حمد الريح.. عبق الأمكنة الجميلة

 


 

 

 

أول مرة أراه وأستمع إليه كانت في منتصف سنوات الستين في حفل في داخلية بحر الغزال.. في زمن جميل ووطن جميل وعمر جميل كما يقول ملك الكلمة الجميلة كامل عبدالماجد. كانت السنوات القليلة التي اعقبت ثورة 21 أكتوبر 1964 سنوات خصب في كل مناحي الحياة لم يشهد السودان مثلها، وكانت الاحلام تناطح هامات السحاب وتزن الجبال.برز اسم حمد الريح كفنان داخل وخارج أسوار الجامعة في تلك الفترة. زمن جميل وعمر جميل ووطن جميل.كنت أحس آنذاك أن حمد الريح حقنا نحن طلاب الجامعة نشارك فيه أهل توتي.

في سنة 1966 شاركت في رحلة طلابية لمصر وكان السفر بالسكة حديد إلى حلفا ومنها بالباخرة إلى محطة الشلال في مصر. كان حمد الريح حاضرا وغنى للمسافرين وعامت الباخرة في نهر من الفرح والطرب. استمعت إليه مرات ومرات في القضارف في نوفمبر 1968 حينما جاء مع الأستاذ محمد وردي لإقامة حفل غنائي وأقيم الحفل بنجاح لكن القضارف أعلنت منطقة حجر صحي لا يخرج منها أحد ولا يدخلها أحد بفعل البئر الارتوازي الذي تندفع منه مواد كيمائية فأطلق إسم الفكي أبونافورة على البئر في حالة من حالات التخلف المجتمعي القاتل.بقي في القضارف لفترة أسبوعين وكنت حينها في بدايات عملي في الحكومة المحلية.
استمعت إليه في بورتسودان سنة 1971 في أحد مسارح المدينة الجميلة. وتجري الأيام والتقيه ويشجيني صوته الجميل في نيروبي 1981 وكان برفقة صلاح بن البادية وخوجلي عثمان اللذين سبقاه في الرحيل، عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه.
ليست مجرد أمكنة. هي محطات مهمة في مراحل مختلفة من العمر لها عبقها ولها خصوصيتها وذكرياتها ، جمعتني فيها علاقات شخصية مع حمد الريح عابرة كانت وليدة ظرفها الزماني والمكاني واستلبها الزمن والبعد الجغرافي.
يقول العالمون بالموسيقى والغناء أن غناء حمد الريح كان يجمع بين البساطة كما في أغنية إلى مسافرة والتعقيد المحبب كما في أغنية الساقية وكان يختار كلمات تصل إلى عامة الناس.لا اعرف كثيرا او قليلا من هذه الفلسفة الموسيقية والفنية لكني أعرف أن حمد الريح كان يطربني أشد ما يكون الطرب ويعني لي شيئا مختلفا. وارتبط في ذاكرتي بأمكنة وأزمنة جميلة.
رحمة الله ورضوانه على حمد الريح والعزاء لاسرته ولأهل توتي الذين أحبهم وأحبوه ولكل أهل السودان.
(عبدالله علقم)

abdullahi.algam@gmail.com

 

آراء