حلم الانتخابات

 


 

جعفر فضل
5 July, 2024

 

مساء اليوم الرابع من يوليو استخدمت حقي في التصويت في الانتخابات العامة البريطانية . لاكثر من ثلاثة شهور تتساقط علي باب منزلنا من فتحة البريد بوسترات و إعلانات للمرشحين . ورق مصقول و طباعة أنيقة بها تعريف و صور للمرشحين . بعضهم يخاطبك باسمك شخصيا كانما بينك و بينه سابق معرفة بل ان احد المرشحين حضر شخصيا و طرق باب منزلنا معرفا بنفسه و اخبرنا انه يسكن في نفس الشارع الذي يقع به منزلنا . وصلتنا ايضا خطابات باسمائنا من المرشحة التي كانت قد فازت في الانتخابات السابقة . كلهم يضعون عناوينهم البريدية للتواصل معهم ! يبدوا لك الأمر انها عملية اقرب للاستجداء و خطب للود لشخصك الضعيف .
قد تبدوا هذه اشياء بسيطة الا انها تشكل حافز و تذكير يدفعك لممارسة حقوقك المكفولة بالقانون في المشاركة في الشؤون العامة للبلد . احساس يدخل في نفسك الزهو و يشعرك بقيمتك كأنسان فاعل له اهمية .
في مثل هذه الأجواء دايما ما يكون السودان حاضرا و تبدوا المقارنة الصعبة التي تبين الفارق الكبير لتصاب بالحزن و الحسرة علي بلدك . تتمني ان يكون ذلك في بلدك . الم يترك لنا الإنجليز نفس النظام هذا ؟
تذكرت انتخابات 1968 عندما ترشح احد اقربائنا فبالرغم من ان حزبه قد اختار شخصا آخر ليمثله ، لكنه لسبب ما ، أصر ان يترشح . كان رجلا كريما و محبوبا و بارا باهله لذلك اتخذ الاهل موقفا من باب انصر أخاك ظالما او مظلوما فقرروا الوقوف مع قريبهم . كنا وقتها صبية لم يكن لنا حق التصويت إلا ان عمنا عوض كان يوقظنا من النوم حوالي الواحدة صباحا أنا و ابن خالي فيصل نحمل معنا علبة البوهية و فرشاء نطوف علي المنازل التي تواجه الشوارع و نشرع في الكتابة علي الحيط ! انتخبو السيد فلان الرمز العنقريب و نرسم مجسم للعنقريب دون مراعاة ما يخلفه ذلك من تشويه للمنزل او وضع اي اعتبار لصاحبه . كنا نلزم نفسنا بالسكينة و التخفي كما يفعل الحرامي . اذكر اننا التقينا بمنسوبي الحزب الشيوعي وهم يمارسون نفس العمل و تم التنسيق بيننا و اقتسمنا الاماكن ! ما يميزهم عنا انهم يملأون الحايط بالخط العريض و يضيفون عبارات من شاكلة - اجعل من صوتك خنجرا في صدر الرجعية - حتي رمز مرشحهم الذي كان القطية يكون بحجم كبير جدا . كانت عملية تشويه كبيرة اكبر . بالرغم انه كان استحقاق لممارسة الديموقراطية التي كنا نتمني ان تستمر لعقود لتصبح جزء من ثقافتنا ، إلا انه بسبب عدم الممارسة نجد المقارنة بينها و بما يحدث في هذه البلاد بعيدة .
حكم العسكر المتكرر للبلاد جلب علينا ضررا كثيرا و اقعد البلاد و كان عائقا لتقدمها . الان مع هذه الحرب رغم كل فظاعتها لكن ما يدهشني اكثر و يزيد الطين بلة ان الحاميات التي يتم اسقاطها حسب عرض الصور للافتات مكتوب عليها اسم و رقم الفرقة تشاهد ان مبانيها داخل المدينة !!!! لهذا السبب دارت هذه الحرب اللعينة فوق رووس المدنين العزل ! .
سبق لي ان ذكر انني طيلة تواجدي في لندن و لاكثر من عقدين من الزمان لم اري ضابط جيش واحد يتجول في المدينة راجلا كان ام علي مركبة !! لماذا في عندنا توضع الفرق و الحاميات داخل المدن ؟
الي مني تنتهي هذه الحلقة الشريرة ؟ ديموقراطية لفترة قصيرة ثم انقلاب ومن بعده انتفاضة و هكذا .
الان احلم ان أشارك في انتخابات في بلدي السودان الديموقراطي إذا مد الله في الآجال .
نسأل الله ان يزيل البلاء و تنعم بلادنا بالسلام و الاستقرار و نبذ الكراهية فالسودان يسع الجميع ، ننعم بالديموقراطية و الحرية و العدالة و الوئام .

جعفر فضل

gafargadoura@hotmail.com

 

آراء