حقوق المراة في الإسلام (1)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
يحق للمرأة السودانية المسلمة الإحتفاء باليوم العالمي للمرأة
تحتفل المرأة في هذه الأيام على مستوى العالم بيوم المرأة العالمي،أو يوم المرأة العاملة العالمي،أو يوم تحرير المرأة،والذي خصص له يوم الثامن من آزار( مارس) من كل عام،وذلك احياء لذكرى انجازات المرأة وما أكتسبته من حقوق خلال مسيرة التاريخ الإنساني، وحري بالمرأة السودانية أن تحتفي بهذا اليوم ،وان تشارك المرأة في العالم هذه الاحتفالية ،والتذكير بسبق دينها في تكريم المرأة وكفالة حقوقها المدنية،والإقتصادية والإجتماعية والسياسية،لعل في ذلك اختصار للجهد وتيسير للإصلاح.وما جهدها في هذا المجال الا احياء لتراثها وقيمها التي رفعت شعار تحرير المرأة منذ ما يزيد على اربعة عشر قرناَ،ً.في الوقت الذي عانت المرأة في الغرب وركبت الصعاب حتى حققت بعض ما كفله دين المرأة السودانية لها،ليس منة من الرجل ولا تفضلا منه بل حقا وواجبا دينيا ينبغي مراعاته كما يراعي عبادته وانساكه.
وفيما يلي محاولة للتذكير بما عانته المرأة الغربية والعالم بأسره من ظلم في تاريخها وما واجهته من معاناة في اكتساب حقوقها.
وبداية لابد من الاشارة الى ان المرأة في الغرب مرت خلال القرن التاسع عشر لا سيما في روسيا وأمريكا وأوروبا ،بتجارب مريرة ،وعانت الاضطهاد والظلم ،وتعرضت لأبشع أنواع الاستغلال.وقد أسهم عدة عوامل :من بينها في ذلك الوضع المزري للمرأة عدة عوامل لعل من أهمها النظرة المادية للحياة،والتي ربطت قيمة الإنسان، ايا كان رجلا او إمراة، بمقدار ما يكتسبه من مال ومتاع دنيوي.اضافة إلى الحروب التي قضت على الرجال واضطرت المرأة إلى الخروج بحثا عن لقمة العيش .وأمام الثورة الصناعية التي كانت في أوج ازدهارها،استغل أصحاب العمل النساء والأطفال،وأرهقوا المرأة بساعات عمل طويلة وأنواع من العمل شاقة
أمام تلك الأوضاع المزرية نظمت النساء صفوفهن ،وكونَّ النقابات العمالية،وقدن المسيرات ،ونظمن الإضرابات من أجل توفير شروط أفضل للعمل،وتحديد يوم العمل بساعات أقل.ونجحن في ذلك إذ حددت ساعات العمل بعشر ثم بثماني ساعات.كما زيدت الأجور واوقف تشغيل الأطفال،اضافة الى ان النساء أكتسبن من خلال العمل النقابي بعض الحقوق السياسية كحق الاقتراع.بعد أن كان ذلك قصرا على الرجال. وهكذا ،وبعد مرور ما يقرب من مائة وخمسين عاما ، استطاعت المرأة أن تنال تلك الحقوق والمكتسبات.وأصبح الاحتفال بيوم المرأة العالمي رمزا لذلك النضال والكفاح،وما واكبه من نجاحات. واحتفت المرأة لأول مرة بهذا الانجاز في الولايات المتحدة عام 1886 م، بينما لم يتم الاحتفاء به في أوروبا إلا في آذار عام 1913م.
ورغم أن تلك الحقوق والانجازات من مكتسبات المرأة في الغرب او في الحضارة الغربية شرقيها وغربيها،فإن الاحتفاء بالمناسبة اكتسب صفة عالمية ، وبقي هذا التاريخ رمزا لنضال المرأة .وذلك لما أحدثه من انعكاسات على واقع المرأة في العالم بأسره لا سيما في ظل العولمة والغاء الحدود والحواجز بين الشعوب والمجتمعات.وفضلا عن ذلك فقد أصبحت قضايا المرأة موضع اهتمام عالمي وعقدت العديد من المؤتمرات والاتفاقيات من أهمها : اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( 1979م)،والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1994م)،ومؤتمر بكين (1994م).وما تلاها من مؤتمرات وندوات تهتم بقضايا المرأة وتعالج المظالم التي تعرضت لها.
والمرأة في عالمنا العربي والإسلامي ليست بمنأى عن ذلك كله،بل إن وضعها في الوقت الحالي،قد يكون أشق وأصعب من وضع المرأة في الغرب،وذلك لأنها تعيش تحت واقع محمل بالتقاليد،وعالم يحيط بها يحمل كل مظاهر التهديد والاستلاب ،وثقافة إسلامية،تحمل قيما متقدمة ليس عن المرأة فحسب بل عن كل أوجه الحياة،ولكن تلك التعاليم غابت عن واقع الحياة ،أو شوهت كثيراً من مظاهرها.
وسنحاول فيما يلي ان نعرض لبعض الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة، وكيف يمكن أن تسهم تعاليم الإسلام في تقديم بعض الحلول للمشكلات التي تعانيها المرأة ليس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فحسب بل في العالم بأسره.لأن قضية المرأة لم تعد حكرا على مجتمع بعينه،و لا على أمة خاصة. كما نستعرض في المقالة الثانية ،بعض التحديات التي تواجهها المرأة المسلمة في

مكانة المرأة في الإسلام
إذا كانت الأسرة تمثل أساس المجتمع الاسلامي ،فإنَّ المرأة تعد الركن الأساسي في بناء الأسرة،ومن ثم اهتم الإسلام بشأنها ،وكفل لها من الحقوق والرعاية التي تمكنها من القيام بوظيفتها خير قيام،بل إنَّ الإسلام أحدث بتعاليمه الخاصة بالمرأة إنقلاباً في المفاهيم والأوضاع التي كانت عليها المرأة في المجتمعات السابقة للإسلام والمعاصرة لظهوره.وحتى يتبين ما أحدثه الإسلام من تغيير في أوضاع المرأة عموماَ لا بد من الاشارة بإيجاز إلى وضع المرأة في الحضارات الإنسانية السابقة للإسلام.

المرأة في الحضارات الإنسانية السابقة للإسلام
مر تاريخ المرأة قبل الإسلام بصور متقلبة يغلب عليها الاضطهاد، والتقليل من المكانة، وهضم الحقوق وانكارها.كما حدث ذلك عند كثير من الشعوب القديمة.فقد كانت المرأة في العالم القديم- على العموم- هملا لا يحسب له حساب .وكان العلماء في بعض الحضارات يتجادلون في طبيعة المرأة ،هل لها روح ؟ أم ليس لها روح؟ وهل ذات أصل إنساني أم حيواني؟ وما هو وضعها بالنسبة للرجل ؟ هل هو وضع الرقيق أم هو شيء أرفع من الرقيق بقليل؟ .فقد كانت المرأة في بعض المجتمعات تباع وتشترى وتورث مع الماشية وباقي التركة.وفي الهند كانت تعتبر المرأة تبعا لزوجها ومن ثم لا تترك للعيش بعد زوجها بل تحرق حية مع جثته.وقد ظلت تلك التقاليد المشينة تمارس في الهند إلى منتصف القرن العشرين.وكان فلاسفة الإغريق من اليونان وكذلك الرومان ،يرون في المرأة أداة للشهوة والمتعة ،وقد تهمل أحياناً بعد أداء دورها التقليدي من طعام وشراب وحمل وولادة. فقد حرمها فقهاء الرومان من التصرف في كافة المعاملات مثل: البيع والشراء ،واعتبروها في عداد الذين يحجر عليهم، بسبب طيش عقلها، وخفته كما يزعمون.ولم تجد المرأة الحماية حتى من الديانات السماوية كاليهودية والنصرانية.فقد كانت تلك الديانات التي دخلها التحريف، تعد المرأة مصدرا للشر، وأصل الغواية والانحراف .وحملت النصرانية المرأة كل المصائب التي حلت بالبشرية نتيجة الخطيئة الأولى،التي هبطت بالبشرية من الجنة إلى الأرض، كما يزعمون (انظر: المرأة بين الفقه والقانون ( مصطفى السباعي)،المكتب الإسلامي ،بيروت،طبعة ثالثة.د.ت. ص:13-20. حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية ( إبراهيم النجار) ص:2-29.)

المرأة العربية في الجاهلية:
كان للمرأة العربية حضور في حياة الجاهليين ،ولكن ذلك الحضور اقتصر على ميدانيّْ الشعر والحرب، إذ كانت المرأة مصدر إلهام للشعراء، كما كانت سبباً للحروب إذا ما تعرضت للسبي ،ومن ثم حظيت بتغني الشعراء بمفاتنها وحسنها،كما حظيت بحماية الرجل ودفاعه عن شرفها ،والثأر ممن يتعرض لها،ولكن ذلك الاهتمام من قبل الرجل كان نابعاً من ذاتية الرجل ،الذي أشبع رغبته بمدح جمال المرأة،ودافع عنها من منطلق أن التعرض للمرأة ،والنيل منها، تعرضاً لشرفه ونيلاً من مكانته.
فيما عدا هذه الحالات ،فقد عانت المرأة في الجاهلية من الظلم والاضطهاد وهضم الحقوق.وهناك الكثير من المظاهر التي تدل على أن المرأة كانت منتقصة في الحياة الاجتماعية عند الجاهليين:
1. قد كانت العرب تكره ولادة البنات ،و لا يحب أحدهم أن تولد له بنت،بل كانوا يتشاءمون من ولادتهن، كما أخبر القرآن الكريم:( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) النحل:58-59. ولذا شاع في بعض قبائل العرب وأد البنات حتى لا يكنَّ مصدرا للعار- كما كانوا يعتقدون- .وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، بقوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) التكوير:8-9.
2. لم يكن للمرأة حق الإرث بل كانت لدى بعض القبائل تورث كما يورث المال،وكان الولد الكبير يتزوج بزوجة أبيه إذا مات أبوه.
3. لم تكن حياة المرأة المتزوجة بأفضل من حياة غيرها،فقد شاع بين العرب قديما تعدد الزوجات بلا حدود وشاع بينهم زواج الاستبضاع أو نكاح الرهط،وكانت المرأة كالأسيرة عند زوجها، يطلقها متى شاء، ويمسكها متى شاء، بلا ضابط أو نظام أو شرع.

تكريم الإسلام للمرأة
جاء الإسلام والمرأة تعاني من سوء المعاملة داخل الجزيرة العربية وخارجها ،كما أشرنا ومن ثم عمل على تحرير المرأة،وانتشالها من ذلك الواقع الذي كانت تعاني منه.فرد لها إنسانيتها،وحفظ لها كرامتها،وأقر لها حقوقها،وقد تمثل تكريم الإسلام للمرأة فيما يلي:
1-بداية حارب الإسلام تلك المشاعر العدائية التي كان يكنها العربي للمرأة ودفعته للتشاؤم منها ،فأكد الإسلام على الأصل الواحد الذي ينتمي إليه الرجل والمرأة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) النساء 1. وأكد الرسول r ذلك بقوله :"إنما النساء شقائق الرجال).( رواه أحمد في مسنده.مجلد:43 ص:265،حديث رقم ( 26195).
2-كماحارب الإسلام وأد البنات، قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) التكوير:8-9 ،ونهى عن قتل الأبناء بسبب الفقر،أو بسبب الخشية منه : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً ) الإسراء:31. وبشر الرسولr بالجنة من يحسن العناية بابنته فقال: " من كانت له بنت فأدبها وأحسن أدبها،وعلمها فأحسن تعليمها،وأسبغ عليها من نعم الله ما أسبغ عليه،كانت له ستراَ أو حجابا من النار. (" انظر:الجامع لأحكام القرآن ج 10 /105).وفي حديث آخر قالr: ( من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان،فأحسن صحبتهنَّ ،واتقى الله فيهنَّ، فله الجنَّة". (الترمذي،كتاب البر والصلة،باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات،رقم:1916.).
3- دفع الإسلام عن المرأة اللعنة التي ألصقها بها رجالات الديانات السابقة للإسلام ،وزعمهم أنَّها سبب خطيئة آدم وخروجه من الجنَّة،فأكد القرآن أنَّ الوسوسة كانت من الشيطان،وأنَّ آدم وحواء ًاكلا من الشجرة معاً،ومن ثم يتحملان الخطيئة معاً،وأنهما تابا إلى الله فتاب الله عليهما، وانتهى الأمر بهبوط الجميع إلى الأرض آدم وحواء وإبليس .
4-أكد الإسلام عموم رسالته للناس جميعاَ على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ، ولم تقم شريعته وزناً للذكورة والأنوثة في الحقوق الإنسانية العامة ،بل جعلت ميزان الكرامة التقوى والعمل الصالح .قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات: 13.
5- توجه خطاب الإسلام للناس جميعاً رجالاً ونساءً . واهتم - في تعامله- بالرجل والمرأة على السواء،. ولم تميز تعاليم الإسلام بين الرجال والنساء اللَّهم إلا في بعض التكاليف التي استثنيت المرأة منها ،كالجهاد وعدم المسؤولية في الانفاق على البيت أو بعض المسؤليات الأخرى .
أما فيما عدا ذلك فإنَّ المرأة أخذت مكانها في الإسلام إلى جانب الرجل ،مساوية له في الحقوق والواجبات،والتكاليف والمسؤليات ،فالمرأة مكلفة كالرجل ، ومطالبة بعبادة الله تعالى،واقامة دينه وأداء فرائضه،واجتناب محارمه،والوقوف عند حدوده ،والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..) آل عمران: 195،ويقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) التوبة:71،ويقول سبحانه وتعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) النحل:97.
والمؤمنة كالمؤمن سواء في ضرورة الاستجابة لكل ما أمر الله به أو أمر به رسوله r ،بحيث لا يجوز لأي منهما أن يخالف هذا الأمر و لا أن يضيق به .قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) الأحزاب:36.
ونجد في تاريخ المسلمين استقلال المرأة في مجال التلقي والاستجابة والعمل،فقد بايعت المرأة الرسول ،كما بايعه الرجال، وجاهدت كما جاهدوا ،وهاجرت كما هاجروا،وتعلمت وعلمت كما فعلوا.بل هناك من الشواهد ما يدل على أنَّ المرأة المسلمة سبقت زوجها وأباها إلى الإسلام ،كأم الفضل التي سبقت العباس –رضي الله عنهما –في الإسلام ،وأم حبيبة التي سبقت أباها-أبا سفيان- في الإسلام.
وهكذا نجد أنَّ الإسلام أنقذ المرأة العربية من حالة الاضطهاد التي كانت تعيش فيها ،وكرمها ورفع من مكانتها في كافة المجالات:الإنسانية والاجتماعية والحقوقية.
ففي المجال الإنساني أقر الإسلام بمكانة المرأة وجعلها مساوية تماما لمكانة الرجل ،ولم يجعل للرجل ميزة خاصة به من حيث الخلق أو الطبيعة،ولكل منهما طبيعة ملائمة لمسؤلياته التي انيطت به.
وفي المجال الاجتماعي أكرم الإسلام المرأة ،بل حض على مزيد من إكرامها والرفق بها سواء في طفولتها أوشبابها أو كهولتها،فهي معززة مكرمة في بيت أبيها،ثم هي سيدة محترمة في بيت زوجها،ثم هي سيدة جليلة القدر في بيت إبنها،يجد ريح الجنة تحت أقدامها.
أما في مجال الحقوق فقد جعل الإسلام للمرأة حقوقاَ اجتماعية واقتصادية وسياسية تمثلت فيما يلي:
أولاَّ: الحقوق الاجتماعية للمرأة
1-التعليم: التعليم يمثل فريضة من الفرائض العينية في الإسلام ،فالعقيدة تنبني- كما ذكرنا- على العلم،وأداء العبادات والشعائر لا بد فيه من المعرفة باحكام الشريعة،وما دامت المرأة مخاطبة بفرائض الدين وشرائعه فلا بد أن تتعلم أمور دينها ،وما يلزم لأداء شعائرها.
وقد كانت النساء في عهد الرسول  حريصات على التعليم، بل على مزاحمة الرجال في ذلك كما تشهد العديد من الأحاديث. وكانت النساء في ذلك العهد يحضرن المساجد ويستمعن لخطبة الرسول 
وخلال مسيرتها التاريخية برزت بين المسلمات نماذج فاضلة كانت لهنَّ مساهمات مقدرة في شتى فروع المعرفة والعلم. ويكفي أن نشير إلى المسلمات الأوائل اللائي نهلنَّ من نبع النبوة فظهرت من بينهنَّ النوابغ في مختلف العلوم، مثل: عائشة رضي الله عنها ،التي كان يلجأ إليها كبار الصحابة يسألونها عن أدق أمور دينهم ،فضلاَ عن روايتها وحفظها للشعر ،وقراءتها للقرآن الكريم، وعلمها به.كما كانت كريمة بنت أحمد المروزية إحدى راويات صحيح البخاري!! ونسخها إحدى النسخ التي نوَّه بها الحافظ بن حجر العسقلاني،في فتح الباري.
2 حق العمل:
لم يكن عمل المرأة يمثل مشكلة بالنسبة للمسلمين.فالمرأة بحكم طبيعتها، تهتم بالعمل المرتبط بوظيفتها الأنثوية من حمل ورضاع وحضانة وتربية،ومدار ذلك كله داخل بيتها ومحيطه. ومن ثم اهتم الإسلام بوظيفة المرأة المتعلقة بزوجها وأسرتها وتربية أبنائها.وإنْ إضطُرَتْ للخروج من بيتها لمباشرة أعمال خارج هذا الاطار من بيع وشراء ،أو عمل عبادي أو علمي، لم تجد من الإسلام عائقاً دون ذلك أو مانعاً ما دام ذلك لا يؤثر في وظيفتها الأساسية .وتشير بعض النصوص الشرعية إلى أنَّ بعض الصحابيات،مع اهتمامهن بشؤون أسرهنَّ،عملن في مجال الزراعة ا(نظر: مسلم كتاب المساقاة باب فضل الغرس والزرع. حديث رقم:1553.)،والرعي، (انظر: البخاري –كتاب الذبائح والصيد،حديث رقم:5505. ) و نسج الملابس،كما ثبت أنَّ النساء كن يخرجن بإذن الرسول  مع الجيش لخدمة الرجال ،وتمريض الجرحى والقيام بأعمال الاسعاف.
3-العلاقات الاجتماعية:
المرأة المسلمة مكون أساسي من مكونات المجتمع،و لا يمكن للمجتمع المسلم أن يقوم بوظائفة إلا إذا قام كل بدوره المنوط به.ومن هنا كان حرص الإسلام على مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية وفق الضوابط الشرعية.
وقد أسهمت المرأة المسلمة ،وشاركت مشاركة فاعلة في الحياة الإسلامية بصورها المختلفة، فكانت تشهد النشاطات الدينية مثل: صلاة الجمعة ، وصلاة العيدين ،كما شاركت من خلال المسجد في الصلاة على أموات المسلمين ، كما كانت المرأة تشهد حلقات العلم والوعظ ،وتشارك الرجال في ذلك . ولم تتخلف المرأة المسلمة عن المشاركة في كل المناسبات الدينية والاجتماعية من المآتم والأعراس،وعيادة المرضى وغيرها .
وقامت المرأة المسلمة بدور مهم مع الرجل لا سيما في الحروب: فقد كانت المرأة تواسي المرضى، وتسعف الجرحى، وتسقي العطشى، وتراقب الأسرى،وتعد الطعام للجند، وتثير حماس المقاتلين، وترفع من الروح المعنوية لهم،بل شارك بعض النسوة في القتال كما فعلت أسماء بنت المري التي كانت تتلقى السهام بصدرها في غزوة أحد لتحمي الرسولr، وسقطت مضرجة بدمائها، وخولة بنت الأزور التي قاتلت الروم في معركة أجنادين،وصرعت عدداَ منهم،وأم عمارة التي قاتلت المرتدين في حروب الردة ،وأصيبت باثنتي عشرة إصابة في جسدها،كما شهدت مع المسلمين بيعة العقبة الثانية،وشاركت مع زوجها زيد بن عاصم في غزوة أحد.وكانت أسماء بنت أبي بكر تقاتل جنبا إلى جنب مع زوجها الزبير بن العوام.
وهكذا سجلت المرأة المسلمة صفحات مشرقة في التاريخ وشهدت غزوات الدعوة في بدر وأحد وتبوك والخندق والقادسية واليرموك وحطين وغيرها،بطولات ومآثر للمرأة المسلمة،خلدها التاريخ.هذا فضلا عن حضورها البارز في كل المناسبات التي تمر بالمجتمع المسلم.

ثانياً: الحقوق المالية
كفل الإسلام للمرأة كافة الحقوق المالية، لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل. ووضع الأسس التالية التي تكفل لها تلك الحقوق:
1. ليس هناك فرق بين الرجل والمرأة في مصادر كسب المال و لا في طرق انفاقه بل يستوي الرجل والمرأة في ذلك ضمن الضوابط الشرعية لذلك بأن يكون مصدر المال حلالا ،وانفاقه في أمر مشروع ،و عدم الاسراف والتبذير في الانفاق،.فكسب المال وانفاقه حق للرجل والمرأة على السواء ما دام ذلك الكسب والانفاق يجري وفقاً لضزابط الشريعة الإسلامية.
2. تميز الإسلام عن الشرائع الوضعية بأن جعل للمرأة ذمة مالية مستقلة عن زوجها ،فلها حق مباشرة أعمالها المالية ومباشرة كافة العقود والتصرفات، كالبيع والشراء، وممارسة التجارة والاجارة والمضاربة والشراكة وكافة المعاملات المالية.
3. جعل الإسلام المرأة صاحبة الحق المطلق في مالها، فليس لأحد من الرجال أن يتدخل أو يمنعها أو يحجر عليها.
4. حث الإسلام المرأة كما حث الرجل على الانفاق في مواطن الخير والمصلحة فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) البقرة:267 . فمن حق المرأة ان تتصرف بأموالها على سبيل المعاملات المالية السابقة أو على سبيل التبرع والتصدق .وقد أثنى الله على المسلمين رجالاً ونساءً،بقوله تعالى: (وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ) إلى قوله تعالى:( أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) الأحزاب:35.

ثالثاَ: الحقوق السياسية
الشأن السياسي من الشؤون العامة التي ينبغي على أفراد المجتمع المسلم، رجالاً ونساءً الاهتمام به، ولكن مجالات العمل السياسي متنوعة ومتعددة ،لا سيما في هذا الزمان الذي اتخذ فيه النشاط السياسي وجوهاً عدة: نيابية وشورية وتنفيذية وقضائية وغيرها من الأوجه.ولذلك أصبح عمل المرأة في مجال السياسة لازماً،ومتاحا للمرأة ما دامت لديها الرغبة والاستعداد لذلك.
حق المرأة في الانتخاب: احتج من أجاز مشاركة المرأة في الانتخابات،بأنَّ الانتخاب عبارة عن توكيل ،يوكل الشخص من يتكلم باسمه أو يدافع عن حقوقه ،والمرأة المسلمة ليست ممنوعة من أن توكل انساناً بالدفاع عن حقوقها ،والتعبير عن ارادتها كمواطنة في المجتمع. على أن تتقيد في ممارسة هذا الحق بالآداب الإسلامية في الزي، وعدم الاختلاط، وعدم،التبرج.
حق المرأة في النيابة :أما حق المرأة في النيابة فقد قال من أجازوه، بأنَّ النيابة تتضمن القيام بأمرين:مراقبة السلطة التنفيذية في تصرفاتها وأعمالها،والمشاركة في تشريع القوانين والأنظمة .
أما التشريع، فليس في الإسلام ما يمنع أن تكون المرأة مشرعة،لأنَّ التشريع يحتاج قبل كل شيء إلى العلم، مع معرفة حاجات المجتمع وضروراته التي لا بد منها.والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء،والاجتهاد في الشريعة الإسلامية باب مفتوح للرجال والنساء،ولم يقل أحد من الأصوليين أن من شرط الاجتهاد الذكورة،أو أن المرأة ممنوعة من الاجتهاد،بل إنَّ هناك أموراً خاصة بالمرأة وبالأسرة وعلاقاتها ،تقتضي أن يؤخذ فيها رأي المرأة نفسها دون الرجال،وعلى كل ففي تاريخ الإسلام برز كثير من العالمات في الحديث والفقه والأدب وغير ذلك . فقد كانت أم المؤمنين عائشة من مجتهدات الصحابة،ومن المفتيات بينهن،ولها مناقشات واستدراكات على علماء الصحابة،جمعت في كتب معروفة مثل كتاب الامام الزركشي( الاصابة لاستدراكات عائشة على الصحابة) ( انظر: فتاوى معاصرة ( يوسف القرضاوي) ج 2 ص:380-381.)
وأما مراقبة السلطة التنفيذية، فلا يعدو من أن يكون أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر،والرجل والمرأة في ذلك سواء في نظر الإسلام ،يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) التوبة:71.فمن حق المرأة أن تنصح وتشير بما تراه صواباً من الرأي، وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ،وتقول هذا صواب وهذا خطأ بصفتها الفردية.و لا يوجد دليل شرعي يمنع عضويتها في مجلس يقوم بهذه المهمة. وعلى هذا فليس في نصوص الإسلام الصريحة ما يسلب المرأة أهليتها للعمل النيابي كتشريع ومراقبة.( المرأة بين الفقه والقانون ( مصطفى السباعي) ص:156.)
الأساس الشرعي لمشاركة المرأة في العمل السياسي النيابي والشوري:
هناك العديد من النصوص والأحداث التي يمكن أن يستنبط منها جواز مشاركة المرأة في العمل السياسي بوجهيه النيابي والانتخابي،ومن ذلك ما يلي:
1. العلاقة بين أفراد المجتمع رجالا ونساء علاقة ولاء ونصح وعمل للصالح العام ،كما يدل على ذلك قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة: 71. وتنفيذاً لهذا الواجب، وإقراراً بالحق الذي منحه الله سبحانه وتعالى للمرأة ،يمكن أن تشارك المرأة في الحياة السياسية ،فتعمل في المجالس النيابية أو التشريعة.وتلي بدلوها في النصح والعمل للصالح العام.
2. من ناحية عملية شاركت المرأة المسلمة في عهد النبي  في بعض جوانب الحياة السياسية ،فبايعت النبي ،كما بايعه الرجال فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الممتحنة: 12.الأمر الذي يدل على حق المرأة في البيعة وأن تنتخب من يمثلها أو ينوب عنها ،ولها أن تباشر هذا الأمر بنفسها،كما لها أن توكل عنها أو تنيب من يقوم بالبيعة كأبيها أو أخيها أو زوجها.وفي مبايعة النساء للنبي  عدة دلالات:
الدلالة الأولى: استقلال شخصية المرأة وأنها ليست مجرد تابع للرجل بل هي تبايع كما يبايع الرجل.
الدلالة الثانية: بيعة النساء ،هي بيعة الإسلام والطاعة لرسول الله  ،وهذه يستوي فيها الرجال والنساء . وقد كان الرجال يبايعون رسول الله  أحياناَ وفق بيعة النساء كما حدث في بيعة العقبة الأولى.
الدلالة الثالثة: مبايعة النساء لرسول الله  تقوم على أساسين ديني وسياسي. الأول:اعتبار الرسول  المبلغ عن الله،والثاني:اعتباره  إماماَ للمسلمين. ومما يؤكد وجود الاعتبار الثاني قوله تعالى: ( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ).
3. كانت المرأة تشارك في اعطاء الرأي والمشورة،في المسائل العامة للمسلمين.فقد أشارت أم سلمة رضي الله عنها على الرسول  ،في صلح الحديبية مشورة أنهت تأخر الصحابة في الاستجابة لأمر الرسول . فعن المسور بن مخرمة قال: فلما فرغ من قضية الكتاب –في صلح الحديبية-قال رسول الله لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا"،قال:فو الله ما قام منهم رجل،حتى قال ذلك ثلاث مرات ،فلما لم يقم منهم أحد دخل عل أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس،فقالت أم سلمة،يا نبي الله ،وتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك،نحر بدنه،ودعا حالقه فحلقه.فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً،حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً. (البخاري ، كتاب الشروط،باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط ،رقم ( 2731-2732).). فاذا كان النبي  وهو الموحى له من عند الله ،يأخذ برأي زوجته-أم سلمه-فإنَّ غيره أولى بأخذ المشورة سواء أتت من رجل أو امرأة.
لا نجد فيما صح من حديث رسول الله  وسنته ما يدل، صراحة أو إشارة، على أن المرأة لا حق لها في الشورى،ولم نجد أنه  تعمد أن يتجنب مشاورة النساء في بعض مما قد يشاور في الرجال. المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني ( محمد سعيد رمضان البوطي) ص:75).

تولي المرأة المسؤليات السياسية العامة:
إن الأدلة السابقة تدل على جواز مشاركة المرأة في المجالس النيابية والتشريعية، ومساهمتها في الانتخابات العامة.ولكن يبقي الاشكال حول مشاركة المرأة في المسؤليات السياسية المتعلقة بالولايات العليا أو الدنيا.كالولاية العظمى ،والقضاء، والسلطات التنفيذية.
الولاية العظمى: قد ذهب معظم الفقهاء المعاصرين، إلى عدم جواز ولاية المرأة رئاسة الدولة وادعى بعضهم الاجماع على ذلك يقول أحد هؤلاء الفقهاء: "قد اتفق سلف الأمة وخلفها، على أنَّه لا يجوز للمرأة أن تلي رئاسة الدولةالإسلامية.وقد استند أصحاب هذا الموقف إلى آية القوامة، وحديث الرسول في تولية الفرس ابنة كسرى، وقوله: " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة "( البخاري،كتاب الفتن ،الباب 18،رقم ( 7099).). فالرسول  قال هذا القول عندما سمع أنَّ الفرس ملكوا ابنة كسرى،مما يدل على أنَّ مفهوم المنع الذي جاء في الحديث إنما ينصب على الولاية العامة. كم أنَّ الرجال مقدمون على النساء،والرجل أقدر من المرأة وأكفأ ،وهو مقدم عليها.وإجازة تولي المرأة الرئاسة العامة للدولة تقديم للمرأة على الرجل وقد أخرها الله عنه.والآية(آية القوامة)، وإن نزلت بخصوص القوامة في الأسرة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،فتبقى الحجة قائمة في الآية.فإذا كانت المرأة أقل كفاءة من الرجل في إدارة شئون أسرة مكونة من عدة أفراد لا يتجاوزون غالباً عشرة، فمن باب أولى أن تكون أقل منه كفاءة وقدرة في شئون المسلمين ،فلا تقدم عليه. والإمام يقوم بإمامة الصلاة بالاضافة إلى تدبير شؤونهم ،والمرأة عاجزة عن ذلك شرعاَ،أي إنَّ الشرع لا يبيح لها أن تصلي بالرجل ،فإمامتها باطلة وصلاتها باطلة وصلاة من ائتم بها باطلة.والرجل أقوى عقلاَ وأثبت جناناً،وأعدل نظرةَ وأشد حزماَ من المرأة، فهي تتمتع بعاطفة جياشة،تأخذ عليها كل مأخذ إذا ما انفعلت في حزن أو فرح أو غضب. (النظام السياسي في الإسلام ( محمد عبد القادر فارس) ص:182-184.)
وفضلاً عن ذلك فإنَّ طبيعة المرأة وما يعتريها من أحوال بسبب أُنوثتها المعتبرة المقدرة ،من حيض وحمل وولادة وارضاع،وفي كل هذه الأحوال يعتريها من الظروف ما يؤثر على حياتها وسلوكها وتصرفاتها في أبسط شؤون بيتها، فضلاً عن شؤون إدارة دولة ومسؤليات أمة."( )
وفي مقابل هذا الرأي، يذهب آخرون، إلى أنَّه يجوز للمرأة أن تلي كل الولايات العامة بما فيها رئاسة الدولة، ومن بين هؤلاء حسن الترابي الذي يقول:" والحق إنَّ الذكورة ليست شرطاً شرعياً في ولاية الإمارة العامة،وإنما هي عامل تقدير لشورى العامة، قد يرجح الذكور في غالب جولات تعاقب الولاية،إذا تساوت موازين أهلياتهم الأخرى مع النساء،لأنهم أفرغ للهم العام وأوقع حزماً بين الناس.لكن ربما تنصلح وتنعدل ثقافة المجتمع ويأتي حين يقدم الجمهور إمرأة للولاية،لأنها تتزكى بعلم أبلغ وأمانة أتقى في السياسة والحكم بين الذكور المعروضين معها،أو لأنها بأنوثتها خاصة مندوبة أنسب للظروف وأدعى لمعادلة السياسات وموازنتها رحمة ورأفة بالرعية،وبما فضل الله به النساء على الرجال كما فضلهم ليناسبوا ظروفا أخرى."( السياسة والحكم،النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع ( حسن الترابي) دار الساقي لندن ط.أولى 2003م ص:287-288.)
ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنَّ الحديث ليس حجة في هذا المقام،وإنَّما قصد منه تعليل فساد الفرس،ونبوءة تشير إلى أنَّ أمرهم آيل إلى زوال.لا لأنهم ولوا إمرأة وإنما لقيام حكمهم على العصبية العرقية والتميز السلالي،لا الكفاءة والحكمة.ويستدل على عدم تمييز الأسلام بين المرأة والرجل في الولاية العامة ما حكاه القرآن بصيغة الرضا والثناء ،على ملكة سبأ،وهي إمرأة مشركة،ولكنها كانت حاكمة عادلة حكيمة،يقوم نظام حكمها على الشورى والعدل،لذلك استجابت لدعوة سليمان عليه السلام، وأسلمت لله رب العالمين.( المرجع نفسه ص:286-287.)
القضاء: إنَّ تولي المرأة القضاء موضع خلاف بين الفقهاء:
1-فقد ذهب الأحناف إلى جواز تولية المرأة القضاء فيما عدا الحدود والقصاص:فقالوا:إن المرأة من أهل الشهادة ،وما دامت من أهل الشهادة فهي من أهل القضاء،والقاعدة عند الأحناف أنَّ كل من صلح شاهداً يصلح قاضياً.وذهب محمد بن الحسن من الأحناف إلى جواز توليها الحدود والقصاص.
.2:- الرأي الثاني فقد ذهب كل من الحسن البصري، وابن القاسم، واين جرير الطبري، وابن حزم، إلى عدم اشتراط الذكورة ،وجواز تولية المرأة القضاء مطلقاً،وأن الذكورة ليست شرطاً لتولي القضاء،واستند أصحاب هذا الرأي إلى عدة قرائن من بينها:
أ‌) أن المرأة يجوز أن تكون مفتية،فتجوز أن تكون قاضية فيما تفتي فيه.
ب‌) قول الرسول :" المرأة راعية في مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها" وهذا ما استند إليه ابن حزم.
ج) ما روي عن عمر  أنَّه ولى الشفاء بنت عبد الله أمر السوق،تحل الحلال وتحرم الحرام ،وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.ويذكر ابن القيم في الطرق الحكمية أن من فقهاء السلف من أجاز شهادة المرأة في الحدود والقصاص.
3-الرأي الثالث: ذهب جمهور الفقهاء الذين اشترطوا الذكورة إلى منع المرأة من تولية القضاء،وإذا ما وليت المرأة القضاء يكون موليها آثماَ،ويصبح قضاؤها باطلاَ. وقد استندوا أيضا الى آية القوامة،وحديث تولية الفرس ابنة كسرى وكلا النصين موضع خلاف بين الفقهاء في الفهم ووجه الدلالة، فدعوى الاجماع على هذا الأمر موضع نظر. وإذا كان تولي المرأة القضاء في الأمور المالية ،والحدود والقصاص موضع خلاف بين الفقهاء لعدم قبول شهادتها فيها منفردة ،فإنه في الأمور المتعلقة بخصوصيات النساء والتي لا يطلع عليها إلا هنَّ وتقبل شهادة المرأة فيها وحدها،فلا خلاف في جواز تولي المرأة القضاء فيها. (انظر: حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية (إبراهيم النجار) ص:316).
وفيما عدا الولاية العظمى والقضاء ، فإن للمرأة أن تلي ولاية الفتوى أو الاجتهاد،أو التعليم أو الرواية والتحديث أو الادارة ونحوها.فهذا كله لا يدخل في الولاية العامة ،ومن ثم فإنَّ للمرأة أن تتولاه. كما يمكن للمرأة أن تتولى الوزارة،ما دامت مؤهلة لهذه الولايات. وليس هناك من الشرع ما يحول بينها وبين ذلك.ومما ييسر الأمر للنساء أنَّ مثل هذه المسؤليات، في هذا الزمان، أصبحت مسؤليات جماعية والولاية مشتركة،تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة.والمرأة إنَّما تحمل جزءاً منها مع من يحملها،سواء كانت وزيرة أو مديرة .وقد أثبتت كثير من النساء جدارة وكفاءة في هذه المجالات.
ويرد الدكتور يوسف القرضاوي على المعارضين تولي المرأة الولايات النيابية والتشريعية، بحجة العوارض الطبيعية التي تعرض للمرأة، بأنَّ هذا صحيح. وليست كل إمراة صالحة للقيام بعبء النيابة،فالمرأة المشغولة بالأمومة ومتطلباتها لن تخرج بنفسها في معترك الترشيح لهذه المهام،ولو فعلت لكان على الرجال أن يقولوا لها :لا ،أطفالك أولى بك.
ولكنَّ المرأة التي لم ترزق بأبناء وعندها فضل قوة ووقت وعلم وذكاء ولم تعرض لها العوارض الطبيعية،أو زوجت أبناءها وبناتها وبلغت من النضج سناَ وتجربة ما بلغت وعندها من الفراغ ما يمكن أن تشغله في عمل عام.فما الذي يمنع من انتخاب مثلها في مجلس نياب،ي إذا توافرت فيها الشروط الأخرى التي يجب أن تتوفر في كل مرشح، رجلاً كان أو إمرأة( انظر: " مشاركة المرأة في العمل السياسي جدل لا يتوقف"" الدين للحياة" الملحق الاسبوعي لجريدة الخليج الإماراتية،عدد:9049 الجمعة:7 محرم 1425/27 فبراير 2004 ص:6.) كما يؤكد أنَّه، في كل هذه المشاركات النيابية أو الانتخابية أو الادارية، يطلب من المرأة تجنب الاختلاط بالرجال الأجانب عنها،بلا حدود و لا قيود.كما لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب زوجها وبيتها وأولادها.أو تخرج عن أدب الاحتشام في اللباس والمشي والحركة والكلام. بل كل ذلك يجب أن يراعى بلا ريب و لا نزاع من أحد ،وهذا مطلوب من المرأة في مجلس الشعب،والمرأة في مجلس الجامعة،والمرأة في مجلس الكلية،والمرأة في عملها ،خارج البيت أياً كان هذا العمل. ( من هدي الإسلام،فتاوى فقهية معاصرة ج 2 ص:382.).
وإلى مثل هذا الرأي يذهب الدكتور محمد عبد الله دراز فيقول: " إنَّ القرآن يقرر مشاركة الرجل والمرأة في كيان الدولة والمجتمع سواء بسواء،عدا بعض استثناءات قليلة متصلة بخصوصيتها الجنسية،ويجعل لها الحق مثله في النشاط الاجتماعي والسياسي بمختلف أشكاله وأنواعه،ومن جملة ذلك الحياة النيابية وغير النيابية مما يتصل بتمثيل طبقات الشعب ،ووضع النظم والقوانين،والاشراف على الشؤون العامة والجهود والدعوات والتنظيمات الوطنية والكفاحية والاجتماعية والاصلاحية.

يتبع
ا.د. احمد محمد احمد الجلي
ahmedm.algali@gmail.com

 

آراء