حول محاكمة عائشة موسى وآخرون في الوسائط الإعلامية بصكوك المواقف ووسائل العنتريات

 


 

 

الآن لا توجد مؤسسات وأجهزة لدولة تحتكر العنف في الرقعة الجغرافية السودانية ، مراكز قوى تتقاتل فيما بينها وآلالاف النازحين واللاجئين الفارين من جحيم الحرب وبمراكز الإيواء والطرقات ، الطرفان المتقاتلان يستخدمان شعارات تدغدغ المشاعر وهما يخوضان في بحور الدماء والخراب والدمار ويزعمان بان لا غرض لهما سوى الديمقراطية ونقل السلطة للمدنيين، ذلك الهراء المتناقل، وقوى سياسية في إنتظار منبر جدة متوقعة بان نتائجه تمهد لها بالعودة او الوصول إلى السلطة كما وكتائب من مقاتلي الوسائط تطلق القذائف والدانات اللفظية وتستخدم اقذع الألفاظ والشتائم رافضة لأي عمل لا يتماشى مع قناعاتها الذاتية في دعم مواقفها السياسية مع هذا الطرف أو ذاك أو رؤيتها الذاتية للأشياء والأمور، وفي الأثناء نشرت اجهزة الإعلام عن مقابلة رسمية جمعت البرهان بوفد من مجموعة تسمى بالآلية الوطنية ببورتسودان وضمن الوفد الأستاذة عائشة موسى عضو مجلس السيادة السابق والكابتن عادل المفتي ود عبد العظيم حسن ورابع قيادي من قيادات الآلية المذكورة ، وفور اذاعة وانتشار الخبر بدأت المعارك بين قوى الواتساب حول الإجتماع ولم تسلم الأستاذة عائشة موسى وزملائها من النقد الجارح ، ولإستجلاء الغرض من الإجتماع بخاصة ان الأستاذة عائشة موسى استقالت من مجلس السيادة بأسباب وجيهة في قمة الشراكة ما بين المكونين المدني والعسكري وتحدثت وقتذاك عن اسباب موضوعية دفعتها للإستقالة، وهذه الأسباب تفاقمت عقب استقالتها ثم تعمقت بسبب الحرب العبثية الدائرة والخراب والدمار اكثر بكثير مما كان عليه الحال وقت استقالتها ، في ردها لي قالت الأستاذة عائشة موسى انا إمراة كبيرة في السن ومريضة امشي بعصا ولكن الحرب والخراب والدمار والقتل طال الجميع ، ذهبنا إلى البرهان للمطالبة بوقف الحرب وقلت له عايز الصراحة والوضوح قال (نعم) فقلت له عليك ان تستقيل وان يستقيل الطرف الأخر وإن يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال لتتولى مهام تدابير معالجة آثار الحرب.
ما سمعته من الأستاذة عائشة موسى في السياق المنقول وليس بالضرورة ان اكون قد تقيدت بالعبارات التي سمعتها منها فقد كانت وأفية وتندرج ضمن مسؤولياتها كممثلة لقوى من المجتمع المدني ومعبرة عن نفسها كمدافعة وناشطة حقوقية في ظل هكذا ظروف واوضاع إستثنائية ، وهذا الواجب الذي يجب ان يقوم به كل صاحب ضمير حي يلتمس وقف الحرب كمبدأ خاصة بمثل من تولى مسؤوليات عامة رفيعة في حكومة ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة وبمظلة المجتمع المدني.
لا شك ان الضرورة الحالية تستدعي شغل المساحات الخالية بأنشطة تعزز إتجاه المطالبة بالوقف الفوري للحرب ولكل قناعاته حول كيفية تحقيقه، أما ممارسة الوصاية على الغير والإكتفاء بإنتظار المنابر الخارجية فهذا قد لا يأتي بأي نتائج، بل المستجدات الماثلة قد تجاوزت بآثارها الكارثية المدمرة مرحلة التقوقع والإنتظار ، بالضرورة الآن ممارسة الضغوط الداخلية على طرفي الحرب وهما البرهان وحميدتي ومطالبتهما بالوقف الفوري للحرب بكافة الوسائل المتاحة بما في ذلك إجراء المقابلات ومع كافة الأطراف الأخرى المعنية ورفض الحرب كمبدأ ، اما ما بعد وقف الحرب وتدابير المرحلة التالية فلكل وجهة نظره ورأيه .
صكوك المواقف والعنتريات :
لا يزال هنالك من يمارس من على الوسائط توزيع صكوك المواقف كما وهنالك من يفعل ذلك من على غرف الفنادق أو المكاتب الوثيرة وهنالك حملة حقائب السفر والتجوال ، وفي أرض الواقع هنالك أسر بأطفالها في بعض مراكز الإيواء تنتظر بقايا فتات الموائد لتطعم اطفالها وليس فتات موائد السلطة، كما بالمنافذ أسر فارة مشردة واطفال وعجزة ومرضى وكبار سن في ظل ظروف ومعاناة بالغة القسوة .
الأستاذة عائشة موسى في حديثي معها قالت لي لا اود ان اتحدث عن ما لحق باسرتي فما لحق بالآخرين اكثر فداحة كما وقالت لي بانها تحس بالمرارة والحزن للفقد في الأرواح في كل ارجاء البلاد هذا الفقد الذي لا يعوض ولم تسلم اسرة منه .
إن مزايدات الوسائط لم تعد مجدية، فمن حق عائشة موسى ومجموعتها وغيرهما ان تلتقي بمن تشاء ، البرهان والأسوأ من البرهان إذا كان هنالك من هو اسوأ منه ، وحميدتي والأسوأ من حميدتي إذا كان هنالك من هو أسوأ منه ، فهذان السيئان وخلفهما اعوانهما والقوى المهرولة للسلطة. ومن يمارسون المزايدات بصكوك المواقف لا يدركون حجم المآسي التي حاقت بالأسر من جحيم الحرب مثل أسرة مرجان بالجنينة التي نشرت قائمة بعدد (٢٣ شهيدا) من أفرادها بخلاف حالات الفقد في معارفها وجيرانها ، ومن يرفض مجرد مقابلة البرهان عليه ان يحدد كيف يمكن ان تتوقف الحرب من دون التحدث مع طرفيها ،وهل هنالك من يملك هذا الحق دون غيره ، وما سنده في ذلك ،وما الضرر الذي لحق باسرته بفعل الحرب ناهيك عن الأضرار الجسيمة الأخرى في الأرواح الخاصة والعامة ليمارس الوصاية على الغير .
من يحس بفظاعة الحرب هو من فقد من جرائها اقرب الأقربين ،كما ومن لا يتخذها مجرد مطية للسلطة ويحس بمآسي وآلام الحرب ومعاناة الغير .

 

آراء