حمدوك: هل تطمسون من السماء نجومها؟ بأكفِّكم أم تحجبون هلالها؟

 


 

 

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائمِ النهارَ، القائمِ الليلَ" ونُشهد الله أننا لم نرَ مصداقاً لهذا الحديث الشريف مثل ما رأيناه في شخص السيد حمدوك. وبالمثل، لم نرَ مصداقاً للسقوط في امتحان الأخلاق مثل ما رأيناه في أدعياء الدين الذين حكموا السودان كذباً باسم الإسلام.
جاء حمدوك فرأينا فيه خلال عامين من أخلاق الإسلام ما لم نرَ مثله في أدعياء الدين طوال ٣٠ سنة. فقد أذهلنا الرجلُ بحسن خلقه، لا سيما أدبه، وحياؤه، وعفة لسانه، وإعراضه عن اللغو، وتساميه عن الصغائر، وضربه صفحا عن المسيئين إليه. كان أدعياء الإسلام جفاةً، غلاظ القلوب، طعّانين لعّانين، عُرِفوا ببذاءة اللسان، وافتخروا بها. وجاء هو حليماً، رفيقا، عفيف اللسان، دائم البشر والتبشير بالخير. وكانوا كذابين، يُحبُّون أن يُحْمَدوا بما لم يفعلوا، وها هو يقدم الأسوة الحسنة في الصدق والتواضع. وكانوا غوغائيين جوّاظين صياحين، وها هو إما أن يقول خيرا وإما أن يكفي بلده وشعبه شر فلتات ألسنة القادة. طعنوا في أهليته ووطنيته، فرد عليهم بالعمل والإنجاز في صمت، فأخرج السودان من أسوأ مأزقٍ وقع فيه منذ استقلاله، فعمل على إزالته من قائمة الإرهاب ووضعه في مكانه المفقود في المؤسسات المالية الدولية؛ وطعنوا في دينه فبرأه الله حين احتواه البيت الحرام؛ ودأبوا على تخويف الناس، وزرع اليأس والإحباط في نفوسهم، وظل هو متفائلا، حسنَ الظن بربه وبشعبه.
جاء الدجالون فضحكوا على الناس باسم الإسلام فأفقروهم واغتنوْا هم، بنوا القصور وهربوا الأموال إلى الخارج، ولم يأتوا بخطة اقتصادية، ولم يقيموا مؤسساتٍ ذات مصداقية، ولم يقدموا رجالاً ونساءً وشباباً قدوةً في النزاهة ونكران الذات، بل قدموا طواويس وأبالسة همهم أنفسهم ومصالحهم، فلا وطناً بنوا، ولا ديناً أقاموا، وإنما أفسدوا الدنيا ونفّروا من الدين.

أما حمدوك فهو يعلم أنّ الدول لا تُبنى بالشعارات البراقة والتمنيات، ولا بالنفاق الديني، ولا بالنعيق، وإنما تُبنى بالاقتصاد، وبالمؤسسات الراسخة، وبالعلاقات الدولية المثمرة. يعلم حمدوك أن مشروع بناء السودان هو مشروع اقتصادي بالدرجة الأولى: إخراج البلد من قائمة الإرهاب، وتطبيع وجوده في المؤسسات المالية الدولية، وحل مشكلة الديون، والقضاء على البطالة، والعمل على إصلاح معاش الناس. فظل ذلك دأبه، ومحط تركيزه، لا يهمه الظهور الإعلامي والاجتماعي الفارغ، ولا كثرة الكلام الفارغ.
ولكل ذلك، نحن نريد أن يعود إلينا ذلك الإنسان الذي خبرناه فلم نعرف له مثيلا في تجاربنا السياسية. نريده ليبني لشعبنا اقتصاداً، ولبلدنا مؤسساتٍ، ودولة قانون، أي، باختصار: نريده أن يبنى لنا دنيانا، لنكون قادرين على بناء آخرتنا، فنحن أدرى منه بشؤون آخرتنا، و نعلم تمام العلم أنه لا آخرة لمن لا دنيا له، ولا معاد لمن لا معاش له.
إلا إنما الدينُ حسن الخلق، وأفضل الخلُق التواضع؛ وقد جسد عبد الله حمدوك بتواضعه مكارم الأخلاق. فعسى الله أن يرفع بتواضعه السودان، وعسى أن تشيع بفضله فضيلةُ التواضع في السودان وفي كل مكان.
alrayyah@hotmail.com

 

آراء