بسم الله الرحمن الرحيم
دخل النظام الدكتاتوري السوداني في طريق مسدود نهائياً cul-de-sac، ولن يفيده العنف المنفلت والمبالغ فيه الذى يستخدمه ضد معارضيه؛ والذاكرة السودانية القريبة مفعمة بتجارب مماثلة لأنظمة استبدادية عديدة بلغت روحها الحلقوم، فلجأت للبطش يميناً ويساراً وضيقت الخناق على الشعب، ولم يفدها ذلك بشيء، وذهبت أدراج الرياح كقوم عاد وثمود ولوط قبلها، وبقي أهل السودان موفوري الكرامة وأنوفهم فى عنان السماء. فعندما اندلعت ثورة أكتوبر في الحادى والعشرين من تشرين الأول 1964 كان الضحايا فى بادئ الأمر شهيدين فقط من طلاب جامعة الخرطوم، أحمد القرشي طه وبابكر عبد الحفيظ؛ وعندئذ صحا ضمير الدكتاتور "الناعم" الفريق إبراهيم باشا عبود وأعلن حل المجلس العسكري ومجلس الوزراء والمجلس المركزي (البرلمان)، واستدعي أقطاب المعارضة للتفاوض؛ ولكن أطرافاً هوجاء متشبثة بالنظام العسكري حاولت عبثاً أن تعيد عقارب الساعة للوراء، فأطلقت الذخيرة الحية على المتظاهرين الرافعين لأغصان النيم بساحة القصر الجمهوري - حيث يتقاطع شارع الجامعة مع شارع القصر- وأردت ستة وثلاثين شهيدا على الفور وجرحت مئات آخرين؛ غير أن ذلك لم يفت فى عضد الجماهير التى واصلت مسيرتها السلمية رافعة شعارها "إلى القصر حتى النصر"، وكان لها ما أرادت خلال بضع ساعات من تلك المجزرة، وتوصل المتفاوضون العسكر والمدنيون للحكومة الإنتقالية برئاسة الأستاذ سر الختم الخليفة وعضوية ممثلي حزب الأمة والحزب الإتحادي والحزب الشيوعي والإخوان المسلمين واتحاد العمال واتحاد المزارعين، بالإضافة للممثلين الثمانية لجبهة الهيئات التى نسقت وقادت الإنتفاضة من أولها لآخرها، بمشاركة جميع مدن ودساكر السودان الشمالي الكبرى.
ولقد تكررنفس المشهد بعد ذلك بعقدين – في أبريل 1985 – عندما هبت الإنتفاضة السلمية التى أطاحت بدكتاتورية المشير جعفر محمد نميري، وقد كان من إرهاصاتها قمع صارم وعنف عشوائي أحمق استشهد من جرائه المفكر العبقري محمود محمد طه الذى أعدمه النميري قبل الإنتفاضة ببضع شهور، واكتظت السجون بالمعتقلين السياسيين من كافة ألوان الطيف؛ وكان الإخوان المسلمون آخر نزلاء بالمعتقلات بعد أن كانوا حلفاء وشركاء لنميري، فتشكك فيهم وانقلب عليهم قبل الإنتفاضة ببضع أسابيع، كإنقلاب هارون الرشيد على البرامكة، وأرسلهم لسجن "شالا" بدارفور وتوعدهم بالإبادة التامة بعد عودته من الولايات المتحدة؛ غير أنه لم يعد من تلك الزيارة، إذ داهمته الإنتفاضة وهو هناك، وغادر واشنطن للقاهرة التى حاول أن يعود منها للخرطوم، ولكن صديقه الرئيس حسني مبارك أثناه عن تلك الفكرة واحتفظ به محروساً فى المحروسة، إلى أن قضي الله أمراً كان مفعولا.
أما نظام الإخوان المسلمين الحالي، فقد شرّق وغرّب وجرّب العديد من التحالفات مع الأطراف التى استطاع أن يستميلها من المعارضة، وقدم الجنوب برمته قرباناً لبقائه في السلطة، وبطش بخصومه (العلمانيين) بالتقتيل والتعذيب والإبادة الجماعية والسجون والتشريد والفصل التعسفي بالجملة من العمل والدفع نحو الهجرة القسرية، كما استنزف موارد البلاد ومقدراتها حتى الثمالة فى الإنفاق على جيشه وأمنه ومليشياته وعسسه وحزبه الحاكم وآليات استمراره فى الحكم؛ وجرد الحملات الإنكشارية المتتالية منذ مجيئه للسلطة حتى اليوم للفتك بالأقليات "الأفروسودانية" المطالبة بحقوقها في جنوب الوطن – حتى تم فصله بعد خمسة عشرة عاماً من "الجهاد" العقيم – وفي دار فور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، حيث تدور الحروب "الجهادية" منذ عام 2003. وكانت نتيجة هذا الحكم العقائدي الدموي الأخرق باهظ التكلفة أن تردت الأحوال المعيشية لما يشبه المجاعة المستدامة بالنسبة للسواد الأعظم من أهل السودان، وانقسمت البلاد إلى فسطاطين: صفوة الإخوان المسلمين ورهط الرئيس البشير المقربين الذين يرفلون في نعيم وبذخ ملوكي أرستقراطي في جانب، والكادحين المطحونين (95% من أهل السودان) في الجانب الآخر؛ كما تآكلت وتهشمت البنية التحتية وانهار التعليم بعد أن كان بمثابة رأس المال بالنسبة للخريجين الذين ساهموا في تعمير البلدان النفطية من حولهم، وأسسوا وطوروا وعملوا بجدارة بكافة المؤسسات العالمية والمنظمات التابعة للأمم المتحدة؛ وتوقفت السكة حديد وسودانير والخطوط البحرية والنقل النهري، وأصبح مشروع الجزيرة ذكريات من الماضي وتكالب على أراضيه الصينيون والقوى الرأسمالية العربية والمصرية بموجب صفقات مشبوهة مع سماسرة النظام مثل أشقاء الرئيس البشير وم ع إسماعيل وقطبي المهدي والزبير ب طه والمتعافن المتعافي، وسيطرت الصين على سوق البضائع الاستهلاكية بما لديها من مصنوعات رخيصة تنقصها الجودة، وبما أُسبغ عليها من تسهيلات حكومية؛ وبلغ الجنيه السوداني أدني مستوى له إزاء الدولار منذ ثلاثة عقود، فأغرقت الصين السوق السودانية حتى شرقت، وقضت على الصناعات المحلية مثلما فعلت بالعديد من الدول الإفريقية ذات الأنظمة الفاسدة مثل زمبابوي وزائير وأنقولا وجنوب السودان؛ وأخيراً أنشبت الحكومة أظفارها في قطاع الصيدلة بكل شراسة، فشحت الأدوية وانعدمت تماماً فى العديد من المناطق الريفية وتعذرت العقاقير المنقذة للحياة، واستوطنت الأمراض المزمنة، وبات ملك الموت يمشي الخيزلى وسط أهل السودان المساكين المغلوبين على أمرهم.
وكان لا بد والحالة هذه أن تستجمع الحركة الجماهيرية قواها وتضطلع بمسؤوليتها التاريخية إزاء الوطن، وظهرت على الساحة الحركة النقابية النابعة من أرضياتها الفعلية وليس من تلافيف ومؤامرات جهاز الأمن والمؤتمر الوطني الحاكم، واتخذت مواقعها على شتى المسارح النضالية، وكان أهمها النقابة الشرعية للأطباء "اللجنة" التى نظمت الإضراب الأخير دون أن ترضخ لضغوط وتهديد ومعتقلات الحكومة، ولقد تجاوبت معها قطاعات المعلمين والمحامين والطلاب الجامعيين. كما ظهر حزب المؤتمر السوداني كقيمة حقيقية مضافة لجهاد شعب السودان ضد الطغمة الحاكمة، بزعامة المناضلين إبراهيم الشيخ والباشمهندس عمر الدقير وثلة من الشباب الأشاوس الذين خرجوا للأسواق بكل الحواضر والقرى، وخاطبوا الجماهير بالميقافون وبدونه، غير هيابين من جلاوزة الأمن الذين يلبدون بكل المواقع كالنمل الأسود؛ ولما تم اعتقال طاقم القيادة برمته، برز شباب الصف الثاني وحملوا المشعل وقادوا المسيرة كأن شيئاً لم يكن. وقد تجاوبت أطراف الحركة الجماهيرية مع الموجة النضالية المتصاعدة حالياً – فى الجريف غرب والخرطوم بحري ومدني والقضارف والأبيض وبورتسودان والجزيرة وكافة أرجاء الوطن.
بيد أن هذه الجهود تبدو عشوائية وغير منظمة ولا يربطها خيط تنسيقي مركزي موحد، إذ ليس هنالك جسم محدد يقود ويرتب تحركاً مبرمجاً ومستمراً عبر ومضات الكر والفر، مستخدماً الآليات والأدوات المعروفة: المنشور والرسالة الإلكترونية ونظم التواصل الاجتماعي وغيرها مما يناسب الواقع السوداني، كما فعل الشباب المصري والتونسي وهم يعدون للإنتفاضات الجماهيرية التى أطاحت بنظامي حسنى مبارك وزين العابدين بن علي عام 2011؛ وحتى الآن تبدو الإنتفاضة التى أخذت تلملم أطرافها بكافة أرجاء الوطن كأنها صاروخ غير موجه، فالبنيات المعروفة المتصدية لقضية النضال – مثل تحاف قوى الإجماع الوطني – على الرغم من بلائها وصمودها، نلفاها عبارة عن تنظيمات حلقية جامدة، تتحرك في إطار ضيق ومحدود بالخرطوم، وليس لها فروع موسومة بالأقاليم، وهي عبارة عن مجموعة من الكوادر القيادية الممثلة لأحزاب المعارضة، وكثيراً ما يعطل جهاز الأمن حركتها باعتقال جميع أفرادها وإبعادهم عن الساحة حتى تهدأ حركة الشارع وتعود الجماهير لبياتها الشتوي المعتاد الذى دام لسبع وعشرين سنة، والذى استمرأه النظام الحاكم واقتات عليه واستمد منه استمراريته المحيّرة.
وعندما نتحدث عن التنظيم والخيط التنسيقي الموحد والموجه لتحركات الجماهير العشوائية فنحن ننطلق من التجارب السودانية السابقة: جبهة الهيئات التى قادت ثورة أكتوبر، ومجموعة النقابات المهنية السبع التى قادت انتفاضة 1985، إتحاد طلاب جامعة الخرطوم ونقابة أساتذة الجامعة ونقابة المحامين والأطباء وموظفي المصارف....إلخ. كما نتمني أن تستفيد البنية التنسيقية الجديدة من أخطاء الماضي، وتعد العدة للصمود والاستمرار لما بعد الإنتفاضة، حتى لا تتم سرقتها كما حدث لثورتي أكتوبر وإبريل. كما نتمنى أن نستقرئ التاريخ الثوري للبشرية ونسبر أغوار الهبات الشعبية الكبرى التى تركت آثارها الواضحة على مسيرة البشرية، مثل الثورة الفرنسية 1789/1799، مستلهمين زخمها البطولي غير المسبوق، ومحاولين أن نتجنب ما انحدرت إليه من تصدع ومن فتن والتهام لبنيها بالآلاف، ومن دكتاتورية أفندية عشوائية جديدة بإسم النظام الليبرالي الوريث للعهد القديم ancient regime .
كانت هنالك إرهاصات تحريضية – harbingers - للثورة الفرنسية ممثلة في كتابات عمالقة التنوير مثل جان جاك روسو ومونتسكيو وبودلير وفولتير وفكتور هوغو والإنجليزيين هوبز وجون لوك التى تناولت مواضيع القضاء على العهد الملكي والإقطاع وسلطة الكنيسة "السلعلعية" الخانقة والقنانة والإسترقاق وإذلال المرأة، ودعت للحرية والمساواة، مما بلوره الثوار الفرنسيون لاحقاً في شعارهم: الحرية والمساواة والإخاء liberte, egalite, fraternite . كما دفعت الأحداث السلطة الملكية لسن سياسات ضريبية مجحفة، وهي أساساً بسبب الظروف الإقتصادية المتردية بعد حرب السبع سنوات الأوروبية وحرب التحرير الأمريكية فى العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر التى أورثت الحكومة الفرنسية ديوناً هائلة جعلتها تلجأ لسلاح الضرائب، وهو سلاح يفتك أساساً بالكادحين والبؤساء. ولقد هبت الجماهير عام 1789 بدون قيادة مركزية محددة أو حزب معين أو خيط تنسيقي واضح المعالم، بادئة بالمسيرة المشهورة على سجن الباستيل بقلب باريس، حيث دكت ذلك الحصن الرهيب وأطلقت سراح المساجين وآلاف المفكرين والسياسيين من خصوم النظام الملكي. وأعقب ذلك مباشرة "إعلان حقوق الإنسان والمواطن" في العاصمة الفرنسية، وكذلك تظاهرة نسائية ضخمة توجهت إلى قصر فرساي الملكي وأخذت تهتف بسقوط الملكية، مما أثار الذعر فى قلوب سكان ذلك القصر المنيف ودفعهم للفرار إلى باريس. وتصاعدت الأحداث، وبرزت قيادة جماعية للثورة أعلنت فيما أعلنت نهاية الإقطاع والرق، وفى أثناء المعامع الثورية تسنم القيادة ماكسمليان روبسبير واليعاقبة، وتم إعدام الملك لويس السادس عشر عام 1793؛ ولقد تميز عهد روبسبير 1793/1794 بالاستخدام العشوائي المفرط للمشنقة the guillotine وبالعنف المنفلت الذى راح ضحيته أربعون ألفاً من الثوار أنفسهم - وبينهم بعض الإقطاعيين وكبار القساوسة ملاك الأرض.
وفى تلك الظروف الفوضوية العاصفة برز عسكري شاب قادم من جزيرة كورسيكا يدعي نابليون بونابيرت، وذاع صيته في الحروب الثورية التى خاضها النظام الجديد ضد العديد من الدول الأوروبية المجاورة ناشراً لفكر الثورة، وقام بإنقلاب عسكري تولي بموجبه السلطة عام 1799 وأسمي نفسه القنصل الأول First Consul لعموم فرنسا ولما يبلغ الثلاثين من عمره، وفي عام 1804 أسمي نفسه "الإمبراطور". ومهما قيل عن نابليون، فقد جسد حكمه القيم التى جاءت بها الثورة الفرنسية، وقام بنشرها وتعميقها على نطاق معظم الرقعة الأوروبية، وهو الذى رسخ مفاهيم المجد بالكد والكسب وليس بالوراثة meritocracy والمساواة أمام القانون وحقوق الملكية الفردية والفكرية والتسامح الديني والتعليم العلماني الحديث وأسس المحاسبة القانونية والليبرالية والراديكالية والوطنية والإشتراكية والعلمانية وتحرير المرأة ومساواتها بالرجل. وهو مشهور بدستوره الليبرالي العلماني المؤسس على تلك القيم والذى تأثرت به دساتير سبعين دولة أخرى، كما قام بالقضاء على الإقطاع وسلطة الكنيسة التى كانت قد حولت معظم الشعوب الأوروبية إلى أقنان يفلحون أراضيها كمجرد عبيد. ولقد تكالبت عليه الدول الأوروبية الإستعمارية ووضعت حداً لحكمه عام 1815 ونفته إلى جزيرة نائية بجنوب المحيط الأطلسي حيث بقي إلى أن قضى نحبه عام 1821.
وهكذا، فقد تتفجر الثورة على يد البروليتاريا الرثة والسابلة الكادحين غير المنظمين، ثم تفرز قيادتها من أحشائها أثناء الزخم الثوري الفعلي بالشارع، وقد تتقلّب القيادة بين المتطرفين والعقلاء، وقد تنتكس الثورة وتتعرض للسرقة من جانب الثورة المضادة، كما قد تمضي في مسيرتها حتى ترسخ القيم التى جاءت من أجلها. ونحن في السودان أمام مفترق للطرق من هذا القبيل، والنظام الذى نحن بصدد الإطاحة به من الإجرام والدم البارد بمكان، ومن الخبث والمكر الثعلبي و(الغتاتة) بحيث استطاع أن يمتص ويبطل مفعول التحركات الشعبية التى ما انفكت تندلع عبر السبع وعشرين سنة المنصرمة. ومن أخطر الأسلحة التى يستخدمها النظام باستمرار زرع العيون والجواسيس وسط الثوار من أجل المتابعة اللصيقة، وكذلك من أجل إشاعة البلبلة الفكرية والقنوط واليأس وسط الجماهير. ولقد رأيت بعض المشبوهين هؤلاء يجلسون مع المثقفين ويشاركون فى الأنشطة الإجتماعية والثقافية لينقلوا أخبارها كبصاصين من نوع فهلوي حاذق، وتأتي النتيجة مباشرة فى التنكيل بالعديد من أولئك المثقفين وتشريدهم وحبسهم، بينما يتساءل الناس دائماً عن السر وراء هذه الدقة، وكيف يتم كشف الأدوار الفردية للناشطين الذين لا يعملون في الجهر؟ ليس هنالك تفسير غير ما يشير إليه المثل: "ومن مآمنه يؤتي الحذر"، فهنالك عيون بين الثوار تتابع دبيب النمل وتحصي الأنفاس وتنقل التقارير المفصلة للجهات الأمنية. وعلاج هذه المشكلة من الصعوبة بمكان، فالسودانيون بصفة عامة يحسنون الظن في الشخص الآخر حتى يتبينوا سوء طويته بالدليل المادي القاطع. والسودانيون عادة، بعكس الكثير من الشعوب الأخرى، لا يوغرون الصدور ولا يتحسسون ولا يتجسسون على أصدقائهم وذويهم، ولذلك يجدون صعوبة في التشكك في مجالسيهم وأصدقائهم، مهما كانوا، ومهما أشارت الدلائل لممالأتهم للسلطة وخدمتها والتجسس لصالحها.
ومهما يكن من أمر، فهناك قانون آخر للثورة لا معدىً عنه ولا محيص، وهو أنها عندما تنضج تستحيل إلى تسونامي كاسح لا يبقي ولا يذر، ويكنس فيما يكنس الأعداء الطبقيين وأذنابهم من البصاصين والعملاء؛ وكما يقول المثل السوداني (فإن الكثرة عزت الجراد)، أي أن الزخم الجماهيري الذي سيغطي الشوارع كفيل بأن يسكت همهمات الأعداء وفي معيتهم المثبطين وجماعات الطابور الخامس. وفيما يبدو حتى مساء الجمعة أن التسونامي السوداني آت لا ريب فيه، ربما خلال سويعات معدودة. فقط نتمني أن تلحق القيادات السياسية بالجماهير وترتب أمرها وتتواثق على برنامج ما بعد نجاح الإنتفاضة؛ ونتمني ألا ترتكب الجماهير الثائرة أخطاء روبسبير بذبح الآلاف، بمن فيهم الأخيار والأشرار، إذ من المهم التحقيق مع كبار اللصوص وإجبارهم على كتابة الشيكات بالمليارات المخبأة بالمصارف الأجنبية فى سويسرا وجزر البهاما وآيل أوف وايت ودول الخليج. كما نتمني من القيادة التى يفرزها الشارع أن تلتزم بالتوازن الدقيق بين العدالة واسترجاع حقوق الشعب المنهوبة وعدم أخذ البريء بجريرة المذنب، مع عدم التسامح مع أي لص ولغ فى أموال السحت حياً كان أو ميتاً، أي نتمني ألا يفلت من المحاسبة العديد من اللصوص الذين لقوا حتفهم فى السنين الماضية والذين يتوجب النظر في ما كنزوه من ثروات وتركوه لورثتهم.
إن الثورة قد اندلعت بالفعل في بلاد السودان، ونسأل الله التوفيق والسلامة لهذا الشعب الأبي المغوار، فهو بصدد كتابة سطور من نور مرة أخرى على صحائف التاريخ.
والسلام.
fdil.abbas@gmail.com