حكاية هارون والصمغ والحلو
الانتخابات التي ستجري في جنوب كردفان مباراة ستكون غاية في الروعة. إذ إن الملعب نظيف. ليست هناك شكوى من عدم وجود حريات للتعبير، فالكل يعبر بحرية الآن. الميادين والإستادات فاضت بالآلاف، فنافع وكمال عبيد يحشدان الناس ضحى لهارون، ومن الجهة الأخرى يخطب الحلو وجميس واني في ساحة الإستاد. لا حجر على أحد. ليس هناك أي نزاع حول السجل الانتخابي، فلقد تم إعادة السجل، واتفق الجميع على سجل نظيف، فليس ثمة تزوير به الآن. المرشحان أحمد هارون والحلو يمارسان اللعب النظيف التزاما بقواعد الأخوة والنزاهة التي عاشا تجربتها الثرة سويا وعملا لما ينفع أهلهما هناك. ليس ثمة غبينة بينهما. اللاعبان حريفان ولهما تاريخ في الساحة السياسية مشهود. حتى الآن يحرص الطرفان أن يكون الفيصل بينهما هو صندوق الاقتراع تحت رقابة منظمات المجتمع المحلي والدولي والإقليمي إمعانا في الشفافية. كل ذلك لا بد أن يقود لنتيجة مقبولة من كلا الطرفين مهما كانت، إذ لا يمكن بعد كل هذه التهيئة السليمة للممارسة الديموقراطية أن يدعي طرف ما أن تزويرا قد تم بحضوره وأمام الشهود. ننتظر مباراة عادلة ونظيفة ومعترف بنتائجها، هذه هي الروح الديموقراطية السمحة التي نأمل أن تستود بين أهلنا في جنوب كردفان.
الهشاب... سال من شجرها الذهب!!
عبد الماجد عبد القادر من أروع الكتاب الصحفيين، فلقلمه حيوية بالغة وله خبرات ثرة ينثرها في عموده المقروء ذي النكهة المميزة ( ثالثة الأثافي) في الغراء الوطن (شآبيب الرحمة على قبر مؤسسها أستاذنا سيد أحمد خليفة). تتوافر لعبد الماجد معلومات لا تتوافر لكثير من كتاب الأعمدة المظلمة، الذين ما استندوا إلى عمود حتى كشفوا جهالاتهم على العالمين. في حوار مع عبد الماجد أمس الأول قال إن الصمغ بلا عمالة، إذ هجر العمال ( الطق) وذهبوا للتنقيب عن الذهب في الصحارى. انتابنتي حيرة، إذ توافرت لي معرفة عملية بطبيعة العمل في مناطق الصمغ التي هي شديدة البأس ولا يقدر على التكيف معها إلا الرجال ذوو العزم. الصمغ الآن يمثل أحد أهم صادرتنا غير البترولية، فإذا ترك في أشجاره فإن خسارة كبرى ستلحق بالاقتصاد السوداني خاصة بعد ظهور منافسين في الساحة الدولية ومن بعض الدول التي تهرب وتصدر صمغنا وتنافسنا به في الأسواق العالمية. الصمغ مضمون ويرفد الموازنة بقرابة المائة مليون دولار في أدنى مستوياته، هو سلعة لنا فيها ميزة تفضيلية. صيحة الأستاذ عبد الماجد مزعجة ولا بد أن تجد من يصغي إليها. لدي فكرة، لماذا لا تدفع الدولة بخريجيها العطالى الذين احتارت في أمرهم إلى هذا القطاع الحيوي، فبدلا من تمويلهم لإنشاء مشاريع صغيرة (مجهجة) تدفعهم لطق الصمغ. لو أننا دربنا ألفي خريج على طرائق (الطق) وهيأنا لهم مخيمات مناسبة في مناطق الهشاب سنكون قد اصطدنا أكثر من عصفور (بكعكول) واحد!!. فمن ناحية سيتم الاستفادة من طاقاتهم المهدرة في عمل نافع ومضمون يوفر لهم مورد رزق ذا عائد مجزٍ. ومن ناحية أخرى تكون الدولة قد حافظت على دخلها من العملات الصعبة التي يمكن أن تهدر حال ظلت الأصماغ في أشجارها. ومن ناحية ثالثة ترتاح الدولة من هم تشغيل الخريجين العطالى. على العموم هذا ما أرى وعلى الحكومة أن تتدبر أمرها، فلا تفرح بإيراد (ذهب) في علم الغيب وتترك صمغ (طق ايد).
مصيبتنا في نيابتنا!!
نيابة الصحافة نيابة عجيبة. كل النيابات لها أنياب على الآخرين إلا نيابتنا فأنيابها علينا، فلا ترد عنا شكوى ولا تخفف عنا حيثياتها كأنها تحاول أن تقضي علينا.
نيابة الضرائب ونيابة المصارف ونيابة الاتصالات ونيابة والنفايات... واحسب كما تحب من نيابات تنهش في جسد المواطن المسكين... إلا نيابتنا تنهش في أجسادنا نحن. النيابات تنحاز إلى أصحابها في المرافق و المصارف فتخلص لهم حقوقهم بالترهيب على دائر مليم وترد إليهم أموالهم المنهوبة وحقوقهم الضائعة، إلا نيابتنا فهي علينا وليست لنا. إمعانا في تعذيبنا أنشأت الحكومة نيابة خاصة بالصحافة، ليست للدفاع عنا أو درء الاتهامات العجيبة ضدنا، إنما للتحقيق معنا ومن ثم إرسالنا للقضاء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. لمن تشكو الصحافة بؤسها وظلمها؟، حتى نيابتنا تغرز أنيابها في جسدنا فما بالك بالآخرين!. اللهم إن لم يكن بك غضب على الصحافة السودانية فلا نبالي!!.