حمدوك نرجو الإفصاح: انت معانا ولا مع غانا

 


 

مالك جعفر
8 October, 2019

 



الزمان سبعينات القرن الماضي والمكان استاد الخرطوم.
يُقال، والعهدة على الراوي، إن سوداني خمسيني كان يشجع (صقور الجديان) اثناء نهائي كأس افريقيا بين السودان وغانا، استفزته تأوهات شابْ عشريني يجلس بجواره، مفتون بإبداعات (بوكو) هداف الدورة الغاني. خاطب الشيخ الشاب في حدة وصرامة بعد أن طفح الكيل: (يا أخوي انت معانا ولا مع غانا)، رافضا قبول حجة الفتي واصراره أنه مع السودان، لكنه يشجع (اللعبة الحلوة).
اليوم بعد مرور خمسين عاما على ذلك العهد الباذخ، وبعيدا عن الحدة والصرامة، ومع تناقضات الراهن السياسي السوداني البالغ التعقيد، نستعير العبارة لنخاطب د. حمدوك رئيس مجلس الوزراء: (يا أخوي انت معانا ولا مع غانا).

الأولوية يا سيادة رئيس مجلس الوزراء الآن وبصورة ملحة وعاجلة لاختيار رئيس قضاء ونائب عام مستقلين، فالرجاءً التركيز وترتيب الأجندة. أنت تتحرك في وسط محكوم بالكيزان ولمصلحة الكيزان. فعليك الانتباه والإفصاح. كيزان المجلس العسكري الانتقالي منحوا الثوار مجلس وزراء، غالبية أعضاء مجلس السيادة وثلثي المجلس التشريعي. وخرجوا برُغْمِهِ منتصرين مسيطرين، لأنهم يملكون القضاء، النائب العام، المحكمة الدستورية، الدفاع، الشرطة والأمن.
رُفِعتْ الأقلامْ وجفت الصحف.
رئيس الوزراء تنفيذي، بحكومة مدنية (منزوعة السلاح). ترتكز على وثيقة دستورية شائهة، مُعَوَّقةْ ومُعِيْقَةْ. وفي غياب رئيس القضاء والنائب العام المستقلين لا يملك السند القانوني الذي يخوله حل المؤتمر الوطني. ولا يستطيع تشكيل لجنة مستقلة تحقق في مجازر وجرائم فض الاعتصام. رئيس الوزراء ظل ينتظر حتى الأمس القريب برنامج قوى الحرية والتغيير الذي سيحكم الفترة الانتقالية، وبعد أن ملَّ الانتظار أعلن أنه سيجعل (الوثيقة الدستورية) موجها لحكم الفترة الانتقالية. فلا حول ولا قوة. اربطوا الأحزمة واستعدوا للقفز عشوائيا وفي الظلام.
قوى الحرية والتغيير تفرقت أيدي سبأ.
المهدي يخطط لما بعد سقوط حمدوك. ساطع الحاج (طابور خامس) أنجز (الوثيقة المعيبة بإتقان)، وانسحب متفرغا للدفاع عن إسلاميين مطاردين في قضايا الفساد. عناصر (البعث) القيادية في جيب صلاح قوش. حتى عبد العزيز الحلو أصابته اللوثة. ذهب الى القاهرة ليوقظ الميرغني من بياته الأبدي، ويوقع معه اتفاقا استراتيجيا. الحلو، الذي يضع شرط فصل الدين عن الدولة أساسا لأي اتفاق، بينه وبين الحكومة الانتقالية، يوقع اتفاقا استراتيجيا مع الميرغني الإسلامي الطائفي.
أما (الأصم وخالد سلك) ففي نواحي أمريكا. يسوِّقُهم مليارديرات الدولار السودانيون كوجوه قيادية شابة، دعاها الكونغرس للتفاكر حول رفع السودان من لائحة الإرهاب. تركوا الخرطوم مرتعا لغندور الذي ظهر فجأةْ ليبشر وبصلافة بعودة (المؤتمر الوطني).
تركوا الخرطوم لرئيس الوزراء ليخاطب ندوة (حوارات أصحاب المصلحة في السودان). وهي رابع ورشة يعقدها المعهد البريطاني (تشاثام هاوس) بنفس العنوان والشخوص المشاركة. الفارق هذه المرة أنها تنعقد في الخرطوم (فندق كورنثيا)، بحضور حمدوك ووزير ماليته إبراهيم البدوي، وبحضور أصحاب المصلحة المعنيين. وفي مقدمتهم الفاتح عروة، وجدي ميرغني، أسامة داؤود، احمد امين عبد اللطيف، غازي صلاح الدين، خالد التجاني النور، هبة مجدي فريد، عابدة المهدي، سامية أكد، ايهاب إبراهيم.
و(حَسُنَ أولئك رفيقا).
قال حمدوك في خطابه الافتتاحي للمؤتمر إنه يأمل أن تساعد نتائج المؤتمر في تنوير صناع القرار السودانيين والدوليين في وقت تمر فيه البلاد بمرحلة الانتقال الحرجة. ثم انسحب ليبدأ الحوار بين اصحاب المصلحة حول مستقبل السودان الاقتصادي. كل ذلك في غيابٍ تامْ للكنداكاتْ والثوارْ الشباب، وفي حضور مكثف لمليارديرات الدولار. هؤلاء أثروا في دولة الكيزان، بتسهيلات الكيزان، مولوا الحراك بهدف (الهبوطْ الناعمْ) فقط. لذا من المفهوم أن يكونوا ضد النيابة العامة والقضاء المستقلين.
مداخلة هبة فريد التي عملت من قبل وزير دولة للرعاية الاجتماعية، بعنوان "دور القيادة في إصلاح القطاع العام"، كشفت التوجه. قالت إن حكومة حمدوك غير قادرة على اصلاح القطاع العام لأن ذلك يتطلب مراجعة النظام الفدرالي برمته. والمسألة ليست سهلةْ تحتاج لموارد مالية لا تتوفر في المرحلة الانتقالية، ودونها مصاعبْ سياسية.
وترجمة ذلك باختصار ترك الكيزان في مواقعهم واستيعاب الجميع في هبوط ناعم كامل الدسم. فهل سيقبل حمدوك مثل هذا التوصيات؟
قد يكون مفهوما أن يشارك من كانوا معاول هدم طيلة ثلاثين عاما لتدمير ونهب الاقتصاد السوداني في مؤتمرات (تشاثام هاوس) الثلاث التي سبقت خلع البشير. ومفهومْ أيضا مشاركات حمدوك ووزير المالية معهم حينها لانتشال السودان من مقبرته الاقتصادية. لكن الآن، بعد ثورة الكنداكات والثوار الشباب، بعد تشريف حمدوك واختياره لتوجيه مسار سفينة السودان التائهة، من المخجل قبول هذا السيل من مشبوهي الثورة المضادة.
هذه العناصر المريبة تحتاج الى قضاء ونيابة عامة مستقلين للتحقيق فيما طالها من اتهامات، خاصةً وبعض الاتهامات ما زالت في الرقاب، لا تسقط بالتقادم. تحتاج يا سيادة رئيس مجلس الوزراء قضاء ونيابة عامة مستقلين يضعان مبدأ (من أين لك هذا؟) موضع التنفيذ فورا ودون تمييز. تلك هي الأولوية قبل أن تفرش السجادة الحمراء وتسمح للفاسدين والمرتشين، وحتى مليارديرات الدولار المختبئين في الزوايا، بالتنطع واسداء النصح لإصلاح ما شاركوا في إفساده.
فلتُفْتَحْ الملفات إذن بلا تمييز. يستوي في ذلك ملفات اسرة البشير، ملفات حميدتي (ذهب جبل عامر)، مليارات اسمنت علي كرتي، أرصدة عوض الجاز النفطية المجنبة، تجارة سيقا للغلال، سين للغلال ودولارات (اتصالات) الفاتح عروة المعبأة في الطائرات الخاصة الى دبي.
فيا سيادة رئيس مجلس الوزراء. نرجو الإفصاح: (انت معانا ولا مع غانا؟)




abujaybain@gmail.com

 

آراء