حسبي الله ونِعم الوكيل !!

 


 

هيثم الفضل
8 November, 2022

 

صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
الإسبوع الماضي نشرت بعض الصحف الورقية والكثير من المواقع الإلكترونية في وسائل التواصل الإجتماعي ، خبراً مؤسفاً يتعلَّق بنجاح مباحث العمليات الفيدرالية بالشرطة السودانية في إكتشاف جامعة وهمية تتخذ من مدينة ودمدني مركزاً رئيسياً لها ، وكذلك لها بعض الفروع بالخرطوم ، ظلَّت هذه المؤسسة الأكاديمية التي تختص في مجالات طبية بحتة أهمها التمريض وعلوم المختبرات تعمل على مدى عشرة سنوات تقريباً دون رقيب ولا حسيب ، ودون علاقة رسمية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بل وصل الأمر إلى حد بيعها الشهادات الجامعية لطلابها عبر سقوفات مالية ترتفع كلما (قلَّت) المُدة الزمنية للدراسة ، والأفظع من ذلك أن التحقيقات حصلت على إفادات وشهادات من (مُستفيدين) وكذلك (موظفين) بالجامعة الوهمية أن الإدارة تبيع الشهادات الموثَّقة بأختام مزوَّرة دون الإنتظام في الدراسة ، وعن طريق ما أسمته (إمتحان قُدرات) أو الحصول على دورة في الإسعافات الأوليَّة.
الجامعة الوهمية إسمها (التجاري) أكاديمية السودان للعلوم الطبية والتكنولوجية ، طبعاً تم القبض على رئيس الجامعة ومجموعة من العاملين المتورِّطين معهُ في هذه الجريمة البشعة في حق الطلاب الذين تعاملوا معها ، ثم في حق المواطن السوداني أو غير السوداني الذي سيتعامل مع أولئك الطلاب في أمور تتعلَّق بسلامة الأرواح والأجساد ، والمُحزن في الأمر أن الجامعة الوهمية تعمل منذ العام 2012 وخرَّجت الآلاف من الطلاب الذين إنتشروا في العديد من المؤسسات الطبية داخل السودان وخارج السودان بالخصوص في دول الخليج العربي ، أما الأمر الغريب فهو أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد أصدرت بياناً نفت فيه علمها بالجامعة ، وأكَّدت عدم وجودها في قائمة المؤسسات الأكاديمية التابعة لها ، كما أفاد البيان أن أمر إكتشاف وضبط مثل هكذا مخالفات أو جرائم لا يقع ضمن دائرة إختصاصها ، الجدير بالذكر أن جميع الشهادات التي تم ضبطها (مُزيَّنة) بختم توثيق مزوَّر لوزارتي التعليم العالي والخارجية السودانية.
على المستوى (الخيالي) لا توجد كلمات ترتفع إلى مستوى التعبير عن بشاعة هذه الجريمة والتي يقول البعض أن مُرتبكها يجب أن تُطبَّق فيه عقوبة الإعدام ، ولكن السؤال : هل يستوي من يقتل شخصاً أو شخصين مع مَنْ يشرع مع سبق الإصرار والترًّصُد في إيذاء وقتل وإبادة الآلاف أو ربما الملايين من البشر ؟ ، أما على المستوى (الواقعي) فإن مثل هكذا واقعة لا تُستغرب في بلادنا التي هزمها الفساد وأقعدت بها الإنتهازية وألجمها حُب الذات والأنانية ، فالإنهيار الأخلاقي بعد حُكم الإنقاذ البائدة قد أصبح سلوكاُ وثقافة يحتاج العمل على إصلاحه وتعديلهِ إلى سنوات عديدة من المُرابطة والعزيمة في معركة نُصرة المسار الديموقراطي وإرساء دولة المؤسسات والعدالة والقانون.
على المستوى الشخصي لم أن أكُن أنوي الكتابة عن الموضوع إذ أنهُ يُعتبر قطرة ماء في بحرٍ فسيح من أوجُه تقصير السلطات الحاكمة في حماية ورعاية (أرواح) السودانيين ، فقتلُ الأبرياء والعُزُل أصبح عندنا أمراً إعتيادياً ومُستساغاً والنتيجة واحدة سواء أن كانت بالبُندقية أو بالدهس بالمدرعات الشرطية أو حتى عن طريق الإغتيال بالأخطاء الطبية التي يتكفَّل بها أصحاب الشهادات المزوَّرة وخريجي الجامعات الوهمية ، لكن ما دفعني اليوم لإثارة الموضوع وجهٌ آخر من أوجُه (خسارة) السودان (الفادحة) لسمعتهِ الأكاديمية والمهنية الناصعة والمُشرِّفة في كافة أنحاء العالم ، عبر ما وثَّقته الكوادر المؤهَّلة وما صدَّرته مؤسساتنا الأكاديمة المشهود لها بالكفاءة والنزاهة ، وهذا ما حدث بالأمس القريب في المملكة العربية السعودية حيث نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية السعودية (أخبار السعودية) في تويتر الخبر الآتي :(ضبطنا شهادات مُزيَّفة من جامعة سودانية وهمية قبل أن يتم إكتشافها) - إنتهى الخبر ، ليس من قولٍ في هذا المصاب الجلل أجدى من (حسبي الله و نعم الوكيل).

haythamalfadl@gmail.com

 

آراء