حول مشروع قانون مفوضية اصلاح اجهزة العدالة: ” عقبات في طريق الاجازة ” .. عبد القادر محمد أحمد/المحامي، ونصر الدين حسن محمد/المحامي

 


 

 

 

 

التزاما منا بمبدأ الشفافية ، ووفاء بحق الشعب في معرفة ما يدور في شأن العدالة واصلاحها ، رأينا أن من واجبنا ، توضيح ظروف وملابسات انسحابنا من اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير ، المكلفة بمتابعة إجازة مشروع قانون مفوضية إصلاح اجهزة العدالة، بالتشاور مع جهات أخرى، وفيماة يلي ، نلخص وقائع ما حدث كالاتي :
? إن مشروع القانون المذكور ، الذي تبنته اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير ، عبارة عن قانون اطاري ، يهدف لإنشاء مفوضية تتولي إجراء إصلاحات مؤسسية وقانونية لكل المنظومة العدلية، وفاء لما نصت عليه الوثيقة الدستورية ، كهدف أساسي من اهداف المرحلة الانتقالية ، واجبة التنفيذ ، لمعالجة ما لخق بهذه الاجهزة من تحطيم متعمد وتمكين طوال الثلاثين عاما الماضية .
? مر مشروع القانون بعدة مراحل بغرض أحداث أكبر قدر من التوافق حوله ، ولما كانت السلطة القضائية قد ابدت اعتراضها عليه منذ البداية ، ولقطع الطريق علي اجازته ، فقد سارعت الي إعداد مشروع قانون لمجلس القضاء العالي , وهو القانون الذي يفترض سنه بعد الفراغ من وضع التصور المطلوب للإصلاح بواسطة المفوضية .
وبناء على طلب من وزارة العدل ، قامت اللجنة القانونية بدراسة مشروع قانون مجلس القضاء العالي ، وكان رأيها انه ليس من المناسب ان تتم اجازته قبل إجازة مشروع قانون المفوضية وتشكيلها ، وقيامها بوضع التصور اللازم لمجلس القضاء ووظيفته ودوره ، باعتبتر ان مجلس القضاء العالي نفسه يحتاج لجسم آخر يتولي امر إنشائه ، و من غير المتصور أن تترك مهمة إنشاء المجلس لذات الجهة المطلوب اصلاحها ، ولان الوثيقة الدستورية قد ألزمت الجميع ، بإصلاح القضاء ضمن إصلاح كل المنظومة العدلية.
? تم ادراج قانون المفوضية ضمن القوانين التي نصت عليها المصفوفة للاجازة ، بعد أن يتم التوافق حوله...وقد أوكل ذلك للجنة مكونة من مجلسي السيادة و الوزراء واللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير .
? عقدت لجنة التوافق اجتماعا بتاريخ 16 أبريل بحضور السيد الفريق ياسر العطا والسيد محمد حسن التعايشي والسيد عمر مانيس والسادة ممثلي القضائية واللجنة القانونية ، وفيه أعلنت القضائية موافقتها على مشروع ق. المفوضية، وأبدت بعض الملاحظات...وتم الاتفاق على مناقشتها أمام لجنة مصغرة بوزارة العدل تمهيدا لاجازة مشروع القانون ، وقد أكد جميع السادة الحضور ، وفي مقدمتهم الفريق ياسر العطا ، حرصهم البالغ على تنفيذ مطلوبات الثورة وأهدافها الواردة في المصفوفة، وعلى رأسها إصلاح الأجهزة العدلية، كهدف اساسي من أهداف الثورة .
? بدأت اجتماعات بوزارة العدل للتوافق حول مشروع القانون، وفي جلسة الأربعاء 22 أبريل اقترح ممثلو القضائية إدخال نص يقضي بأن تسود القوانين الخاصة بالأجهزة العدلية - ومنها قانون مجلس القضاء والسلطة القضائية - ، حال تعارضها مع قانون المفوضية، فكان رأينا أن ق. المفوضية قانون اطاري إصلاحي مؤقت ، خاص بعملية الاصلاح واعادة البناء ، وأن المقترح يفرغه من كل أهدافه ، ويهدم فكرة المفوضية ويلغي دورها في القيام بالإصلاح المنشود ، ويمهد لالتفاف الأجهزة المطلوب إصلاحها على عملية الإصلاح.
? تم تداول الأمر في اجتماع جانبي لأعضاء اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير ، وببروز الإختلاف قام الإخوة في اللجنة القانونية بحسم الموضوع بحجة أنهم الأغلبية وانهم يمثلون كتلا سياسية ، ضمن مكونات قوى الحرية والتغيير، وكان رأينا أن الموضوع يتعلق بمسألة قانونية تشريعية ، ولا علاقة له بالرأي السياسي الحزبي .
? أمسك احدنا " نصر الدين " عن مواصلة الإجتماع ، باعتبار أن القانون. - إذا ما احتوي علي هذا النص - ، يكون قد فقد قيمته ، ولا معنى للمواصلة ، بينما رأى الاخر " عبد القادر " ، مواصلة الإجتماع عسي ان يتمكن من تغيير وجهة النظر الداعية لادراج النص المعطل للقانون ، لأن المسألة تتعلق بمخالفة قواعد التشريع ولا تحسم بالتصويت ولا مجال للتوافق حولها ، لكن قوبلت محاولاته بالرفض من قبل ممثلي اللجنة القانونية ، بذات الحجة الواهية ، فأصر على منحه الفرصة للمزيد من التوضيح وقد فعل، مؤكدا للحضور بأن عدم مراجعتهم لموقفهم يعني تخليا كاملا من جانبهم ، عن مشروع القانون ، دون سبب مفهوم .

? ممثلة وزارة العدل أعلنت بوضوح ، أن ادراج النص المقترح ، يتعارض مع السياسات التشريعية المعتمدة ، لذلك فهم - كوزارة- لا يوافقون على ادراجه ، لأنه لا يمكن سن تشريع يتضمن نصا يهزم فكرته .

على ضوء الرأي الصريح للوزارة المعنية بالأمر، لم تكن هناك حاجة للمزيد من الجدال، فالامر يفترض معالجته في غرفة الصياغة النهائية داخل وزارة العدل - جهة الاختصاص الأصيل - وفقا للاسس والقواعد الفنية التي تحكم مسائل التشريع .

? لقد حقق المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير ، إنجازا كبيرا ، بتبنيه لمشروع قانون المفوضية ، وادراجه ضمن مصفوفة المهام العاجلة للمرحلة الإنتقالية ، ولا يتصور بعد ذلك ، أن يكون بعض ممثلي الكتل السياسية لقوى الحرية والتغيير في اللجنة القانونية ، سببا في قطع الطريق امام تنفيذ ذلك المشروع .

? إن انسحابنا من اللجنة القانونية، شأن خاص بنا ، ولا يمثل اي منا الا نفسه ، فليست لأي منا كتلة حزبية أو مهنية معتمدة يمثلها ... وفي تقديرنا أن الطريقة التي تخلت بها اللجنة القانونية عن مشروع القانون بصيغته التي اعتمدتها ، كانت مفاجئة بالنسبة لنا ، بعد أن أعدته وظلت تتبناه وتدافع عنه طوال الأشهر الماضية، كما أن الإصرار على حسم مسألة قانونية بمنطق الكتل السياسية ، يعني تخليا صريحا عن مشروع القانون، وبالتالي يكون وجودنا ضمن عضوية اللجنة، غير ذي معنى ، أن لم يكن غير مرغوب فيه اصلا .
? إن انسحابنا من اللجنة لا يعني نكوصا ، أو تخليا منا عن القيام بواجبنا تجاه اجازة مشروع قانون المفوضية ، وسنواصل بذل مجهوداتنا مع كل الحادبين على الإصلاح العدلي ومع السادة في نادي القضاة الذين يحملون هم الإصلاح الحقيقي .

? اما البيان الذي أصدرته اللجنة القانونية والآخر المنسوب للسلطة القضائية ، مشيرا الي " حدوث التوافق " ، فهو وبكل احترام ، تعبير جانبه الصواب ، ليس كأمر لم يحدث من حيث الواقع فحسب ، بل كأمر يخالف قواعد وسياسات التشريع ، بحسبان أن المطلوب التوافق حوله لا يتعلق بمعاملة مدنية تتطلب تحقق الرضاء بين أطرافها، لكننا بصدد تشريع قانون تختص به الدولة ، ممثلة في سلطتها التشريعية ، وهو تشريع يستند لنص ورد في الوثيقة الدستورية يفرض على الدولة أن تقوم بإصلاح وإعادة بناء اجهزة العدالة والمنظومة الحقوقية - بما فيها السلطة القضائية - بما يحقق استقلالها ، ويمكنها من القيام بدورها في حماية أمن وسلامة المجتمع وتحقيق تطلعاته، بعد تخريب ودمار أصابها، بالتالي فهو ليس من نوع التشريع الذي يستشار أو يستأنس فيه برأي منسوبي الجهة المستهدفة بالتشريع.

صحيح أن تشكيل الجسم المسئول عن عملية الإصلاح اشتمل على بعض منسوبي ذات الجهة المطلوب إصلاحها، كامر اقتضته اعتبارات معينة تتطلب النظرة المرنة، بما استوجب الدخول في عملية التوافق، إلا أنه من البديهي أن يتم بالقدر والفهم الذي لا يخالف قواعد النظام العام المتعلقة بسياسات التشريع وبديهياته .

غير أن ما يؤسف له هو أن التوافق المدعى به يتجاوز الحديث عن مراعاة قواعد النظام العام، ليعد نوعا من العبث، حيمنا تسن تشريعا وتضمنه نصا يلغي مفعوله.!!

ثم نضيف تزيدا، إن التوافق المدعى به لا وجود له من حيث الواقع، لأن الطريقة التي اجيز بها الاقتراح قد تجاهلت موقف ممثلة وزارة العدل ، كجهة مسؤولة عن التشريع وضوابطه وسلامته، وقد تخطى بيان السادة القضاة الشفافية في محاولة الإيحاء بأن السيد وزير العدل كان حاضرا لجلسة الأربعاء، بما يعني إدراكهم للدور الأصيل لوزارة العدل في عملية التوافق، لكن فات عليهم انه حتى بوجوده وافتراض موافقته (حاشاه)، فإن ذلك ما كان ليعطي التوافق المدعى به، مشروعية مفقودة.
? أن قولنا بأن التوافق لا وجود له من حيث الواقع، يقوم على حقيقة أنه تم بين من يدعونه، من خلال قهر أدبي ، مارسه السيد النائب العام الأستاذ الحبر ، علي ممثلة وزارة العدل ، بادعاء انه الأكثر خبرة وفهما ، عندما رفضت إدخال النص وقالت إنه مخالف لقواعد التشريع.!! فآثرت الصمت تأدبا، غير أن عباراتها الواضحة تؤكد انها تعي ما تقول ، وانها تؤدي واجبها بكل مهنية وحياد .

? اننا وبايرادنا هذا التفنيد لا ندعي فهما ولا علما يفوق علم الآخرين ، فما اوضحنا الا بديهيات يعلمها أهل القانون ، وغير اهله من ذوي الوجدان السليم ، لكن تبقى المشكلة في استحالة الجمع بين "الغرض" و " الفهم"..

? أما ما ورد في بيان السادة القضاة بأن العضو " عبد القادر" كان قد أبدى اعتراضه على تضمين النص المعني، ثم يعود البيان ليقول انه جلس مع بقية الوفد حين أبدى (الوفد) الموافقة، فماذا كان مطلوبا منه أكثر من إبداء الاعتراض والتسبيب وإعلانه أن ماتم يعد مخالفة لاساسيات التشريع، بما يعني أن التوافق المدعى به لا قيمة له بالمنظور القانوني. هل يريد السادة القضاة أن يقولوا انه على المعترض ، - ولإثبات اعتراضه - ، أن يعلن الجهاد ويشهر السلاح.!!
? اما مزايدة السادة القضاة بحرصهم على استقلال القضاء، فلا ندري ما هو مفهومهم لهذا الإستقلال الذي يعقد لهم الحق في ممارسة التشريع تعديا على مهام السلطات الأخرى، والدفع بتشريعهم لجهات معينة ، يعتقد انها تقف ضد أهداف الثورة.!! واي قضاء يزايدون بالحرص على استقلاله وهم في مطلع بيانهم يقرون بفساده وما طاله من تمكين.!!

? غير ان أكثر ما يؤسف له في بيان السادة القضاة هو تبنبهم ثقافة عدم احترام ذهن المتلقي ، فالسادة القضاة يوافقون بأن تمارس المفوضية اختصاصاتها ، ويطلبون فقط " ببساطة " إضافة فقرة تقول مع مراعاة قوانين المنظومة العدلية .. وهي ذات الفقرة محل الخلاف والإختلاف ، والتي تهزم فكرة المفوضية.. وتضاف لها الآن عبارة " ببساطة " لتصبح " مبلوعة " وسهلة الهضم.!!

لقد تناهي الي مسامعنا مقطع صوتي لأحد الشباب يعلق فيه على بيان السادة القضاة ، نرجو منهم أن يستمعوا إليه، ليدركوا مرحلة الوعي الذي وصل إليه شباب السودان، ليحترموا عقولهم .

? نحن مطمئنون بأن مشروع قانون المفوضية بالتوافق المدعى به، لن يحظى بالإجازة، لكن يبقى الأهم من ذلك أن نكون جميعا في مستوى المرحلة وعلى قدر المسؤولية وثقة الشعب، وعلينا ان ننقي دواخلنا لنمتلك الرغبة الصادقة والإرادة الحرة للسير ببلادنا نحو بر الأمان.

? نحن حريصون جدا على عدم إرباك الرأي العام في هذه الظروف السياسية والصحية التي تمر بها البلاد، وسيظل علينا واجب الدفع مع كل الجهات المؤمنة بأهمية تحقيق مطلوبات المرحلة، لكي تسير الأمور في الطريق الصحيح، وسنقوم بتنوير الرأي العام بالمستجدات.

نسأل الله أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير لبلدنا وأهله.

عبد القادر محمد أحمد ...المحامي.

نصر الدين حسن محمد ...المحامي.
24 أبريل 2020

 

آراء