حلايب والمزايدات السياسية (1)
جمال عنقرة
14 January, 2014
14 January, 2014
المقال الذي كتبته عن قضية حلايب التي تثار هذه الأيام ونشرته أمس الأول الأحد في صحيفتنا (الوطن) وأعدته في عدد الأمس الاثنين، نسبة لعدم وصول عدد الأحد إلي الولايات، كشف لي حجم التوتر الذي خلقته هذه الأزمة في السودان ومصر معاً، فلقد نشرت مواقع أسفيرية عدى هذا المقال، وأكثرها من المواقع المهتمة بالشأن السوداني أو المصري، أو الاثنين علي السواء، فوجدت ردود فعل ومداخلات عديدة ومتباينة من مصريين وسودانيين، ورغم أني وجدت كثيرين يشيدون بالموضوعية التي تناولت بها القضية، إلا أن الغريب في الأمر أن آخرين كثر، مصريين وسودانيين لم يعجبهم ما كتبت، واتفق أثرهم علي رفض الفقرة التي أوردتها في المقال وتقول، (أراه طبيعياً ألا يقول أي سوداني بمصرية حلايب، وألا يقول مصري بسودانية حلايب، وبالتالي لم أنزعج من قول بعض المصريين بمصرية حلايب، ولا ينبغي للمصريين بالانزعاج من قول السودانيين بسودانية حلايب، فالقضية معلقة، وتحتاج إلي حسم، وكل المطلوب أن تكون التسوية في إطار الإخاء التاريخي والمصالح المشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين، وبدون تشنج أو انفعال، وهذا ما يجب أن نسعي له، كما فعل السابقون، وليتهم واصلوا بحث الأزمة بعد أن تجاوزت إطارها الزماني، ولو فعلنا ذلك بعد الفراغ من الاستفتاء علي الدستور المصري، وقبل الانتخابات السودانية القادمة في العام 2015م يكون ذلك أفضل)
وقد أجد العذر لهؤلاء إن جاء قولي هذا مبتوراً، دون ربطه بتاريخ الأزمة، لكنني ذكرت قصة اشتعال الأزمة أول مرة في عام 1958م حينما كان يتولي السيد عبد الله خليل رئاسة مجلس الوزراء في السودان عن حزب الأمة، وكان يحكم مصر الزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر، فلما طلبت الحكومة المصرية في مطلع العام 1958م من الحكومة السودانية تسليمها منطقة حلايب وشلاتين لإجراء الانتخابات فيها، رد عليهم رئيس الوزراء السيد عبد الله خليل بأن هذه المنطقة سودانية ولم تنازع مصر فيها من قبل، ولكنه مع ذلك لم يغلق باب الحوار علي هذا، فقال لهم، ( إنالوقت المتبقي لإقامة الانتخابات المصرية غير كافٍ لحسم موضوع مثل هذا) ، واقترح إرجاء مناقشته إلى مابعد الانتخابات حرصاً على العلاقة الوديّة بين البلدين.
ولما لم تستجب مصر لنداء السيد عبد الله خليل، وأرسلت لجان الانتخابات إلي المنطقة، ومعهم وحدات من حرس الحدود المصري، اجتمع مجلس الوزراء السوداني واتخذ الخطوات التالية:
أ- أن يتصل رئيس الوزراء السوداني بالرئيس المصري جمال عبدالناصر هاتفياً ويرجوه أن توقف مصر الإجراءات التي اتخذتها في المنطقة، مع التأكيد على استعداد السودان للدخول في مفاوضات مع مصر بشأن هذه المناطق.
ب- أن تتصل الحكومة بالمعارضة وتبلغها الموقف.
ج- ابلاغ الجامعة العربية بالموقف، وكذلك ممثلي الدول العربية بالسودان والرأي العام السوداني.
ورغم اتفاق كل القوي السياسية السودانية الحاكمة والمعارضة علي رفض الموقف المصري، واعلان تمسكها بالأرض، دعت جميعاً إلي حل المشلكلة بالتي هي أحسن مع الأشقاء في مصر، فبعث السيد «علي الميرغني» مرشد الختمية وراعي حزب الشعب الديمقراطي، والسيد» إسماعيل الأزهري» رئيس الحزب الوطني الاتحادي كلاً على حده، برسائل إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر يدعوانه فيها إلى قفل الطريق أمام المغرضين وأصحاب النزعات الاستعمارية الذين يريدون الوقيعة بين البلدين، وطالباه السعي لايجاد حل سلمي ودّي للمشكلة.
وبالمقابل فإن الرئيس المصري الزعيم جمال عبد الناصر، لم يكن أقل حكمة، فلما دعاه بعض المتوترين في مصر للرد علي السودان بقوه، بزعمهم أن السودان يحتل أرضاً مصرية، قال لهم عبد الناصر إن مصر لن تحارب السودان حتى لو احتلت قواته قصر عابدين، وقررت الحكومة المصرية بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر إرجاء حسم موضوع حلايب إلي ما بعد الانتخابات، وأصدرت بياناً جاء فيه (أن مصر التي تضامنت مع السودان في سبيل الحرية والاستقلال إذ تتخذ هذا القرار إنما تهدف إلى قطع خط الرجعة على المغرضين الذين استغلوا الفرصة لإفساد العلاقات الخالدة بين الشعبين الشقيقين، كما أن مصر لن تستجيب للاستفزازات التي حاولت أن تصوِّر الوضع بشكل تدخل مسلح، أو بشكل غزو للأراضي السودانية، في الوقت الذي لاتوجد لها على الحدود الجنوبية إلا دوريّات الحدود المعروفة.. وأن الحكومة المصرية لتعلن مرة أخرى أن القوات المسلحة المصرية لم تُنشأ لغزو السودان، ولكنها دائماً سند للسودان ضد العدو) وأرجأت حسم الموضوع إلي ما بعد الانتخابات.
gamalangara@hotmail.com