حول مفهوم المشاهرة ومرتبة الزمالة (Fellow) في جامعة الخرطوم

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ضجَّت وسائل الإعلام مؤخراً بأنباء تتعلق بإستغناء جامعة الخرطوم عن عدد كبير من أساتذتها الذين يعملون بعد سن المعاش تحت ما يعرف بنظام المشاهرة ، و هو نظام قانوني يستهدف الإستفادة من خبرات الأساتذة المعاشيين في الشئون الأكاديمية ، من تدريس و بحث و إشراف علي البحوث ، بخاصة في الكليات و الأقسام العلمية التي تفتقر الى عددٍ كافٍ من أعضاء هيئة التدريس ، أو التي تعاني من نقص في بعض تخصصاتها الرئيسية. و عادة يتم تجديد عقود العاملين بالمشاهرة سنوياً وِفق إجراءات محددة علي رأسها تقييم موضوعي لمقدرة و إنجازات الأستاذ المعني ، و مدى إحتياج القسم العلمي لخدماته . يتم ذلك بدون أن يشعر الأستاذ بالإهانة أو عدم الموضوعية في ما يلحق به من إجراء ، سواء أكان تمديد أو إنهاء ، فيترك الجامعة معززاً مكرَّماً ،إذ لا يكون في الأمر عادة مفاجأة أو تآمر من وراء الكواليس.
لقد أصدرت جامعة الخرطوم بياناً لم تنكر فيه الواقعة ، مؤكدة أن من شملهم الأمر ليس من بينهم مَن يحملون مرتبة الأستاذية ، أي ليسوا بروفيسورات ، بل من مراتب أدنى ، و قالت ليس في الأمر تعسف بل إجراء روتيني . لكن ما رشح من معلومات إستدعى الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم لكي تخاطب رسمياً السيد مدير الجامعة معترضة و رافضة لما حدث .بالإضافة إلى ذلك و سابقاً له ، صدر بيان من الدكتور سلمان رئيس مجلس إدارة جامعة الخرطوم، ينفي فيه علاقة المجلس أو علمه المسبق بما تم من إلغاء عقود لهؤلاء الأساتذة الكرام . كل ذلك يلقي ظلالاً من عدم اليقين في صحة و دوافع ما تم من إجراءات تمس كرامة عدد كبير من أساتذة كبار سن و كبار تجربة، و تحتاجهم الجامعة في ظروف الهجرة ، و تراكم دُفعات الطلاب في مستوياتهم المختلفة .

ليس هذا فحسب ، بل لفت نظري أمر آخر تسرب أولاً للإعلام ، و أكده لاحقاً بيان الجامعة، حول ما تم من إنهاء لعقود المشاهرة ، ألا وهو مساومة إدارة الجامعة لبعض الاساتذة المعنيين و إرغامهم علي قبول التحويل من نظام( المشاهرة ) إلى نظام ( الزمالة Fellowship )..كان خبر هذا العرض مفاجئاً لي كواحد من قدامى أساتذة جامعة الخرطوم ، و كمدير سابق لجامعة حكومية ، و كعضو لسنوات طويلة في مجلس الأساتذة، و لدورات عديدة في مجلس الجامعة ، لأني لم أسمع بمثل هكذا إجراء. كيف لأستاذ عامل أن يُحَوَّل بهذه البساطة إلى ( زميل) (Fellow) , و ذلك لعلمي المسبق و الراسخ بطبيعة وضع الزمالة في هيكل الجامعة و تاريخها .. و لدحر الشك باليقين رجعت لقوانين و لوائح الجامعة الأصلية التي ظلت طول تاريخها الناصع تنظم موضوع الزمالة فوجدت لائحة الزمالة تحدد الآتي :-
١- أن مَن يمنحون مرتبة الزمالة يعينون من خارج الجامعة و ليس من أساتذة عاملين في الجامعة.
٢- يُعَيِّنُهُم مدير الجامعة بعد التشاور مع مجلس العمداء ، و وِفقاً لتوصية الكلية المعنية.
٣- تحدد الكلية مسبقاً النشاط التدريسي و البحثي المطلوب من المرشح لوظيفة ( زميل).
٤- لا يقل عُمر المرشح عن خمسين عاماً ، و أن يكون من المميزين في تخصصه.
٥-يتم تعيينه بدايةً لمدة عام واحد ، قابلة للتجديد لعامين إضافيين فقط.
٦- يتوقع منه خلال فترة تعيينه أن يكون متفرغاً لا يشغل أي وظيفة أخرى ذات عائدٍ مادي إلا بإذن من مدير الجامعة شريطة ان تكون الوظيفة ذات صلة مباشرة بمهامه في الجامعة.
٧- مهام حاملي رتبة الزمالة تشمل المشاركة في حلقات النقاش التعليمية و البحثية ،و إجراء البحوث ، و في أي نشاطات أخرى تنظمها كلياتهم ، دون أي إلتزام بنشاط تدريسي.
٨- يُدفع لشاغلي مرتبة الزمالة مرتب مقطوع في حدود مرتبات أدنى مجموعات هيئة التدريس و يحدده مدير الجامعة حسب تقديراته.
٩- عدد شاغلي مرتبة الزمالة في أي وقت يجب أن لا يزيد عن خمسة عشر كحد اقصى في كل الجامعة.

هذا هو الإطار العام لمرتبة الزمالة التي بقدرة قادر ، و بعيداً عن الأعراف ، حَوَّلوا لها ، طوعاً أو كُرهاً ، عدداً من كبار أساتذة جامعة الخرطوم الذين كانوا حتى الأمس القريب يعملون بطمأنينة تحت نظام المشاهرة الراسخ ، و يقومون بكل واجبات الأستاذ ، عدا الإدارية ، و يتساوون في الحقوق و المخصصات مع مَن يماثلونهم في المرتبة العلمية التي نزلوا المعاش عليها.
تُرى هل تغيرت الأُطر و التقاليد في جامعة الخرطوم بما يجيز و يقنن ما حدث و يحترم شيخوخة و مقام المعنيين ؟ و هل يعلم من رضوا بمرتبة الزمالة بحقيقة و أبعاد ما أجبرتهم الظروف علي قبوله !!!
و تبقى جامعة الخرطوم في الوجدان رغم مفارقتي الجسدية و الإختيارية لها لما يقرب من العقدين من الزمان .

بروفيسور
مهدي أمين التوم
3 أغسطس 2022م
mahditom1941@yahoo.com

 

آراء