حميدتي شَلّاق الزمن: حميدتي يتوسط للمسيرية عند سلفا كير من جور الحلو

 


 

 

جاء في الأخبار أن الفريق ركن حمدان دقلو اتصل بالفريق ركن سلفا كير، رئيس جمهورية جنوب السودان وزعيم الحركة الشعبية، ليتوسط عند الفريق ركن عبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية بجبال النوبة والنيل الأزرق، ليطلق سراح تسعة رعاة من شعب المسيرية محتجزين عند الحلو. واستجاب سلفا كير لمناشدة دقلو وتحدث إلى الحلو الذي وعده بإطلاق سراح الرعاة "في غضون ساعات". أي بأعجل ما تيسر بلغة الراحل الإمام الصادق المهدي.
كانت المسيرة نشرت بيانا للأمة السودانية تستنصر به في وجه اعتداءات يتعرض لها جماعات وأفراداً منهم من الجيش الشعبي لتحرير السودان. ومن رأي البيان أن هذه الاعتداءات تستظل بثقافة عنصرية مقاصدها تخليص الإقليم من العرب وردهم إلى من حيث جاؤوا من جزيرة العرب. وجاء البيان بوقائع مما حدث. فهذا الجيش يتعقب بعض راكبي مواتر التكتك. فقتل جماعة منهم فيهم نساء كبيرات في السن. واختطف آخرين للجبال الغربية لا تعرف عنهم أسرهم شيئاً. ونهب الجيش عربات مملوكة لمسيرية. وسن سنة قطع الطرق ونهب المارين بها. بل أغلق طريقاً بعينه من كل حركة. ونهبوا عروساً في جلوتها. واعتدوا عل ضعائن (ضعينة وهي الركب المرتحل من البادية) للمسيرة، وذبح بعض أفرادها، وقتل سعيتها بالأر بي جي مروعاً النساء والأطفال. واعتدوا على المصلين في جامع مدينة لقاوه وقتلوا معلماً ذا مأثرة وأصابوا آخر. ونهبوا أبقاراً في مواضع عديدة مع الاعتداء على رعاتها بما فيهم أطفال.
القائمة طويلة ورأس جبل الجليد هم الرعاة التسعة بالثابتة الذين توسط حميدتي لإطلاق سراحهم. وطوال ما كنت أقرأ في بيان المسيرية كنت اسأل نفسي إن كان محمد جلال هاشم والحزب الشيوعي ممن سمع هذه الخبر عن المسيرية ناهيك عن الهمة في التحقق منه والتصرف حياله. وأجرؤ على هذا القول بالنظر إلى دالة كل منهما على الحركة الشعبية. فالحزب الشيوعي "قادي الدرب" عليهم يريدهم لحلفه للتغيير الجذري. وبلغ في هذا المنشط للقاء الحركة حداً لن يسمع وصفاً له من غيري أنه ربما خرج من معنى الوطنية بالمرة. فقد دخلوا على كاودا في مرتهم الأخيرة من غير أبواب الوطن. وهذا مطعن في حزب وطنيته ربما هي التي جذبت إليه الناس أكثر من ماركسيته. قال لي رجل من غمار الناس مرة صدفة في الشارع: "يا عبد الله والله إنتو الحببتونا في السودان دا". أما محمد جلال هاشم فهو الآن من عتاة منظري الحركة حتى جاء، في عقيدته التلمودية بالعلمانية، بعطلة الأربعاء غير مسبوق. وربما جاء الحركة الشعبية في صلاحية مفكر في مغرب هذه الظاهرة التي استفحلت في الثمانيات وما بعدها وكان نجمها الساطع منصور خالد وعشاري محمود.
السياسة لا تحتمل الفراغ. فإذا لم يكن لا مفكر الحركة ولا حليفها ممن يراجع الحركة في مثل هذا الأمر الجلل ففراغهما مما يملؤوه حميدتي في همته الملحوظة لبناء حزبه السياسي. ويعرف حميدتي من اين تؤكل كتف الحركة بما لم يحاوله المفكر والحليف: سلفا كير. وليس للحلو سوى السمع والطاعة: في غضون ساعات.
يستنكر كثيرون ممن كانوا في المعارضة الرسمية لنظام الإنقاذ مواقف العدل والمساواة وجيش تحرير السودان (مني) والجبهة الثورية لجنوحها المتطرف للتحالف مع العسكريين والانقلاب في أثرهم. وفُجع معارضو الأمس فيهم. وقيل البربي المحن يلولي صغارها. فربى المعارضون هذه الحركات على الصمت عن خشونتهم مع شعبها (بل ودمويته)، والفتنة المضرجة بين أطرافهم المتباغضة، بل وفي الحرب بين الرفاق في الحركة الواحدة. وعقيدة أولئك المعارضين في إدارة وجههم عن عنف الحركات هي أنه "لا معارضة لمعارض". تسوي السبعة وذمتها في أم درمان وأب كرشولا وفي باطن دارفور أو جبال النوبة وهي في مأمن من كلمة مؤاخذة من حلفاء حرموا على أنفسهم قولة "بغم" لمسلح. فماذا تتوقع من مثل هذا الذي لم يسمع "لا" إلا في تشهده في منعطف مثل منعطف الثورة. على كيفو.
يطفح نقد بغيض لحميدتي مداره أجنبيته، أو أميته، أو تجارة حميره حتى كدنا، من فرط الدهشة منه، نسأل سؤال الطيب صالح: من أين جاء هذا الحميدتي:
يقول الأمريكي DA في مثل هذا السياق أي يا عبيط (dumb ass). جاء حميدتي من مثل عجز الحليف والمفكر الاختياري من أن "يقضي العوجة" فيرد الحركة الشعبية عما يشين بعد التحقق. وأصلو الردل قضاي عوجة مثل قضاؤه عوجة البشير المزدوجة: في الحكم وفي الخروج منه.
جاء حميدتي من ثقوبكم. وكما قال هو نفسه مرة الشلّاق ما بخلي في الحلة عميان. وهو شلاق زماننا.

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء