح قوش وربما آخرين. ولكن هل هناك موقف آخر بذات درجة الوضوح ضد هذا الاتجاه أو التيار؟.
ورد في الكلمة الافتتاحية لصحيفة (القوات المسلحة) وبقلم رئيس تحريرها محمد عجيب محمد، وقام الطيب مصطفى وعلى صفحات (الانتباهة) بالترويج الواسع لها. ورد موقفاً صريحاً و (حازم) ضد المؤتمر الوطني، وبأوصاف ضد حزب المؤتمر الوطني تقر بقوة الموقف تجاهه، منها على سبيل المثال التالي: " ... أيها المؤتمر.. ما نفقه كثيراً مما تقول.. وإنا لنراك فينا ضعيفاً.. ولولا «بقيةٌ من أملٍ» لرجمناك.. وما أنت علينا بعزيز..". ولأهمية هذه الوثيقة نورد مقتطفات منها ونبدأ بما وصف به محمد عجيب المؤتمر الوطني: "... فلا ندري أهو نبي مرسل أم عبد صالح!... ربما يكون في القوم عبد صالح لكننا لا نعلم بينهم نبيًا مرسلاً يأتيه الوحي من السماء... الخبر هو أن المؤتمر الوطني يفاوض الحركة الشعبية في أديس ويبرم معها اتفاقاً يتم بموجبه تعديل قانون الأحزاب ويسمح للحركة الشعبية بتكوين حزب سياسي في الشمال بعد الانفصال ويمارس كل الحقوق القانونية والدستورية لأي حزب سياسي آخر «زيو زي المؤتمر الوطني» ويدين بالولاء لدولة أخرى أقل ما يُتوقع من وصف لها بعد التاسع من يوليو إنها دولة معادية...وبموجب الحزب المرتقب «الحركة الشعبية قطاع الشمال» يسمح القانون لعرمان وعقار بممارسة كل حقوق الحزب والظهور في التلفزيون ومعارضة الحكومة القائمة وربما من داخل البرلمان!! ثم تناوُل الغداء مع سلفاكير في جنوب السودان...ثم الخبر هو أن أهل الحظوة في المؤتمر الوطني يحاورون أهل الحظوة في تمرد دارفور في الدوحة ويمهرون لهم صكاً يمنح متمردي دارفور الذين هم على حد تعبير المؤتمر الوطني ـ بعضمة لسانه -  قُطّاع طرق وطلاب سلطة يتاجرون بقضية شعب دارفور.. يمهرون لهم صكاً بمنصب نائب رئيس الجمهورية و يوغلون بعيداً في تكريس الجهوية ويتفننون في مكافأة من يحمل السلاح في وجه الدولة ويجزلون لها لعطاء.. عطاء من لايخشى الفقر!..تقول السيرة الذاتية للمؤتمر الوطني في نسخة ماقبل «الفتح» إنه كان صفوياً مفعماً بأشواق دفينة في أن يرى للإسلام دولة يؤمر فيها بالمعروف ويُنهى عن المنكر و يُعزُّ فيها أهل الحق ويُذلُّ فيها أهل الباطل... والمؤتمر الوطني أمس في الدوحة يطوي هذا الحديث ويضعه جانباً ويعد تمرد دارفور بمنصب نائب الرئيس في عطاء من لا يملك لمن لايستحق... أيها المؤتمر الوطني لن نغني معك...ما يفوت على المؤتمر في نسخة ما بعد الفتح و ما بعد المفاصلة إنما يُبقيه حتى الآن على قيد الحياة وعلى سدة الحكم... ما كان يملك من قدرة على مخاطبة وجدان الجماهير وما يطرح من برامج مصادمة لا تعرف غير الله رباً والإسلام ديناً وسيدنا محمد نبياً ورسولا...والملاحظ أن المؤتمر الوطني منذ فترة «طلق الدرب».. وأنه «يرى» أنه مؤمن بالله و لا يعبد أمريكا.. لكنه يتقرب بها إلى الله زلفى.. المؤتمر الوطني يخالف تعليمات المشير البشير بإيقاف الدغمسة ويناور حول الحمى الأمريكي ويظن بالله الظنون... أيها المؤتمر.. ما نفقه كثيراً مما تقول.. وإنا لنراك فينا ضعيفاً.. ولولا «بقيةٌ من أملٍ» لرجمناك.. وما أنت علينا بعزيز.." انتهى الاقتباس عن الانتباهة (1/7/2011م).
حذفت القليل من هذه الوثيقة، مع العلم أن كل ما جاء فيها يشير وبكامل الوضوح لموقف (جديد) ومعلن ضد المؤتمر الوطني. لكني هنا سأقف على بعض منها يوضح وبقوة في نظرى وجود تيار آخر هو بالتحديد ضد المؤتمر الوطني ذاته وليس ضد رموزه فقط. وما يشير لذلك مما جاء بالوثيقة أعلاه، أن (المؤتمر الوطني منذ فترة " طلق الدرب") وأنه (يخالف تعليمات المشير البشير بإيقاف الدغمسة)، وليس الرئيس البشير، وأنه (يناور حول الحمي الامريكي ويظن بالله الظنون)، وننتهي إلى أن هؤلاء يرون المؤتمر الوطني فيهم (ضعيف)، وأن لولا بقية من أمل (لرجموه)، وأنه ليس عندهم (بعزيز). وفي كل ذلك أقوى الاشارات التي تقوى وجود تيار مع الجيش وضد المؤتمر الوطني. ولكن ما علاقة كل ذلك بالحكومة العريضة؟. هذا التيار وبحسب الوثيقة لا تظهر أسماء لرموز وقيادات كما هو الحال مع التيار الذي ابرزته لنا وثائق ويكيليكس، لكنه وهنا تميزه يخرج للعلن عبر صحيفتين هما القوات المسلحة والانتباهة واذا كانت صحيفة القوات المسلحة محددة الرمزية والمرجعية، فالكل يعرف الطيب مصطفي وما يرمز إليه.
قبل الانتخابات كانت هناك خطة لإنشاء حزب واحد يضم كل من المؤتمر الوطني، والأمة القومي، والاتحادي الديمقراطي(راجع مقلنا حول هذا الموضوع على الانترنت بعنوان الحزب الجديد هل يضمن فوز البشير). ومضى المقترح مطلقاً على الحزب الجديد اسم حزب (مؤتمر الأمة الاتحادي). وكل ذلك جاء على خلفية شعار (توحيد أهل القبلة)، وكان الهدف الأساسي من هذا الحزب (بحسب الفكرة العامة – التي جرى ترويجها)هو ضمان فوز الرئيس البشير، واطالة أمد البقاء بالسلطة على خلفية أهل القبلة  الذين يرفضون كل من هم خارجها من اليساريين والعلمانيين تحديداً. ولعزل المؤتمر الشعبي وإضعاف أثره وخنقه بمزيد من الحصار السياسي هذه المرة خاصة وأن الحصار الأمني والاقتصادي فشلا في تحجيم وانهاء أي وجود وأثر للمؤتمر الشعبي، وكان الرجاء أن يسحب الحزب الجديد كل الرصيد الاسلامي للشعبي، ليصير بلا وجود مثله تماماً من اليساريين والبعثيين والديمقراطيين من القوى الحزبية الاخرى كما يراها متنفذي الحكومة وحزبها احزاب بلا وزن.
الذي حدث أن الجناح (المتعسكر) رأي في هذه الخطة خطراً كبيراً فرفضها وعمل بنشاط على افشالها وكان شعاره (قبر) كل الاحزاب التي تنافس المؤتمر الوطني في الانتخابات. وأنه لا يوجد حزب غير المؤتمر الوطني، بل ومضى أبعد من ذلك معلناً نتيجة الانتخابات قبل أن تبدأ، وجاءت نتائج الانتخابات كما عمل لها وأعلنها هذا الجناح وقد تابع الجميع ذلك.
بعد الانتخابات تسارعت الاحداث والوقائع، فانفصل الجنوب، وعمت الثورات دول الشمال الافريقي مقتلعة أقوى نظامين في كل من تونس ومصر في أقل من ثلاث شهور، وتبعتهم ليبيا، فأثارت الثورات التي جرت على دولتين جارتين للسودان قلقاً عظيماً وسط الحكومة وحزبها. ودفع اعلان الرئيس البشير بأنه لن يترشح لموقع الرئاسة مرة أخرى ونَشِط التنافس والصراع بين الاجنحة وتصاعد إلى تيارات داخل الحكومة وحزبها. ولكن كيف سار ذلك؟.
ننتقل الآن من الوثائق إلى الوقائع. اُعلنت الحكومة العريضة، المشروع والفكرة القديمة وتم استدعائها مرة أخرى!. وجرت الاتصالات و(الحوارات) مع القوى السياسية، لكنها كانت تجرى من طرفين أحدهم يمثل حزب المؤتمر الوطني، والثاني مستشارية الأمن بالقصر الرئاسي. الأولى يقف على رأسها نافع على نافع نائب رئيس الحزب والمستشار بالقصر و ابراهيم أحمد عمر. يقابلهم من مستشارية الامن كل من صلاح قوش وحسب الله عمر والسماني الوسيلة. 
برغم من أن الهدف المعلن واحد (الحكومة العريضة)، وضرورة اشراك الاحزاب والقوى السياسية لتعريضها. إلا أن الطريقة التي سارت وجرت بها وقائع الحوار وأطرافه أبرزت (صراع) تَفاعل ثم تضخم ثم ثار وانفجر. وتفاصيل هذا الصراع توضح كيف عمل كل تيار على توظيف ذات مشروع (الحكومة العريضة) لتدعيم موقفه في مواجهة الاخر، للدرجة التي تدفع بالجزم بأن مشروع الحكومة العريضة لم يكن سوى (تضاغط) فرضه طرف وعمل طرف على افشاله أو توظيفه لصالحه، ولكل منهم تقديراته وحساباته المختلفة عن الآخر، وإلا لما أنتهى مشروع تتطرحه الحكومة وحزبها إلى صراع عنيف داخلها.
المعروف عن ابراهيم أحمد عمر أنه أحد أركان مذكرة العشرة الشهيرة يشاركه في ذلك نافع على نافع، وأنه كان وما زال من أنصار أن تكون القيادة للرئيس في التنظيم والحزب والدولة وبكلمة واحدة على كافة الاصعدة. أما نافع فيمكن (تقدير) موقفه أنه لا يريد ولن يسمح بأن يتم عزله مرة أخرى كما جرى له بعد حادثة اغتيال حسنى مبارك الشهيرة، ويبدو بعد تلك التجربة تزعزعت كثيراً ثقة نافع باخوته في التنظيم القديم ، وأن التجربة تلك جعلته لا يميل إلى طرف إلا اذا كان فيه من الفاعلين الاساسيين. وعليه فإن موقف الاثنين خلف الرئيس يبدو مبرراً ومنذ مذكرة العشرة. ولكن أن تقوم مستشارية الأمن بالاتصال بالقوى السياسية واجراء حوار معها لأجل الحكومة العريضة دون علم أومشاركة نافع فذلك دونه خرط القتاد. ولكن كيف صار الصراع على ذات المشروع؟
كان تركيز نافع وابراهيم عمر منصرف إلى حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي، وهذا التيار يتبنى مشروع اسلمة الدولة. فيما كان اتجاه تيار المستشارية أكثر انفتاحاً على كل الاحزاب ماعدا المؤتمر الشعبي. ولكن رفض الاحزاب الاخرى للحوار مع جهة أمنية، جعل مجال الحوار محصور مع حزبي الامة القومي والاتحادي الديمقراطي. أما اتجاهات الحوار فقد اختلفت كما أوضحت ذلك الاحداث التي تصاعدت وادت إلى عزل حسب الله عمر من مستشارية الأمن بعد تصريحه الشهير (اذا اجمعت الأحزاب على إلفاء الشريعة فالتذهب الشريعة)، ثم تفجرت بعد ذلك وبصورة داوية بين نافع وصلاح قوش عقب حديث نافع بالاذاعة السودانية، ورد صلاح قوش في مؤتمر صحفي، وانتهت إلى عزل صلاح قوش، وموت مشروع المستشارية الحواري. ولكن كيف ولماذا فشل مشروع الحكومة القومية رغم استمراره بعد كل تلك الاحداث؟!.
بالرجوع إلى وثيقتي ويكيليكس و كلمة صحيفة القوات المسلحة، تقودنا القراءة إلى أن الذي صار هو أن تيار المستشارية كان يقود خطاً هدفه الاساسي اضعاف وانهاء دور ووجود العسكر ضمن الحكومة والسلطة. وكان ذلك هو الدافع لتوسيع دائرة الحوار مع أحزاب وقوى سياسية مصنفة خارج اطار (أهل القبلة)، وأن الاعلان عن التخلي عن الشريعة اذا رفضتها الاحزاب كان الانزار الاخطر للتيار الذي يدعم العسكريين. ولما كان حزبا الامة القومي والاتحادي الديمقراطي هما مجال المنافسة الاساسي بينهما، وأن توجهات وخط مستشارية الامن الحواري خطر كبير كونه وإن فشل أو افشل سيترك أثراً مكلفاً على التيار الآخر مجاراته في سبيل التخلص من خط وخطة تيار مستشارية الامن.
وهذا ما حدث بالضبط، فبعد عزل حسب الله وصلاح قوش، خلا ميدان التنافس للتيار الاخر، ولكن يبدو أنه واجه صعوبات كثيرة وكبيرة كان خلفها ما قامت به مستشارية الأمن خلال تبادل الحوار مع هذين الحزبين تحديداً. ونسبةً لاتساع الشقة بين التيارين كما أوضحته الوثقيتين (ويكيليكس، والقوات المسلحة)، كان أول تحول في طبيعة الحوار مع حزبي الامة والاتحادي هو أن المطلوب ليس المشاركة في الحكومة العريضة، بل المطلوب هو (المساندة الكاملة) بمعني أن تحل محل المؤتمر الوطني تماماً، وتتحمل بالمقابل كل تبعات ذلك بالدفاع عن نظام الانقاذ والعمل على تكريس بقاءه بالسلطة. وثم في سبيل ذلك تقديم 50% من الوزارة لصالح من يقبل بذلك من الحزبين أو احدهما. كما أن القراءة تفيد أن هذا العرض هو مقدمات تفرضها ضرورات التدرج في مواجه تيار يحظى بكل مقاعد المجلس الوطني كونهم غير محسوبين على (الجيش)، وأنه بالامكان توظيفهم على أكثر من وجه بما في ذلك فرض (التحكم) على حزبي الامة القومي والاتحادي. في مقابل تيار يدعمه العسكر من جهة، وبامكانه هو الاخر اذا آلت إليه الامور أن يوظف المجلس الوطني كيف يشاء، أو حتى بعد عبور المرحلة الحرجة واحلال حزبي الامة والاتحادي أو احدهما مكان المؤتمر الوطني، أن يقيم انتخابات جديدة تسمح له بلفظ كل المحسوبين على التيار الآخر، وابقاء من يشاء بالتنسيق مع القاديمين الجدد بالمجلس الوطني ومجالس الولايات.وهكذا يتضح أن الذي يجري ليس (تعريض) للحكومة بل (استعراض) لصراع الاجنحة الذي احتدم وبلغ الذروة!!.
كذلك يتضح لماذا فشل مشروع (الحكومة العريضة)!!. لأن تبعات ذلك على حزبي الامة القومي والاتحادي الاصل، أثقل من ثقيلة، خاصة بعد أكثر من عقدين ظلا فيها يعارضون خلفية النظام العسكرية الانقلابية، وكل فشله السياسي.وليس من اليسير أن يتبنوا دعمه وحراسته وتحمل مسيرة جديدة من استمرار الفشل. كما أن مثل هذا المشروع يفتح عليهم أبواب المعارضة (داخل) هذه الاحزاب وبعنفوان لن تستطيع تحمله. وهنا مشكلة وقصر نظر المؤتمر الوطني الذي يرى في هذه الاحزاب بالذات أنها سهلة ويمكن التحكم فيها، وفي حالة الفشل يمكن تفكيكها إلى جملة أحزاب واستقطاب كل منها على حدة. لكنهم لم ينظروا مثلا لمريم ورباح الصادق هما تقودان المظاهرات وتتعرضات للاعتقال، وأن هذه القدوة خلفها الكثير من الدماء الشابة التي رفدت تلك الاحزاب وجعلتها في طليعة المواكبة والحرص على تطوير ومواكبة الحراك السياسي بما جعلهم في المقدمة. وكذلك الحال بالنسبة للإتحادي الاصل. وبالطبع ليس من اليسير على هذه الاحزاب وأمامها كل مستقبل النجاح السياسي، أن تتحمل تبعدات فصل الجنوب، أو التخلي عن (مثلث حلايب)، أو حتى دفع دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق نحو الانفصال دعماً لنظام الانقاذ. بل تكون على استعداد لإنهاء كل المستقبل الذي ينتظرها، لتحظفي به أحزاب وقوى سياسية أخرى، لن تفتر من توجيه النقد والتعبئة ضد الحزبين الكبيرين أو احدهما، وتوظيفه لوراثة المستقبل السياسي بجدارة، بعد أن قُدم لها على طبق من ذهب بانتحار أكبر منافسين عبر التاريخ بالمشاركة ودعم بقاء نظام الانقاذ.


Abuzar Abuzar ali [abuzzzzar@yahoo.com]

 

آراء