حوارت مرتقبة حول العدالة وتشكيك في إمكانية تطبيقها بسبب العسكر

 


 

 

ميعاد مبارك: الخرطوم ـ «القدس العربي»:
تنطلق في السودان، يوم السبت المقبل، حوارات العدالة والعدالة الانتقالية، من خلال إقامة ست ورش عمل في أقاليم البلاد المختلفة، يعقبها مؤتمر قومي في الخرطوم، وفق ما أعلنت الآلية الدولية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و«إيغاد» التي تقوم بتيسير الحوار بين السودانيين، بعد اجتماع جمعها باللجنة العليا للعدالة والعدالة الانتقالية، أمس الثلاثاء.
ورغم أن قوى «الحرية والتغيير» تعتبر أن الورشة الخاصة بالعدالة والعدالة الانتقالية «تنطلق من رؤية أصحاب المصلحة في جميع أنحاء البلاد» وتجدها مجموعات النازحين واللاجئين المشاركين في اتفاق السلام «ورشة هامة» إلا أن «المنسقية العامة للنازحين واللاجئين وأسر شهداء اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة» تجزم بأن «التسوية مع العسكر لا يمكن أن تقود لتحقيق العدالة».

«القصاص من القتلة»

وقال والد ضحية فضّ اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 يونيو/ حزيران 2019 كشة عبد السلام لـ«القدس العربي» : «لا تفاوض لا شراكة، لا شرعية مع العسكر».
وزاد: «نحن نعرف شيئاً واحداً، هو القصاص من القتلة. إذا تم إعفاؤهم ومنحهم حق الإفلات من العقاب، لن ننسى دم أبنائنا. القتل مورس ببشاعة. لن نفرط في حقوقهم. هذه ليست عدالة انتقالية، والورش التي تعقد لن تحققها. الجرائم الواقعة تحت طائلة المادة 186 من القانون الجنائي السوداني لن تسقط بالتقادم وبالاتفاق الإطاري الذي نسجته أمريكا. مات الضحايا من أجل الوطن والحرية وليس لتسليم البلاد للأجانب».

«شرعنة للانقلاب»

كذلك قال المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان، عبد الرحمن الناير لـ«القدس العربي»: «لا نعتقد أن الاتفاق الإطاري يمكن أن يحل أزمة البلاد، والحرية والتغيير بالشكل الذي تمضي فيه في الإطاري هو شرعنة للانقلاب، لن تقود لأي نتيجة وحتى القضايا التي يتحدثون عنها مثل العدالة والعدالة الانتقالية، كلمة حق يراد بها باطل».
وأضاف: « « الخداع نفسه الذي مارسوه في عام 2019 من أجل التوصل لتسوية وتقاسم السلطة مع العسكر، وأداروا الفترة الانتقالية دون أن يحققوا شيئاً في قضية العدالة الانتقالية».
وزاد: «هم يريدون استخدام هذه القضايا كرافعة لمشروع الاتفاق الإطاري».
وواصل: «بالنسبة لنا هذا لن يحقق أي شيء، ومعركتنا الأساسية هي معركة إسقاط الانقلاب، وليس الاعتراف بالانقلاب أو شرعنته والبناء عليه. كل ما يتم الآن هو شرعنة للانقلاب لا أكثر أو أقل، وهذا موضوع خلافنا معهم. نحن نرى أن معركتنا الآنية ومعركة الشارع السوداني هي معركة إسقاط الانقلاب بعدها تتكون حكومة انتقالية مدنية من شخصيات مستقلة، وينعقد مؤتمر حوار سوداني سوداني تشارك فيه كافة مكونات الشعب السوداني بقواه المختلفة ما عدا النظام البائد وواجهاته لمخاطبة جذور الأزمات الداخلية والتي من ضمنها العدالة الانتقالية».

تسليم المطلوبين

وتابع: «لا توجد عدالة في السودان من دون تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، هذه قضية ليس فيها حوار أو تفاوض، هذا حق الضحايا لا بد أن يسلم المطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية. أما بالنسبة للآخرين الذين وصفهم بالمفسدين فيمكن أن يقدموا لمحاكمات عادلة ونزيهة، كل من أجرم في حق الشعب السوداني يحاسب بقدر جرمه».
ولفت إلى أن «أي جهة تعتقد أنها يمكن أن تحقق عدالة انتقالية دون تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، فهي موهومة» على حد تعبيره.

ست ورش عمل ستعقد في أقاليم البلاد المختلفة يعقبها مؤتمر قومي

وأضاف: «ببساطة، فيما يتعلق بالنازحين واللاجئين الذين يقدر عددهم بثلاثة ملايين، لا بد أن يعودوا إلى مناطقهم التي هجروا منها، وقبل عودتهم هناك ميليشيات ومستوطنون في مناطقهم استولوا على أراضيهم بالقوة يجب أن يرحلوا من تلك الأراضي».
وكذلك «الميليشيات القادمة من دول أخرى من تشاد وأفريقيا الوسطى يجب أن يحاكم أفرادها ويرحلوا إلى بلادهم، بعد نزع أسلحتهم. بعدها يعود اللاجئون والنازحون الذين فقدوا خلال 20 عاما كل شيء إلى مناطقهم طواعية بعد أن يتم تعويضهم من قبل الدولة بمساعدة المجتمع الدولي والإقليمي، حتى يبدأوا حياة حقيقية ووضعا إنسانيا يليق بهم».
ورأى أن «هذه القضايا ليست محل نقاش أو تفاوض، لكن اختلافنا مع الحرية والتغيير أنهم يريدون البناء على الانقلاب وهذا لا يتماشى مع الثورة التي قامت بإسقاط حكم ديكتاتوري وليس استبدال أشخاص بأشخاص، أي استبدال عمر البشير بجنرالاته. مطالب الثورة لا تتحقق بالتسويات والتطبيع مع الانقلاب، واختطاف للثورة واستبدال استبداد عسكري باستبداد عسكري لن يحقق أي عدالة انتقالية».

تصاعد الانتهاكات

ورأى المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال لـ« القدس العربي» : أن أي «اتفاق مع قادة الانقلاب لا يمكن أن يفضي إلى تحقيق العدالة الانتقالية» معتبرا «الورشة التي ترتب لها أطراف الاتفاق الإطاري، ليست ذات صلة بقضايا النازحين واللاجئين وتحقيق عدالة حقيقية لهم وإنما تأتي في إطار التسوية مع العسكر».
وأشار إلى «تصاعد الانتهاكات وقتل ما يزيد عن 1000 شخص في دارفور منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وأن ذلك تم على الرغم من توقيع اتفاق السلام 2020 الذي وصفه بالاتفاق الفوقي واتفاق تقسيم السلطة».
وشدد على أن «تحقيق العدالة والعدالة الانتقالية لا يمكن أن يتم إلا بإسقاط الانقلاب العسكري، وفي ظل حكومة مدنية، يتوافق عليها السودانيون تؤسس لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد كل السودانيين وجرائم حرب دارفور والذي لن يتم إلا بإصلاح المؤسسات القانونية والعدلية في البلاد، فضلا عن تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وعودة النازحين واللاجئين إلى أراضيهم وتوفير التعويضات والحماية اللازمة لهم».
لكن المتحدث باسم مجموعة أصحاب المصلحة في إقليم دارفور، المشاركة في اتفاق سلام جوبا 2020، الصادق محمد مختار قال لـ «القدس العربي: «أعتقد أن ورشة العدالة الانتقالية من الورش الهامة جدا، والتي كان يجب أن يقوم بها اتفاق السلام نفسه قبل أن يحدث الانقلاب، حيث تمت الإشارة إليه في اتفاق السلام بشكل موسع على الرغم من غياب آليات التنفيذ وعدم مشاركة النازحين واللاجئين في الصدد».
وأضاف: «الآن ما تقوم به مكونات الاتفاق الإطاري فرصة لاسترداد الحقوق وإحقاق الحق وهي مخاطبة المتأثرين بالحرب في مناطق النزاع بما يضمن استرداد الحقوق، والمناطق التي وقع عليها الظلم بسبب الحروب والتنمية غير المتوازنة».
وأوضح أن «مطالب ضحايا الحروب تتمثل في العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للفرص ومكافحة الفقر وتوفير الخدمات الأساسية لهم والعيش الكريم والعودة الطوعية لمناطقهم، بالإضافة للعدالة القانونية والتي تتمثل في محاسبة كل الذين أجرموا في حق الضحايا للعدالة الناجزة. ولكن مخاوفهم من عدم استقلالية القضاء السوداني وآليات تنفيذ القانون تؤثر بشكل كبير على العدالة الانتقالية التي تتطلب آليات جديدة تضمن مثول المجرمين أمام القانون النزيه العادل وآليات التنفيذ من الشرطة والقضاء العادل وأيضا يضمن حرية المقاضاة وحماية الشهود وتوفير البيئة المواتية للضحايا لتوفير البيئة اللازمة لتقديم شكاواهم، فضلا عن العدالة الاجتماعية واسترداد الأراضي والحواكير التي نهبت خلال فترات الحرب.
بالإضافة إلى «تقديم رموز النظام التي ارتكبوا جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، هنالك أيضاً آليات أخرى للعدالة الانتقالية يجب أن تفعل فيما يتعلق بالحقيقة والمصالحة، وهذه آلية مهمة إذا كنا نريد أن نمضي في التحول إلى مجتمع متسامح ومتعايش، يجب أن نقدم العفو ونتسامى على جراحات الماضي، ما لم يحدث إقرار بالذنب والعفو من طرف أصحاب المصلحة لن تكون هناك عدالة».
وتابع: هذه الورشة «يجب أن تناقش كل القضايا المتعلقة بالعدالة والعدالة الانتقالية وأن لا تمنح أي حصانات لعسكر سابقين أو حاليين على مستوى السلطة، وأن يقدموا للمحاكم وأن تكون نزيهة وأن تحدث بشكل حقيقي، مطالبنا ليست فوق السقف أو لا يمكن تحقيقها».
فيما أشار رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، الصادق علي حسن لـ «القدس العربي» أن «الاتفاق الإطاري الحالي لا يمكن أن تتأسس عليه عدالة وعدالة انتقالية وإنما يؤسس للافلات من العقاب، في الانتهاكات والجرائم في دارفور وجميع أنحاء البلاد، بما يتضمن عدم الإيفاء بتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية».
وتساءل: «هل المتأثرون بانتهاكات حقوق الإنسان المعنيين بالعدالة الانتقالية كانوا حاضرين ضمن أطراف الإتفاق الإطاري ووافقوا على ما تسمى بالعدالة الانتقالية، (مؤكد لا) ولو لم يحدث ذلك، كيف يمكن تحقيق العدالة في غياب الطرف الرئيس؟».
وبخصوص تحقيق العدالة والعدالة الانتقالية، أشار إلى «ضرورة إصلاح القوانين والمؤسسات القانونية والعدلية» مضيفا: أنه من الواضح أن «النيابة العامة والشرطة ومن خلفهما واجهات عديدة أخرى وحتى بعض منسوبي قوى الثورة قد ذهبوا في اتجاه صرف الأنظار والرأي العام عن الجاني الحقيقي في جريمة مقتل الضحية الأخير في تظاهرات 28 فبراير/ شباط الماضي، والذي قتل بعد توقيع الاتفاق الإطاري وفي ظل تواصل العملية السياسية بين العسكر والمدنيين المشاركين».

«امتداد لجرائم الانقلاب»

واعتبر أن مقتله «يعد امتداداً لجرائم الانقلاب وقادته» مشيرا إلى أن «الوثيقة الدستورية على الرغم مع عيوبها مُلزمة لكل من قام بأداء القسم عليها لحمايتها أو أقسم بالله تعالى وتولى المسؤولية بموجب أحكامها ثم خرقها في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وعلى رأسهم القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»».
وقال إنه: «بالرجوع إلى أحكام القانون والنظر في كل أنواع الجرائم المرتكبة منذ الانقلاب، وذات الصلة بالقرارات المذكورة، فإن المسؤولية الجنائية فيها تنعقد وتثبت على كل من شاركوا في إصدار قرارات 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بالاشتراك الجنائي والمواد الجنائية الأخرى بمثل ما تثبت على الذين نفذوها من منسوبي عناصر الأجهزة الرسمية أو غير الرسمية».
وأضاف: «إلى حين أن يثبت من خلال التحقيق المستقل بواسطة نيابة عامة مستقلة ومحاكمة عادلة نزيهة في ظروف مطمئنة ومن خلال الإجراءات الصحيحة المطبقة بأن مرتكبي الجريمة هذه قد تصرف من تلقاء نفسه لدوافع خاصة به، تظل جريمة مقتل إبراهيم محجوب ضحية تظاهرات 28 فبراير/ شباط ضمن سلسلة جرائم أخرى ارتكبت عقب قرارات الانقلاب».
ورأى أن «كل تلك الجرائم تندرج ضمن المسؤولية الجنائية لمن أصدر تلك القرارات ومن شاركه في إصدارها وفي تخويل العناصر النظامية بموجب أحكام الطوارئ، سلطة التصدي للمتظاهرين السلميين بالسلاح وحماية تلك العناصر والقوات من المسؤولية وتحصينها بالقانون».
وتابع: «من الخطأ الجسيم عدم ضم النيابة العامة لكل المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بالاشتراك الجنائي ومباشرة ملاحقتهم جنائيا في البلاغات الأخرى المشابهة، فالإجراء الصحيح أن تباشر النيابة العامة التحقيق في كل الجرائم المرتكبة منذ تقويض الوثيقة الدستورية بواسطة البرهان وحميدتي، مثل جرائم القتل الجنائي والأذى الجسيم والإصابات والإتلاف الجنائي».
ونص الاتفاق الإطاري لعام 2022 الذي يعد أساساً للعملية السياسية الجارية بين القوى المدنية والعسكر، على قيام عملية عدالة انتقالية تضع حداً للانتهاكات المتطاولة في البلاد بسبب الحروب وقمع التظاهرات بالعنف المميت، حيث من المنتظر أن يتم إنشاء مفوضية بهذا الخصوص.
وكان القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، قد أشار مؤخراً إلى أن الاتفاق الإطاري يحوي أشياء جيدة، بما في ذلك دمج «الدعم السريع «في الجيش. وأيضاً لفت إلى أنه يشمل العدالة الانتقالية.
ويعتقد مصدر مسؤول تحدث لـ «القدس العربي» دون ذكر اسمه، أنه «بالإمكان تحقيق العدالة الانتقالية في الفترة المقبلة، لجهة أن العسكر أصبحوا مقتنعين بأنه لا مستقبل لحكمهم الحالي، وأن انقلابهم قد فشل».
وأشار إلى أنه من الممكن «خوض نقاش مع الضحايا بشكل مسبق حول أهمية العدالة الانتقالية قبل البدء فيها، لتكون ضامناً لنجاحها».

 

آراء