حمدوك.. كيف (سوف نعبر)!

 


 

بثينة تروس
25 November, 2021

 

الصورة الدراماتيكية التي انتقل بها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من حبيس الي رئيس بتوقيعه على اتفاق بينه والجنرال عبد الفتاح البرهان الذي انقلب عليه في 25 أكتوبر 2021 اعطي للانقلاب شرعية، في مخالفة بائنة للوثيقة الدستورية التي بموجبها تقلد منصب رئيس الوزراء.. وهي صورة معيقة للانتقال الديموقراطي في البلاد، وبسبيل ذلك الاتفاق حادت حكومة حمدوك المرتقبة من حكومة ثورة الي حكومة انقلابية! ولن يشفع لها التبريرات المساقة من انها قدمت (من اجل حقن الدماء) إذ كيف تضع يدك مع القتلة لحقنها! ومن سفك الدماء غير الحلفاء الجدد من العسكر والمنتمين للإخوان المسلمين الذين ثار الشعب عليهم في ثورة ديسمبر المجيدة وفي أعناقهم دماء مجزرة الاعتصام، ومقتل أربعين من المتظاهرين السلميين عقب انقلاب 25 أكتوبر، وهم يتلون (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) صدق الله العظيم.
لقد قطع حمدوك الطريق امام الشوارع الثورية التي برهنت انها صمام الأمان والضامن الوحيد لاستمرارية الفترة الانتقالية بالرغم من التقاطعات الإقليمية والضغوط الدولية المعلومة! تلك الشوارع التي لا يعنيها الاحتفاظ بالمكتسبات الاقتصادية في خلال العالمين المنصرمين التي من اجلها تخلى حمدوك من حاضنته السياسية ليحالف البرهان! بالرغم من العناء من اجل ابسط مقومات الحياة الكريمة في توفير الخبز والكهرباء والوقود، الا انهم استشهدوا ببطولات نادرة ادهشت العالم، واجهوا قنص الرصاص بسلميتهم وصدورهم العارية في سبيل الغايات العظيمة، دولة العدالة والحرية والسلام، التي اقاموا نموذجها المصغر في اعتصام القيادة، وقد سلبهم العسكر حينئذ تلك الحقوق الأساسية وذاك الحلم النبيل، ثم توسموا في الدكتور حمدوك الخير واعتبروه من الاَباء المؤسسين لتلك الدولة وها قد خيب ظنهم!
ومؤكد ان هذه الشراكة فتحت ابواباً واسعة من الشكوك والتساؤلات! حول ماذا يعني الدكتور حمدوك بحكومة التكنوقراط في ظل توافقه مع البرهان والذي استعاد نفس قيادات النظام البائد للسلطة؟ بما في ذلك تعيين قضاة وكوادر عدلية، ثم ما هو حجم السلطات المخولة للسيد حمدوك في ظل هذه الشراكة ببنودها ال 14، خاصة بعد أمعن الجنرال البرهان بعد التوقيع مباشرة في تقديم عبد الرحيم دقلو وأجزل له التقدير مؤكدا لهذا الشعب الذي يتطلع لبناء جيش قومي موحد، ان ميليشيات الدعم السريع هي سنده وذراعه اليمين! كما انه في اليوم التالي بتناغم بين مواقفهم يخاطب النائب الاول لمجلس السيادة وقائد مليشيات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قوات الشرطة من رتبة عميد وما فوق، ويمنح مرتب شهر لجميع منسوبي الشرطة لأنهم تعرضوا لضغط كبير بحسب تعبيره! ويمدد البرهان للفساد المالي الاخواني بإجراء تعديلات في قرارت لجنة إزالة التمكين وارجاع الأموال المستردة وإعادة هيكلة لجنتها.
وكيف لحمدوك ان يحقق دولة المواطنة المتساوية وهي من موجهات الدعم الاقتصادي للدول الداعمة من دول الترويكا، ومن ثم تناهض التطرف الديني وكافة اشكال التمييز الواقعة على المرأة وتكفل للشابات من أمثال الشهيدة الجسورة الشابة ست النفور احمد بكار حلمهن بالمدنية كما حلمت؟ فقد كانت الشهيدة معتدة بكرامتها الإنسانية (مازلت جميلة، حرة، كاملة، شجاعة، عظيمة، ملهمة، قوية).. وهل يتمكن رئيس الوزراء من أن يأتي بوزراء شجعان انقلابيون (مثله) لإحداث تغيير في مناهج التعليم، ومرافق الصحة، وتطور تكنولوجيا المعلومات، بما يتناسب وهذا الجيل الثوري الواعي صاحب المطالب؟ ام سوف يكون حظه معاقبته بحرمانه من الانترنت ووسائل التواصل حين يغضب عليه البرهان والعسكر!! فيفضل ان تلتهمه حيتان المحيطات واهوال البحار في سبيل الهجرات غير الشرعية! وكيف السبيل لإصلاح الأجهزة الأمنية التي تتحكم في تحديد معايير الكفاءات؟ خاصة وان مستشاري حمدوك الان غير مؤهلين فنياً، الي ما يطمح اليه ويرنو الشعب، وقد عجزوا اخلاقياً عن اتاحة الفرصة الكافية لاستكمال مهام الفترة الانتقالية وانقلبوا عليها خوف المحاسبة ومن اجل مصالحهم الضيقة والحفاظ على دوران عجلة الفساد والتمكين في البلاد!
كيف (سوف نعبر) والسيد حمدوك اليوم ليس بصاحب القرار الأعلى، بحسب المادة (5) في الاتفاق الذي بموجبه يحق للمجلس السيادي الإشراف التام على الفترة الانتقالية، وسوف تثبت هذه الشراكة الجديدة ان ماَلات الأمور من حيث التشريع والتنفيذ بأيدي قصار النظر والخيال، وبمثل هذا الموقع الأدنى من السلطة يتم التسويق والتبرير للعالم المحتضر بالاتفاق مع العسكر، ونظار النظارات والإدارات الاهلية، وزعماء القبائل والعشائر ورجال الدين والسلفيين، وكل من استجلبه واستدعاه البرهان للشراكة في الحكم، في استعادة لماضي الاستعمار حينما حان موعد تسليم الحكم للسودانيين اول عهدهم، بحجة أن شعب السودان من الشعوب المتأخرة التي ترتضي الحكومات العسكرية والدكتاتورية كنظم تسوس حكوماتها والا فالفوضى هي مصيرها المحتوم! وهي أسس ولغة نظام حكومة الانقاذ البائد في تخوفهم من صعود جيل الشباب والشابات، ولجان المقاومة الثورية، والمنظمات النسوية، بمطالبهم الدستورية ذات الوعي السياسي والعدلي التي قد تجد حظها في الوصول للسلطة ومواطن القرار وتحقق المدنية وتغير نمط الحياة برمته بما لا يتحمله العسكر او رجال الأحزاب التقليدية.
مازلنا نتعشم د. عبد الله حمدوك في أن تكون رجل دولة يهمه امر مستقبل هذه البلاد، وبهذا نأمل ان لا تكون قاطع طريق لهذا الجيل.. دعهم ينفذون الي مبتغاهم انهم ماضون الي تغيير يتعالى ويخفت موجه لكنه حتمي الحدوث، فإن عجزت عن تحقيق ذلك ففي الاستقالة مكرمة لك حتى لا تضحى ألعوبة في ايدي العسكر والفلول.

tina.terwis@gmail.com

 

آراء