حماية التعليم .. تلاميذ ومدرسين
د. أحمد الخميسي
19 October, 2022
19 October, 2022
ahmadalkhamisi2012@gmail.com
ليس أقسى على النفس من انكسار زهرة في الحقل الذي كان ينبغي أن تورق فيه، لكن هذا ما حدث مع الطفلة "بسملة" ذات الأعوام التسعة التي أدى بها ضرب مدرس الى الموت، في المدرسة، حيث كان ينبغي أن تبدأ الآمال الكبرى لا أن تنتهي. أخطأت" بسملة" تلميذة الصف الرابع الابتدائي في كتابة كلمة بالشكل الصحيح على سبورة الفصل، فنهض إليها مدرس اللغة العربية وانهال على رأسها ضربا بالعصا أفضى إلى غيبوبة ونزيف حاد في المخ ثم الوفاة يوم الأحد 9 أكتوبر الحالي. أخطأت طفلة التاسعة في كلمة، فقابل المدرس خطأ التعلم بخطأ إنساني وأخلاقي وتربوي ومهني، وبعدها كفت الأصابع الصغيرة عن الإمساك بالطباشير الأبيض إلى الأبد. لم يغفر لها المدرس غلطة طفولة، مع أنه حتى عميد الأدب العربي طه حسين في ذروة عطائه لم يكن منيعا على الأخطاء اللغوية، وكانت بينه وبين الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي سلسلة مقالات متبادلة حول صحة إحدى الكلمات، وانتهى الجدال باعتذار من طه حسين واعتراف بأنه أخطأ! ولا أدعي أن المدرسة على أيامنا كانت جنة، لكن لم يحدث قط على مدى سنواتي المدرسية أن سمعت أو رأيت معلما يعتدي على تلميذ بهذه الدرجة، وكانت أشد حالات العقاب بالضرب تتم على راحة اليد المفتوحة وبشكل رمزي هين. فارقت " بسملة" الحياة قبل أن تبدأها، وقد سبق تلك الحادثة وفاة الطفلة " منة تامر" ذات الأعوام الثمانية بمدرسة في ميت عقبة، وفي حينه أشارت تحريات أمن الجيزة إلى أن مدرس الفصل كان يلاحق التلميذة وأنها خلال هروبها منه سقطت من الطابق الثالث فلاقت حتفها.
وإذا كان المعلمون يضربون التلاميذ، فمن الإنصاف أن نقول إن التلاميذ بدورهم يضربون المعلمين!! ونحن نسمع من وقت لآخر عن حوادث من هذا النوع!! ففي شهر أكتوبر الحالي اقتحم أحد الطلاب مدرسة أبو صوير الثانوية بالإسماعيلية وبصحبته رجل يحمل عصا غليظة وآخر معه سلاح أبيض، وقام الثلاثة بضرب مدرس فتسببوا في إصابته بكدمات وجروح أسفل ركبته اليسرى! ووصل الأمر حد أن مدرسة 24 أكتوبر الاعدادية للغات في الاسماعيلية حذرت طلابها في منشور رسمي من جلب المطاوي والسكاكين والمفكات الحديدية إلى المدرسة!
أما عن الطفلة " بسملة" فقد أصدر محافظ الدقهلية قرارا بوقف المدرس عن العمل، كما أمرت النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، وأفادت وزارة التعليم في بيان لها أنها لن تقبل أي تجاوز سواء من قبل المعلم الذي يجب أن يكون بمثابة قدوة للطلاب. والحق أن بيانا كهذا لم يعد كافيا، لأن المطلوب أن تصدر الوزارة بيانا قاطعا واضحا يجرم الضرب في المدارس ويضع عقوبة الفصل على الفور جزاء ذلك، كما ينبغي التشدد مع الطلاب الذين يعتدون على المدرسين بأي شكل كان. إننا في أمس الحاجة إلى حماية التعليم.. التلاميذ والمدرسين.. لأن التعليم قضية أمن قومي، وقد يحتاج التعليم إلى تعديل المناهج لتصبح أسهل وأكثر فائدة، ولكن إلى أن نقوم بذلك فيجب على الأقل أن نوقف الضرب، وأن نجرمه بقانون، سواء أكان ضرب التلاميذ المعلمين ، أو ضرب المعلمين التلاميذ الصغار. هناك أيضا المدارس التي تتساقط أسوارها لغياب الصيانة مما أفضى إلى موت التلاميذ كما حدث أول أيام العام الدراسي مع انهيار سور خرساني بمدرسة المعتمدية أدى إلى مصرع الطفلة ملك محمد. نحن بحاجة إلى حماية التعليم بكل جوانبه: المعاني والمباني، الجدران والانسان. هذا طموحنا.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري
////////////////////////
ليس أقسى على النفس من انكسار زهرة في الحقل الذي كان ينبغي أن تورق فيه، لكن هذا ما حدث مع الطفلة "بسملة" ذات الأعوام التسعة التي أدى بها ضرب مدرس الى الموت، في المدرسة، حيث كان ينبغي أن تبدأ الآمال الكبرى لا أن تنتهي. أخطأت" بسملة" تلميذة الصف الرابع الابتدائي في كتابة كلمة بالشكل الصحيح على سبورة الفصل، فنهض إليها مدرس اللغة العربية وانهال على رأسها ضربا بالعصا أفضى إلى غيبوبة ونزيف حاد في المخ ثم الوفاة يوم الأحد 9 أكتوبر الحالي. أخطأت طفلة التاسعة في كلمة، فقابل المدرس خطأ التعلم بخطأ إنساني وأخلاقي وتربوي ومهني، وبعدها كفت الأصابع الصغيرة عن الإمساك بالطباشير الأبيض إلى الأبد. لم يغفر لها المدرس غلطة طفولة، مع أنه حتى عميد الأدب العربي طه حسين في ذروة عطائه لم يكن منيعا على الأخطاء اللغوية، وكانت بينه وبين الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي سلسلة مقالات متبادلة حول صحة إحدى الكلمات، وانتهى الجدال باعتذار من طه حسين واعتراف بأنه أخطأ! ولا أدعي أن المدرسة على أيامنا كانت جنة، لكن لم يحدث قط على مدى سنواتي المدرسية أن سمعت أو رأيت معلما يعتدي على تلميذ بهذه الدرجة، وكانت أشد حالات العقاب بالضرب تتم على راحة اليد المفتوحة وبشكل رمزي هين. فارقت " بسملة" الحياة قبل أن تبدأها، وقد سبق تلك الحادثة وفاة الطفلة " منة تامر" ذات الأعوام الثمانية بمدرسة في ميت عقبة، وفي حينه أشارت تحريات أمن الجيزة إلى أن مدرس الفصل كان يلاحق التلميذة وأنها خلال هروبها منه سقطت من الطابق الثالث فلاقت حتفها.
وإذا كان المعلمون يضربون التلاميذ، فمن الإنصاف أن نقول إن التلاميذ بدورهم يضربون المعلمين!! ونحن نسمع من وقت لآخر عن حوادث من هذا النوع!! ففي شهر أكتوبر الحالي اقتحم أحد الطلاب مدرسة أبو صوير الثانوية بالإسماعيلية وبصحبته رجل يحمل عصا غليظة وآخر معه سلاح أبيض، وقام الثلاثة بضرب مدرس فتسببوا في إصابته بكدمات وجروح أسفل ركبته اليسرى! ووصل الأمر حد أن مدرسة 24 أكتوبر الاعدادية للغات في الاسماعيلية حذرت طلابها في منشور رسمي من جلب المطاوي والسكاكين والمفكات الحديدية إلى المدرسة!
أما عن الطفلة " بسملة" فقد أصدر محافظ الدقهلية قرارا بوقف المدرس عن العمل، كما أمرت النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، وأفادت وزارة التعليم في بيان لها أنها لن تقبل أي تجاوز سواء من قبل المعلم الذي يجب أن يكون بمثابة قدوة للطلاب. والحق أن بيانا كهذا لم يعد كافيا، لأن المطلوب أن تصدر الوزارة بيانا قاطعا واضحا يجرم الضرب في المدارس ويضع عقوبة الفصل على الفور جزاء ذلك، كما ينبغي التشدد مع الطلاب الذين يعتدون على المدرسين بأي شكل كان. إننا في أمس الحاجة إلى حماية التعليم.. التلاميذ والمدرسين.. لأن التعليم قضية أمن قومي، وقد يحتاج التعليم إلى تعديل المناهج لتصبح أسهل وأكثر فائدة، ولكن إلى أن نقوم بذلك فيجب على الأقل أن نوقف الضرب، وأن نجرمه بقانون، سواء أكان ضرب التلاميذ المعلمين ، أو ضرب المعلمين التلاميذ الصغار. هناك أيضا المدارس التي تتساقط أسوارها لغياب الصيانة مما أفضى إلى موت التلاميذ كما حدث أول أيام العام الدراسي مع انهيار سور خرساني بمدرسة المعتمدية أدى إلى مصرع الطفلة ملك محمد. نحن بحاجة إلى حماية التعليم بكل جوانبه: المعاني والمباني، الجدران والانسان. هذا طموحنا.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري
////////////////////////