حول مؤتمر الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب
6 March, 2010
الكثير من الظواهر في الحياة السودانية مرتبطة بالفقر و تفشي البطالة و تعطل الحقوق الجارية و المكتسبة المنصوص عليها في عقود العمل و المدرجة بالموازنات و الميزانيات. من تلك الحقوق المرتبات و الاجور ، البدلات و الحقوق المهنية ، حقوق ما بعد الخدمة و استحقاقات المتقاعدين عن الخدمة بعد عطاء طويل. انتشرت نتيجة لذلك الحركة المطلبية مع بوادر الحراك الديمقراطي و هامش الحريات المتوفرة اليوم فجاءت اضرابات المعلمين و العمال و الاطباء و العاملين بالتعليم العالي ، اضافة لتحركات المتقاعدين و اعتصاماتهم . ليس بعيدا عن كل ذلك تكالب مجموعات من الناس في الآونة الاخيرة في البحث العشوائي و التنقيب عن الذهب في ولاية نهر النيل . اصبح اولئك الاشخاص يحفرون الانفاق الشبيهة بانفاق غزة التي تشكل لهم أملا في الحياة و كسب القوت و تخرجهم من مصائد الحصار او الفقر ، لا فرق في ذلك. من المشاهد الجديدة الوعود الولائية بالاعلان عن وظائف بالتزامن مع الحملة الانتخابية كما حدث في ولايتي الخرطوم و الجزيرة ، مع ان الوظائف عمل نظامي يأتي ضمن الموازنات العامة و يتم الاعلان عنها عبر اجهزة مختصة ليس من ضمنها الخطابات الجماهيرية للولاة.
في ذلك المشهد انعقد بالخرطوم في شهر فبراير الماضي المؤتمر الثاني عشرللاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي خرج بعدد من التوصيات المهمة. اذا كانت مثل هذه المؤتمرات تعقد بهدف الاستفادة منها و الاسترشاد بها في حل المشاكل الواقعة في مجال اختصاصها ، فمن ابسط الواجبات الاهتمام بتلك التوصيات و وضعها موضع التنفيذ . اذا لم يحدث ذلك فمن الممكن الاستنتاج بان المؤتمرات و ورش العمل ، التي اصبحت تشكل ظاهرة بدورها في السودان ، تعقد من اجل الاستفادة من مزاياها للمنظمين و المشاركين فيها. ما اكثر تلك المزايا خاصة فيما يسمي ب " المؤتمرات الدولية " ، من ذلك مخصصات التذاكر و الاقامة و اوراق العمل و حصد الجوائز الاخري حسب الدرجة الوظيفية او المقام. لا يتوقف الامر علي ذلك و انما الخير يطال المنظمين من مخصصات الاستقبال و المرافقة و الترجمة و الأكل و الشراب و التغطية الاعلامية للاجهزة الرسمية و الترحيل اضافة لعدد من المكاسب المعنوية و النفسية المصاحبة لكسر الروتين و الترويح عن النفس و فوائد السفر الاخري.
فيما يتعلق بمؤتمر نقابات العمال العرب فان توصياته لازمة التفيذ في السودان نسبة لاهميتها و لغيابها بشكل تام او قصورها بشكل خطير في السودان مما يلحق الضرر بحقوق و مكاسب العمل و ضبطه و ترقيته في غياب او عدم فاعلية المؤسسات النقابية و العمل النقابي الذي يستوفي المعايير اللازمة لتلك المتطلبات. يعتبر موضوع العمل و الحقوق و العمل النقابي من اكثر جوانب الشأن السوداني تخلفا و قد اسهم ذلك في تدني مكاسب العمل و الكفاءة و القدرات و ساعد في انتشار ظاهرة العمالة الأجنبية في واحد من البلدان الأكثر معاناة في العالم من ظاهرة البطالة خاصة وسط الشباب و منهم خريجي الجامعات و حملة الدرجات العليا.
من اهم توصيات المؤتمر ، حسب ما جاء بالتغطية الصحفية ، هي " الاهتمام بتنمية الموارد الاقتصادية ، تطوير سوق العمل و الاستثمارات البينية ، مكافحة البطالة و وضع التشريعات العمالية و محاولة تطبيقها بما يخدم مصالح العمال و يكفل التوازن بين أطراف الإنتاج .... مواصلة الجهود في الدفاع عن حقوق الحريات النقابية ، تطوير الحركة النقابية و تعزيز التعاون مع منظمة العمل العربية .. باعتبارها الاطار الملائم للحوار بين اطراف الانتاج و السعي الي تطوير العمل العربي" ، الصحافة ، 5952، بتاريخ 6 فبراير 2010م. اضافة لذلك تناول المؤتمر تداعيات الازمة المالية العالمية و اوصي بعدم تحميل العمال تبعات تلك الازمة عبر برامج الانقاذ و دعا الي كسر منطق مالية السوق و العودة الي الإنتاج مع ضرورة العمل علي الاتفاقيات الدولية للتجارة و فرض إصلاح ضريبي شامل و إصلاح النظام النقدي بشكل جذري و تعزيز دور الحركة النقابية في التصدي لأثار الأزمة المالية العالمية.
بالرغم من قناعتي بان التغطية الصحفية لمثل هذه المؤتمرات غير كافية للحكم عليها الا ان ما وصل من معلومات حول المؤتمر عبر الصحف يعطي مؤشرات جيدة لما خرج به من توصيات. كل تلك التوصيات مهمة للسودان سواء تعلقت بالحقوق ، الحريات النقابية ، محاربة البطالة ، تطوير العمل ، التوازن بين أطراف الإنتاج ، العودة للإنتاج الحقيقي و كسر طوق مالية السوق إضافة للإصلاح المالي و النقدي و تعزيز دور العمل النقابي. في هذه الحالة من اضعف الإيمان ان تطبق الحكومات في الدول العربية و الإفريقية توصيات المؤتمرات التي تقوم بتنظيمها و المشاركة فيها و عدم التعامل و كأن تلك التوصيات تهم الآخرين و لكنها لا تهمنا ،مع ملاحظة ان المؤتمر هذه المره انعقد في برج الفاتح المطل علي ملتقي النيلين و بداية انطلاقة نهر النيل العظيم. اننا في السودان من أحوج البلدان لتلك التوصيات خاصة مع الإرث التاريخي الممتاز و الرائد في ألعمل النقابي. اذا لم تفعل الحكومات الإفريقية و العربية ذلك فعليها الامتناع عن إقامة مثل تلك المؤتمرات و الورش و الاكتفاء بالاستحواذ علي السلطة و الثروة و تمكين الموالين لها. بهذا الشكل توفر علي الأقل قدر يسير من المال العام " مقارنة بما تستحوذ عليه " مع إمكانية الأمل في ان يذهب المبلغ المتوفر لبدائل اخري أجدي و انفع من قنوات الإنفاق العام.
Dr.Hassan.
hassan bashier [hassanbashier141@hotmail.com]