حماية العمالة المنزلية فى الخارج : التجريم فى مقام التنظيم !

 


 

فيصل الباقر
19 August, 2015

 

 

خروج السودانيين والسودانيات من الوطن، للبحث عن سوق العمل الشريف فى الخارج، ليس نُزهة، ولا هواية لإزجاء أوقات الفراغ، ولكنه علقم، أملته ظروف معلومة ومعروفة ، يتداخل فيها الإقتصادى والسياسى والإجتماعى، والعام والشخصى، وهى من قبل ومن بعد، حق من حقوق الإنسان، كفلته المواثيق الدولية والإقليمية والوطنية ( أنظر/ى دور منظمة العمل الدولية والعربية فى حماية حقوق العمال.. وغيرها من التشريعات الأكثر تخصُّصاً ). وهناك منظومة حقوقية دولية كاملة، بشان هذه القضايا،تعنى بها، و تُراعى إحترام الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، كما أنّ هناك منظمات مجتمع مدنى، تخصّصت فى هذه الجبهة، وبخاصّة، فى مجال حماية العمالة المنزلية، والدفاع عن حقوق ومصالح هذه الفئة المُستضعفة، التى تواجه بسبب ظروف عملها، العديد من الإنتهاكات. وظاهرة (العمالة المنزلية)"رجالاً ونساء"، وفى الداخل والخارج، ظاهرة عالمية، وهى بإختصار علاقة بين طرفين (مُخدِّم/ة / مُستخدِم/ة) و ( مُخدّم/ة / عامل/ة ).. والواجب على الدُول - هنا - تقنينها وتنظيمها، وحمايتها، بوضع التشريعات والقوانين واللوائح التى تحفظ الحقوق للطرفين، وتحترم إنسانية وآدمية وكرامة العمالة المنزلية، و يتوجّب على الدول – دول الإرسال والإستقبال- وضع الآليات التنفيذيّة، التى تحقق تلك الإهداف، وتضمن الغايات المنشودة، ويتم ذلك بالتعاوان ووضع الإتفاقيات والآليات التنفيذية التى تحمى العمالة المنزلية من القهر والإستبداد والظلم. فتحت أنباء تعرُّض نساء عاملات سودانيات، لإنتهاكات حقوق إنسان، فى السعودية، جدلاً واسعاً فى صحافة المواطن " الميديا الإجتماعية" ، وتناولت الظاهرة الصحافة التفليدية، وجنحت بعض الكتابات إلى إنتهاك الخصوصية الشخصية، والإساءة والتجريح، ودخلت الدولة، وآلتها الإعلامية – كعادتها – الخط، لتصطاد فى الماء العكر، فأنتهز وزير الإعلام، أحمد بلال عثمان، الفرصة، ليُعيد، تذكيرنا، بمشروع قانون الصحافة والمطبوعات / نسخة 2015، الذى سيضيّق الخناق أكثر على الصحافة المطبوعة، وسيسمح للحكومة، وأجهزتها الأمنية، بإتخاذ إجراءات عقابية وتأديبيّة، ضد الإعلام البديل " الإسفيرى"، بغرض تحجيمه، وقد بشّر الوزير بإنشاء ( مجلس للإعلام الإللكترونى )، يعنى برصد ومتابعة ما يُنشر فى الإنترنيت، تحت دعاوى منها أنّ الإعلام الإلكترونى " يُشوّه صورة السودان فى الخارج، وتحتاج إلى تعديل "، وهذا وذاك حديث يطول، سنعود له، وللتصدّى لمخططه، حتماً، فى مقالات ومقامات أخرى، ولكن هيهات.  ما أن ذاع نبأ تعرُّض نساء (عاملات منزليات) سودانيات للإهانة والإذلال والظُلم، فى السعودية، انبرت أقلام وأصوات، من مواقع ومواقف مختلفة، بعضها معروف بمُعاداة النساء، وحقّهن فى الحياة الكريمة والعمل، ويسعى لشيطنتهن، والإساءة لهن، متى ما حلّت سانحة، وبعضها تُجيد صنعة " دس السم فى الدسم"، فتُسىء بلسان، وتمدح بلسان، وتذم عمل النساء، بما يشبه المدح، وهناك أصوات أُخرى، تتحدّث عن الظاهرة، فى النتائج، بعيداً عن االبحث فى الأسباب، التى قادت لها، وهناك أصوات تُحاول أن تُواصل تحريض الدولة على النساء، بتحريش البرلمان، وغيره من الوزارات (العمل / الداخلية) لسن المزيد من القوانين واللوائح والإجراءات التعسفية، التى تُجرّم عمل النساء فى الخارج، وتزيد قمعن ومنعهن من السفر خارج البلاد، بدعوى المحافظة على الكرامة السودانية، والاخلاق السودانية، وسمعة السودان، وغير ذلك من الهطرقات الذكورية...إلخ، وكُل هذا وذاك، لن يُغيّر الواقع، ولن يحل الظاهرة، إنّما سيمضى بها إلى المزيد من التعقيدات، ويدخل بها إلى أنفاق الظلام، بدلاً عن المعالجات الموضوعية، التى يجب أن تتم فى الضوء، وتحت شمس الحقيقة، والواقع الذى، جعل هذه المهنة، مطلوبة، فى بلدان الخليج، وهذا يتطلّب التنظيم الذى يحفظ للعمالة المنزلية، حقوقها، وصون كرامتها الإنسانية. تنظيم العمالة المنزلية، فى الداخل والخارج، يجب أن لا يُترك للإنفعال اللحظى، ولا للإجتهاد الفردى، ولا للقرارات الفوقية، وهو مسألة مُجتمعيّة، من حق المجتمع بأكمله، نقاشها بموضوعية، كظاهرة إجتماعية ومجتمعية، يتوجّب " أنسنتها "، والمطلوب، التفكير فى التنظيم الذى يوفّر للعمالة المنزلية فى الداخل والخارج، الإحترام ونيل الحقوق، ويمنع عنها الإساءة والإذلال والإهانة، وهضم الحقوق المادية والمعنوية للعمالة المنزلية، وهذا يتأتّى بإعمال الفكر برؤية حقوقية، وليس بأساليب تكريس المنع والقمع والقهر، وبالتنظيم، وليس مواصلة التجريم والرماية، فى مقام الحماية !.    

faisal.elbagir@gmail.com

 

آراء